البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي الإدراجات
مقالات متعلقة بالكلمة : تونس

نزع هالة التقديس عن المعارضة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 774



ورثنا من زمن الدكتاتورية خطأ منهجيا في التحليل لا يزال يفسد علينا الرؤية الصواب أو ما يجب أن يكون صوابا وقد تحررنا (إلى حد) من ربقة الدكتاتورية. هذا الخطأ هو التسليم بأن كل معارض للسلطة يفعل الصواب ويخطط للخير وبالتالي فهو منزه عن كل غرض فاسد ويجب الوقوف معه بلا أدنى مساءلة عن دوافعه وعن نواياه وعن بدائله للسلطة التي يعارضها. لقد كشفت لنا فسحة الحرية أن معارضي السلطة لا يقلون عنها فسادا أخلاقيا وأن بدائلهم ليست بالضرورة أفضل من فعل السلطة التي جرونا إلى معارضتها. لقد آن للتحليل أن يخرج من المسلمة البلهاء أن معارضي السلطة أفضل منها. دون أن يقع المرء بالضرورة في تمجيد السلطة لكن نزع القداسة عن المعارضة صار ضرورة منهجية لفهم ما يجري وما قد يكون.

النقابة التونسية أفسد من كل الحكومات

في تونس حظيت النقابة (الاتحاد العام التونسي للشغل) بمكانة مقدسة في نفوس كل من عارض السلطة خاصة بعد العام سبعين والتحول إلى نمط اقتصادي ليبرالي هجين. لقد صنعت النقابة لنفسها صورة حامي الفقراء والمهمشين. وروجت لخطاب ثوري وصار كل نقابي زعيما شعبيا. وقد أفلحت النقابة في بناء متخيل خاص يستند إلى أن النقابة قادت معركة تحرر وطني ضد الاستعمار المباشر. واستثمرت في حادثة اغتيال النقابي المؤسس فرحات حشاد فوضعته كشخص زعيم فوق كل النقد أو المراجعة.

في مرحلة اشتداد الدكتاتورية وانعدام فرص معارضة مدنية صريحة (كمنع تكوين الأحزاب) وجد كل سياسي مدني في النقابة ستارا يتخفى داخله ليعارض السلطة وكان يجري تقاسم المواقع داخل النقابة بنظام المحاصصة الحزبية وتوزع مقاعد التنفيذي قبل عقد المؤتمرات. ومن هنا جاءت تسمية الخيمة (التي تظل كل مضطهد وكل معارض وطني لسلطة عميلة تابعة. دون أي سؤال عن مشروعية ذلك من وجهة نظر ديمقراطية). هذه السلطة وهذا الدور حولا النقابة إلى بؤرة دكتاتورية لا تختلف بل ربما أسوأ من السلطة وقد كانت لها دوما ميليشيا لضرب المخالفين. وقد كان النقابيون يغلقون بابها ضد كل دخيل خاصة من الإسلاميين وفي ردهات كثيرة عملت النقابة كذراع للسلطة في معركتها ضد الإسلاميين.

انكشفت النقابة بعد الثورة كجزء من منظومة الحكم الفاسدة وقد واصلت دورها بعد الثورة في خدمة السلطة الساقطة فخربت كل خطوة قطعت في اتجاه تجسيد مطالب الثورة. وهي تقف الآن بلا مواربة مع الانقلاب وتحميه من كل احتجاج شعبي محتمل على غلاء المعيشة وتأخر الرواتب. وتروج في الأثناء أنها خيمة كل تونسي مضطهد. إن السلطة لم تبلغ في مستويات الكذب السياسي ما بلغته النقابة. ولن يتسع المجال لسرد الفظاعات النقابية وآخرها العبث بقانونها الداخلي لتظل قيادتها في مواقعها.

الأحزاب بؤر فساد سياسي

ولدت الأحزاب في المعارضة زمن الدكتاتورية. وأثبتت أن الحزب الواحد الجامع باسم الوحدة القومية كان جريمة سياسية صنعها الزعيم بورقيبة فالتعددية واقع فعلي قبل الاستقلال وبعده. وفي زمن الدكتاتورية كان مجرد تأليف حزيب سياسي يحول قيادته إلى أبطال شعبيين. كيف وقد تجرؤوا على معارضة السلطة. لكن لا أحد كان ينفذ إلى داخل الأحزاب ليرى طرق تسييرها الداخلي والتزامها بالديمقراطية في هياكلها. وكانت معارضة الدكتاتورية مبررا للتغافل عن الأمر فالعمل الحزبي يجري في السرية والديمقراطية مؤجلة. بعد الثورة انكشفت أن الإرجاء الديمقراطي فعل من صميم الفساد الحزبي. فالزعامات (ولا نستثني أحدا) حولت جمهورها الحزبي إلى قطعان تسمع وتطيع. وكان هذا أحد أهم أسباب فشلها في التطور الداخلي والانسجام مع شروط الديمقراطية. حتى أن الحزيبات التي ظهرت بعد الثورة أعادت إنتاج نفس الأخطاء السياسية أي تحويل الأنصار إلى قطيع وراء الزعيم الفذ. لقد كانت أحزابا على نفس منوال حزب السلطة أو نسخا رديئة منه. والحزيبات التي لم تفلح في توليف قطيع انتهت تجتر خيباتها في المقاهي. أما الزعامات السياسية المعارضة فلم تكن أكثر من نسخ رديئة من الزعيم الميت.

انكشاف الهالات المزيفة

مزية الثورة أنها أزالت الكثير من الغشاوة وفضحت النقابة والأحزاب فهي ليست أفضل من حزب السلطة. لقد أفقدتها التعاطف القديم بصفتها كتلا من الفرسان الشجعان تقف في وجه السلطة الغاشمة (لقد كانت تلك صورة مزيفة بنتها النقابة والأحزاب حولها وسلمنا لها بها ربما تخففا من كلفة النضال). والذين تحرروا من الغشاوة ابتعدوا عن الأحزاب والنقابة ولكنهم عجزوا عن تأليف كيانات أخرى وذلك أيضا راجع في تقديرنا للسمعة السيئة التي التصقت بالعمل الحزبي والنقابي جراء ممارسات هؤلاء الذين لا يتطورون ولا يسمحون للساحة بأن تتطور. ومن دلائل الفشل الحزبي أن يحكم البلد شخص لم ينخرط في حزب ولا نقابة ولم يناضل نضالا كان يبدو من الخارج نبيلا ولكنه يحسن تمويه فساده باسم المعارضة الشجاعة. لقد استثمر المنقلب في رداءة المشهد الحزبي القديم الجديد وأفلح.

وإننا نعاين مرة أخرى محاولة الأحزاب الاستيلاء على التيار المعارض للانقلاب وتجييره لمصالحها الحزبية دون سؤال أخلاقي عن مشروعية ذلك وهو السؤال الذي كان يقتضي سؤالا أول عن تقييم الأحزاب والنقابات لأدوارها وممارساتها ومدى إسهامها في تخريب الساحة السياسية.

لقد تطلبت الساحة السياسية المفتوحة لتيار شبابي واسع وغير متحزب قبل الثورة قيادات سياسية جديدة وعملا حزبيا ديمقراطيا. لكن القيادات التاريخية التي استفادت من التقديس القديم ظلت متمسكة بالواجهة وبطرقها السابقة على الثورة واعتبرت كل نقد لها هو طعن في شرعيتها التاريخية. وصادرت بذلك كل أمل في تغيير النخب. وهذا سبب كبير في جنوح غير المتحزبين إلى رئيس بلا حزب فهو انتقام لهم من المتحزبين ومن القيادات الحزبية الواقفة حاجزا ضد التغيير.

هنا يحين أوان نزع الهالة التقديسية عن هذه القيادات النقابية والحزبية وتفكيك وهم قداستها. بل إننا نعاين سقوط هذه القداسة من النفوس قبل أن نكتب عن ضرورتها. لقد تجاوز الناس العاديون الأحزاب والنقابة وخلصوا إلى أن اللا انتماء إليها أفضل من البقاء تحت سقف شيوخ السياسة الذين كلما حاورهم المرء في ضرورة الديمقراطية دمغوه بالشرعية التاريخية.

هل دافعنا عمن في السلطة؟ لا لم نفعل لقد حررنا أنفسنا من تعاطف مرضي مع كل من يزعم المعارضة وهو أقل كفاءة ممن يحكم. لم نتحدث هنا عن أن كل من كان في معارضة الدكتاتورية وأتاحت له الثورة فرصة مشاركة في الحكم لم يفعل سوى أن أعاد إنتاج سياسات السلطة التي أسقطتها الثورة. ولهذا حديث آخر قريبا.




 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

أوكرانيا، روسيا، غزو أوكرانيا، الحرب الاوكرانية الروسية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-03-2022   الموقع الأصلي للمقال المنشور اعلاه المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الغني مزوز، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، محمد العيادي، سلام الشماع، مصطفى منيغ، صفاء العربي، إياد محمود حسين ، د. خالد الطراولي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، يزيد بن الحسين، سيد السباعي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. طارق عبد الحليم، فتحـي قاره بيبـان، أ.د. مصطفى رجب، محمود طرشوبي، رضا الدبّابي، د- محمد رحال، د- محمود علي عريقات، خالد الجاف ، فتحي الزغل، ماهر عدنان قنديل، سفيان عبد الكافي، رافد العزاوي، فهمي شراب، خبَّاب بن مروان الحمد، سعود السبعاني، محمود سلطان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد اسعد بيوض التميمي، د- جابر قميحة، صفاء العراقي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - شاكر الحوكي ، علي الكاش، سليمان أحمد أبو ستة، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عادل محمد عايش الأسطل، د - عادل رضا، د. أحمد محمد سليمان، محمد الطرابلسي، عواطف منصور، أحمد الحباسي، عزيز العرباوي، مصطفي زهران، صلاح المختار، ضحى عبد الرحمن، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، مجدى داود، حسن عثمان، د- هاني ابوالفتوح، محمد أحمد عزوز، منجي باكير، محمد يحي، عبد الله الفقير، عمر غازي، أحمد ملحم، صلاح الحريري، وائل بنجدو، سلوى المغربي، د - الضاوي خوالدية، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، سامح لطف الله، إيمى الأشقر، رافع القارصي، عمار غيلوفي، كريم السليتي، صالح النعامي ، مراد قميزة، د - محمد بنيعيش، أحمد بوادي، علي عبد العال، سامر أبو رمان ، طلال قسومي، الهيثم زعفان، حاتم الصولي، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. أحمد بشير، عراق المطيري، يحيي البوليني، حميدة الطيلوش، إسراء أبو رمان، رشيد السيد أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. عبد الآله المالكي، جاسم الرصيف، ياسين أحمد، تونسي، محمد الياسين، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، الناصر الرقيق، فوزي مسعود ، د. صلاح عودة الله ، محمد شمام ، المولدي الفرجاني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د - مصطفى فهمي، صباح الموسوي ، عبد الله زيدان، الهادي المثلوثي، فتحي العابد، د. مصطفى يوسف اللداوي، محرر "بوابتي"، حسن الطرابلسي، أبو سمية، رمضان حينوني، أحمد النعيمي، أنس الشابي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء