البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

لا دخل للدولة في حجاب المرأة.. فرضا أو منعا!

كاتب المقال سمية الغنوشي   
 المشاهدات: 565



فجّر مقتل الشابة مهسا أميني أواسط الشهر الماضي، على أيدي عناصر أمنية إيرانية مكلفة بحماية الأخلاق، موجة اضطرابات واسعة شملت طهران وامتدت إلى مدن أخرى.

وبما أن هناك صلة وثيقة بين مسألة اللباس وبين السلطة والقانون في إيران، تداخلت في الحركة الاحتجاجية معطيات السياسة مع الاعتبارات الاجتماعية والاقتصادية، وحتى الإثنية.

وكالعادة، وجدت وسائل الإعلام الغربية في الحادثة ضالتها، فمضت تحرّك مخزون الصور النمطية عن قمع الإسلام للمرأة واقتران حجابها بالإكراه والاضطهاد. والمضحك أن وسائل إعلام خليجية سارعت للالتحاق بالجوقة، وكأن دولها هي النموذج الملهم الأمثل للمرأة المسلمة!

لم تكن مسألة الحجاب موضع جدل أو اعتراض في بداية التجربة الإيرانية، في أوج شعاراتها الثورية ومناخات التعبئة الحربية، في ظل حضور كاريزما الإمام الخميني. لكنّ هذا الزخم لم يلبث أن تلاشى، مع انقشاع سحب الحرب وحلول مرحلة رافسنجاني المنفتحة نسبيا، وتزايد تأثير الفضائيات وتقنيات التواصل الاجتماعي العابرة للحدود الجغرافية والأيديولوجية على الشباب الإيراني، إناثا وذكورا.

هكذا وجدت إيران الإسلامية نفسها في مواجهة معضلة أشبه بتلك التي جابهتها إيران الشاه، لكن بشكل مقلوب.

فقد سعى رضا بهلوي ضمن توجهاته التحديثية والتغريبية إلى فرض السفور على نساء بلاده ومنع التشادور الأسود التقليدي؛ سياسة قوبلت بمقاومة ورفض شديدين من علماء الحوزة الدينية والمجتمع المحافظ. كان ذلك من العوامل المغذية للثورة عليه وصعود نجم الإمام الخميني، الذي جمع بين المعارضة السياسية والاحتجاج الديني.

وكانت المفارقة أن سعت إيران بعد سقوط الشاه إلى استنساخ تجربته على نحو معكوس. ففيما حظر هو التشادور وفرض السفور، جهدت هي في فرض الحجاب ورفض السفور.

وبينما أتاح النظام الجديد لكتل واسعة من النساء الإيرانيات دخول الحياة العامة والمشاركة النشيطة في المجال السياسي، تناسبا مع ارتفاع نسب التعليم وامتداد التمركز الحضري، سعى في الآن ذاته لفرض قيود على اللباس والسلوك، وفق توجهاته العقائدية.

هذا التناقض بين ثنائية التحرر والضبط بقي يسكن التجربة الإيرانية حتى يومنا هذا. فالمرأة الإيرانية تتمتع بحضور قوي وفاعل في الحياة العامة، قياسا بالكثير من شقيقاتها في الجوار الإسلامي، لكنّ ذلك كان مشروطا بالامتثال لحدود وقيود يضعها النظام.

هذا لا يختزل المشهد النسائي الإيراني في نموذج "الحجب والمنع"، ففئات واسعة ضمنه اختارت الحجاب بقناعة ذاتية. لكنّ ذلك لا ينسحب على جميع الإيرانيات، فمن العبث إنكار أن شريحة منهن يرفضنه لاعتبارات ذوقية أو لخيارات أيديولوجية، أو تصور أن محاولات فرضه عليهن ببطش الدولة وترسانة قوانينها وشرطة أخلاقها تجدي نفعا.

والحقيقة أن صراع الدولة مع المجتمع لفرض خياراتها في اللباس والسلوك مأزق واجه ويواجه دولا عديدة، تجندت إما لمنع أو محاصرة الحجاب وحظره، وما تركيا الأمس العلمانية وفرنسا اليوم اللائكية عنا ببعيد.

جارة إيران حظرت الحجاب بقوة القانون وبطش الجيش "حارس العلمانية الأمين"، وحرمت آلاف التركيات من دخول الجامعات ومزاولة التعليم والشغل والمشاركة في الحياة السياسية.

واقع ظالم جسدته أواخر تسعينات القرن الماضي قصة مروة خاشقجي بفصولها الأليمة؛ من محاكمة وطرد من البرلمان ونفي، لا لشيء إلا لتشبثها بحجابها.

وفي تونس، حظر النظام ارتداء الحجاب في الجامعات ومواقع الشغل، وحتى مستشفيات الولادة، باعتباره "زيا طائفيا" وفق "المنشور 108"، الذي أصدره بورقيبة وصمم خليفته المنقلب عليه تطبيقه، بصرامة ووحشية أكثر.

هنا تتقاطع العلمانية المتشددة مع الإسلامية العقائدية في الطابع التدخلي والسعي لفرض أنماط حياة وسلوك محددين بالقوة، لتكريس العلمنة هنا والأسلمة هناك. منهج مشوّه، مرهق للمجتمع وللدولة على حد سواء.

يولّد تدخل الدولة لفرض أنماط معينة من الملبس والمسلك، باسم التحديث والعلمنة أو باسم الإسلام، حالة من القلق والتوتر المجتمعيين، يختلط فيها الغضب السياسي والاجتماعي بالبعد الثقافي والأيديولوجي.

ويؤدّي هذا التدخل الإكراهي في خيارات الأفراد في نهاية المطاف إلى نتائج عكسية.. فإذا ركبت الطائرة يوما من طهران باتجاه إحدى العواصم الأوروبية أقلعتْ ورؤوس النسوة مستورة مغطاة، فما إن تحط حتى تغدو حسيرة سافرة، وقد طار الحجاب ونزل التشادور! وهو لعمري مثال منفّر معبّر عن الفشل الذريع لسياسة فرض الحجاب بقوة الدولة.

مع ارتخاء قبضة مؤسستها العسكرية وصعود العدالة والتنمية منذ عقدين ونصف، لم تجد تركيا العلمانية بدا من الابتعاد عن نموذج التدخل الإكراهي في خيارات الأفراد، والتعايش مع الطابع التعددي للمجتمع التركي. وليس أمام إيران الإسلامية اليوم بدّ من التعايش مع الطابع التعددي للمجتمع الايراني.

ما ضرّ إيران الإسلامية إذا كشفت بعض من نسوتها خصلات من شعورهن أو خيرن عدم لبس الحجاب أصلا؟

وما ضرّ فرنسا اللائكية إذا غطت شابات مسلمات شعورهن في المدارس والمعاهد والفضاءات العامة، انسجاما مع قناعاتهن الدينية؟

ما دخل الدولة بشعر النساء، كشفنه أم حجبنه؟!

مهمة الدولة رعاية المصالح العامة للمجتمع، لا التطفل على الأفراد والتدخل في خياراتهم الشخصية وأذواقهم الخاصة.

نعم، من حق النظام الإسلامي ترغيب الفتيات الإيرانيات في الحجاب وتحبيبه إلى نفوسهن عبر مؤسساته الثقافية والتعليمية والإعلامية، لكن ليس من حقه فرضه على من هنّ له كارهات.

حجاب المرأة تعبير عن قناعات ذاتية منبعها القلب ومناطها إرادة حرة تكسبه القيمة والمعنى. فرض الحجاب بالقانون والبوليس إساءة بالغة له ولحاملته، ترسّخ الصور السائدة عن المرأة المسلمة المضطهدة الخانعة وتعطي مبررا لمنعه وحظره بالقانون وأدوات الدولة، كما تفعل فرنسا اللائكية وتطمح لفعله أحزاب اليمين المتطرف في أوروبا.

فليرفع الكل أيديهم عن حجاب المرأة المسلمة، وليخوضوا معاركهم السياسة بعيدا عنها!


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إيران، الحجاب، انتفاضة إيران، الغرب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 10-10-2022   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمود سلطان، صالح النعامي ، د - محمد بنيعيش، الهادي المثلوثي، ياسين أحمد، حميدة الطيلوش، سعود السبعاني، فتحـي قاره بيبـان، أحمد ملحم، محمد الياسين، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، صفاء العراقي، سلام الشماع، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الغني مزوز، سلوى المغربي، فتحي الزغل، مراد قميزة، فتحي العابد، د. أحمد محمد سليمان، إيمى الأشقر، كريم السليتي، خالد الجاف ، جاسم الرصيف، ماهر عدنان قنديل، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، د- جابر قميحة، د - المنجي الكعبي، د- محمود علي عريقات، محمد الطرابلسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد النعيمي، العادل السمعلي، عمار غيلوفي، د - مصطفى فهمي، صباح الموسوي ، عراق المطيري، حاتم الصولي، عزيز العرباوي، سفيان عبد الكافي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد شمام ، حسني إبراهيم عبد العظيم، سامح لطف الله، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفي زهران، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، د. عبد الآله المالكي، محمد عمر غرس الله، كريم فارق، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رمضان حينوني، أحمد الحباسي، صلاح المختار، إسراء أبو رمان، محرر "بوابتي"، محمد يحي، محمود فاروق سيد شعبان، خبَّاب بن مروان الحمد، الناصر الرقيق، رافع القارصي، محمد العيادي، أحمد بوادي، عبد الرزاق قيراط ، عبد الله الفقير، عبد الله زيدان، د. أحمد بشير، ضحى عبد الرحمن، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، تونسي، محمود طرشوبي، طلال قسومي، أنس الشابي، نادية سعد، د - الضاوي خوالدية، فوزي مسعود ، أ.د. مصطفى رجب، د - عادل رضا، حسن الطرابلسي، منجي باكير، صلاح الحريري، المولدي الفرجاني، أبو سمية، د- محمد رحال، رحاب اسعد بيوض التميمي، إياد محمود حسين ، وائل بنجدو، د - محمد بن موسى الشريف ، الهيثم زعفان، محمد أحمد عزوز، رشيد السيد أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، مصطفى منيغ، أشرف إبراهيم حجاج، سامر أبو رمان ، علي الكاش، مجدى داود، فهمي شراب، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - صالح المازقي، د- هاني ابوالفتوح، رافد العزاوي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العربي، رضا الدبّابي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء