البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

الحاجة إلى بناء سياسة خارجية استقلالية في تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2137



سيكون لتونس رئيس جديد، ولكن هل ستكون للرئيس خطة سياسية جديدة، وخاصة في مجال العلاقات الخارجية؟ حتى اللحظة، والمترشحون يتوافدون على الهيئة الوطنية للانتخابات، لم نسمع خطابا جديدا، بل نسمع حديث المحافظة على الثوابت والانتماء إلى دبلوماسية بورقيبة القائمة على "صفر مشاكل" مع الجيران والأصدقاء، وهذا مؤشر سلبي لا يمكن الاطمئنان إليه، بل نقرأ من خلاله فقر المخيال السياسي وغياب الشجاعة السياسة في إعادة بناء العلاقات الخارجية للبلد على ضوء الحاجة إلى تحقيق استقلال كامل.

بورقيبة المتحذلق

الثوابت والمحددات البورقيبية سقطت بالتقادم، فوضع تونس في 2020 ليس وضعها سنة 1956، سنة إعلان الاستقلال عن فرنسا.

ربط بورقيبة (زعيم الاستقلال) البلد باتفاقيات تعاون مع البلد المحتل فرنسا بزعم الحاجة إلى خبرتها في بناء الإدارة الجديدة، فبنت فرنسا بواسطة لغتها وثقافتها وتقاليدها القانونية نخبة إدارية تونسية تعود لها في الصغيرة والكبيرة، فجاءت الدولة التونسية وإدارتها نسخة قاصرة من الإدارة الفرنسية. وكان لفرض اللغة الفرنسية في التعليم القانوني والاقتصادي الدور المركزي في هذا الاستنساخ الإداري.

هذه النخبة تعيش من هذا الدور، ولذلك تحرص على تأبيده وتخشى كل مطالب التغيير في اتجاه الاستقلال عن التفكير الإداري الفرنسي، رغم تبلور وعي عام وعالمي بأن نموذج التسيير الفرنسي ليس هو النموذج الأنجع، بل إن نخبة تونس تشاهد وتتابع تحول الإدارة الفرنسية إلى نموذج التسيير الأسكندنافي والأنجلو- سكسوني، بينما تعيد تصدير نموذجها المتهالك إلى بلدان مثل تونس؛ تماما كما تعيد تصدير الملابس القديمة ليلبسها فقراء المستعمرات.

العلاقات الدبلوماسية للبلد ومن خلفها العلاقات الاقتصادية؛ تدخل ضمن هذا المخيال المنسوخ. ففي الخمسينيات كانت البلدان الحديثة الاستقلال تبحث عن حام بين المعسكرين، فاختار بورقيبة أن يحتمي بفرنسا المحتلة.. سقط المعسكران وتغيرت الأحلاف الدولية، ولكن الدبلوماسية التونسية لم تغير مراجعها، وكلما طرح هذا الموضوع للجدال السياسي عاد البورقيبيون إلى حكمة الزعيم، وقالوا بالثوابت والصفر مشاكل، وبقية المعزوفة المذلة؛ من قبيل أن تونس بلد ضعيف اقتصاديا وفي حاجة إلى أوروبا، وبالتحديد إلى فرنسا، لحماية مصالحنا هناك.

في سياسة الصفر مشاكل لم تفلح تونس بربع خطوة في توحيد المغرب العربي، باعتبار الزعيم أحد أقطاب مؤتمر طنجة التوحيدي (1952). فلم تفكك موضوع الأزمة بين المغرب والجزائر بخصوص قضية الصحراء، وهرب بورقيبة أمام بومدين وتخلى عن جزء من التراب الوطني الغني بالنفط لكي لا يصطدم بالجزائر، وقضى ردحا من الزمن يهادن القذافي ويجتنب أذاه؛ حتى وصلت الجرأة بالقذافي إلى أن استقطب زوجة بورقيبة تتجسس عليه في غرفة نومه.

في اتفاقيات "كامب ديفيد" الذليلة، اكتفت الدبلوماسية التونسية بالفرح لنقل مقر الجامعة وتدبير وظائف مجزية في كواليسها لبعض الحاشية. ويمكن تعداد الأمثلة المشابهة من زمن بن علي الذي دخل مرحلة التطبيع بفتح سفارة له في تل أبيب.. والنتيجة حتى الآن دبلوماسية بلا لون ولا طعم ولا رائحة ولا شخصية ولا موقف. وكان الباجي علما في إعادة إنتاج هذه السياسة، فمد في أنفاسها خمس سنوات. وليس صدفة أن يكون وزير خارجيته هو سفير بن علي لدى الكيان الصهيوني.

التغيير ضرورة تاريخية

منذ 1956 تغير العالم، فقد سقطت قوى سياسية وصعدت أخرى، وتغيرت الأحلاف والقوى، وتغير الاقتصاد، لذلك فإن إعادة تتريب علاقات البلد الخارجية صار حتمية لا مناص منها. فكيف تكون وإلى أين تتجه؟

الثورة أجابت تقريبا على هذا المطلب بإعادة ملف الاستقلال والسيادة ومناهضة التطبيع مع الكيان الصهيوني إلى الطاولة، بعد طول تجاهل ومحاولات تطبيع سرية ومفضوحة. والمطلوب من الرئيس المنتخب أن يبدأ من حيث أمرت الثورة، ليقطع ويؤسس.

أول أركان الاستقلال هو أن فرنسا ليست بوابة العالم، وأنه يمكن الدخول في الاقتصاد العالمي من بوابات أخرى أكثر فائدة وأقل كلفة. ومطلوب من الرئيس الجديد أن لا يفكر في مصلحة فرنسا قبل مصلحة بلده، فليست الوكالات السياحية الفرنسية هي الوحيدة التي يمكن أن تجلب سياحا لنُزل تونس، وليست التقنية الفرنسية هي الوحيدة الموجودة في السوق في مختلف المجالات، فيكفي أن يتعلم التقني التونسي تهجئة اللافتات التعليمية بالإنجليزية ليجد أن هناك في العالم تقنيات أخرى ومنتجين آخرين أكثر تعاونا. وقد عرف الفلاح التونسي أن الشاحنة الهندية أكثر تحملا من الشاحنة الفرنسية، وأن معاصر الزيت التركية أفضل مردودا وأقل كلفة وأيسر في التسيير من المعصرة الفرنسية.. والأمثلة لا تحصى.

بثت فرنسا رهبة في نفوس النخبة التونسية بأنه إذا انقطع حبل الود مع فرنسا فتسقط السماء على رأس تونس. وهذا وهم يعيش منه البعض ويجد له فيه رزقا، ولكنه وهم ضيّع بلدا وضيّع شعبا وأذله، وفوت عليه كل فرص التطور والنمو المستقل. وهنا يمكن للرئيس أن يتدخل، ولكن هل نسمع حديثا في هذا المعنى؟

سِيَر المترشحين لا تشير إلى ذلك، بل إن خطاباتهم (وهي قليلة بعد) تؤكد الاستمرار. ولدى الجميع الرهبة من نقد البورقيبية، بل التنافس على تبنيها كما هي، رغم التغيير الحاصل من حول تونس.

في زيارة لزعيم حركة النهضة لفرنسا؛ صرح بأن اللغة الفرنسية لن تضار في تونس، بما يعني المشاركة في الحفاظ على وضع الهيمنة الثقافية (عبر اللغة) على الإدارة والتصرف. الرئيس المرزوقي بدأ حملته الانتخابية سنة 2014 بخطاب الاستقلال، ثم ركز فقط على مناصرة المقاومة الفلسطينية، مغفلا كل ما عداها، وخاصة إعادة ترتيب العلاقات مع أوروبا دون المرور بالبوابة الفرنسية، رغم أن كل أوروبا استقبلته كزعيم ثورة، مع خطاب في البرلمان الأوروبي بنخوة ثائر. وهاتان شخصيتان كان المعول عليهما في تحديد مستقبل البلد.

لسنا في موضع الأمر لأحد، ولكننا في موضع التذكير بأنه ما لم تتغير السياسات الخارجية التونسية في اتجاه تكريس السيادة والاستقلال عن فرنسا بالخصوص، بتجديد الأحلاف والوجهات الاقتصادية، فإن الوضع لن يظل فقط على ما هو عليه بل سينهار أكثر، فالعالم من حول تونس لا يتوقف عن التقدم، وليس لفرنسا أي تقدير في العالم الاقتصادي يجعل منها هذه القوة المخيفة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، التبعية لفرنسا، الإستقلال، التحرر،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-08-2019   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، فتحي العابد، رافد العزاوي، حسن عثمان، د. طارق عبد الحليم، يزيد بن الحسين، إياد محمود حسين ، كريم السليتي، ماهر عدنان قنديل، محمد شمام ، منجي باكير، د - عادل رضا، أبو سمية، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، كريم فارق، نادية سعد، د - المنجي الكعبي، فوزي مسعود ، فهمي شراب، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، صلاح المختار، أحمد بوادي، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، رشيد السيد أحمد، يحيي البوليني، د- جابر قميحة، محمود طرشوبي، تونسي، محمود فاروق سيد شعبان، العادل السمعلي، مراد قميزة، صفاء العراقي، علي عبد العال، أحمد الحباسي، رضا الدبّابي، سلوى المغربي، عزيز العرباوي، فتحي الزغل، محمد عمر غرس الله، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، محمد أحمد عزوز، حاتم الصولي، صلاح الحريري، خالد الجاف ، جاسم الرصيف، د. عبد الآله المالكي، صباح الموسوي ، الهيثم زعفان، محمد العيادي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. صلاح عودة الله ، محمد الياسين، عواطف منصور، عمار غيلوفي، د - الضاوي خوالدية، حسن الطرابلسي، سعود السبعاني، عمر غازي، د - شاكر الحوكي ، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، ضحى عبد الرحمن، صالح النعامي ، عبد الغني مزوز، علي الكاش، محرر "بوابتي"، عبد الله زيدان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أنس الشابي، المولدي الفرجاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أشرف إبراهيم حجاج، د- هاني ابوالفتوح، د- محمد رحال، د - مصطفى فهمي، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الله الفقير، أ.د. مصطفى رجب، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، د - محمد بن موسى الشريف ، صفاء العربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، وائل بنجدو، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، سيد السباعي، مجدى داود، الهادي المثلوثي، د - محمد بنيعيش، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، مصطفى منيغ، سامر أبو رمان ، د- محمود علي عريقات، عراق المطيري، سفيان عبد الكافي، أحمد النعيمي، سليمان أحمد أبو ستة، سامح لطف الله، مصطفي زهران، محمود سلطان، د. أحمد بشير، د. خالد الطراولي ، محمد الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء