الموضوع في ذاته ليس جديدا بتونس، فمن ناحية ما يخص الإدارة العمومية ببلادنا عموما، فالكل يعرف أن أغلب هذه المحال حولت لأماكن لتمضية الوقت وقضاء المصالح الخاصة بدرجة أولى على حساب خدمات المواطنين المفترض قضائها، وإذا نظرنا بصفة أخص لميدان الإعلامية بأغلب هذه الإدارات، فإن الواحد لا يملك الا ان يصاب بمشاعر عديدة تتوزع مابين الاستغراب والتأسف لحال بلادنا حينما تصبح فريسة بيد بعض أبنائها من الذين يصرون على تأبيد أوضاع تتسم بالكسل والخمول بشكل غريب.
ابتداء، يجب القول ان كاتب هذه السطور له معرفة جيدة بأعوان القطاع العمومي، حيث قدمت عشرات الحلقات التكوينية الموجهة لأعوان القطاع العمومي شملت مختلف المؤسسات العمومية، واطلعت على العقلية الغريبة لدى عامة موظفي وإطارات هذه المؤسسات، حيث التكاسل وحب الثرثرة عموما إلا الاستثناء القليل، وعدم القدرة على التركيز لمدد تعتبر عادية لدى عامل بالقطاع الخاص، إذ نادرا ما يستطيع أحدهم بالقطاع العمومي متابعتك لأكثر من ساعتين، فسرعان ماينتابه الضجر فيسرع باحثا عن التنفيس من خلال"قهوة".
أردت من هذا القول أنني اعرف جيدا هذا القطاع لكي لا اتهم بجهل ما أتحدث فيه، ولكني اليوم سأتحدث في موضوع أرى أن تواصله يمثل مهزلة بكل المقاييس في تونس.
تونس التي والحمد لله تحوز على كم كبير من الكفاءات العلمية وبالتحديد في ميدان التخصصات المرتبطة بميدان الإعلامية حتى باتت مقصد الشركات الأجنبية، مازالت توجد بها إدارة عمومية تصر على استعمال برمجيات إعلامية عتيقة يرجع تاريخها لمدد متطاولة، بل ويفرض على الناس أن يستعملوا تلك الأدوات، وهو الشيء الذي يمثل إعاقات كبيرة للمطورين وللحرفاء على السواء، كما انه يطرح تساؤلات عديدة حول جدواه، بل وحول كيفية الموافقة على اقتناء تلك البرمجيات التي تحمل أخطاء كما يبدو حتى نسبة لزمن اقتنائها.
تفاصيل الموضوع:
محدثكم مهندس مطور برمجيات إعلامية، ويقوم مكتبي بتطوير تطبيق خاص بمعالجة أمور الموظفين، وبه كل المتطلبات، ومنها خاصية تصدير déclaration cnss في شكل ملف نصي fichier texte.
ولكن بعض الحرفاء كانوا يرجعون لي ويصرون على القول أن إدارة الضمان الاجتماعي بتونس المعنية بالمعطيات المصدرة، ترفض تقبل تلك المعطيات التي في شكل ملف نصي، والسبب راجع لكون مصالح الإعلامية بادراة الضمان الاجتماعي تقول إنها لا تستطيع قراءة إلا المعطيات التي على شكل معين من التنسيق يتلائم مع منظومتهم العتيقة جدا، بحيث إنها لا تستطيع حتى قراءة ملف نصي بسيط texte brut، وفي المقابل يقوم الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي بنشر ورقة عمل، تشمل كيفية تصدير المعطيات لكي تفهمها منظومتهم تلك.
وحينما تقرأ هذه الوثيقة، لا تملك إلا أن ترثي لحال تلك الإدارة التونسية، حيث يجب عليك ان تصدر المعطيات مع مراعاة عدد معين من الحروف عن اليمين وعن اليسار، ثم تملا الفراغات بأصفار، وكل حقل يجب ان يكون ذا حجم معين، والسطر يجب ان لا يتجاوز 80 حرفا، وهلم جرا من الإعتبارات الغريبة لكأن الواحد يتعامل مع ألغاز، بمعنى انها طريقة بدائية جدا، كما أنها طريقة تتطلب منك مجهودا إضافيا بالبرمجة لان الأدوات الحديثة المستعملة حاليا لا تفترض مثل هذه المعالجة ولا تتصورها أصلا، فعليك التصرف بحلول من عندك.
المعطيات المستعملة للتصدير في أغلب منظومات المعلوماتية حاليا تتم في شكل ملفات نصية texte brut (txt)، وهي الصيغة الدنيا التي تتاح قراءتها على الواب وعلى المنظومات المكتبية على السواء، كما انه يمكن ان تصدر بتنسيقات csv، وهو أيضا تنسيق لشيوعه يكاد يكون مقروء من مختلف المنصات.
هذا من حيث الحدود الدنيا لتنسيق المعطيات، وإذا ما اردنا التقدم واستعمال التقنيات الأحدث، فإننا سنجد توجها في السنوات الخيرة لاستعمال تنسيقات أخرى لنقل المعطيات ذات قدرات اكبر على التعامل مع منصات مختلفة كXML، او حتى امكانية التعامل مباشرة مع تنسيقات التطيقات المكتبية بامتداد doc وxls.
خلاصة المسألة تقنيا، أن إدارة الضمان الاجتماعي تستعمل برمجيات لا تحوز حتى على الحدود الدنيا في التعامل مع المعطيات، واقصد بالحدود الدنيا ليس نسبة للآن، وإنما دنيا منذ سنوات طويلة، اذ الملفات النصية البسيطة متواجدة منذ بدايات الإعلامية، ولا يفهم كيف تم قبول البرمجية العاملة بإدارة الإعلامية للضمان الاجتماعي وكيف تمت الموافقة عليها حين اقتنائها، والأرجح أن طلب تصدير التنسيقات بالشكل المطلوب، يرجع لعيب بالبرمجية المعنية لا تستطيع معه قراءة الملفات النصية على بساطتها، وعليه يقع تحميل كل التونسيين وزر ذلك.
لان المسألة تقنيا بسيطة جدا، بحيث بإمكان كل برمجية الآن بل ومنذ سنوات طويلة، ان تقرا معطيات مصدرة إليها في شكل نصوص بسيطة، وهناك من البرمجيات ولكي يسهل على حرفائه المهام، يقدم خدمة تتيح قراءة المعطيات المصدرة إليها حتى في شكل معطيات منسقة مطورة بملفات وورد doc او تنسيق csv، في مقابل هذا، نجد برمجية الضمان الاجتماعي لا تتيح اي شيئ من هذا، وتصر على جر التونسيين للتماشي مع أخطاء مطور برمجيتهم والنسج على منواله.
ومثل هذا التخلف الملحوظ حينما يقع فرضه على الناس ممن يجبرون على تقديم معطيات منسقة بشكل تفهمه المنظومة العتيقة لديهم، يكون سببا في تكاليف إضافية تمثل عبئا على كل الأطراف، لأن اضافة برمجية تقوم بتصدير المعطيات المتوفرة بشكل تنسيق غريب، يتطلب تكلفة اضافية في البرمجة وبالتالي تكلفة يتحملها المواطن المستعمل للبرمجيات، كل هذا استجابة لخلل بمنظومة الصندوق الوطني للضمان الاجتماعي.
السؤال المطروح، لماذا لا يقع تحديث هذه المنظومة العتيقة، بل لماذا وقع أصلا اقتناء مثل تلك المنظومة، لان تنسيق الملفات على شكل نصي بسيط كانت موجودة منذ بدايات الإعلامية، فلماذا لم تشتمل تلك المنظومة منذ الأول إمكانية قراءة الملفات النصية؟ وهذا يحيلنا لتساؤل حول من الذي قام بإجازة تلك المنظومة حين شرائها، وماهي مؤهلاته؟ ثم هل تقع مراقبة عمل هذه المنظومات المتواجدة بالقطاع العمومي؟ وإذا كانت هناك مراقبة، فهل المراقب من القطاع العمومي أيضا؟ وإن كان كذلك فهل لمثل هذه المراقبة من جدوى؟وهل يقع تقييم لأخطاء تلك المنظومات العاملة بالقطاع العمومي وما ينجر عنها؟ والا فكيف تبقى مثل هذه المنظومة الغريبة التي لا تليق بتونس كل هذه المدة
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
11-09-2008
الردود على المقال أعلاه مرتبة نزولا حسب ظهورها
أي رد لا يمثل إلا رأي قائله, ولا يلزم موقع بوابتي في شيئ
20-12-2008 / 09:04:30 اع
والله لك كل الحق ولكن لنعمل معا على تغيير هذا الوضع والتطور بالدارة التونسية .كل من جهته .وان شاء الله نصل الى نتيجة.
24-09-2008 / 17:23:34 ن.ع
باسم الله الرحمان الرحيم
أشكرك أخي على نشر هذا الموضوع الثري والمهم للغاية لأنه بالفعل و للأسف الشديد يحتوي على كشف حقيقة الإدارة التونسية وما يتضمنها من تخلف في جميع الميادين (علاقات مع المواطن؛ الإعلامية إلخ...)
أشجعك أخي علي صراحتك هذه وأتمنى لك التوفيق.
20-12-2008 / 09:04:30 اع