البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

مرض الانتقال القيادي في الأحزاب الإسلامية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1381



تخوض أقلام كثيرة في مسألة الانتقال القيادي في حركة النهضة التونسية، من داخل الحزب ومن خارجه. وإذا كان لأبناء الحزب حق مناقشة مصير حزبهم في أفق بناء ديمقراطي، فإن مشاركات كثيرة في الجدال من خارج الحزب تثير السخرية لأن أصحابها يجسدون الفشل السياسي في أكمل وجوهه. فكثير منهم شبيحة لا يؤمنون بالانتقال القيادي، وكثير منهم لم يفلحوا في بناء مؤسسة سياسية لا حزبية ولا جمعياتية، بينما يعيش كثيرون من تمويل غير ديمقراطي معروف للخاص والعام.

ولذلك، فإن مساهمتنا في النقاش لن تقدم دروسا للحزب ولا تنحاز لطرف من طرفيه، وإنما نحاول أن نقارب المسألة من زاوية التقاليد والتراث السياسي في الأحزاب العربية عامة وفي الإسلامية منها خاصة. فالمنطلق هو أن ما يعيشه حزب النهضة ليس أمرا خاصا به؛ بقدر ما هو مواصلة على درب العمل السياسي الحزبي غير الديمقراطي في بلدان عربية كثيرة.

عقل تنظيمي واحد.. سلوك سياسي واحد

لم توجد أحزاب عربية فعلا، والحياة الحزبية في البلدان العربية وهمٌ باطل يراد له أن يكون حقيقة. وجدت تنظيمات بنَتها السلطة بعد وصولها، والنموذج الأكثر دلالة هو نموذج الاتحاد الاشتراكي المصري الذي أريد له أن يكون أداة رقابة على شارع مدني من قبل نخبة عسكرية، مثله مثل اللجان الشعبية القذافية.

يختلف الأمر قليلا عند ذكر أحزاب البعث بشقوقها، ولكنها أحزاب سيطرت على السلطة بواسطة الدبابة، وتحولت إلى تنظيمات رقابة على الشعب وإسناد دغمائي للطغمة العسكرية في العراق وسوريا، بينما مثّل حزب جبهة التحرير (الجزائر) وحزب الدستور (تونس) نماذج الأحزاب التي ورثت حركة تحرر وطني ثم انقلبت إلى أدوات سلطة غاشمة؛ لا تعترف بالديمقراطية ولا تعمل بها في داخلها، وإنما هي أحزاب الزعيم والرئيس، ثم أحزاب المافيا والفساد.

ولم تقدم التجربة المغربية نموذجا مختلفا رغم وجود عناوين حزبية كثيرة، فلم تخرج من قبضة الملك. وتقدم الحالة اللبنانية نموذج الأحزاب الطائفية الأقرب إلى روح القبائل المتخلفة عن كل حياة سياسية ديمقراطية.

هذا التراث كبّل عمليات البناء الديمقراطي في كل البلاد العربية، وكان الإسلاميون يعيشون على هامشه في تنظيمات سجينة أغلب الوقت، فلا يخرج جيل قيادي من سجن إلا ليدخل الجيل الذي يليه.

وقد كانت العذابات دوما عذرا شرعيا لتأخر البناء الحزبي الديمقراطي في الأحزاب الإسلامية، فلما حل الربيع العربي وأطلق سراح التنظيمات الإسلامية، سارعت إلى بناء نفسها حزبيا وعُلق عليها أمل كبير في أن تفتح مسارات العمل الحزبي الديمقراطي في داخلها ثم تنقل التقاليد بجوارها، فتتغير الحياة السياسية من القمع إلى الديمقراطية. لكن ذلك لم يحصل حتى الآن، ويمكن النظر إلى أزمة الانتقال القيادي في النهضة كمرحلة مفصلية في قدرة هذه الأحزاب على التطور الذاتي في مسارات ديمقراطية. فإن لم تفلح في نقل القرار بين الأجيال وتمسكت بزعاماتها المؤسسة، فإنها ستثبت أن بها ما بالبقية من الأحزاب المجايلة لها، والتي أودت بها زعاماتها فأفنتها وجلست على ركامها تعض أصابع الندامة.

المشهد الحزبي التونسي مشهد زعاماتي

في تونس شهدنا بعد الثورة نهاية كل حزب ارتبط منذ التأسيس بشخص واحد ادّعى الزعامة المطلقة ومارسها في حزبه وخارجه. وأهم نموذجين هما السيد نجيب الشابي (الحزب الديمقراطي) والسيد حمة الهمامي (حزب العمال ثم الجبهة الشعبية). وقد اتفقت كل التحليلات على أن الزعامة الفردية قتلت الأحزاب، إذ منعت كل انتقال قيادي بوسائل الديمقراطية، وهذه النماذج لم تختلف في جوهرها عما أصاب حزب الدستور (حزب بورقيبة) الذي حول الزعيم إلى إله صغير وعاش في ظله، حتى تحول إلى بؤرة فساد وقهر للشعب. فقد قتل بورقيبة حزبه برفضه كل محاولات الإصلاح من الداخل، والتي كانت القيادات تطالب بها منذ الستينيات.

هناك أحزاب مجهرية ماتت مع موت مؤسسيها لأنها لم تحقق أي انتشار سياسي لفقر في الأطروحات والبرامج، منها حركة الديمقراطيين الاشتراكيين والحزب الشيوعي، وقد كانت في جوهرها دكاكين نخبوية معزولة عن هموم الناس.

هذه النماذج جميعها ماثلة أمام حزب النهضة، وهو يدخل أزمة الانتقال القيادي من الجيل المؤسس إلى الجيل البديل. ولكن في ما التقطنا من مؤشرات حتى الآن يبدو أن الدرس لم يُقرأ بعناية، وهو ما يسمح بالقول أن مرض الأحزاب العربية موجود في عمق الأحزاب الإسلامية وألاَّ فرق بينها وبين كل تنظيم سياسي عربي، فهي أحزاب مملوكة لزعمائها وليست لبرنامج ديمقراطي طويل الأمد.

حزب النهضة حزب تونسي

وجب تخفيض سقف التوقعات من انتقال قيادي ديمقراطي في حزب النهضة. فأن يكون حزب النهضة حزبا تونسيا هو الأمر العادي، وكل اختلاف عن هذا الاحتمال سيكون معجزة. وأعني بذلك أن كل أمراض الأحزاب التونسية موجودة في حزب النهضة، فما هو إلا نسخة منها بحجم أكبر.

تجسد النسخة النهضوية من الأحزاب التونسية نفس الأعراض، فلا وجود لنخبة مفكرة داخل الحزب، والمفكر الوحيد هو الرجل المؤسس (الغنوشي). هناك شخصيات متعلمة داخل الطاقم القيادي، ولكنها لا تنتج أفكارا ولا أطروحات سياسية، بل هي في الغالب في انتظار ما يقوله الزعيم لتوافقه وتمجده أو تعارضه بالتقليل من شأن ما يقول.

مجموعة المائة اسم التي أعلنت معارضة الزعيم المؤسس لم تنشر كتابا واحدا يعرض طرحا سياسيا مختلفا عن سياسة الحزب التي قادها الزعيم حتى الآن، ولا مقالا محكما في تخصص سياسي. للمائة اسم تراث نضالي وعبور طويل في دهاليز القمع، ولكن ذلك لم يصنع منهم مفكرين، بل بقوا أعوان تنفيذ لما يقوله "الشيخ". وقد سألنا بعضهم عما سيفعلونه بالحزب بعد إخراج الزعيم المؤسس.. هل ستميلون بالحزب إلى حزب ليبرالي صرف، أم ستتجهون إلى نموذج ديمقراطية اشتراكية؟ هل ستغادرون موقع التوافق مع المنظومة القديمة وتعودون إلى خطاب الثورة وممارستها؟ فلم يجيبوا لأنه ليس لديهم إجابة، وهو ما يكشف أن ليس لديهم أطروحات حكم، بل لديهم فقط طموح قيادي لأخذ المكان الأول والاستفادة من الاحتمالات السياسية الفردية التي يفتحها لهم، مثل الترشح لرئاسة الجمهورية والتمكن من الوزارات والمناصب إذا استمرت الأوضاع الحالية.

نحن نشاهد الحزب من خارجه، وهو لم ينتج أي برنامج حكم إلا ما خطط له الزعيم المؤسس ونفذه بوسائله. وأهم برنامج له منذ الثورة هو الإبقاء على الحزب في مقدمة المشهد السياسي، وإن لم يتميز بسياسات خاصة. وهذه السياسة كانت محل إجماع داخلي، ولكن يقال الآن أنها لم تكن كلها وسائل ديمقراطية، حتى أن القياديين الرافضين للزعيم قد سارعوا إلى الاستعانة عليه بالإعلام الذي كان يعاديهم جميعا ولا يفرق بينهم في شيء، فكشفوا كواليس حزبهم بعد أن كان التكتم دستورهم الخاص. وقد فتح ذلك الباب لكل ناصح يقدم لهم الدروس وهم يفغرون أفواههم ببلاهة.

معركة النهضة الداخلية معركة انتقال قيادي نعم، لكن بين متشابهين في البرنامج والخطة، بما يعيدنا إلى نقطة البداية، وهي أن الحزب حزب تونسي لا ينتج أفكارا وإنما ينتج أو قد ينتج منافع، ويصير العمل الحزبي وسيلة لمنفعة وليس لطرح سياسي تغييري.

من هنا يبدأ انهيار الأحزاب، إذ تفقد القدرة على التفكير وتنشغل بهموم القيادات الشخصية وتتخلى بسرعة عن خدمة شعوبها. وهذا هو نفس الداء العضال الذي أصاب من سبق حزب النهضة من الأحزاب في تونس وفي البلدان العربية. سننتظر المؤتمر الحادي عشر لتجميع الأدلة على صحة هذه الأطروحة وحفظها في أرشيف الأحزاب التي كانت ذات يوم.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، حركة النهضة، راشد الغنوشي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-11-2020   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - صالح المازقي، صفاء العراقي، د - محمد بنيعيش، صالح النعامي ، خبَّاب بن مروان الحمد، د. عادل محمد عايش الأسطل، وائل بنجدو، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، تونسي، حميدة الطيلوش، عبد الغني مزوز، د- جابر قميحة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ماهر عدنان قنديل، الناصر الرقيق، د. أحمد محمد سليمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. صلاح عودة الله ، محرر "بوابتي"، محمود سلطان، ياسين أحمد، مصطفي زهران، د- محمود علي عريقات، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، صلاح الحريري، د - المنجي الكعبي، حاتم الصولي، سفيان عبد الكافي، عبد الرزاق قيراط ، سلام الشماع، محمد الياسين، مراد قميزة، سليمان أحمد أبو ستة، عراق المطيري، أحمد الحباسي، العادل السمعلي، أ.د. مصطفى رجب، صباح الموسوي ، فوزي مسعود ، حسن عثمان، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، د. طارق عبد الحليم، كريم فارق، مصطفى منيغ، فتحـي قاره بيبـان، خالد الجاف ، سلوى المغربي، رمضان حينوني، نادية سعد، د. أحمد بشير، جاسم الرصيف، عمر غازي، عواطف منصور، د - الضاوي خوالدية، إيمى الأشقر، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، الهادي المثلوثي، كريم السليتي، ضحى عبد الرحمن، محمد أحمد عزوز، عبد الله زيدان، فهمي شراب، فتحي الزغل، محمود طرشوبي، أشرف إبراهيم حجاج، يزيد بن الحسين، صفاء العربي، محمد الطرابلسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد يحي، رشيد السيد أحمد، عبد الله الفقير، سامح لطف الله، فتحي العابد، رافع القارصي، محمد عمر غرس الله، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد شمام ، د. خالد الطراولي ، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح، رافد العزاوي، أبو سمية، محمد العيادي، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، منجي باكير، أحمد ملحم، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، علي عبد العال، د - عادل رضا، د- محمد رحال، محمود فاروق سيد شعبان، د. كاظم عبد الحسين عباس ، إياد محمود حسين ، د - شاكر الحوكي ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - مصطفى فهمي، المولدي الفرجاني، عزيز العرباوي، طلال قسومي، سيد السباعي، حسن الطرابلسي، مجدى داود، الهيثم زعفان، أنس الشابي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء