البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

حقيقة شائعات الانقلاب في تونس

كاتب المقال رياض الشعيبي - تونس   
 المشاهدات: 2671



جاء تعيين لطفي براهم على رأس وزارة الداخلية رغما عن رئيس الحكومة يوسف الشاهد، لذلك لم تكن العلاقة بين الرجلين ودية بل مشوبة بالحذر وعدم الثقة المتبادلة، بل وحتى عدم التعاطي في أغلب الأحيان، وخاصة عندما وصل الأمر إلى إيقاف أحد مستشاري رئيس الحكومة داخل وزارة الداخلية، احتجاجا من لطفي براهم على الرقابة الإدارية والسياسية التي يريد رئيس الحكومة ممارستها عليه، لذلك لم يكن عزله مفاجئا ولا محتاجا لحملة إشاعات حول محاولة انقلابية فاشلة...

قرر رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي إقالة وزير الداخلية السابق، السيد الهادي المجدوب، بسبب عدم تعاونه مع مصالح رئاسة الجمهورية ورفضه الاستجابة لما اعتبرها طلبات غير قانونية، سواء بالتنصت على أشخاص أو مراقبتهم أو حتى اعتقالهم، كما قطع الوزير على أصحاب النفوذ من العائلة الرئاسية ومحيطها من اللوبيات النافذة؛ ما اعتادوا عليه من مزايا وامتيازات في ظل سابقه السيد ناجم الغرسلي، لذلك لم يجد الرئيس أمام الضغوطات من حوله سوى إقالة هذا الوزير.

ورغم أن ذلك يخرج عن صلاحياته الدستورية، إلا أن اختلال التوازن السياسي بين رأسي السلطة التنفيذية منحه فرصة ليمارس نوعا من السلطة الرئاسوية الواسعة.

لكن مثل هذا القرار ما كان ليمر بسهولة أمام معارضة حركة النهضة لهذا التغيير، وهي التي رأت في الهادي المجدوب الوزير التكنوقراط المحايد والملتزم بالقانون والبعيد عن الطموحات السياسية، خاصة وأن هذا الوزير كان على رأس الطاقم الإداري المحيط بوزيري داخلية الترويكا المتعاقبين.

ولقد كان الرئيس يفكر بالفعل في إقالة المجدوب وأن يتولى الوزارة رئيس الحكومة اضافة لخطته الأصلية. طبعا كان مفهوما سبب هذا الاقتراح: فحجم الثقة في الشاهد حينها كان كبيرا، واستعداده لخدمة العائلة الرئاسية وحمايتها آنذاك كان واضحا.

إلا أن ذلك لم يزد شريكه في الحكم إلا توجسا، وهو الذي عايش من قبل خطورة الجمع بين السلطة السياسية والسلطة الأمنية في ظل تهرم رئيس الجمهورية وظهور بوادر ضعفه. لذلك تصاعد رفض حركة النهضة لمثل هذا التغيير إلى ما يشبه الفيتو.

ولم يكن أمام رئيس الجمهورية من بد غير الأخذ بحل وسط: إقالة المجدوب دون إلحاق وزارة الداخلية برئيس الحكومة.

وهنا جاء التدخل الرشيق لمستشاره السياسي المكلف بالعلاقات ليقترح عليه السيد لطفي براهم، آمر الحرس الوطني حينها. والرجل الذي يمكن التعويل عليه حسب رأيه، في الأوقات الصعبة، ليتولى مهمة الوزير الجديد للداخلية.

ربما لم يكن يوسف الشاهد منسجما مع المجدوب، وربما لم يكن ممانعا لتغييره، أما أن تتم أقالته وتعيين وزير جديد خارج إرادته، فإن ذلك لم يكن سهلا عليه تقبله، لكنه مع ذلك تعامل مع الأمر الواقع وحاول احتواء براهم منذ الأيام الأولى لتعيينه.

أما حركة النهضة، فلم يكن باستطاعتها أن تستمر في الرفض إلى ما لا نهاية، رغم أن قبولها بتعيين براهم كان بمثابة تجرعها للسم، في ظل خوفها المزمن وجزعها من تولي مسؤولين أمنيين أو عسكريين مسؤوليات سياسية في الدولة.

تكليف لطفي براهم لم يكن المسحة الأولى من العناية الرئاسية التي شملته، فحتى توليته قيادة جهاز الحرس الوطني كانت أيضا برعاية من مستشار الرئيس وبحرص منه شخصيا. لذلك بدا تعيينه على رأس وزارة الداخلية منذ اليوم الأول مثيرا للريبة، خاصة وأن الرجل جسور إلى حد التهور، ولا يزال يحمل بين طيات دفاتره حرارة عملياتية تتناقض مع واجب التحفظ، وما يستلزمه من برودة وجدانية وابتعاد عن الانفعالية عند المسؤول السياسي.

لقد فرض التكوين الأمني والتجربة المهنية على لطفي براهم طابعا مزاجيا خاصا، جعله يبدو قائدا عملياتيا، جلب له النجاح في بعضها سمعة معتبرة عند صناع القرار، غير أن ممارسة القيادة السياسية تستلزم شيئا آخر عصيا على براهم، لذلك لم يكن بمقدوره أن ينسجم مع الجهاز الحكومي منذ يومه الأول.

بل إن هذه العلاقة المتوترة لم تقف عند حدود مجلس الوزراء، إذ طبعت أيضا أداءه داخل وزارته. فإصراره على تغييرات هيكلية على رأس إدارة الأمن الوطني قوبلت برفض تام، مما جعله في شبه قطيعة مع منظوريه. فلا إدارته التي نشأ فيها كانت تنظر له بعين الرضى لاقتناعها بوجود من هو أكفأ منه لقيادتها، ولا بقية مصالح وزارته قابلين بالتعاطي معه، ولا رئيسه القانوني (الشاهد) يثق به ويتواصل معه.

وبالمقابل، لم يكن لطفي براهم يعترف بسلطة أخرى عليه غير سلطة رئيس الجمهورية، فكان يتلقى أوامره من الرئاسة ويختزل علاقاته بالدولة التونسية في هذه المؤسسة. ورغم أن ذلك يعتبر تمردا على سلطة رئيس الحكومة، إلا أنه أيضا أدى في نهاية المطاف إلى عزلته وعجزه عن إحداث أي تغيير داخل وزارته. فرئيس الحكومة نجح في أن يتدخل ويفرض عديد المرات خياراته، ولعل أهمها التعيينات التي فرضها على وزيره إبان زيارته الملتبسة للسعودية.

وفي الحقيقة لم تشهد وزارة الداخلية منذ الثورة وحتى الآن؛ وزيرا على قدر من الاضطراب والتوتر بمثل لطفي براهم، كما لم يعش يوسف الشاهد تحديا أمام عمله مثلما حصل مع وزير داخليته السابق.

ولئن يربط البعض اليوم إقالة وزير الداخلية بحادثة قرقنة، فإن رصد تاريخ علاقته بالشاهد يبين بوضوح أن قرار الإقالة يعود إلى ما هو أخطر من هذه الحادثة، على أهميتها. لكن ومع ذلك، لا يتعلق الأمر بما يروج حول انقلاب مزعوم تم فضحه، فما أعجز الرجل عن ذلك تخطيطا وإنجازا. ورغم أن ما يروى عن فصول الإعداد لمثل هذا الانقلاب لا يتعدى كونه نسجا من خيال ضعيف، إلا أن ما يرتسم على ملامح الرجل من غطرسة وانفعال، وما يحيط به نفسه من رذالة لفظية وعدم احترام للآخرين.. كل ذلك قد يكون أثار مخاوف حول نواياه.

إلا أن التحول الحقيقي الذي حصل نراه في الضفة الأخرى، أي في القصبة. فلقد أضحى يوسف الشاهد الشخصية الأقوى بعد الدعم الخارجي والداخلي أمام دعوات إقالته. ولقد استفاد رئيس الحكومة من هذا الدعم ليحسن من صورته، ولكن أيضا ليصفي خصومه وعلى رأسهم وزير الداخلية لطفي براهم.

فبعد أن كان حديث الساعة هو كيفية الإطاحة برئيس الحكومة، اعتبر الشاهد أن في استمراره حتى الآن انتصارا له، وبادر بإقالة براهم عند أول فرصة سانحة.

ولم يتمسك رئيس الجمهورية بلطفي براهم لسببين:

أولا، لأن أصداء ما يردده براهم من ادعاءات التمرد على الجميع قد وصلت إلى أذني الرئيس، ما اعتبره مسا برمزيته ووضعه الاعتباري، من جهة، وطيش ولا مسؤولية الوزير من جهة ثانية.

ثانيا، لأن براهم الذي بدأ يحس بخطورة وضعيته في موقعه، أخذ احتياطات لحماية نفسه من أية متابعة قضائية في حال عزله، ما أغضب الرئيس واعتبر ذلك خيانة لعهده معه ومع عائلته. فلطفي براهم استفاد من تجربة ناجم الغرسلي، وزير الداخلية الأسبق الذي نجا حتى الآن من الاعتقال بسبب ما يحوزه من ملفات تدين شخصيات بارزة حصل عليها خلال مباشرته لمهامه، وكذلك فعل لطفي براهم.

وبغض النظر عن تفاصيل كثيرة لا يتسع المقام لذكرها الآن حول مرحلة لطفي براهم في وزارة الداخلية، فإن الدرس الأهم في هذا الموضوع أن منظومة الفساد السياسي تنخر الدولة التونسية. فالتعيينات في المناصب القيادية في الحكومة وفي رئاسة الجمهورية؛ هي منطلق كل الفساد الذي نراه في الدولة. ولذلك، فإن أية عملية اصلاح إذا لم تنطلق من هناك فإنها حتما ستفشل.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، لطفي براهم، الإنقلاب، الإمارات العربية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 21-06-2018   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، رحاب اسعد بيوض التميمي، طلال قسومي، حميدة الطيلوش، سلوى المغربي، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، عبد الغني مزوز، عمر غازي، فهمي شراب، علي الكاش، سليمان أحمد أبو ستة، الهادي المثلوثي، د- جابر قميحة، عراق المطيري، كريم السليتي، صلاح المختار، مراد قميزة، أبو سمية، يحيي البوليني، رمضان حينوني، محمد شمام ، حسن عثمان، محمد العيادي، أحمد النعيمي، صباح الموسوي ، العادل السمعلي، فوزي مسعود ، د. عبد الآله المالكي، د. أحمد محمد سليمان، فتحـي قاره بيبـان، ماهر عدنان قنديل، د- محمد رحال، د. صلاح عودة الله ، محمد الطرابلسي، عبد الله زيدان، عواطف منصور، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، علي عبد العال، محمود سلطان، د. أحمد بشير، جاسم الرصيف، وائل بنجدو، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سعود السبعاني، ياسين أحمد، د - عادل رضا، سلام الشماع، خالد الجاف ، أ.د. مصطفى رجب، صلاح الحريري، أشرف إبراهيم حجاج، د - المنجي الكعبي، د- هاني ابوالفتوح، رشيد السيد أحمد، إياد محمود حسين ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود طرشوبي، فتحي الزغل، رضا الدبّابي، كريم فارق، محمد أحمد عزوز، حسن الطرابلسي، منجي باكير، سيد السباعي، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، فتحي العابد، أنس الشابي، الهيثم زعفان، المولدي الفرجاني، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، د. طارق عبد الحليم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إيمى الأشقر، أحمد الحباسي، د - محمد بنيعيش، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، مصطفي زهران، صفاء العربي، إسراء أبو رمان، محمود فاروق سيد شعبان، صالح النعامي ، د - شاكر الحوكي ، عمار غيلوفي، تونسي، رافد العزاوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافع القارصي، حاتم الصولي، يزيد بن الحسين، سامر أبو رمان ، مجدى داود، مصطفى منيغ، ضحى عبد الرحمن، أحمد بوادي، الناصر الرقيق، نادية سعد، د - مصطفى فهمي، د.محمد فتحي عبد العال، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - الضاوي خوالدية، سامح لطف الله، محرر "بوابتي"، حسني إبراهيم عبد العظيم، صفاء العراقي، د- محمود علي عريقات، محمد الياسين، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الرزاق قيراط ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء