البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس.. نقابات التخريب تدفع البلد الى الكارثة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1284



الكتابة عن النقابات في تونس تشبه في طعمها تناول طعام السجن، إنها كتابة عن البؤس الأخلاقي، ولم نمر يوما بنص في مديح النذالة لنستعير منه مديح البؤس الأخلاقي. في قمة أزمة الوباء الذي يحصد الأرواح بالآلاف تدخل نقابات الصحة العمومية في إضراب وحشي لثلاثة أيام في بداية شهر أيار/ مايو 2021، ويشمل الإضراب الأطباء وأعوان الصحة المكلفين بإعطاء اللقاح وأخذ عينات التحليل لاختبارات الوباء، فيجد الناس أنفسهم أمام مشافٍ مغلقة فيعودون ليحسبوا ساعاتهم الباقية.

أما المطالب المعلنة فسن قوانين لتنظيم القطاع وفرض منح العدوى، وهي مطالب قابلة للتأجيل إلى ما بعد انقشاع الوباء، لكن الوباء الذي أضعف الحكومة الضعيفة أصلا بفعل مكائد الرئيس اتُخذ وسيلة ضغط عليها، كأنها حكومة عدوة.

إضراب سياسي لا تغطيه المطلبية

لا يمكن قراءة هذا الإضراب إلا كإضراب سياسي موجه لمزيد من إضعاف الحكومة ودفعها إلى انهيار تام، ووضع البلد في حالة فوضى حكم لا يمكن توقع مصيرها. كان يمكن تنظيم احتجاج شعبي بقيادة نقابية ضد عجز الحكومة عن توفير اللقاحات في وقتها، وكان سيكون تحركا مشروعا وأخلاقيا دون غلق المشافي ودون تعطيل الخدمة العلاجية الملحة في وضع كارثي. لكن عوض ذلك أعلنت النقابات مطالب بخصوص قوانين تنظيم القطاع الذي لم تعطله قوانينه الحالية بقدر ما عطله سوء التصرف في الموجود من الإمكانيات، وهي إمكانيات موضوعة بيد القطاع الصحي العمومي نفسه وليست بيد الحكومة.

لذلك نقرأ هذا التحرك قراءة سياسية ونضعه في إطار سياسة التعفين الموجه رأسا ضد حكومة المشيشي لدفعها إلى السقوط وهي في أسوأ حالاتها، وعجزها يأتيها من خارجها أكثر مما يأتيها من داخلها. إنها جهود جهات متظافرة تدفع البلد إلى الانهيار الكامل، وهنا نسأل: من هذه الأطراف وكيف التقت على استراتيجية التعفين؟

يضغط الرئيس على الحكومة برفض أداء وزرائها اليمين القانونية، فتبقى الحكومة في وضعية التصرف القاصر بأقل من قدرتها الدنيا. تتجنب الحكومة مواجهة الرئيس وتجاوزه، فتقوم النقابات مستغلة الوضع الصحي الكارثي لتغلق المشافي، في نفس الوقت تقوم نقابات المهندسين بالضغط لتحصيل مكاسب مادية في غياب قدرة الحكومة على الاستجابة.

ويستمرئ المهندسون والأطباء وأعوان المالية رفع سقف المطالب مع علمهم المطلق بعجز الحكومة عن الدفع، ولم يبق للحكومة إلا أن ترفع يدها معلنة الاستسلام فيتقدم المحرضون إلى لحظة الفراغ التي يبحث عنها الرئيس ليعمل بقانون الطوارئ ما يرغب فيه، أي إلغاء نتائج انتخابات 2019 وخلق وضع مؤقت له بداية ولا يعرف أحد نهايته. المعفنون واحد إذن وإن اختلفت مواقعهم، فهم يتضامنون ضد حكومة المشيشي العاجزة بدورها، إنه عمل جبهة سياسية منظمة.

هل كان المطلوب مجاملة الحكومة؟

في وضع عادي ليس فيه وباء شامل يحصد الأرواح بالآلاف وتعجز دول قوية وحكومات راسخة عن مقاومته بإمكانياتها الذاتية، فإن الخروج على هذه الحكومة يصبح عملا مشروعا بل ضروريا، ولكن الوضع غير الوضع والوباء لا يستهدف الحكومة بل يستهدف شعبا بأكمله (مهما كانت كفاءة حكومته). ولذلك فإن إضعاف الحكومة بالضغط عليها في خواصرها الهشة (صحة المواطنين في ظرف وبائي) عملية سياسية لها هدف هو ببساطة إسقاطها والحلول محلها. ولكن ما بديل من سيسقطها؟ وهل يملك الحلول الإعجازية التي تغير الوضع الوبائي بنفس الإمكانات المتاحة لهذه الحكومة؟ هل تخفي النقابات الساعية في التعفين حلولا لما بعد حكومة المشيشي؟

لا نرى ذلك مثلما لم نر حلولا لدى الرئيس الذي شرع في التعفين السياسي وعاضدته النقابات، وهنا نبحث عن السياسيين المتخفين في نقابات التعفين.

نجد حلف اليسار النقابي المنحاز إلى الرئيس، ونصفهم جميعا كجبهة تعفين تعمل على أجندة واضحة: إسقاط المرحلة وعنوانها الحكومة والبرلمان للمرور إلى وضع طوارئ فيها سلطات مطلقة للرئيس.

هذه الإضرابات تسعى سعيا حثيثا لخلق وضع يخول للرئيس توسيع قراءته للدستور واتخاذ حجة الخطر الداهم ذريعة لحل الحكومة العاجزة والبرلمان العاجز، وتسيير البلد بأوامر تزعم تجاوز الوضع المنهار، لكن بأية إمكانيات؟ لا إمكانيات جديدة مخفية في جيب الرئيس، ولكن الحجة ستكون بجانب من يملك جهازا إعلاميا يفسر السقوط الحالي بعجز الحكومة وحزامها البرلماني غير المتماسك أصلا، إذ يمكنه دوما أن يحول أنظار الناس عن عجز قادم بلعن عجز قائم، أما الحلول فلا حلول.

ويدعم قولنا هذا مقارنة بسيطة بما كان عليه وضع الحكم زمن حزب النداء (انتخابات 2014- 2019)، فقد كانت الرئاسات الثلاث عند حزب النداء ومطالب الأطباء والإطار الصحي (قبل الوباء) كانت على الطاولة ولم تسع النقابات إلى طرحها والإضراب من أجل تحقيقها، لقد كان مطلوبا حينها دعم حزب النداء وحكوماته (الصيد والشاهد)، أما وقد سقط الحزب ورؤساؤه الثلاثة، فإن بديله يجب أن يسقط رغم ظهور الوباء وتفشيه، وغير مهم ما يصيب البلد في الأثناء من خراب.

هل نحن ذاهبون الى الأسوأ؟

برغم الوضع بل بسبب الوضع الوبائي نحن نتجه إلى الأسوأ سياسيا.. عجز الرئيس بمفرده عن خلق ما يكفي من العفن السياسي، وقد عطل أغلب مؤسسات الدولة وخلق صراعات وهمية يجر إليها الجيش والأمن، ويهون فيها من خطر الإرهاب وكشف عجزه عن اختراق المجتمع بما يتخيله من مؤامرات. لذلك دخلت النقابات اليسارية على خط التعفين، وهي حليف غير معلن ليقدم له الذريعة الكافية ليتصرف بصلاحيات يعرف كيف يختلقها بقراءته الانفرادية للدستور.

إضراب الصحة في وضع وبائي يدمر في نفوسنا كل نفس تفاؤلي، لذلك نفقد القدرة على توقع مخرج إنساني وأخلاقي ووطني من الأزمة. ونظن أن الاستعداد الشعبي للوضع السيئ القادم صار ضرورة للتصدي لكارثة نراها تتخلق أمام أنظارنا ولا نملك لها حلا. لا نملك هنا رفاه دفع الوضع بشكل جماعي للانهيار والتكفل بما بعده، فالطبقة السياسية تترصد وتكيد لبعضها ولدى البعض منها سند خارجي قريب؛ هو المستفيد الوحيد من بلد منهار يقبل كل الإملاءات، بما فيها كومسيون مالي لمعالجة الإفلاس.

متى ستحل الكارثة؟ لم يعد يجدي انتظار معجزة، والعزاء الأخير أن الانهيار القادم سيضع الجميع أمام حقيقة فاجعة في غياب سلطة شرعية سيكون مصير نقابات التخريب هو الأسوأ، وستكسر إلى الأبد قدرتها على التخفي في الأجهزة والمواقع القيادية لتدير الفوضى على هواها. سيأتي الخراب على النقابات قبل غيرها، وربما يكتب مؤرخون متأخرون عن هذه اللحظة أن الدم الذي كان تأجل منذ 2011 قد حان أوان دفعه. إن الخراب الذي زرعته النقابات في جسم الدولة سيكون وبالا عليها، فالشعب غير الملتزم نقابيا لا يقر لهذه الكيانات بأية سلطة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، النقابات، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-05-2021   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، حميدة الطيلوش، أحمد النعيمي، نادية سعد، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بوادي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد شمام ، خالد الجاف ، عراق المطيري، فتحي العابد، طلال قسومي، منجي باكير، د.محمد فتحي عبد العال، عبد الرزاق قيراط ، محرر "بوابتي"، د - محمد بن موسى الشريف ، جاسم الرصيف، حاتم الصولي، د- جابر قميحة، يحيي البوليني، صلاح الحريري، أبو سمية، سيد السباعي، د- هاني ابوالفتوح، سلام الشماع، علي الكاش، سامح لطف الله، المولدي الفرجاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، رضا الدبّابي، أحمد الحباسي، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، أنس الشابي، فتحي الزغل، محمد الياسين، ياسين أحمد، كريم السليتي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الله زيدان، فوزي مسعود ، ماهر عدنان قنديل، عواطف منصور، محمد العيادي، محمود سلطان، صفاء العربي، د - المنجي الكعبي، د. عبد الآله المالكي، الناصر الرقيق، رافد العزاوي، د- محمد رحال، د. خالد الطراولي ، محمود فاروق سيد شعبان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، عبد الغني مزوز، عبد الله الفقير، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، وائل بنجدو، مجدى داود، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عمر غازي، أ.د. مصطفى رجب، صباح الموسوي ، صالح النعامي ، رشيد السيد أحمد، عمار غيلوفي، إسراء أبو رمان، حسن الطرابلسي، د. أحمد بشير، د - صالح المازقي، حسن عثمان، سفيان عبد الكافي، مراد قميزة، د - مصطفى فهمي، سعود السبعاني، إيمى الأشقر، محمد أحمد عزوز، إياد محمود حسين ، ضحى عبد الرحمن، أحمد ملحم، أشرف إبراهيم حجاج، رافع القارصي، العادل السمعلي، محمد يحي، صفاء العراقي، سامر أبو رمان ، خبَّاب بن مروان الحمد، د - شاكر الحوكي ، محمود طرشوبي، د. صلاح عودة الله ، تونسي، الهادي المثلوثي، رمضان حينوني، محمد الطرابلسي، كريم فارق، سلوى المغربي، سليمان أحمد أبو ستة، صلاح المختار، محمد عمر غرس الله، يزيد بن الحسين، عزيز العرباوي، فهمي شراب، مصطفى منيغ، د- محمود علي عريقات، مصطفي زهران، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - الضاوي خوالدية، الهيثم زعفان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة