البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

أيهما أقرب لتونس.. أنقرة أم باريس؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2926



حالة من الفرح الرسمي السائد هذه الأيام بزيارة الرئيس الفرنسي إلى تونس، وفي المقابل، كانت حالة من الحزن العام الذي ساد البلد حين زيارة الرئيس التركي في شهر ديسمبر من السنة المنقضية، في حين كان يمكن لدولة مثل تونس أن تستفيد كل الاستفادة من الزيارتين دون أن تبذل ماء الوجه لواحد وتعرض عن آخر كما لو أنها تختار بين فحلين لتنجب مستقبلها.

إن الانقسام السياسي بين النخب الموالية لهذا الطرف أو ذاك يؤدي بالبلد إلى التهلكة السياسية ويحرم اقتصادًا في حالة إفلاس من فرص فتح المنافسة وجذب الآخرين إلى مربع العطاء الأقصى بالنظر إلى أن الرساميل لا وطن لها في زمن معولم عبر تحريض التنافس، ولكن يبدو أن الخيال السياسي لهذه النخب يأبى التطور في اتجاه يخدم البلد، بل يحرص على البقاء في مربع التبعية للقطب الواحد والسلعة الواحدة فيضيّق على نفسه عامدًا.

الخيال الاستثماري الضيق الأفق

ورثنا علاقة قوية مع فرنسا الدولة الاستعمارية، وكان الارتباط معها في أول الاستقلال مقبولاً ومبررًا بالنظر إلى أن الإدارة كانت بين يدي الفرنسيين وكان تحريرها منهم دفعة واحدة مكلفًا ومؤذنًا بعطالة كاملة، فالتونسيون كانوا في الأعم الأغلب أميين (التعليم الديني كان مستبعدًا من الإدارة إلا في التعليم الابتدائي) ولم يكن لدى الدولة كادر إداري كافٍ (يتقن الفرنسية) لبناء دولة حديثة.

عملت المدرسة التونسية على توفير هذا الكادر الإداري بسرعة وقد أفلحت من حيث العدد، ففي ظرف عشريتين كانت كل الإدارة تدار من تونسيين ولكن فشلت من حيث المضمون؛ فالكادر التونسي تحول إلى نسخة من الكادر الفرنسي وظلت الإدارة تفكر بالفرنسية لا في مستوى اللغة المستعملة (نطقًا وكتابة) فحسب، بل في الحفاظ على قدسية العلاقة مع الدولة الفرنسية في مجال الاقتصاد والثقافة ونمط التفكير عامة، فكأن الاستعمار الفرنسي صنع له تُبَّعًا وأورثهم إدارة البلد لخدمته لا لخدمة بلدهم، (توجد في هذا التعميم استثناءات قليلة لكنها استثناءات تؤكد قاعدة).

بعد ستين سنة ونيف ما زلت الإدارة (السيستم) تفكر بالفرنسية ولا يتسع خيالها لاحتمالات التخلص من التبعية لقطب واحد والانفتاح على أقطاب متعددة تطرق أبواب الاقتصاد التونسي بحثًا عن فرص لها قد يكون فيها فائدة كبيرة للبلد، من هذه الزاوية نقرأ الاستبشار بزيارة الرئيس الفرنسي لتونس نهاية الشهر وبها قرأنا الاشمئزاز من زيارة الرئيس التركي.

مظاهر استمرار الهيمنة الفرنسية على تونس

يمكننا أن نورد أمثلة للدلالة ولكن لا يمكننا الإحاطة بكل مظاهر هذه الهيمنة، ونذكّر بحرص فرنسا حتى الساعات الأخيرة على بقاء ابن علي في السلطة بعد ربع قرن من الدعم المباشر لحكمه، ثم تدخلها المباشر في تشكيل الحكومات التي أعقبت الثورة وخاصة حكومتي محمد الغنوشي التي رفدتها بنخبة تونسية لا تفكر إلا في مصلحة فرنسا ولا يزال بعضها يشكل ركائز في المشهد السياسي الحاليّ.

لكن هذه الهيمنة أوسع من التدخل المباشر، فلقد أعربت فرنسا عن غضبها من الاحتجاجات الشعبية تحت يافطة "وين البترول"، لقد كانت الاحتجاجات تتجه إلى مراجعة العقود المبرمة وكشف حيثياتها، إذ تبين أن صفقات الطاقة والمناجم بما في ذلك الملح دبرت بليل، فلما طالب التونسيون بكشفها ضغطت فرنسا فختم على الملف وميعت الاحتجاجات.

كشف الرئيس الفرنسي الأسبق فرنسوا هولاند أمر مهم جدًا وهو أنه أعطى أوامر مباشرة بتنفيذ اغتيالات في بلد إفريقي، وطبعًا لم تتفاعل الإدارة التونسية بدءًا بالرئيس وتثنية بالحكومة وتثليثًا بالأحزاب الحاكمة والمعارضة مع هذه التصريحات لاختبار علاقتها بالاغتيالات في تونس وهي الاغتيالات التي كسرت ظهر الثورة وأجبرت الحكومات المنتخبة على التخلي (طبعًا تحت ضغط أنصار فرنسا في الداخل).

فضلاً عن التدخل السياسي المباشر والتأثير القوي على العملية الاقتصادية، تتمتع فرنسا بجالية تونسية تخدمها هنا وليس فقط في باريس، ففي تونس من يطالب بإلغاء تدريس العربية مثلاً وفرنسة المدرسة بشكل كلي، كما هناك من يدعو إلى إعادة الفرنسية كلغة رسمية للإدارة، وفي الأثناء تموّل فرنسا عبر مؤسسات الفرانكفونية أغلب الأعمال الثقافية في تونس التي تضع في مقدمة مشاغلها مسائل تتعلق بحرية المثلية الجنسية وحقوق الحيوان واصطناع فرقة بين العرب والأمازيغ وغيرها من المسائل التي تفرض على النقاش العام لتمنع القضايا الحقيقة من الدخول في جدول أعمال التونسيين وتفكيرهم مثل مصير المواد الطاقية والمنجمية واستصلاح الأراضي وتثوير الزراعة وبناء ثقافة وطنية مستقلة عن هوامش التفكير الفرنسي.

تتجمع كل هذه المؤشرات وهي غيض من فيض، لتجعل الرئيس الفرنسي يزور حديقته الخاصة وله للطرافة سفير يدخل بيوت التونسيين ويشرب معهم الشاي في مطابخهم ويتقبل منهم باقات الورد عندما تصيب فرنسا مصيبة، ورغم ذلك نسأل: هل الرئيس التركي أفضل من الرئيس الفرنسي؟

ماذا نريد من الآخرين؟

لدينا مئات الحجج على أن الرئيس التركي كان أقرب إلينا من الفرنسي بعد الثورة خاصة أنه مد يد المساعدة للثورة وللبلد في قمة الأزمة الاقتصادية والأمنية التي أعقبتها، ولكن رغم ذلك يظل من حقنا أن نجري المقارنة للخروج من وضع الاستبضاع السياسي لأي كان مهما أظهر لنا من المودة، فليس هناك كما يقول التونسيون قط يصطاد لوجه الله.

هنا والآن يحتاج البلد إلى خيال خصب لبناء وضع جديد يكرس الاستقلال والسيادة الوطنية على الثروات خاصة وعلى مصير البلد عامة، فالعالم مفتوح ولا شيء يجبر بلدًا مستقلاً (شكلاً على الأقل) أن يربط نفسه في وتد واحد ويظل يطوف حوله حتى ينكسر، لكن أين النخبة السياسية التي يمكنها أن تقوم بذلك؟ إنني لا أراها رغم المتابع اللصيقة.

طرح الاستقلال مقابل طرح التبعية

هذا كان أحد مطالب الثورة وقد رفع الشارع شعارات ضد فرنسا بالتخصيص، ولا يزال كثير من الشباب يرى في مقر السفير الفرنسي بشارع الثورة (وهو نفس مقر المقيم العام الفرنسي الاستعماري) عدوانًا صارخًا على البلد المستقل، لكن هذا الخيال يحتاج اتفاقًا وطنيًا صلبًا لا تفاوض فيه الأحزاب على المبادئ المؤسسة للجمهورية ولا أن تستبدل سيدًا بآخر.

عندما يصل الرئيس الفرنسي إلى تونس سيفتح له البرلمان ليلقي خطابًا، وسيفرح أنصاره في تونس بأنهم فرضوا ذلك بعد أن فرضوا منع الرئيس التركي من إلقاء خطاب مماثل.

نحن إذًا نحلم بنخبة متفقة على استقلال القرار الوطني، ولكن نعاين استبضاعًا رخيصًا للرئيس الفرنسي من أجل استدامة مصالح فرنسا في تونس ونضطر للمقارنة الموجعة، النخبة التي تحسن عرض مفاتن البلد على الرئيس الفرنسي اختارت بدورها السهولة والذلة على الشرف ومعاناة كلفة السيادة النابعة من رؤية للعالم تكون فيها كرامة الأوطان رصيدًا لا يحسب بالدنانير.



 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، تركيا،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-01-2018   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، عواطف منصور، خبَّاب بن مروان الحمد، طلال قسومي، د - محمد بنيعيش، د- محمد رحال، سفيان عبد الكافي، محمد الياسين، حاتم الصولي، رمضان حينوني، أ.د. مصطفى رجب، محمد العيادي، كريم السليتي، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، أحمد بوادي، عراق المطيري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، المولدي الفرجاني، د - صالح المازقي، رضا الدبّابي، صفاء العربي، محمد شمام ، د - الضاوي خوالدية، الهادي المثلوثي، د - عادل رضا، فتحي الزغل، تونسي، وائل بنجدو، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- هاني ابوالفتوح، د.محمد فتحي عبد العال، علي الكاش، فوزي مسعود ، إياد محمود حسين ، يحيي البوليني، عبد الله زيدان، الهيثم زعفان، أبو سمية، سامح لطف الله، محمود سلطان، كريم فارق، سامر أبو رمان ، سيد السباعي، الناصر الرقيق، ضحى عبد الرحمن، عبد الرزاق قيراط ، أحمد ملحم، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أشرف إبراهيم حجاج، سلوى المغربي، محمد عمر غرس الله، محمد الطرابلسي، خالد الجاف ، العادل السمعلي، عبد الله الفقير، د. أحمد محمد سليمان، صفاء العراقي، إسراء أبو رمان، عمار غيلوفي، محمد اسعد بيوض التميمي، سلام الشماع، حسن عثمان، منجي باكير، حميدة الطيلوش، فهمي شراب، صلاح الحريري، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- جابر قميحة، د. خالد الطراولي ، صالح النعامي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمر غازي، فتحـي قاره بيبـان، نادية سعد، أحمد النعيمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صباح الموسوي ، عزيز العرباوي، د. عبد الآله المالكي، محمد أحمد عزوز، د. صلاح عودة الله ، عبد الغني مزوز، حسني إبراهيم عبد العظيم، رحاب اسعد بيوض التميمي، أنس الشابي، د. أحمد بشير، د. طارق عبد الحليم، رشيد السيد أحمد، د - مصطفى فهمي، إيمى الأشقر، د - محمد بن موسى الشريف ، مراد قميزة، علي عبد العال، سليمان أحمد أبو ستة، سعود السبعاني، فتحي العابد، أحمد الحباسي، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، محمود فاروق سيد شعبان، رافع القارصي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح المختار، رافد العزاوي، ياسين أحمد، مصطفى منيغ، يزيد بن الحسين، مصطفي زهران، مجدى داود، حسن الطرابلسي، د - شاكر الحوكي ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء