البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

المرزوقي: خطر تأسيس ديمقراطية تخضع للفساد

كاتب المقال طارق الكحلاوي - تونس   
 المشاهدات: 5774



بالتوازي مع بدء مفاوضات أشبه بالسرية من أجل "الشراكة المعمقة مع الاتحاد الأوروبي"، أي واحدة من أهم الاتفاقيات في تاريخ تونس وبدون تقييم الاتفاقيات السابقة (سنعود إليها مرة أخرى)، وفي خضم الغبار المثار حول الصراعات الهوياتية الأيديلوجية المعتادة، تتعاضد الجهود لتمرير "قانون المصالحة" الذي بادر به السبسي في صيغة جديدة والذي اجمعت المنظمات الدولية المهتمة بمقاومة الفساد والشفافية والعدالة الانتقالية أنه تبييض للفساد. فالتحالف الندائي-النهضوي (أو جزء من النهضة على الأقل) الذي يمهد لتوسيع صلاحيات الرئيس السبسي هو أيضا الذي يقف كرافعة أساسية لهذا القانون في صيغة "قانون العفو الوطني العام".

وأعلن هذا الأسبوع المحامي خالد الكريشي عضو هيئة الحقيقة والكرامة المعنية بالعدالة الانتقالية رفض المكلف العام بنزاعات الدولة تقديم شكايات بمن سرق المال العمومي لحوالي 900 ملف فساد مالي ورفض وزارة الداخلية تنظيم جلسات التحكيم والمصالحة مع من قام بجرائم ضد المواطنين قبل الثورة. وهذا مثال لمن يقول إن قانون "المصالحة" أو "العفو" لن يمنع تطبيق العدالة الانتقالية. إذ إنه يتم الامتناع عن تطبيقها من الآن. في السياق ذاته والأسبوع ذاته، صرح رئيس الهيئة الوطنية لمكافحة الفساد: "مسؤولون كبار في الدولة متورطون في قضايا فساد"، مما أدى إلى إبلاغه بتهديدات لسلامته بعد يوم من التصريح.

ذكر الدكتور المرزوقي منذ أسبوع أننا نواجه في تونس خطر تأسيس ديمقراطية تخضع للفساد. ليس ذلك أمرا استثنائيا في تاريخ الديمقراطيات لكن التاريخ موجود تحديدا حتى نتعلم أخطاءه وألا نكررها. فما الذي يمكن أن تتعلمه تونس من التاريخ حتى تتجنب ديمقراطية فاسدة؟

سأخصص ملاحظاتي هنا على تاريخ الديمقراطية الأمريكية والفساد معتمدا على أحد المؤلفات الجديدة والجدية، كتاب زيفير تيتشآوت "الفساد في أمريكا" من منشورات جامعة هارفارد سنة 2014. وكانت قضية "Citizen United" التي أشعلت الضوء الأخضر لإغراق "سوق السياسة" الأمريكية بالمال السياسي بلا أي سقف والذي صادقت عليها المحكمة العليا الأمريكية سنة 2010 بمثابة الضربة القوية للنموذج الأمريكي. وما السيط النسبي لكن الذي يبقى محدودا لحملة السيناتور بيرني ساندرز في الأشهر الأخيرة إلا تعبيرا على ردة الفعل المتصاعدة ضد النخبة السائدة في واشنطن والشكوك حول ارتهانها لمصالح اللوبيات وتطبيعها لوضع أوليغارشي لا ديمقراطي.

تبقى التجربة التاريخية الأمريكية في التاسيس للديمقراطية الأكثر إثارة للجدل. حيث شهدت حالات نموذجية لتدخل المال السياسي وفي المقابل تشريعات نموذجية أيضا لمقاومته. ومنذ البداية كان هاجس تفادي "الفساد الملكي البريطاني" مهيمنا على عقلية "الآباء المؤسسين". هذا الهاجس كان يتعقب كل شيء بما في ذلك الهدايا التي كانت تمنح للمسؤولين السامين. وكان التداخل بين السياسي والمالي واضحا منذ البداية وكانت أول فضيحة لاستغلال النفوذ بيع ملايين الهكتارات في ولاية جورجيا آخر القرن الثامن عشر من قبل حكومة الولاية لشركات تتبع لبعض أعضاء السلطة التشريعية بثمن بخس وصل لسنت واحد مقابل الهكتار.

كما كانت منذ البداية إحدى المسائل الأكثر إثارة للجدل صلاحية التعيينات في المناصب العليا. وعليه انتهى المؤسسون خاصة خلال مرحلة رئاسة جيمس ماديسون إلى التوافق على توزيعها بين السلطة التنفيذية (الرئيس) والتشريعية (الكونغرس)، حتى لا تتغول سلطة الرئيس وتتحول إلى ملكية، ولا يصبح التعيين وسيلة لكسب رضا ممثلي السلطة التشريعية وبالتالي للمحاباة. بيد أن ذلك لم يمنع الفساد في التعيينات فيما بعد حيث كان الرئيس الأمريكي في النصف الثاني للقرن التاسع عشر معنيا مثلا بتعيين عشرات الآلاف من الموظفين وكانوا يصطفون في البيت الأبيض منتظرين إعطاءهم وظيفة على قدر مساهمتهم في حملة الرئيس الانتخابية.

وكانت إدارة نيويورك للديوانة من بين أهم التعيينات حيث كانت غالبية مداخيل الدولة الضريبية متأتية منها بفعل أن ميناء نيويورك كان المحطة الرئيسية للتجارة في البلاد وكان بعض سيناتورات مدينة نيويورك يعتبرون ذلك المنصب امتيازا استثنائيا يمنحهم سلطة كبيرة.

وبلغ الفساد مستوى كبيرا خاصة إثر الحرب الأهلية في الثلاثة عقود الأخيرة من القرن التاسع عشر مع الصعود الكبير لمؤسسي الرأسمالية الأمريكية مثل فاندربيلت (سكك الحديد) وروكفيلر (النفط) وكارنيغي (صناعة الفولاذ) وجي بي مورغان (الاستثمار البنكي خاصة في الكهرباء) وغيرهم حيث بدوا الحاكمين الفعليين للبلاد وبالغوا في استغلال العمال وفي تشكيل احتكارات كبرى ومن ثمة شراء الطبقة السياسية. على سبيل الذكر لا الحصر قام فاندربلت في سياق محاولته احتكار قطاع سكك الحديد ولضمان شراء غالبية الشركات خاصة الموجودة في نيويورك إلى إغلاق الجسر المؤدي للمدينة لإخضاع الشركة المحلية لصفقة شرائها مع العلم أن معظم الولايات المتحدة تعيش آنذاك على الصادرات والواردات التي تخرج من ميناء نيويورك. كما قام كارنيغي وشريكه فريك بارتكاب مجزرة ضد العمال المضريبن باستعمال ميليشات مرتزقة أمام صمت حاكم بنسلفانيا.

وأصبحت مراكز المصالح أو اللوبيات أيضا عصب تأثير المال السياسي منذ البداية. ورغم محاولات تجريمها، مثلما حصل في جورجيا في سبعينيات القرن التاسع عشر، إلا أنها استطاعت تحصين نفسها والتحول إلى مؤسسة مؤثرة تتفوق على المؤسسات المنتخبة وتتحكم فيها إلى الآن. ومثلما أوضح المرشح الديمقراطي ساندرز تقوم مثلا وال ستريت بضمان ولاء غالبية السياسيين بمنحهم اموال كبيرة في صيغة تقديم محاضرات. وبلغت مداخيل هيلاري كلينتون من هذا الصنف على سبيل المثال مئات آلاف الدولارات. وبهذا المعنى يمكن فهم ما توصلت إليه دراسة صدرت سنة 2014 عن جامعة برنستون العريقة خلصت إلى أن الولايات المتحدة تتجه لأن تكون "أوليغارشية" بسبب تدخل المال السياسي المفرط.

ورغم ذلك تمثل الولايات المتحدة أيضا في بعض القطاعات نموذجا في مكافحة الفساد وعلى سبيل الذكر لا الحصر توجد فيها قوانين نحتاج لمحاكاتها مثل نشر عقود النفط للعموم وهو ما اقترحناه في البرنامج الانتخابي لسنة 2014. لكن تبقى التجربة الاسكندنافية النموذج الأساسي للاتباع في ضمان التوازن بين التنمية وتشجيع القطاع الخاص مع ضمان مستوى رفيع من الشفافية. وقدمنا في إطار كتلة الحزب منذ سنة 2012 حزمة مشاريع قوانين لم تحظ بالمصادقة لأننا كنا أقلية مثل مشروع قانون أساسي يتعلق بتطهير القضاء والمحاماة، ومشروع قانون يتعلق بالتدقيق في المديونية يقضي باستعراض ورصد وتقييم عملية التفاوض بشأن الديون وإعادة هيكلتها كما يشمل تحديد المسؤولية عن سوء الاستخدام الذي يتعارض مع المصالح الوطنية للشعب التونسي. وأيضا مشروع قانون أساسي يتعلق بالشفافية ومكافحة الإثراء غير الشرعي.

يُكرر السبسي يوميا تقريبا أن "قانون المصالحة" أو ما سيسمى الآن "قانون العفو الوطني العام" هو الذي سيحسن الوضع الاقتصادي في البلاد. بما يعني أن مشكل التنمية في البلاد هو ملاحقة وحجر السفر على مديرين ومسؤولين سياسيين كانوا خبراء ومستعدين للتواطؤ في تسهيل الفساد، ما يفسر ثقة بن علي فيهم بوضعهم في تلك المواقع الحساسة. أي أن السبسي ببساطة ومن معه من أحزاب ستدعم هذا القانون يرون أن خبرة أي مسؤولين في الفساد شرط أساسي للتنمية. يعني بعكس تماما بديهيات الاقتصاد وبعكس ما تطالب به رسميا المؤسسات المالية الدولية التي تقرض تونس.

--------
وقع تغيير العنوان الاصلي للمقال
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، الفساد بتونس، منظومة الفساد، المنصف المرزوقي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-04-2016   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، إيمى الأشقر، عبد الغني مزوز، د. أحمد بشير، محمود طرشوبي، طلال قسومي، خبَّاب بن مروان الحمد، أحمد ملحم، د- محمود علي عريقات، سيد السباعي، أنس الشابي، محمد العيادي، د- محمد رحال، منجي باكير، كريم السليتي، مصطفى منيغ، نادية سعد، د. خالد الطراولي ، د- جابر قميحة، د. عادل محمد عايش الأسطل، سلام الشماع، خالد الجاف ، رافد العزاوي، د - محمد بنيعيش، عواطف منصور، د- هاني ابوالفتوح، حميدة الطيلوش، العادل السمعلي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد عمر غرس الله، فهمي شراب، إسراء أبو رمان، صالح النعامي ، مجدى داود، فتحـي قاره بيبـان، المولدي الفرجاني، الهادي المثلوثي، سامر أبو رمان ، كريم فارق، د. صلاح عودة الله ، محمد الياسين، عراق المطيري، محمد أحمد عزوز، سامح لطف الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمود سلطان، يحيي البوليني، حسن الطرابلسي، سليمان أحمد أبو ستة، عمر غازي، فتحي الزغل، أ.د. مصطفى رجب، د. طارق عبد الحليم، ضحى عبد الرحمن، عمار غيلوفي، أحمد بوادي، عبد الله الفقير، د - صالح المازقي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د.محمد فتحي عبد العال، صلاح الحريري، صفاء العربي، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مراد قميزة، د - شاكر الحوكي ، عبد الرزاق قيراط ، د. مصطفى يوسف اللداوي، الهيثم زعفان، سفيان عبد الكافي، ياسين أحمد، أشرف إبراهيم حجاج، محمد شمام ، محمود فاروق سيد شعبان، د. أحمد محمد سليمان، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، يزيد بن الحسين، عبد الله زيدان، د - محمد بن موسى الشريف ، رضا الدبّابي، الناصر الرقيق، د - عادل رضا، سلوى المغربي، رافع القارصي، ماهر عدنان قنديل، د - الضاوي خوالدية، رشيد السيد أحمد، رمضان حينوني، جاسم الرصيف، تونسي، محمد الطرابلسي، علي الكاش، فوزي مسعود ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسن عثمان، د - مصطفى فهمي، علي عبد العال، رحاب اسعد بيوض التميمي، صباح الموسوي ، مصطفي زهران، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أبو سمية، أحمد النعيمي، حاتم الصولي، وائل بنجدو، أحمد الحباسي، صلاح المختار، محمد يحي، إياد محمود حسين ، سعود السبعاني، فتحي العابد،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء