البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

حكومة بلا طعم ولا رائحة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1755



يبدو أن الطبقة السياسية التونسية ستكسر فرحة كثير من التونسيين يعيشون زهو انتصار بفوز الرئيس قيس سعيد. وقد حملوه كل أملهم في التغيير والتقدم نحو مستقبل سياسي جديد بعيدا عن منظومة الفساد والاستبداد. إذ تتجمع لدينا مؤشرات ودلائل عن تفاوض غير جدي أو لنقل غير بناء لتكوين حكومة منسجمة مع الرئيس ولديها مشروع خروج حقيقي وفعال من الأزمة التي تردى فيها البلد.

ففي الوقت الذي نرى فيه قطيعة جدية مع مكونات منظومة الفساد ممثلة في حزب قلب تونس وحزب عبير موسي الذي يستعيد روح بن علي القمعية والاستبدادية لا نرى في المقابل التحاما جديا بين من ينتسبون إلى الثورة ويزعمون السعي إلى تحقيق مبادئها ومطالبها. بل إن بأس هؤلاء بينهم شديد ونخشى بل نتوقع بكثير من الأسف أن يذهب بهم غرور الانتصار الانتخابي إلى المزيد من التشتت فيكون مصير الحكومة أو البلد بالأحرى أحد مصيرين سيئين كلاهما: إما حكومة هشة بلا سند برلماني قوي تصمد به في مواجهة كاسرة مع المنظومة المتربصة ومع المشاكل العويصة أو حالة من الانسداد تدفع إلى انتخابات سابقة لأوانها دون شروط تغيير في الواقع، حيث لا يزال القانون الانتخابي الفاسد ساري المفعول. نكتب بواقعية ونتمنى أن تكذبنا الوقائع فنجد حكومة تثير زهونا لا حكومة بلا ملح ولا فلفل.

توسمنا خيرا لم نجده

كان فوز حزب التيار الديمقراطي وحركة الشعب القومية سببا جيدا للزهو فقد رأينا في ذلك بداية تشكل يسار جديد ذي طبيعة اجتماعية غير متطرفة وغير إقصائية، وقلنا إن اليسار يتجدد فيهما ليعاضد من نصفه حتى الآن يمينا. رغم أن التصنيف إلى يسار ويمين في تونس هو من قبيل التصنيف الإجرائي وليس تعبيرا حقيقيا عن تموقع سياسي فكري فالجميع حتى الآن يمين ويمين اليمين.

هذا اليسار الجديد لا يرغب في أن يأخذ مكانه الفارغ بعد ما ظنناه من اندحار اليسار الاستئصالي بشقيه الحركي (الجبهة ومكوناتها) واليسار الثقافي (الفرانكفوني). ويتكشف لنا أن الحزبين المذكورين يتحولان إلى واجهة علنية لليسار المندحر والعائد من خلفهما يدفعهما إلى تبني مواقفه القديمة المبينة على عداء مبدئي للإسلام السياسي وتعبيرته الظاهرة حزب النهضة.

ما يصدر عن الحزبين في ما يمكن وصفه بالتفاوض قبل التفاوض هو نفس الخطاب الذي كان يصدر عن اليسار المندحر، بل إننا سجلنا ترديا في مفردات الخطاب وصلت حتى الإسفاف والوقاحة. لقد فسر هذا الخطاب أمرا كان خافيا عن إعلان النتائج. لقد حصلت هجرة انتخابية فاليسار صوت لغيره وكمن وراءه يدفع إلى القطيعة من جديد. لقد وضعت النقابة ثقلها خلف حركة الشعب لذلك تفاوض النقابة مع النهضة بحركة الشعب بينما اتجهت شبيبة يسارية كثيرة إلى التيار وهي تدفعه إلى القطيعة وترفع شروط التفاوض بطريقة لا تسمح بمناورة اقتسام الطريق. والحزبان يخشيان تشتت قاعدتهما إذا اتفقا مع النهضة في الحكومة. ولذلك استعاد كلاهما ذلك الخطاب المثير للسخرية أن من يقترب من النهضة يتفكك وذلك لإخفاء بنيتهما الهشة بسبب وجود يسار إقصائي كامن داخلها.

أحد أسباب الخيبة التي نلاقيها في انتظار الحكومة هو أن التفاوض حولها وإن كان يتم مع وجوه نعرفها فإنه لا يجري في الواقع مع قوى نراها. المفاوض الحقيقي كامن خلف الوجوه الظاهرة ويمارس سياسة الإقصاء الذي هو جوهر وجوده. ويجعل الآمال المعلقة على نضوج تجربة الحزبين الجديدة مؤجلة حتى تصفي صفوفها من الإقصائيين، ولا نراهما يفعلان.

المفاوض النهضاوي مرتبك بعد

تقدم النهضة صورة مضطربة عن خياراتها. فهي لا تدري كم تأخذ وكم تعطي وأين تعطي وماذا؟ (علما أن مطبخها الداخلي مغلق بإحكام) رغم التصريحات المتناثرة للقيادات التي لم تتجاوز إعلان النوايا الطيبة تجاه الجميع.

سجلنا موقفا مبدئيا من رفض التعامل مع حزب عبير موسي الإقصائي ومع قلب تونس ممثل الفساد وهذا يحسب للحزب ولكنه موقف ضيق هامش المناورة السياسية وترك لها خيارا وحيدا. تكوين الحكومة يكون بالقوة مع التيار ومع حركة الشعب وحزب الشاهد (تحيا تونس) ليتسنى المصادقة على الحكومة بالأغلبية النسبية (109 نواب). وعوض أن يقدر الشركاء المحتملون موقفها المبدئي من رفض التعامل مع الفاسدين فإنهم يستغلون ضيق الهامش ليبتزوا الحزب فيطلبون مكانا في الحكومة لا يعادل حجمهم في البرلمان بل يذهبون إلى وضع شروط خالية من كل منطق دستوري فيرفضون أن يترأس الحزب الفائز الحكومة.

أمام تلك الاشتراطات المسبقة نرى ارتباك الحزب في التفاوض فلا يصرح بما يفيد حقه الدستوري ويصدر عنه حديث موارب عن تنازلات من أجل مصلحة عامة حددها الأضعف للأقوى. وهذا حديث غير مطمئن. عن قوة الحكومة وصلابة قراراتها التي ستكون محل تفاوض يومي في كل خطوة. ونحن هنا نتذكر حكومة حمادي الجبالي الأولى التي وصفت بأنها حكومة الأيادي المرتعشة، حيث غلبت منطق التوافقات على منطق الوضوح ومصارحة الشعب فانتهت إلى قبول كل الضغوط وخاصة النقابية فأودت بها.

ويذهب البعض إلى حد القول إن الإسلام السياسي عامة لم يخلق ليحكم لأنه لا يعرف أن يكون حاسما. حيث يستدعي فشل الإخوان في مصر لتحليل سلوك النهضة السياسي في تونس. ويذهب البعض بعيدا في القول إن الإسلام السني إسلام دعوة لا إسلام حكم (وليس هذا موضوعنا الآن).

حكومة أي حاجة في أي حتة

المشهد حتى اللحظة لا ينبئ بحكومة فرسان يتبادل فيها فرقاء المشهد التنازلات الشجاعة ويضعون نصب أعينهم إخراج البلد من الأزمة التي تعصف به رغم أنهم جميعا يقدمون نفس التحليل للواقع الراهن.

نتوقع أنه سيكون هناك اتفاقات يمليها الخوف من الشارع المتربص ويمليها خاصة الخوف من إعادة الانتخابات إذ لا قبل لأحد ممن نرى أن يعرض نفسه على هذا الشارع مرتين في عام واحد.. لأن النتيجة ستكون تخريب كل العملية السياسية ويخشى كثيرون أن يدفع الرئيس شارعه الذي صار له دون اسم بعد إلى الاستيلاء على قاعدة جماهيرية هامة ويتحول إلى قوة سياسية تتجاوز شخصه فيخرج الجميع من المشهد رغم أن الرجل لم يتكلم بذلك بعد.

حكومة تأتي خائفة من شارعها لا يمكنها أن تكون فاعلة وتحمل في باطنها عوائقها الذاتية (عدم انسجام مكوناتها). ستبذل جهدا كبيرا لعدم خروج بخار الخلافات المحبطة للشارع. ونرجح أن تتصرف كحكومات متعددة داخل حكومة واحدة، إذ ستكون المزايدة ديدن كل وزير على زملائه لخدمة حزبه وتهيئته لانتخابات قادمة. سيشتغل كل وزير على خدمة حزبه من داخل الحكومة. وهي علامة على عدم نضج سياسي لا يزال يعيق النخبة السياسية التونسية وهذه النية القصيرة النفس هي التي تجعل التفاوض ما قبل الحكومة صعبا ومحبطا ويوحي لنا بحكومة سد فراغات لا حكومة بدء الإنقاذ الوطني.

بمرارة نتذكر دعاء عادل إمام في بعض أعماله يدعو ساخرا (ربنا يجعلك أي حاجة في أي حتة). نحن ننتظر حكومة أي حاجة في أي حتة حتى نرى فشل النخبة صريحا. فيعتمد الشارع على نفسه من جديد ويحسم. متى يكون ذلك؟ لن ننتظر طويلا. ما زالت هناك جيوب من المنظومة القديمة تخرب المشهد من وراء ستار.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الإنتخابات، الإنتخابات التشريعية، الإنتخابات الرئاسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-10-2019   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، د. أحمد محمد سليمان، سليمان أحمد أبو ستة، إيمى الأشقر، د. عادل محمد عايش الأسطل، عمر غازي، د - محمد بنيعيش، أ.د. مصطفى رجب، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد بوادي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مجدى داود، سلام الشماع، محمد يحي، محمود فاروق سيد شعبان، علي الكاش، د - مصطفى فهمي، يحيي البوليني، عبد الله الفقير، د - عادل رضا، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد بشير، حسن الطرابلسي، كريم السليتي، وائل بنجدو، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، عبد الله زيدان، د.محمد فتحي عبد العال، فوزي مسعود ، كريم فارق، إياد محمود حسين ، صباح الموسوي ، د- محمد رحال، ضحى عبد الرحمن، محمد العيادي، عواطف منصور، تونسي، محمد شمام ، فتحي العابد، رشيد السيد أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، رحاب اسعد بيوض التميمي، الهيثم زعفان، أبو سمية، فتحـي قاره بيبـان، حميدة الطيلوش، محمد اسعد بيوض التميمي، المولدي الفرجاني، صفاء العراقي، عراق المطيري، سعود السبعاني، د - شاكر الحوكي ، د. صلاح عودة الله ، عبد الغني مزوز، د. خالد الطراولي ، سيد السباعي، محمد الياسين، رضا الدبّابي، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صلاح الحريري، عزيز العرباوي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. عبد الآله المالكي، محمود سلطان، محمود طرشوبي، نادية سعد، محمد عمر غرس الله، منجي باكير، أحمد الحباسي، يزيد بن الحسين، مصطفي زهران، الناصر الرقيق، عمار غيلوفي، رافد العزاوي، د- هاني ابوالفتوح، د- جابر قميحة، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مراد قميزة، سلوى المغربي، حسن عثمان، العادل السمعلي، خالد الجاف ، أنس الشابي، محمد الطرابلسي، فهمي شراب، د. مصطفى يوسف اللداوي، أشرف إبراهيم حجاج، رمضان حينوني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أحمد ملحم، مصطفى منيغ، فتحي الزغل، د - صالح المازقي، صلاح المختار، رافع القارصي، د. طارق عبد الحليم، د- محمود علي عريقات، أحمد النعيمي، ماهر عدنان قنديل، سامر أبو رمان ، الهادي المثلوثي، حسني إبراهيم عبد العظيم، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، د - الضاوي خوالدية، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، محرر "بوابتي"، طلال قسومي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء