البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

الشارع التونسي وقضية فلسطين

كاتب المقال سمير حمدي - تونس   
 المشاهدات: 2833



جاء قرار الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، نقل سفارة بلاده إلى القدس المحتلة، ليعيد القضية الفلسطينية إلى الواجهة، ولتمثل قادحاً حرك الشارع التونسي بشكل مكثف، ليعلن رفضه القرار والسياسات الأميركية ككل، مندداً بالتخاذل الرسمي العربي الذي أدى إلى مزيد من التغوّل الصهيوني، وممارسة سياسة التهويد وسلخ فلسطين المحتلة عن هويتها العربية الإسلامية.

وربما كانت القضية الفلسطينية من المسائل القليلة التي يتوحد حولها الشارع السياسي التونسي، بمختلف تياراته وتوجهاته. ولم يكن هذا الموقف وليد اللحظة، وإنما هو جزء من الضمير الجمعي للشعب التونسي الذي يشعر بالولاء الشديد لقضية القدس، ويتعاطف بشكل تام مع الشعب الفلسطيني. ولم يكن غريباً أن تتحرّك فئات شعبية واسعة، ومن قطاعات مختلفة، بما فيها التلاميذ والطلبة الذي يمثلون شرائح الجيل الجديد الذي راهنت جهات عديدة على جعله ينفر من مساندة قضية فلسطين، مُعوّلة في ذلك على حالة العزوف التي يعرفها الجيل الجديد من أي عمل حزبي في البلاد، غير أن قضية القدس وفلسطين كذّبت كل التوقعات، فالشارع التونسي تحرّك بشكل عفوي وواسع، للتعبير عن رفضه كل سياسات الهيمنة والاحتلال التي تحمل لواءها الجهات الرسمية الأميركية، وكل من ساندها من الدول العربية المتصهينة، فالشارع التونسي، حتى في ظل أحلك الفترات في أثناء حكم الاستبداد، لم يكن يفوّت أي فرصة للتعبير عن تضامنه مع القضية المركزية للأمة، فعلاقة الزعماء السياسيين والجماهير الشعبية التونسية بفلسطين تعود إلى ما قبل قيام دولة الكيان الصهيوني، منذ تولى الشيخ عبد العزيز الثعالبي، رفقة المفتي أمين الحسيني، تنظيم المؤتمر الإسلامي الأول في مدينة القدس سنة 1931 للتحذير من الخطر الصهيوني الذي بدأت تظهر ملامحه للعلن في تلك الفترة. وفي حرب 1948، تطوع مناضلون تونسيون كثيرون للقتال في صفوف القوات التي كان يقودها فوزي القاوقجي، من أجل الدفاع عن فلسطين. وعلى الرغم من سياسة الانزواء عن القضايا العربية التي اعتمدها الرئيس الحبيب بورقيبة، ظلت القضية الفلسطينية عاملاً مهماً في استثارة الشارع التونسي، ودفعه إلى الخروج والتعبير عن رفضه سياسات التخاذل العربي. ففي 1967 وإثر هزيمة يونيو/ حزيران، تظاهر الطلبة التونسيون رفضاً للهزيمة، وتعرّضوا لقمع قوات البوليس. ويكفي أن نذكر، في هذا السياق، اعتقال الطالب محمد بن جنات على خلفية هذه التحركات، والحكم عليه لاحقاً بعشرين سنة سجناً مع الأشغال الشاقة.

وفي سنوات حكم زين العابدين بن علي، كان الشارع التونسي في الموعد في كل الأوقات الحرجة، عندما كانت غزّة تتعرض للعدوان الصهيوني، وعندما قرّر النظام استضافة وفدٍ صهيوني على هامش القمة العالمية للمعلومات في أكتوبر/ تشرين الأول 2005 عرفت البلاد تحركاتٍ رافضة للتوجهات التطبيعية التي اتخذتها السلطة، وخاض مدرسو التعليم الثانوي إضراباً شاملاً احتجاجاً على زيارة الوفد الصهيوني. ووصل الحال بالنظام إلى اعتقال الناشط السياسي، محمد عبو، على خلفية مقال نشره "بن علي – شارون" ماثل فيه بين ساسة النظامين أحدهما ضد شعبه والآخر ضد الشعب الفلسطيني. وفي سنة 2010، شكل فيديو لأحد المغنين التونسيين زار الكيان الصهيوني ليظهر في إحدى الحفلات، وهو يصرخ بحياة بنيامين نتنياهو، أحد عوامل أساسية غذّت الثورة التونسية لاحقاً، خصوصاً وأن غالبية الشعب التونسي نظرت إلى الزيارة باعتبارها دليلاً آخر على تواطؤ النظام مع الصهيونية العالمية ضد أبناء الشعب الفلسطيني. وفي أثناء الثورة التونسية، ظلت الثورة الفلسطينية عاملاً مؤثراً في الحراك الجماهيري، حيث هتف الشعب في الشوارع "الشعب يريد تحرير فلسطين"، في تعبير حي عن مدى تعاطف الجماهير الشعبية للقضية المركزية.

وقد تواصل الحضور القوي للقضية الفلسطينية في الشارع، بشكل خافت أحياناً وصارخ أحياناً أخرى، وهو ما تجلى في حادثة اغتيال المهندس محمد الزواري، حيث شارك الشعب في مظاهراتٍ حاشدة، تنديداً بجريمة الاغتيال البشعة التي تورّطت فيها أجهزة المخابرات الصهيونية. وبعيداً عن الأصوات النشاز التي تحاول التمسّح بأعتاب الصهيونية، تظل القضية الفلسطينية المؤثر الأهم في وجدان الشعب التونسي، حيث لا يمكن لأي محاولة لتطبيع العلاقات مع الكيان الصهيوني أن يُكتب لها النجاح، أو أن تجد سنداً شعبياً من أي طرفٍ سياسي، أو منظمة نقابية أو قطاعية، حيث تشكل فلسطين الأفق الأسمى لمعنى النضال والتحرّر، والقضية التي تتجاوز الحسابات السياسوية الضيقة، باعتبارها قضية كل التونسيين، بغض النظر عن الولاءات والانتماءات السياسية والمجتمعية. وسيظل هذا الجمهور المتحفز ضمانةً لمنع أي انحراف سياسي رسمي عن القضية الأم، وتبقى فلسطين الضمير الحي الذي يبشر بغد الثورة والحرية، مهما طال الطريق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

القدس، إسرائيل، ترامب، اليهود، تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-12-2017   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: العربي الجديد

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عزيز العرباوي، تونسي، د. خالد الطراولي ، نادية سعد، رشيد السيد أحمد، الناصر الرقيق، حسني إبراهيم عبد العظيم، عبد الرزاق قيراط ، محمد الطرابلسي، رافد العزاوي، عراق المطيري، د - محمد بن موسى الشريف ، سيد السباعي، محمد شمام ، الهادي المثلوثي، حسن عثمان، منجي باكير، خالد الجاف ، أ.د. مصطفى رجب، أشرف إبراهيم حجاج، د. طارق عبد الحليم، رحاب اسعد بيوض التميمي، مراد قميزة، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، إسراء أبو رمان، ماهر عدنان قنديل، رضا الدبّابي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود سلطان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد عمر غرس الله، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، أحمد النعيمي، صالح النعامي ، د - محمد بنيعيش، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، علي الكاش، أحمد بوادي، ضحى عبد الرحمن، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، سعود السبعاني، سلام الشماع، إياد محمود حسين ، محمد يحي، د. صلاح عودة الله ، د- جابر قميحة، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، الهيثم زعفان، ياسين أحمد، محمد الياسين، صباح الموسوي ، طلال قسومي، عمار غيلوفي، د - المنجي الكعبي، صفاء العراقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سليمان أحمد أبو ستة، فتحي العابد، كريم فارق، عمر غازي، صلاح المختار، محمود فاروق سيد شعبان، خبَّاب بن مروان الحمد، صلاح الحريري، د.محمد فتحي عبد العال، محمد أحمد عزوز، عواطف منصور، فتحـي قاره بيبـان، حاتم الصولي، سفيان عبد الكافي، فوزي مسعود ، كريم السليتي، أبو سمية، أنس الشابي، عبد الغني مزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - مصطفى فهمي، فتحي الزغل، مجدى داود، جاسم الرصيف، مصطفي زهران، وائل بنجدو، سلوى المغربي، د - شاكر الحوكي ، د - عادل رضا، المولدي الفرجاني، أحمد ملحم، د. أحمد بشير، حميدة الطيلوش، مصطفى منيغ، رافع القارصي، محمد اسعد بيوض التميمي، العادل السمعلي، سامر أبو رمان ، رمضان حينوني، فهمي شراب، د. عبد الآله المالكي، محمود طرشوبي، د- محمود علي عريقات، علي عبد العال، د - صالح المازقي، محرر "بوابتي"، صفاء العربي، د - الضاوي خوالدية، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد العيادي، عبد الله زيدان، أحمد الحباسي، د- محمد رحال،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء