البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

تونس الحقيقة والكرامة ... الكشف والعدالة

كاتب المقال محمد هنيد   
 المشاهدات: 3524



انطلقت في تونس مؤخرا جلسات الاستماع العلنية لضحايا القمع والتعذيب الذي مارسه نظاما الوكيل الاستعماري الأول "بورقيبة" والوكيل الاستعماري الثاني "بن علي" خلال فترة الوكالة الممتدة بين الفترتين 1956 1987 و1987 2010. "هيئة الحقيقة والكرامة" هي الهيكل المكلف دستوريا برعاية مسار الكشف عن ضحايا سنوات القمع والتعذيب والتنكيل التي طالت كل مخالف لرأي "المجاهد الأكبر" وجماعته أو المعارض "لرجل التحول المبارك"، وهي جزء لا ينفصل عن مسار العدالة الانتقالية التونسية كما يحلو للعديد تسميتها.

واجهت الهيئة منذ تأسيسها كل خناجر الدولة البوليسية التي لا تزال تتحكم في مفاصل كثيرة من مفاصل المسار الانتقالي نفسه والدولة هذه جزء لا ينفصل عن الدولة العميقة التي ورثت الهيكل السياسي لإرث "بن علي".

واجهت رئيسة الهيئة ولا تزال تواجه كل أنواع التشويه سواء عبر العناصر التي تم زرعها داخل الهيئة أو عبر التشويه الإعلامي الذي يتفنن فيه "إعلام العار التونسي" الوريث الشرعي لإعلام نوفمبر وإعلام "صانع التغيير".

كان الهدف من كل الحملات التي طالت الهيئة هو منعها من أداء الوظيفة الأهم في المسار الثوري وهو كشف الطبيعة الحقيقية لنظام الوكالة الاستعماري لكل من بورقيبة وبن علي لأن تعرية السلوك المتوحش لهذه الأنظمة هو الكفيل وحده بقطع الإمداد الإعلامي عن شرعية الاستبداد. تعرية توحش الاستبداد في الأنظمة الأمنية الجمهورية هو المدخل الوحيد للوعي الثوري الناشئ القادر على منع تجدد شروط الاستبداد.

قصص التعذيب التي رواها ضحايا دولة القمع كانت صادمة للجميع ومروّعة للحضور لكنها لم تكن صادمة لمن خبر دولة البوليس ودولة زوّار الفجر وجلادي أقبية التعذيب في وزارة الداخلية وفي أقسام الحجز والايقاف حيث تداس كرامة الانسان وتنتزع آدمية البشر.

أمهات حضرن وهن يروين كيف دمّر نظام المجرم بورقيبة حياتهنّ وحياة فلذات أكبادهنّ بأن دفنهم أحياء في الصحراء فشرد عائلات بأكملها وحكم بالموت البطيء على المئات من الشبان والشابات. هذا بقطع النظر عن جرائمه الكبيرة في حق "اليوسفيين" وفي حق زعيمهم الوطني "صالح بن يوسف" وبقطع النظر عن تآمره في اغتيال الزعيم النقابي فرحات حشاد وتصفية كل رفاق النضال ليصفو له الجو وتخلو له الساحة فيستبد بالحكم وبالكرسي ويضع اللبنة الأولى لدولة الخراب والقحط.

أما المجرم "بن علي" فقد شارك بنفسه في التصفية الجسدية للمعتقلين. كما روى كثير من الشهود كيف أزهق بيديه أرواح بعض السجناء السياسيين في أقبية السجون والمعتقلات. والدة الشهيد "كمال المطماطي" روت بحرقة كيف تمت تصفية ابنها تحت التعذيب بمركز الأمن بقابس ثم اخفاء الجثة التي يؤكد كثيرون أنها صبّت في قالب اسمنتي بإحدى الجسور بتونس ثم حوصرت العائلة طوال سنوات طويلة وتم التنكيل بكل من يقترب من العائلة بشكل حطم أسرة بكاملها وحطم مستقبل أبنائها إلى الأبد.

روايات كثيرة مرعبة منها ما لا يستطيع الضحايا البوح به بسبب طبيعة المجتمع المحافظ كحالات الاغتصاب والاعتداء بالفاحشة ونقل الأمراض الجنسية المعدية والحقن بالجراثيم واغتصاب أفراد العائلة أمام السجين والإخصاء وكل أشكال التدمير المعنوي والجسدي التي تفنن نظام السابع من نوفمبر ونظام العميل بورقيبة في الإتيان به.

ما كان "بن علي" ولا "بورقيبة " ولا كل الطغاة العرب ليحكموا شعوبهم دون أن يكون التعذيب وانتهاك حرمة الذات البشرية سلوكا منهجيا لإرهاب الناس ولضمان عالم من الصمت يسمح للزعيم والقائد والبطل المجاهد والرئيس الخالد أن يجلس على كرسيه الوثير وعلى جماجم شعبه عقودا من الزمان. التعذيب والقمع والإرهاب هي الأدوات الوحيدة التي يمتلكها مغتصب السلطة حتي يستطيع الحكم وهو في ذلك لا يختلف عن أية قوة استعمارية أو عن جيوش الاحتلال مثلما أثبتت ذلك حرب العراق وزنازين "أبو غريب" الشهيرة.

التعذيب من جهة والاستبداد من جهة أخرى هما وجهان لعملة واحدة فلا يمكن لأحدهما أن يوجد دون وجود الآخر فخصائص كليهما تتماهى مع الآخر ولا يستقيم الأول إلا بالثاني. أما فضاء الحرية فإنه يتماهى مع احترام كرامة الإنسان ومع العدالة الاجتماعية لأن الأول لا يتحقق إلا بالثاني ولأن شرط وجود الأول مرتبط بوجود الآخر.

صحيح أن التنفيس عن الألم لن يعيد للضحايا شبابهم ولن يعوضهم عن سنوات العذاب ولا عن العمر الذي ضاع والمستقبل الذي تحطم لكنه يسمح من جهة أخرى بكشف بشاعة الاستبداد ويعري جرائم الجلادين الذين تحوّلوا إلى مجرمين في حق شعوبهم وأهلهم.

هذا الكشف والوعي المصاحب له هما الخطوة الأولى في طريق تحقيق دولة الكرامة والعدالة الاجتماعية ولو في حدّها الأدنى. بناء عليه فإن دولة العدالة الاجتماعية ودولة كرامة الإنسان لا يمكن أن تقوم إلا بتحقيق العدالة القادرة على محاكمة كل من أجرم في حق الذات البشرية والقصاص من الجلادين حتى يتم القضاء على كل إمكانيات تجدد الظاهرة وتكرر الجريمة.

إن العدالة العرجاء أو تبييض التعذيب وطمس الجريمة هو أن يفلت الجلادون والمجرمون من العقاب ومن القصاص العادل الذي هو الوحيد القادر على ترميم ما حطمته يد المجرمين من أنفس بشرية. إن العدالة الانتقالية التي تقتصر على التنفيس وعلى شهادة الشهود ليست في الحقيقة إلا طمسا للجريمة بل ومشاركة فيها وتفعيلا لها باسم الوئام الكاذب والمصالحة المغلوطة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، هيئة الحقيقة والكرامة، جلسات الإستماع، سهام بن سدرين، المنظومة القديمة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-11-2016   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: موقع عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ضحى عبد الرحمن، محمد عمر غرس الله، إيمى الأشقر، د - عادل رضا، فوزي مسعود ، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، سامر أبو رمان ، عراق المطيري، عبد الله زيدان، محمد العيادي، فتحي العابد، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد الطرابلسي، كريم السليتي، محمد شمام ، حسن عثمان، سلام الشماع، محمد يحي، طلال قسومي، يزيد بن الحسين، عمار غيلوفي، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد النعيمي، صلاح المختار، رافع القارصي، حميدة الطيلوش، محرر "بوابتي"، خالد الجاف ، محمود طرشوبي، رشيد السيد أحمد، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، مصطفى منيغ، كريم فارق، رافد العزاوي، مراد قميزة، فهمي شراب، مصطفي زهران، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صلاح الحريري، د - شاكر الحوكي ، محمود سلطان، ياسين أحمد، أبو سمية، يحيي البوليني، إياد محمود حسين ، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، د- محمد رحال، علي عبد العال، علي الكاش، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د- محمود علي عريقات، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله الفقير، نادية سعد، عبد الغني مزوز، سليمان أحمد أبو ستة، د- جابر قميحة، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، الهادي المثلوثي، رمضان حينوني، أحمد بوادي، أحمد ملحم، عزيز العرباوي، عواطف منصور، د - صالح المازقي، وائل بنجدو، سامح لطف الله، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، سلوى المغربي، تونسي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد الياسين، جاسم الرصيف، سيد السباعي، أنس الشابي، عمر غازي، صفاء العراقي، المولدي الفرجاني، محمود فاروق سيد شعبان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صفاء العربي، منجي باكير، الهيثم زعفان، د. مصطفى يوسف اللداوي، الناصر الرقيق، د. أحمد بشير، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بنيعيش، د - محمد بن موسى الشريف ، مجدى داود، محمد اسعد بيوض التميمي، صالح النعامي ، فتحي الزغل، د. خالد الطراولي ، أحمد الحباسي، سعود السبعاني، عبد الرزاق قيراط ، ماهر عدنان قنديل، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. أحمد محمد سليمان، د. طارق عبد الحليم، صباح الموسوي ، د. صلاح عودة الله ، حسن الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء