البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

تونس.. اليد على الولاّعة

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 3467



ولاّعة شهيد تونس محمد البوعزيزي الذي حرّر البلاد والعباد من ربقة الطاغية الهارب بن علي هي رمز من رموز ثورة تونس العظيمة وهي رمز من رموز ربيع العرب وثورات شعوبه السلمية من أجل الحرية والعدالة. ولاعة البوعزيزي هي ولاعة الغضب المشتعل بسبب الفقر والظلم وخاصة خاصة بسبب احتقار النظام للإنسان وإهانة كرامته.

ولاعة البوعزيزي هي ولاعة العرب جميعا خاصة من الذين تسحقهم كل يوم آلة الموت الاجتماعي في مزارع الفقر والتهميش والبطالة في بلاد الثروات العربية الهائلة. ولاعة البوعزيزي أحرقت الثوب الشفاف الذي يغطي عورات نخب العار العربية ونخب الإعلام الفاسد ممن أثخنوا جسد الأمة العليل وزيفوا وعي شعوبها عقودا من عمر الاستبداد.

ولاعة البوعزيزي هي رمز للسلمية التي تميز العرب والمسلمين عن غيرهم من الأمم فقد خير فقراؤنا الموت على حمل السلاح. ولاعة البوعزيزي أحرقت جسده العليل بفعل الفقر والتهميش واحتقار الدولة المجرمة له لكنها لم تحرق الممتلكات العامة ولا قصور الأغنياء من أبناء العملاء وأحفاد العصابات والتجار الأوطان ونخاسي حقوق الانسان.

ولاعة البوعزيزي رمز الغضب ورمز حدود الصبر التي لن يكون ما بعدها كحال ما قبلها.

اليوم وبعد كل التضحيات وبعد كل القروض والهبات وبعد غياب القصاص والمحاسبة يعود المشهد التونسي إلى نقطة البدء وكأنه ينبئ بولاعة جديدة.

فكل القطاعات مشلولة أو تكاد من صحة وتعليم وعدالة واقتصاد ومواصلات ... وفي قلب المشهد تتصارع العصابات فيما بينها من أجل الاستحقاقات الانتخابية القادمة بعد أن أُخرجت الثورة التونسية عن مسارها وصار الرضى بالقليل النادر مكسبا ثوريا.

نجحت النخب التونسية وخاصة السياسية منها في تبديد المسار الانتقالي وفي إهدار الفرص التاريخية التي أتيحت لها من أجل استئصال المنظومة القديمة التي ارتكز عليها النظام الاستبدادي زمن بن علي. بل إن تنافس حلفاء الأمس على المشهد السياسي هو الذي مكّن للمنظومة القديمة من العودة إلى المشهد بل وإلى تصدره اليوم حيث يقيم في قصر قرطاج رجال الدولة العميقة جميعهم.

رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة وغالبية مجلس الشعب صارت بيد النظام القديم الذي لم يبذل من الجهد غير تغيير الاسم من "حزب التجمع الدستوري الديمقراطي " إلى "حزب نداء تونس". أما المشهد الرمزي في الإعلام والثقافة والاقتصاد ... فهي جميعها بيد النظام القديم بسبب تغلغل الدولة العميقة في عمق مفاصل الدولة التي لم تغادرها خاصة وأن المسار الانتقالي لم يحاسب فردا واحدا من الفاسدين أو المجرمين أو ناهبي المال العام أو حتى القناصة الذين قتلوا التونسيين إبان الثورة.

أما حضور الاسلاميين من حركة النهضة في قلب المشهد فذلك لب الحكاية نفسها. فلولاهم لما استطاعت الدولة العميقة العودة إلى المشهد من جديد ولا الانقلاب على مطالب الثوار وإعادة عصابة اللصوص التي ثار ضدها الشعب إلى سدة الحكم من جديد.

لقد عقد الإسلاميون منذ لقاء باريس الشهير بين راشد الغنوشي والباجي قايد السبسي صفقة العمر مع الدولة العميقة التي تركها بن علي ومع سادتها الكبار من القوى الاستعمارية القديمة والجديدة وهي الصفقة التي ضمنت بقاءهم في السلطة شرط القبول بكل الشروط التي سيفرضها وكلاء الاستعمار في الداخل.

من أهم هاته الشروط عدم المس بكل الاتفاقيات والمعاهدات التي تعود إلى فترة الاستعمار المباشر لتونس والتي تضع كل ثروات البلاد التونسية من نفط وغاز وملح وفسفاط وموارد فلاحية وبشرية تحت سلطة المستعمر السابق وشركاته التي تمثل الحاكم الفعلي للبلاد.

اليوم نجح ما سمي زورا بالحوار الوطني في إجهاض الثورة التونسية مستفيدا من حالة الفوضى الكبيرة التي تعاني منها منوالات ثورية أخرى وخاصة في الجوار الليبي الذي يلقي بظلاله الكثيفة على المشهد التونسي. الحوار الوطني كان في الحقيقة اختبارا للقوى الفاعلة في الساحة بعيدا عن الطبقات الفقيرة التي قامت بالثورة ودفعت من أجلها الشهداء تلو الشهداء قبل أن يتسلق المتسلقون إلى المشهد من جديد.

نجح الاتحاد العام التونسي للشغل مثلا في إشعال الحرائق الاجتماعية وفي تدمية المسار الانتقالي عبر تركيع الاقتصاد والدفع إلى الاضرابات والاعتصامات التي شلت الحركة الاقتصادية ورهنت البلاد لصالح المقرضين من صندوق النقد الدولي وغيره من المؤسسات الاستعمارية المالية الدولية.

أما نقابات الأعراف فحافظت على امتيازات العصابات من رجال الأعمال الذي راكموا ثرواتهم خلال فترة الاستبداد السوداء ولم يحاسب واحد منهم بفضل الوعد الذي قطعه حزب حركة النهضة على العراب الدولي من أجل حمايتهم وتعطيل كل القوانين أو مشاريع القوانين التي تطالب بالمحاسبة.

في المقابل يزداد الفقراء فقرا ويبلغ الاحتقان الاجتماعي اليوم معدلات مخيفة لم تعد فزاعة الإرهاب الصناعي الذي تمارسه الدولة العميقة وخلاياها الاستخباراتية لتنزل بمعدلاته المخيفة وهو ما ينذر بالأسوأ في قادم الأيام.

فباستثناء الساحل الغني حيث الخدمات الصحية والتعليم وباستثناء بعض الأحياء المرفهة في العاصمة فإن أغلب ولايات البلاد تسبح في الفقر والتهميش والبطالة فترتفع معدلات الجريمة والمخدرات والانتحار وكل الأمراض الاجتماعية التي تترتب عن انعدام التنمية واستشراء الفساد والنهب.

ففي جنوب البلاد ووسطها وشمالها الغربي يئن الشعب الفقير في صمت تحت ضربات الفقر وفشل خطط التنمية وانتشار عصابات النهب والفساد المهيكل الذي تشرف عليه الدولة نفسها عبر موظفيها المحليين. فلا خدمات صحية دنيا ولا تعليم لائقا ولا بنية تحتية ولا خدمات إدارية إلا حضور الحرس والعسكر والشرطة والعسس في كل مكان.

ولاعة البوعزيزي مرّت ذات يوم من هناك وتونس لا تزال ترزح تحت نفس العبء الذي تركه بن علي وإن كان الساسة اليوم يتنافسون في دكاكينهم على منصب هنا أو كرسي هناك فإن اليد الحقيقية في تونس لا تزال تمسك بالولاعة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بقايا فرنسا، حركة النهضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 16-03-2017   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سيد السباعي، سليمان أحمد أبو ستة، الناصر الرقيق، خالد الجاف ، د. عبد الآله المالكي، د- محمد رحال، رحاب اسعد بيوض التميمي، علي الكاش، د. طارق عبد الحليم، فوزي مسعود ، محمد يحي، فتحي العابد، عبد الغني مزوز، كريم فارق، د- هاني ابوالفتوح، سفيان عبد الكافي، أ.د. مصطفى رجب، حاتم الصولي، إيمى الأشقر، علي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، أحمد بوادي، فتحي الزغل، د. أحمد محمد سليمان، رافع القارصي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، ضحى عبد الرحمن، محمد الطرابلسي، د. خالد الطراولي ، د. أحمد بشير، أحمد ملحم، رضا الدبّابي، سامر أبو رمان ، تونسي، د - محمد بنيعيش، سلام الشماع، أبو سمية، عمار غيلوفي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله الفقير، أحمد النعيمي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حسن عثمان، طلال قسومي، حسن الطرابلسي، رمضان حينوني، د.محمد فتحي عبد العال، د. صلاح عودة الله ، د - شاكر الحوكي ، مجدى داود، إسراء أبو رمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حميدة الطيلوش، وائل بنجدو، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، أشرف إبراهيم حجاج، محمد العيادي، محرر "بوابتي"، فتحـي قاره بيبـان، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، جاسم الرصيف، منجي باكير، صلاح المختار، د - عادل رضا، سامح لطف الله، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، أحمد الحباسي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مراد قميزة، ياسين أحمد، أنس الشابي، د - الضاوي خوالدية، محمود طرشوبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الله زيدان، المولدي الفرجاني، سلوى المغربي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الياسين، عواطف منصور، العادل السمعلي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود سلطان، نادية سعد، محمد أحمد عزوز، د - محمد بن موسى الشريف ، يزيد بن الحسين، عراق المطيري، يحيي البوليني، إياد محمود حسين ، صفاء العربي، صلاح الحريري، د - المنجي الكعبي، د- جابر قميحة، فهمي شراب، سعود السبعاني، عمر غازي، مصطفي زهران، عبد الرزاق قيراط ، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، الهيثم زعفان، رافد العزاوي، صالح النعامي ، عزيز العرباوي، رشيد السيد أحمد، محمد عمر غرس الله، صباح الموسوي ، مصطفى منيغ، كريم السليتي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء