قاموس المصطلحات الاستعمارية -1-
د. ضرغام الدباغ - برلين
عصر النهضة ـ عصر التنوير

ما أن حل القرن السابع عشر، إلا وكانت صورة الموقف الاقتصادي والاجتماعي والثقافي والفكري قد طرأ عليه تعديلات هامة، بدت حيالها صور وملامح القرون السابقة قاتمة ومتخلفة. فالكنيسة كانت ما تزال تبذل مساعيها وجهودها، ولما تستسلم بعد، في العودة إلى مواقعها القديمة حيث كانت تمتلك النفوذ السياسي والاقتصادي والاجتماعي، بيد أن أهداف تلك المساعي كانت بعيدة المنال، إذ كانت البورجوازية الناشئة تقطع خطوات قوية وسريعة إلى الأمام.

كانت أوربا متعبة من الحروب الدينية / الطائفية، والبورجوازية الصاعدة تعد المجتمعات بالكثير من المنجزات والتقدم، ولكن هذا الأمر كان يتطلب دولاً قوية واستبعادا للعناصر التي تمثل العوائق أمام التقدم، ولم تكن تلك العناصر سوى الكنيسة والإقطاع الذي كان بدوره يترنح تحت وطأة التحولات الجديدة، حيث هجرت أعداد غفيرة من الفلاحين الريف متجهين صوب المدن للعمل في الورش والمانفكتورات التي بدأت أعدادها تتزايد ويتحول البعض منها إلى معامل يدوية كبيرة يعمل فيها أعداد غفيرة من العمال، والذين سيصبحون في المراحل المقبلة الرقم الصعب في المعادلة الاجتماعية وشأناً سياسياً مهماً.

وكانت الليبرالية Liberation (قوة التحرر) الكلمة السحرية التي شاعـت في الأعـمال والفعاليات الاقتصادية والاجتماعية على حد السواء، حتى غدا مفهوماً عاماً. " فالليبرالية بهذا المعنى هي أن يمتلك الإنسان ذاته، وبنفس الوقت القواعد المتعلقة بازدهاره وهيمنة سلطته على العالم بإخضاع الطبيعة والسيطرة عليها. وقد عبر آدم سمث (أحد فكري تلك المرحلة): أن المصالح الخاصة للأفراد تتناسق فيما بينها، والمصلحة الشخصية هي المحرك لمسيرة الإنسان وبالتالي لمسيرة العالم، وإن كل إنسان طالما كان لا يخرق قواعد العدالة، سوف يترك حراً بشكل مطلق في أتباعه لمصلحته الخاصة كما يروق له. وقد جسدت هذه النظرية قاعدة دعه يعمل دعه يمر ".

انطلقت الليبرالية، كتيار، بل مارد أنطلق من قمقمه، فلم يعد يحده إطار وصار التحرر شعاراً وحركة وسوف ت...