البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

الربيع العربي فرصة فرز عظيمة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 600



الخميرة الثورية الخطابية شكلا ومضمونا، والتي التي تهيأت عبر تاريخ طويل قبل الربيع العربي، لم تسمح بتبين الخطوط الفاصلة بين صدق الخطاب ونفاقه. لقد كان إعلان المعارضة للأنظمة القائمة غطاء كثيفا سمح لكثيرين بتخير مواقع في الصفوف الأولى للخطاب الثوري، فكأنهم الثوريون الوحيدون. وكانت قضية فلسطين على سبيل المثال مجالا للمزايدة الثورية لم نتبين صدقها إلا بعد الربيع العربي، حيث كان الطلاب في الجامعات العربية يحددون سقوفا عالية ويوهمون بأن التحرر والاشتراكية والوحدة ستشرق في صباح الغد، وأن البروليتاريا ستقود بلدانها في نهاية الأسبوع وتبني دولها العادلة ضد رأس المال العميل التابع.

فقر ديمقراطي فاضح

فرصة الربيع العربي التي فتحت باب الديمقراطية التمثيلية -على ما فيها من خديعة سبق لنا الحديث فيها- مكنت من تمحيص أمور مهمة، وهي فقر الخطاب الثوري لكل فصائل المعارضة إلى مضامين قابلة للتطبيق، وعجز مطلق على التعايش داخل شروط الديمقراطية وبوسائلها، وكانت قاعدة الفرز الأهم هي مع الإسلاميين أو ضدهم، حيث تبين أن ممارسات الإقصاء التي كانت تهيمن على الخطاب الطلابي لعقود طويلة ما هي إلا عيّنة لعقل إقصائي كان يتدرب في الجامعة ليواصل ممارسة السياسية الثورجية خارجها، وتبين -وهو الأهم- أن هذا العقل الإقصائي صنعته المنظومات الحاكمة ووجهته وحكمت به حتى بعد الربيع العربي.

هذا الاختبار التاريخي كشف لنا الكثير من المسائل أهمها:

- نفاق اليسار العربي -والقوميون زائدة دودية منه- وعداؤه الجذري للديمقراطية بصفتها بيئة تعايش مع المختلف، كما فضح خدمتهم لكل سلطة قائمة بلا مقابل مادي حقيقي إلا السير في ركاب الأنظمة.

- ترسخ الحديث الواقعي عن الإسلاميين ومع الإسلاميين وضدهم، فهم معطى واقعي لا يمكن تجاهله أو تصفيته بقرار سياسي أو أمني أو بتوجيهات/ نصائح خارجية مملاة، كما جرت الأمور قبل الربيع العربي.

اليسار العربي عدو للديمقراطية

كل فصائل اليسار العربي تعرت بالديمقراطية، في تونس وفي مصر خاصة (كما تعرت في عشرية الجزائر الدموية). لم ترفض الديمقراطية التمثيلية من حيث المبدأ، بل طمعت في غنيمتها وشاركت في كل الانتخابات لكنها كانت تتعرض إلى فشل ماحق. وعوض الخضوع لشروط الصندوق والاستعداد له، نكصت على أعقابها ورفعت درجة الخطاب الثوري الموجه إلى خصمها الأبدي وأعادت إنتاج ممارستاها الإقصائية المعتادة، وقد سميناها أحزاب الأجندة الواحدة أي الأجندة الاستئصالية.

ليس لهذه الأحزاب وزن في الصندوق، أي ليس لها حضور في الشوارع وليس لها خطاب يقبله الناس ولا زعامات يرحب بها في الاجتماعات السياسية، وإنما هي فرق صغيرة عاشت في مكاتب نخبوية تروج لخطاب ثوري لا علاقة له بحاجة الناس، لذلك تعرت وانكشف فقرها وخواؤها. في مسار التعري انكشف الموقع الحقيقي لهذه الأحزاب، إنها يد المنظومات تضرب بها خصمها الأشد شراسة والأثقل وزنا، أي الإسلاميين، وما خطاب المعارضة الثوري إلا مزايدة يقبض ثمنها تحت طاولات التفاوض في الكواليس. لقد تبين لنا أن مواقع كثيرة ذات فعالية في الثقافة والتربية مملوكة حصرا لليسار لا يمكن المساس بها أو الاقتراب منها، إنها ليست مواقع للثورات الكبيرة ولكنها مواقع للتأثير الفكري والثقافي الذي روج لخطاب الحداثة من داخل مؤسسات سلطة غير حداثية، واليسار لا يشعر بهذا التناقض وإنما يواصل قطف غنيمته.

الإسلاميون معطى ثابت رغم ممارسات الإقصاء اليسارية

عقود طويلة عاشتها الدول العربية كان أهم حدث فيها تصفية الأحزاب والجمعيات الإسلامية، بدءا من الإخوان المسلمين في مصر وسوريا وليبيا، إلى إخوة لهم بمسميات مختلفة في تونس والجزائر والمغرب، كأن المهمة الوحيدة للأنظمة العربية كانت منع الإسلاميين من الوجود. لكن رغم كل الحروب لم يمت الإسلاميون ولم يندثروا، تعرضوا إلى هزات وعذابات لكن الربيع العربي أعطاهم جرعة الأكسجين الضرورية ليعودوا فصيلا أولا.

هذه القدرة على البقاء فهمها البعض وسلم بها وتعامل معها على أنها معطي واقعي لم يعد قابلا للإلغاء، وهناك من يبني علاقات سياسية ديمقراطية معهم، بحذر ولكن بروح غير إقصائية.

هذا المعطى الواقعي في طريق تبدو شائكة بعد، لكنها مفتوحة لفرض نفسه محاورا مع الغرب. لقد كان الغرب هو المستفيد الأول من جهد الأنظمة العربية في تصفية الإسلاميين (دون أدنى مساس باليسار والقومين على مدى عقود، وخاصة في بلدان المغرب العربي، حيث ناصبتهم فرنسا العداء بشكل مفضوح وحرضت عليهم بكل الوسائل والحيل.

لقد استقر الأمر على أن الإسلاميين غير قابلين للإلغاء مهما نُفوا وسُجنوا وعُذبوا، ونعتقد أنهم يتحولون إلى محاور رئيسي في حالات الانسداد السياسي التي وصلت إليها الردة على الربيع العربي في مصر وتونس خاصة. وتقدم حالة الصلح الأمريكي مع طالبان الأفغانية نموذجا قابلا للتعميم على المدى المتوسط في المنطقة العربية، رغم أن الإسلاميين العرب غير مسلحين ويفتقدون إلى المضاء الطالباني.

عندما وزن الربيع العربي قوة التيارات السياسية رجح الإسلاميون، وأثبتوا قدرة على التعاطي مع المختلف والصبر على أحكام الصندوق الانتخابي، وتبينت استعداداتهم لبناء الشراكات السياسية التي هي أساس الديمقراطية، بينما سقط اليسار والقوميون في الاختبار الديمقراطي وعادوا لمواقعهم في ركاب المنظومات؛ يطمعون في فيئها ويأكلون فضلة طعامها بمقابل نراه رخيصا.

الفرز سيتواصل

بعد الانقلاب المصري والخديعة التونسية بدا المشهد العربي حزينا، وفقد الكثيرون الأمل وتحدثوا عن ردة تدوم عقودا قبل الاستئناف في مستقبل بعيد. ولا نملك بعد الخيبات الكثيرة القدرة على بناء توقعات متينة، ولكن حتى اللحظة محّصْنا خطاب المعارضات اليسارية والقومية القديمة ونفضنا أيدينا منها، وهي تتحول عندنا إلى نكت لا تضحك، فعندما نسمع يساريا يتحدث عن الديمقراطية نغير القناة.

في لحظة القتامة الراهنة عرفنا من يمكن الاعتماد عليهم في بناء الديمقراطية، وعرفنا من ينافقنا منذ عقود، وهذا سيتواصل بنسق حثيث. ولأن المنظومات التي ارتدت مقبلة على أزمات اقتصادية واجتماعية لا يمكن تلافي أثمانها، فإننا نعول على قرب انهيارها لتحمل معها أذرعها اليسارية والقومية الضاربة لتتم غربلة فعالية ونهائية للشارع العرب الديمقراطي، وهذا أمل أخير وثابت.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الثورات العربية، الربيع العربي، الثورات المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-08-2022   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- جابر قميحة، فتحي العابد، تونسي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافع القارصي، ماهر عدنان قنديل، الهادي المثلوثي، خبَّاب بن مروان الحمد، د- هاني ابوالفتوح، صلاح الحريري، سليمان أحمد أبو ستة، د - محمد بنيعيش، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، كريم فارق، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، د. عبد الآله المالكي، سامح لطف الله، منجي باكير، رحاب اسعد بيوض التميمي، سامر أبو رمان ، صالح النعامي ، د. عادل محمد عايش الأسطل، سفيان عبد الكافي، محمد عمر غرس الله، ياسين أحمد، محمد أحمد عزوز، أشرف إبراهيم حجاج، أبو سمية، صفاء العربي، رشيد السيد أحمد، د - محمد بن موسى الشريف ، إياد محمود حسين ، أحمد النعيمي، كريم السليتي، عراق المطيري، عبد الغني مزوز، سعود السبعاني، فتحـي قاره بيبـان، الهيثم زعفان، أنس الشابي، محمد الطرابلسي، محمد يحي، د - عادل رضا، عمار غيلوفي، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، المولدي الفرجاني، سيد السباعي، عبد الله الفقير، محرر "بوابتي"، سلام الشماع، محمد اسعد بيوض التميمي، حسني إبراهيم عبد العظيم، وائل بنجدو، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، أحمد الحباسي، سلوى المغربي، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، عزيز العرباوي، مصطفى منيغ، محمود طرشوبي، أحمد ملحم، طلال قسومي، علي الكاش، حسن الطرابلسي، رضا الدبّابي، فهمي شراب، العادل السمعلي، ضحى عبد الرحمن، حميدة الطيلوش، د. خالد الطراولي ، أ.د. مصطفى رجب، د. أحمد محمد سليمان، مصطفي زهران، د- محمد رحال، محمود سلطان، يحيي البوليني، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مراد قميزة، الناصر الرقيق، د - مصطفى فهمي، جاسم الرصيف، صباح الموسوي ، د - الضاوي خوالدية، د. صلاح عودة الله ، د. أحمد بشير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد العيادي، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العراقي، د. طارق عبد الحليم، محمد شمام ، حسن عثمان، مجدى داود، فتحي الزغل، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، أحمد بوادي، يزيد بن الحسين، حاتم الصولي، رمضان حينوني، د.محمد فتحي عبد العال، رافد العزاوي، د. مصطفى يوسف اللداوي، نادية سعد، د - المنجي الكعبي، عبد الله زيدان، فوزي مسعود ، محمد الياسين،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء