البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

المنشار التونسي عدد 54.. تقطيع أوصال الحرية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 275



فضيحة معرض الكتاب بتونس تجاوزت الحدود، ولسنا نحتاج دليلًا أبلغ ولا أوضح من خروج الرئيس خروجًا استعراضيًّا ليلة الثالث من مايو/ أيار، ليخفّف من آثارها على نظامه وعلى شخصه.

ردّت الصحافة العالمية المهتمة بالشأن التونسي بسرعة ونشرت النار في هشيم النظام، نظام الانقلاب في تونس عاد إلى أساليب بن علي، وشرع يصنصر الكتب والأفكار ويطارد أصحاب الرأي.

قام الناشرون بحركة تضامنية سريعة وفعّالة بإغلاق أجنحتهم بالمعرض، وتفاعلت مواقع التواصل بشكل أسرع مع الحدث فوسّعت صداه، فوجدت مديرة المعرض نفسها في ورطة اضطرتها إلى رمي كرة اللهب بعيدًا عنها، فهي ليست من اتخذت قرار منع ترويج الكتاب وإغلاق مقر الناشر.

هنا تبيّن للناس جهة المنع، وتحدث البعض عن ميليشيا تأتمر بأمر وزيرة الثقافة، هدأت الأزمة أو رُدمت بفعل ماكينة إعلامية مدرّبة تقف مع الرئيس ونظامه، لكن الجمهور الواسع ظلَّ يتحدث عن المنشور 54 المتعلق بجرائم النشر بعد الانقلاب.

منشور متخلّف
المنشور عدد 54 صدر من دون مقدمات موضوعية، إذ قام الناس ذات صباح فوجدوه مسلّطًا على رؤوسهم وأقلامهم، لقد كان في رأس الرئيس ضمن خطته الخاصة بالسيطرة والتحكم الفردي (وهو المشرع الأوحد الذي لا تُراجع قراراته)، ومضمون المنشور يقوم على محاكمة النوايا قبل الفعل، وهو يسحب الجميع إلى منطقة "الأصل في الأشياء المنع لا الإباحة"، وهو منطق نظام بن علي وكل نظام قمعي يضيق بالرأي المخالف، ولدينا عليه أمثلة في كل المنطقة العربية.

بشاعة المرسوم كشفت مساحات الحريات التي فرضتها الثورة طيلة عشرية الحريات الباهرة، تحررت فيها الأقلام والعقول فتمتّعت بقول ما تريد دون رقيب أو حسيب، حتى أن أعداء الحرية من ماكينة إعلام بن علي كانوا أكثر من تمتع بها وعبث بنتائجها، والآن بدأ الجميع يحترق بنار محاكمة النوايا قبل الفعل.

لاحظنا للأسف علامات خوف كثيرة من قبل مدونين كانوا مطلقي الأيدي والألسن، هناك قلة باقية على خط نار الحريات وتكتب بشجاعة، لكن الشعور بأن مساحة الحريات قد ضاقت صار حقيقة ماثلة في الشارع الافتراضي والشارع الاجتماعي.

وعندما تسمع أصوات دفاع قوية عن الحرية، تخرج ماكينة بن علي/ الانقلاب لتقول للناس: "ماذا تفيدنا الحرية؟" أو "الحرية ما توكل خبز". جماعات الخبز قبل الحرية يعتلون المشهد ويملكون المناشير وقد بدؤوا "الخشقجة"، حيث بإمكان أي مسؤول في ماكينة الانقلاب أن يتظلم لدى القضاء من تدوينة عابرة قد يكون صاحبها كتبها بشكل ساخر.

الأصوات المراجعة للموقف من لعن العشرية لصالح الانقلاب بدأت تُسمع، لكنها مرتبكة، فكل تمجيد لمكسب من مكاسب العشرية يصبّ في مصلحة الحزب المتهم بأنه سوّد أيام تونس، أي حزب النهضة.

طبعًا مراجعو مكاسب العشرية وجدوا مدخلًا آخر للقول، فقد بدأنا نسمع جملًا متناثرة أن مكاسب العشرية ليست من فعل حزب النهضة، إنما هي من فعل التعدد السياسي الذي حكم، لكنهم لا ينتبهون إلى أنهم يبيّضون حزب النهضة عدوهم اللدود، ولذلك هم في ورطة كبيرة. نتمتع الآن بمتابعة ارتباكهم، فمناشيرهم الحربائية تقطع أوصالهم قبل أوصال حزب النهضة.

إعلاميون لا يؤمنون بالحريات
في مشهد الدفاع عن الحريات من منشور أو بالأحرى منشار 54، فُضِحَ إعلاميون لا يؤمنون بالحرية إلا لأنفسهم، لذلك يعلو صراخهم إذا طالت الاعتقالات واحدًا من صفهم، بينما يصمتون صمت القبور إذا كان الإعلامي من صف النهضة أو من صف الثورة المنقلب عليها.

لقد حوكم أمام محكمة عسكرية إعلامي قريب من النهضة، لأنه قرأ قصيدة لأحمد مطر على المباشر (صارت تعرف بقضية القصيدة)، لم تنبس نقابة الصحفيين ببنت شفة إلا بضغط كبير، فأصدرت بيانًا خجولًا يطالب بمحاكمة عادلة دون أية إشارة إلى منشور 54.

أمامنا حقيقة فاجعة، يوجد إعلاميون لا يهتمون بالمساس بالحريات، ولديهم استعدادات للعودة إلى ما دون سقف وكالة الاتصال الخارجي (مؤسسة رقابية أقامها بن علي حوّلت الإعلاميين إلى مرتزقة ومخبرين عند الأجهزة الأمنية)، فالأولوية عندهم ألّا يتمتع خصمهم السياسي بالحرية التي تطلق أجنحته (رغم أنه لا يملك إعلاميين أفذاذًا ممّن يقلب المشهد الإعلامي بتدخل تلفزي أو بمقال مكتوب).

صفُّ الإعلاميين المخترق من قبل الفريق الاستئصالي الموالي للانقلاب يقوم بدور تخريبي، ويغمز للانقلاب أن يواصل تقطيع أوصال المشهد الإعلامي وترهيب الأقلام الحرة الباقية.

الانقلاب يراقب الوضع ويعرف أن فرقة الإعلاميين حول الحرية تخدمه، لذلك يتقدم بمنشاره/ منشوره في المتبقي من مساحة الحريات ويضيّق على الناس، وهي الفرقة نفسها التي تكسر ظهر جبهة المعارضة.

إذ إن كل اجتماع سياسي يحضره حزب النهضة أو بعض أنصاره وجب كسره والعمل على الحد من فعاليته، حتى أن اجتماعات التضامن مع السجناء صارت تفرز سجناء النهضة، فتتضامن مع الجميع إلا هم.

هذه الفرقة هي أقوى أسلحة الانقلاب، فنحن نكتب منذ بدايته أن قوته ليست منه إنما هو قادر وباقٍ ويحقق مكاسب خاصة في مربع إعدام الحريات باختلاف معارضيه حول الأسُس، وهو الاختلاف الذي يغذيه الفريق الاستئصالي الذي كلما تخيّل سقوط الانقلاب وجدَ النهضة تعود وتشارك، فيُمعن مع الانقلاب ولو فقد كل حريته.

رغم هذا، نقول إن مرحلة الفرز مهمة رغم الثمن المحتمل، ومهما طال بقاء الانقلاب فإن المشهد الإعلامي قد عرف أقلامه وأصواته المؤمنة فعلًا بالحرية، وسيكون من الغباء المطلق أن يشارك مدمّرو الحرية في إعادة نشرها، فالانقلاب سيرحل بهم مهما طال بقاؤه.

ولعلّ في بعض الدروس القاسية فائدة أكثر من إيمان طفولي سيطر أثناء العشرية، بأن كل من تحدّث عن الحريات أو استفاد منها مؤمن فعلًا بقوتها وجدواها. مكلف هذا الفرز لكنه ضروري للمرحلة القادمة التي لا نشك في حلولها، ولدينا كفاية من الصبر لتهيئة أرضية صلبة تقوم عليها فلا ينشرها منشور أو منشار.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-05-2023   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد ملحم، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صباح الموسوي ، كريم فارق، د - صالح المازقي، د - شاكر الحوكي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، سامر أبو رمان ، د. خالد الطراولي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. طارق عبد الحليم، د- جابر قميحة، صلاح المختار، أحمد الحباسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الطرابلسي، صفاء العربي، مراد قميزة، عزيز العرباوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، رحاب اسعد بيوض التميمي، حسن الطرابلسي، محمود فاروق سيد شعبان، د. عبد الآله المالكي، د - محمد بنيعيش، عراق المطيري، سامح لطف الله، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، رضا الدبّابي، نادية سعد، الهادي المثلوثي، عمار غيلوفي، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، ماهر عدنان قنديل، تونسي، عبد الغني مزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد العيادي، د- هاني ابوالفتوح، محمد عمر غرس الله، طلال قسومي، محمود سلطان، سلام الشماع، مصطفي زهران، مصطفى منيغ، سفيان عبد الكافي، إيمى الأشقر، علي الكاش، د- محمد رحال، عبد الله الفقير، د - مصطفى فهمي، فتحـي قاره بيبـان، محرر "بوابتي"، منجي باكير، سيد السباعي، سليمان أحمد أبو ستة، العادل السمعلي، جاسم الرصيف، يحيي البوليني، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحي الزغل، خالد الجاف ، مجدى داود، وائل بنجدو، أبو سمية، د - الضاوي خوالدية، عبد الرزاق قيراط ، إسراء أبو رمان، أنس الشابي، الهيثم زعفان، محمد أحمد عزوز، رشيد السيد أحمد، رمضان حينوني، ياسين أحمد، صفاء العراقي، عواطف منصور، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمر غازي، فهمي شراب، د- محمود علي عريقات، إياد محمود حسين ، أشرف إبراهيم حجاج، حاتم الصولي، صالح النعامي ، المولدي الفرجاني، فتحي العابد، حميدة الطيلوش، محمد الياسين، سعود السبعاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، د - المنجي الكعبي، فوزي مسعود ، علي عبد العال، ضحى عبد الرحمن، محمد اسعد بيوض التميمي، د.محمد فتحي عبد العال، أ.د. مصطفى رجب، عبد الله زيدان، سلوى المغربي، د. أحمد بشير، أحمد النعيمي، صلاح الحريري، كريم السليتي، أحمد بوادي، محمود طرشوبي، حسن عثمان، محمد شمام ،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء