البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

إنها الفتنة يا مولاي:
رسالة إلى الشرفاء من مثقفي تونس

كاتب المقال عبد الحق الزموري - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 9278 Abduzam55@maktoob.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


من بركات الثورات عادة ً افتتاحُ مسيرة طويلةٍ تُجَلِّي فيها المستور وتصهر القوى والأفكار والأنفس الموجودة في الساحة، فيخرجَ الحيُّ من الميت، ويَدمَغُ الحقُّ الباطلَ، وهو ما اصطلحنا على تسميته في الأدبيات السياسية بـ"القطع مع الماضي"، و"تفكيك منظومة الاستبداد"، وافتتاح عهد تفرض فيه الثورة مفاهيم جديدة وهياكل جديدة وشخوص جديدة...

وككل المسيرات الثورية أيضا، كان لا بد لتلك المسيرة أن تعرف انتفاضًا للبُنى القديمة المتكلّسة للدفاع عن مصالحها / وجودها، هياكل ومؤسسات وقيم ومفاهيم وطرائق تفكير وشبكات وفاعلين اجتماعيين وسياسيين وأمنيين. فنظام الاستبداد منظومة سرطانية متكاملة، تفشَّتْ الرشوة والفساد في أذرعها السياسية والأمنية والقضائية والإعلامية والتعليمية والإدارية والمالية والصحية وغيرها، ولن تقبل – في منطق السنن التاريخية – بالتسليم بحصول ثورة والخضوع لاستحقاقاتها ما لم تنهزم فعليا على الأرض، وما لم تنتصر إرادةُ الثائرين في فرض قواعد جديدة للعبة.
نحن الآن في مواجهة ارتدادات الثورة المضادة، وستأخذ هذه الأخيرة أَوْجُهًا عديدة وألوانا مختلفة، ولكنها ستعتمد في كل معاركها سلاح الفتنة كأداة ناجعة في تحييد الثورة عن مساراتها الحقيقية ومآلاتها المرجوة، ولن تكون فتنة اللائكيين والسلفيين الدينيين إلا إحدى نصالها.

حادثة أفريك آرت والفيلم الفضيحة، وتداعيات التصريحات "النارية" وغير الأخلاقية لمحمد الطالبي، وما سبق وأعقب ذلك من ولوغ عديد الجهات المعلومة وغير المعلومة في دم الفتنة التي ولّدها أمرٌ مرتقبٌ ومتناغم مع طبيعة الصراع نفسه، زاد كل ذلك من قناعتنا أن مشروعا فِـتْنَوِيًا كبيرا يُراد لتونس في مرحلة "اللاإستقرار"، أو ما نطلق عليه بمرحلة الانتقال الديمقراطي، مشروعا يمكن أن يعبَّرَ عنه من خلال عناوين عدة، وتُحَركُهُ أصابع كُثر. قد تأخذ شكل التناحر القبلي والعشائري؛ وقد تتلبّس بلبوس العلمانية أو اللائيكية المضادة للدينية أو الإسلامية؛ كما قد تتسربل بلباس التحضّر والمدنية ضد الرجعية والجهوية والمناطقية ....الخ. ولا شك أن المطلوب من هذا المشروع تفتيت الرأسمال الرمزي الذي تكوّن من وحدة التونسيين وقدرتهم على العمل معا في قضايا كبيرة كإسقاط الدكتاتورية، والتضامن الطوعي والتلقائي الشامل مع مآسي وعذابات الشعوب المجاورة. كان هدف مشروع الفتنة أن لا يتحول ذلك الرأسمال الرمزي - وهو بصدد التشكل - إلى بُنًى في التفكير والنظر، وهياكل في السياسة والاقتصاد والثقافة، ومشاريع لمستقبل تونس والمنطقة.
كانت رؤوس الفتنة (الخارجية) قد اتخذت قرارا بأن لا يُسمَحَ للثورة التونسية بتحقيق أيٍ من شعاراتها الكبرى وطموحاتها المعلنة مهما كانت الوسائل المستعملة في ذلك المنع، ومهما كان حجم التضحية بالأصابع (المحلية) التي توقد نارها وتؤجج لهيبها وتحترق بآثارها.

لم يكن كل ذلك بالمستغرب بل كان منتظَرًا ومحسوبا، ولكن الغريب والمستهجن (ما يدعو لتدبّرٍ أعمق) أن يسارع بعض الذين نحسبهم من العقلاء، والحكماء (ولا نزكّي على الله أحدا) إلى "التموقع" في الفتنة، والإصرار على تقديم مراسيم الطاعة لها، وهم مع الأسف الشديد كُثرٌ من أبناء بلدي، بقطع النظر عن ألوان الطرابيش التي ينتشون بوضعها على رؤوسهم. وسأذكر هنا على سبيل المثال لا الحصر، ومن باب الحرص لا غيره، ما ورد بقلم صديقين أعتز بصداقتهما، وأُكبر نضالاتهما ووقوفهما أمام كثير من انحرافات الواقع المرير، ولا أدّعي وقوفي معهما على نفس التخوم الفكرية والسياسية، هما الجامعي الرصين شكري المبخوت، والصحفي الشاب والمناضل سفيان الشورابي.

كتب المبخوت تدوينته في حموءة حادثة فلم نادية الفاني (وقعت الحادثة يوم الأحد 26 جوان) ونشرها على مدونته يوم الاثنين 27، كما صدرت مقالة الشورابي في جريدة الأخبار اللبنانية يوم الثلاثاء 28. ولعل تلك الحموءة هي التي جعلت الكتابة هنا فعلَ انخراطٍ لا فعْلَ تَدَبُّـرٍ، وانفعالا مُنْذِرٌ بقَرَفٍ لا تفكيكًا من ورائه سعي للحقيقة. فالمبخوت – وهو يصرّح منذ البداية أنه لم يشاهد الفلم ولم يحضر الحادثة – يعلن من وراء صياغاته وتركيباته اللغوية أنه يختار التموقع، حانيا على "الضحية" (الذين حضروا التظاهرة) حاملا بشراسة على "الجلاد"، "ضحية الأمس" (من يفترض أنهم هاجموا القاعة) الذي شبّهه بــ‘‘الندوب والدماميل التي كشفت عنها الثورة التونسيّة بعد أن أخفاها الاستبداد في السجون والمنافي وكمّم الأفواه التي تقولها’’ (وهو بالأكيد ليس ترحُّمًا على الزمن الذي كان الاستبداد فيه قادرا على تغييب تلك الدماميل من أمام عدسات الكاميرا الناقلة للصورة الجميلة لبلدنا للخارج). ولكن تموقع الشورابي كان أكثر مباشرية، ولم يكن فحسب انفعالا ولّدته الحموءة، وإن استعمل نفس "غلالة" الخطاب التحريضي ضد نفس الفئة التي اعتبرها المبخوت ندوبًا، حيث يقول متسائلا: ‘‘هل إنّ غزوة «سينما أفريكا آرت»، بروفة عن كيفية تعامل فئة جديدة صاعدة في تونس، مع الثقافة والفكر والإبداع مستقبلاً؟ لطالما كانت «سينما أفريقيا للفنون» ملجأً للمبدعين المستقلين في عهد بن علي’’.

ألسنا أمام انزلاقات خطيرة تلك التي يتورط فيها بعض مثقفينا، منساقين بوعي عند البعض، وبغفلة عند الآخرين، إلى خدمة مشروع فتنة كبير لا يكترث إن كان المتحرك فيه صاحب لحية كثّة وبُرقُعٍ عازلٍ أم صاحب شارب طويل ونهد عارٍ (لا تعني المقابلة ما توحي به لفظا).

صحيحٌ أن ردّ المبخوت على ما أثارته تدوينته من جدل عند بعض أصدقائه عَكَسَ برودةً في العقل التحليلي، حاول بموجبه مغادرة مربّع الاصطفاف "الحيواني" عندما يقول ‘‘لذلك نحتاج حقّا إلى نقد مزدوج للبؤس السلفيّ العاجز عن قول الآن وهنا إلاّ بلغة مستعارة من غياهب التاريخ وللبؤس الحداثيّ العاجز عن الذهاب إلى الإنسانيّ العميق لدى هؤلاء المقموعين المردّدين للقوالب المكرورة تكبيرا أو تكفيرا’’. ولكن الشورابي كان يستحضر وهو يكتب مقالته سيناريو كاملا لم يكن عَقْدُ التظاهرة تلك (وهو ينتمي إلى مجموعة لمّ الشمل المنظّمة لها) إلا بنده الأول، يليه البند الثاني: تدخل رئيس مجموعة "لمّ الشمل" برفقة ممثلة عن حزب آفاق تونس (أحد الأحزاب المتهمة بوراثة حزب التجمع المنحلّ) سويعات قليلة بعد الحدث في اجتماع للبرلمان الأوروبي منددا بحزب التحرير وأشباهه من الظلاميين، مستصرخا همم "التقدميين جدا" للمناصرة في تخليص تونس من تلك "الندوب والدماميل" !!!!! ألم يستعد الشورابي تلك الصرخة في آخر مقاله عندما كتب ‘‘يمكن القول إن هذا العمل التخريبي ضدّ مثقفين خلال اجتماع في الفضاء العام، (...) قد يكون إشارة إضافيّة إلى المنعطف الخطير الذي ستشهده تونس في المرحلة المقبلة’’.

إننا في حاجة اليوم، وأكثر من أي وقت مضى، إلى أن يعيد الشرفاء من مثقفي تونس ونخبها تصويب البوصلة وجهتها الصحيحة تعريةً لمشاريع الفتنة التي تملأ الفضاء ودعما لاستحقاقات الثورة. فهل من مدّكر.

------------
عبد الحق الزموري
باحث


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة المضادة، لم الشمل، الثورة التونسية، اليسار الفرنكفوني، اليسار الإستئصالي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 27-07-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
نادية سعد، سامح لطف الله، د - مصطفى فهمي، إيمى الأشقر، الهادي المثلوثي، د - الضاوي خوالدية، صباح الموسوي ، د.محمد فتحي عبد العال، د - شاكر الحوكي ، رشيد السيد أحمد، المولدي الفرجاني، خبَّاب بن مروان الحمد، جاسم الرصيف، سليمان أحمد أبو ستة، تونسي، علي عبد العال، أشرف إبراهيم حجاج، منجي باكير، أحمد بوادي، محمد أحمد عزوز، د. كاظم عبد الحسين عباس ، علي الكاش، حسن الطرابلسي، د - المنجي الكعبي، مصطفي زهران، فتحي العابد، محمد العيادي، رافد العزاوي، خالد الجاف ، محمد شمام ، حميدة الطيلوش، سامر أبو رمان ، العادل السمعلي، إياد محمود حسين ، فتحـي قاره بيبـان، يحيي البوليني، رضا الدبّابي، أ.د. مصطفى رجب، صلاح الحريري، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم السليتي، د- محمد رحال، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الله زيدان، عمر غازي، الهيثم زعفان، د. صلاح عودة الله ، وائل بنجدو، رمضان حينوني، د. خالد الطراولي ، محمد يحي، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، د - محمد بن موسى الشريف ، صالح النعامي ، ياسين أحمد، أحمد النعيمي، أبو سمية، د. عبد الآله المالكي، يزيد بن الحسين، محرر "بوابتي"، مصطفى منيغ، صفاء العراقي، كريم فارق، ضحى عبد الرحمن، سلام الشماع، محمود فاروق سيد شعبان، رحاب اسعد بيوض التميمي، سفيان عبد الكافي، أحمد ملحم، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الطرابلسي، رافع القارصي، د. أحمد محمد سليمان، د. مصطفى يوسف اللداوي، عمار غيلوفي، محمود طرشوبي، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، محمد اسعد بيوض التميمي، الناصر الرقيق، د - محمد بنيعيش، فوزي مسعود ، د. طارق عبد الحليم، محمد عمر غرس الله، د- هاني ابوالفتوح، محمد الياسين، إسراء أبو رمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، د - عادل رضا، عراق المطيري، سلوى المغربي، أنس الشابي، طلال قسومي، عبد الله الفقير، محمود سلطان، د- جابر قميحة، ماهر عدنان قنديل، سعود السبعاني، أحمد الحباسي، فتحي الزغل، عبد الرزاق قيراط ، مجدى داود، عواطف منصور، صفاء العربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، مراد قميزة، فهمي شراب، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، حاتم الصولي، عزيز العرباوي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء