البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

صف الحداثة العربي يندحر في غزة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 228



سؤال ممض ومزعج: لماذا لم يحرر الحداثيون العرب فلسطين قبل أن يعاود الإسلاميون الظهور في الساحة؟ لقد أخذوا فرصة زمنية كفيلة بإعادة تكوير الكرة الأرضية، لكنهم انتهوا في أوسلو إما منخرطين بمجاميعهم أو متعاطفين أو مبررين لكل الفعل الانهزامي، ولا تزال صورهم قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم مع الانقلابات العربية المعادية للديمقراطية؛ تقتحم بيوتنا عبر تلفازاتهم. لقد حدث أكثر من انقلاب عسكري في تاريخ العرب الحديث بعنوان معلن تحرير فلسطين من العراق إلى مصر عروجا على ليبيا والجزائر، ولكن لم يتم التحرير إلا بالأغاني الثورية التي تستحضر فقط في مناسبات محددة ثم يعود عدوية "بالسح ادح انبو".

لقد بدأ الإسلاميون حرب التحرير منذ ما قبل قيام الكيان، ثم بقدرة قادر طمس جهادهم باسم توحيد الأمة من أجل التحرير الشامل (كأن التحرير يمر أولا بقطع العلاقة مع الجهاد المؤسس)، ثم كانت مرحلة من النضال العجيب في نُزل فخمة انتهت في أوسلو، حتى كانت حماس. هذه أسئلة حول الفشل الحداثي في معارك التحرير.

قوالب الحداثة المضروبة
ما زلنا مضطرين إلى خوض نقاشات عقيمة مع قوم يروجون بعدُ أن الإخوان المسلمين ومن تناسل من فكرتهم هم صناعة المخابرات الإنجليزية؛ التي زرعتهم لتخريب أمة العرب العظيمة ذات الرسالة الخالدة، وتحت هذه اليافطة تم تدمير تنظيمات شعبية وقُتل الآلاف في السجون والمعتقلات حتى لا يكون هناك مخذّل خلف الجيوش الشجاعة التي ستحرر الأرض المحتلة وتبني الأمة الماجدة. صدر هذا الخطاب من عراق ومن سوريا البعث(يين) ومن مصر الناصرية ومن ورثها وإن أنكر الناصرية، ومن جزائر الجنرالات ومن ليبيا التي لا نجد وصفا لائقا لنظامها العبثي.

في طريق الحرب على التيارات الإسلامية وتنظيماتها تم نسيان فلسطين والادعاء ببناء الحداثة العربية، وروجت الأفكار أن التحرير لا يكون إلا بخطة تحديث تتجاوز الفكر الديني المتخلف والرجعي والظلامي، إلى آخر المعزوفة التي نسمعها لأكثر من سبعين سنة. ومن العجيب أن مشاريع التحديث أخذت بمجامع التحديث الغربي إلا تحديث السياسة عبر إطلاق الحريات وبناء الديمقراطية، حتى صار كل من يحمل علامة دينية يُقصى من الحق في الحياة وصار الذهاب إلى المساجد جريمة في زمن بن علي التونسي.

كان كل خطاب الحداثة يقرن جملة التحديث الاجتماعي بجملة تحرير الأرض ورمي العدو في البحر، وفي الأثناء أرّخت الحداثة لحرب التحرير بنشأة حركة فتح مغفلة ما قبلها، ولا تزال تعتبر أن كل نضال خارج منظمة التحرير هو خيانة للقضية. وقد وصلت الوقاحة بهذا التيار وكثير من رموزه المتحكمة في الإعلام والثقافة والجامعات أن حركة حماس في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تدعم المشروع الصهيوني؛ إذ ناوشت اليمين الصهيوني ليفتح معركة تمهد لحكم اليمين الديني في إسرائيل من أجل تقاسم السلطة معه في فلسطين، ليستقر الأمر لليمين الديني على حكم العرب؛ أي والله لقد قرأنا هذا في مقالات الحداثيين التونسيين وفيهم من يكتب من مقاهي باريس مطمئنا إلى سلامة منطقه.

لكن الحقائق على الأرض مختلفة، ولا يمكن للحداثة وتياراتها من اليسار والليبراليين والقوميين أن يغيروها بعد حرب الطوفان. معركة التحرير تجري الآن وهنا، وتقودها تيارات إسلامية وترفع شعارات دينية وتتحدث عن الشهادة والجنة بينما يقف تيار الحداثة وراء شلة أوسلو.

الطوفان يجرف الحداثيين المزيفين

من بركات الغزوة الطوفانية أن جرفت مفكري الحداثة ومشروعهم في التحرير، وجعلت أفكارهم ومواقفهم محل تندر وسخرية. يُظهر الكثير منهم مواقف جديدة تبدأ غالبا بنعم؛ نعم للتحرير ولكن ليس بخطاب ديني ومرجعيات ظلامية. وهذه التوبة المشروطة هي التي تحول هؤلاء إلى مسخرة.

سؤال كبير يعود إلى سطح النقاشات: ماذا في إسلام التحرير يتناقض مع الأفكار التحديثية التي زعم الحداثيون أنها مدخل المستقبل؟ هل الدين الذي يحتمي به المقاوم في لحظة انتصاره يدخل تحت باب أفيون الشعوب؟ هل التحرير أفيون؟ هل يكون المرء رجعيا مظلم العقل وهو يتسلح ويقاوم وينتصر؟

لقد صحح الطوفان للكثيرين موقفهم، وستمتد المراجعات إلى أبعد من حرب غزة 2023، لذلك نراها تحرر عقولا كثيرة غُم عليها بخطاب حداثة ركب السلطة بالدبابة. حرب الطوفان أسقطت الحداثيين العرب وأطروحاتهم وصارت هي بوابة التحديث، فلا تحديث خارج المرجعيات الأصيلة للشعوب حيث تسقط كل الأطروحات الزائفة التي قادت إلى أوسلو بعد أن أسست لكل الديكتاتوريات العربية؛ من قدم منها على دبابة أو من زيف الصندوق الانتخابي منذ النكبة الكبرى.

إننا نرى اليسار بكل مسمياته والقوميين بكل عناوينهم والأنظمة الحاكمة بكل صيغها؛ مجتمعين وراء عباس/ أوسلو وإن تظاهروا بإنكاره هذه الأيام، ونسمعهم ينتظرون اندحار حماس والجهاد ليقولوا "انظروا ماذا فعل الخوانجية بالقضية"، ولكنهم يقفون مبهوتين أمام صمود المقاومة وحاضنتها الشعبية التي كان صمودها بحجم قوة مقاومتها.

أفق الطوفان

طوفان غزة حرر عقولا وحرر إرادات وأعاد وضع القضية في موضعها الذي هي به جديرة، ومنه تكمل مسارها نحو التحرير الشامل ناقضة بذلك نضالات مزيفة كان أغلبها يتم في صالونات مخملية ولم تحمل سلاحا.

هل سيكون الإسلاميون وحدهم في الساحة حتى التحرير الشامل؟ أجيب بلا واضحة، فهناك من يقف معهم بعد، ولكنه لا ينكر عليهم وجودهم ولا دورهم وهو يشاركهم فيما يفعلون دون ادعاءات حداثية كاذبة. هؤلاء جزء من معركة التحرير ورفقاء طريق النصر حتى خطوته الأخيرة، لذلك فإن ما كتبناه أعلاه ليس إنكارا لصدق الصادقين ولا لشهادة من استشهد في معارك حقيقية، بل هو تأكيد على معنى واضح معركة التحرير لا تتناقض مع الحداثة بل هي الحداثة نفسها، فلم نعرف شعبا عاش حداثته تحت الاحتلال أو بالتنسيق الأمني المقدس معه. ولأنها كذلك فإن الإسلامي جزء مكين منها وقد يكون الأقدر عليها بحسب مجريات المعارك الحقيقية لا معارك المؤتمرات الخمس نجوم.. الطوفان ينظف ويفرز ويفتح الطريق نحو حداثة مستقلة ستكتب نصوصها في قادم الأيام.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-12-2023   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد العيادي، أنس الشابي، د- جابر قميحة، د. عبد الآله المالكي، إسراء أبو رمان، محمود طرشوبي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سلوى المغربي، إيمى الأشقر، الناصر الرقيق، د- محمد رحال، منجي باكير، عبد الرزاق قيراط ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، فوزي مسعود ، سفيان عبد الكافي، حاتم الصولي، د - محمد بنيعيش، المولدي الفرجاني، أبو سمية، رافع القارصي، سامر أبو رمان ، أحمد الحباسي، محمد يحي، صباح الموسوي ، عبد الله الفقير، علي الكاش، رافد العزاوي، د - صالح المازقي، صلاح الحريري، مصطفي زهران، رمضان حينوني، د - الضاوي خوالدية، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، ياسين أحمد، د. خالد الطراولي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود سلطان، عبد الغني مزوز، أحمد ملحم، أشرف إبراهيم حجاج، عمر غازي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسن الطرابلسي، د - شاكر الحوكي ، سعود السبعاني، عبد الله زيدان، فهمي شراب، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود فاروق سيد شعبان، عراق المطيري، عمار غيلوفي، د. صلاح عودة الله ، د. طارق عبد الحليم، أحمد النعيمي، الهادي المثلوثي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد عمر غرس الله، د - المنجي الكعبي، نادية سعد، فتحـي قاره بيبـان، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سيد السباعي، محمد الياسين، محرر "بوابتي"، صفاء العراقي، عواطف منصور، فتحي الزغل، صفاء العربي، الهيثم زعفان، صلاح المختار، رشيد السيد أحمد، محمد أحمد عزوز، حميدة الطيلوش، صالح النعامي ، وائل بنجدو، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د. مصطفى رجب، سامح لطف الله، محمد الطرابلسي، سلام الشماع، د - عادل رضا، محمد اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، محمد شمام ، خبَّاب بن مروان الحمد، جاسم الرصيف، تونسي، أحمد بوادي، رضا الدبّابي، يزيد بن الحسين، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، د - محمد بن موسى الشريف ، يحيي البوليني، كريم فارق، العادل السمعلي، مراد قميزة، كريم السليتي، عزيز العرباوي، خالد الجاف ، مصطفى منيغ، ماهر عدنان قنديل، إياد محمود حسين ، د - مصطفى فهمي، طلال قسومي، د- محمود علي عريقات، د- هاني ابوالفتوح، حسن عثمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، علي عبد العال، د. أحمد بشير،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء