البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

السودان بين "البرهان" و"حميدتي"

كاتب المقال جعفر عباس - السودان   
 المشاهدات: 238



يمر الجيش السوداني بأسوأ أزمة يتعرض لها جيش نظامي، مهمته الأساسية حماية الوطن والدستور والأرواح والممتلكات، فهذا الجيش الذي ظل يحظى بأكثر من 75% من مخصصات الميزانيات السنوية للبلاد على مدى عدة سنوات، ويدير مؤسسات اقتصادية ضخمة، بات يذكر الناس بالجيش الذي ورثه العراق عن رئيس وزرائه الأسبق نوري المالكي، واتضح أنه كان يضم عشرات الآلاف من الجنود الافتراضيين، الذين كانت رواتبهم الشهرية تدخل جيوب بعض المتنفذين من العسكر والمدنيين.

معلوم أن الرئيس السوداني المخلوع عمر البشير، كان فخورا بتشكيل قوات الدعم السريع، وبأنها نجحت في ما فشل فيه الجيش، من تقليم أظافر حركات التمرد في إقليم دارفور، وكان يردد من على المنابر أن محمد حمدان دقلو الشهير بحميدتي "هو حمايتي"، وتباهى أيضا في خطاب جماهيري "تفتخر الدول بأن لها رصيدا من القمح والذهب وغيرهما، وأنا عندي رصيد من الرجال" في إشارة إلى قوات الدعم السريع.

ثم جاء عبد الفتاح البرهان وجلس على كرسي البشير في القصر الجمهوري، مصطحبا معه حميدتي نائبا له، وقام الإثنان بالتنكيل بالقوى التي اسقطت عمر البشير، لكونها طالبت بحكم مدني بالكامل، وأطلق أيدي حميدتي وجنوده في العديد من المدن السودانية، وعملوا فيها سلبا للممتلكات وقتلا للأرواح، ولكنهما لم يفلحا في قمع وإسكات الأصوات المطالبة بجلاء العسكر من القصر، فتواصلت التظاهرات رافعة شعار "ما في مليشيا تحكم دولة"، والمليشيا المعنية بالهتاف كانت قوات الدعم السريع التي يرمز اليها اختصارا ب"ق. د. س"، فكان الهتاف "قاف دال سين قوات ما عندها دين"، وبإزاء ذلك أرعد البرهان وأبرق محذرا من ان من يعادي الدعم السريع، يعادي جيش الوطن من منطلق أن قوات الدعم السريع خرجت من رحم القوات المسلحة، كما ردد الرجل مرارا.

وكما أن اللصوص العاديون يتقاتلون عند توزيع ما سرقوه، فقد اختلف سارقا السلطة في السودان حول تقاسم كراسي، الحكم فكانت الحرب التي زجا فيها بالجيش الوطني وقوات الدعم السريع، والتي ستكمل عامها الأول في نيسان، إبريل المقبل، وكانت المفاجأة التي ما زال العالم كله يقف مذهولا أمامها: قوات الدعم السريع التي صار البرهان يصفها بالمليشيا اجتاحت واحتلت خلال الشهر الأول للحرب، القصر الرئاسي، ومقر مجلس الوزراء، والهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، ورئاسة الدفاع الجوي، ورئاسة جهاز المخابرات، ومجمع اليرموك للصناعات الدفاعية، والقائمة طويلة، ثم احتل الدعم السريع ولاية الجزيرة التي تضم أكبر مشروع زراعي في إفريقيا بما فيه من مدن وقرى ومشاريع ومنشآت، فوق احتلالها ل90% من إقليم دارفور وانحاء كثيرة من إقليم كردفان الغني بالنفط والصمغ والفول السوداني، ولأنه "هاوي وغاوي" حكم دون أن يملك الأدوات والدربة والمؤهلات التي تعينه على ممارسة الحكم، فإنه يقف على المنابر يصم قوات الدعم السريع بالتمرد، وبهذا ودون قصد منه يعود فيقول أن تلك القوات فرع من أصل هو الجيش الوطني، والمتمرد هو من يخرج على سلطة وطاعة "الأصل" .

يعيش الشعب السوداني في حالة صدمة حاليا، فقد ظل معظمه يعي خطورة وجود الدعم السريع في المسرح العسكري والسياسي بعناصره غير المنضبطة، ويطالب بتفكيكها بالدمج في الجيش والتسريح "بمعروف"، وعندما بدأت الحرب بين الطرفين حسب السودانيون عموما أن الأمر سيكون نزهة: ما هي إلا ساعات أو بضعة أيام حتى يمحو الجيش تلك القوات من الوجود، فمنطق الأشياء كان يقضي بأن جيشا عمره أكثر من قرن ولديه أفرع في جميع مجالات النشاط العسكري قادر على سحق قوات الدعم السريع الذين لا يملك أفرادها سوى أسلحة يدوية، فإذا باليد الطولى في الحرب تكون للدعم السريع الذي ما زال يتمدد افقيا في كل الاتجاهات.

لم يعد خافيا أن الجيش السوداني يفتقر إلى قوات مشاة، ولكن لا أحد يعرف لماذا. وأن الجيش اساء تقدير قدرات الدعم السريع، والأدهى من كل ذلك اتضاح ان الدعم السريع كان يعد العدة للمنازلة مع الجيش منذ شهور، وكان وبعلم البرهان يحشد الجند والعتاد في نواحي عاصمة البلاد، بل أن البرهان سمح لتلك القوات بالتمدد في مفاصل البلاد، لأنه وقبل المفاصلة بينه وحميدتي، كان يحسب الأخير قُفّة (سلّة)، يستطيع هو تحريكها من أُذنيها كيفما شاء، لتحقيق غاياته في الانفراد بالحكم، بعد الهاء حميدتي بألقاب ومناصب تدغدغ حواسه وترضي غروره، ولكن فات عليه أن الجلوس في القصر بمسمى نائب رئيس مجلس السيادة رفع سقف طموح حميدتي.

ومنذ شهور والبرهان ينطح في مستودع الخزف السياسي والدبلوماسي، فبعدما طاف دول الجوار طالبا إياها المبادرة بطرح حلول تؤدي الى وقف الحرب، عاد الى البلاد ووجد صقور الجيش يرفضون وقفها، فوقف على المنابر يشتم الجيران "من طرف"، ثم لجأ الى المواطنين مناشدا إياهم أن يحملوا السلاح ويحاربوا من نفس خندق الجيش، وتدافعت آلاف مؤلفة للتطوع وحمل السلاح، ولكن "منين يا حسرة": عندما داهمت قوات الدعم السريع مدينة ودمدني حاضرة ولاية الجزيرة، لم يكن أمام المتطوعين إلا النجاة بجلودهم، لأن معظمهم كان بلا سلاح، ومن كلن بسلاح، لم يكن يملك الذخائر الكافية للتصدي للعدوان.

فكّر البرهان وقدّر وانطلق إلى إيران، التي ظلت العلاقات بينها وبين السودان مقطوعة منذ عام 2016، طالبا السلاح، ولم يكسر الإيرانيون خاطره، واعطوه عددا قليلا من طائرات الدرون (المسيرة) من طراز ابابيل، لأن روسيا تحتكر معظم انتاج ايران من هذه الطائرات لحربها على أوكرانيا، ثم رأى أن يستجدي السلاح من الشطر الغربي من ليبيا، فتوجه إلى طرابلس وكله أمل في أن يحرك لدى الحكومة هناك غريزة الثأر، باعتبار أن حكومة الشرق الليبي بقيادة خليفة حفتر، تساند الدعم السريع وتجد منه السند، وهنا أيضا فات عليه أن شقي ليبيا يخضعان لحظر استيراد السلاح، بينما نار الحرب بينهما مشتعلة منذ عام 2011، فلا خيل عند ليبيا تهديها ولا سلاح.

فاجعة البرهان الأكبر هي أن الإسلاميين الذين يريدون للحرب أن تستمر حتى يتم القضاء على الدعم السريع تماما، باتوا ـ في ضوء بؤس أداء الجيش في الحرب ـ يصمونه بالخيانة، متنصلين عن وزر خلخلة مفاصل الجيش خلال العقود الثلاثة التي حكموا فيها السودان، وصاروا يتكلمون عن أن الخسران لحق بجيش البرهان، وليس بجيش السودان، بينما وفي جميع الأحوال الخاسر الأكبر هو السودان.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

السودان، البرهان، حميدتي، الحرب،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-03-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي الكاش، أحمد الحباسي، إياد محمود حسين ، إيمى الأشقر، د - مصطفى فهمي، ماهر عدنان قنديل، د - صالح المازقي، مصطفي زهران، فتحي الزغل، عبد الله الفقير، أحمد ملحم، د- جابر قميحة، د. عبد الآله المالكي، د. عادل محمد عايش الأسطل، الناصر الرقيق، رشيد السيد أحمد، وائل بنجدو، يزيد بن الحسين، الهيثم زعفان، د - المنجي الكعبي، سلام الشماع، الهادي المثلوثي، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، د. خالد الطراولي ، د. أحمد بشير، فهمي شراب، رضا الدبّابي، منجي باكير، مراد قميزة، صفاء العراقي، تونسي، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، العادل السمعلي، سفيان عبد الكافي، محمود طرشوبي، حاتم الصولي، محمد الياسين، محمود سلطان، د - شاكر الحوكي ، كريم فارق، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أ.د. مصطفى رجب، أشرف إبراهيم حجاج، سامح لطف الله، د - محمد بنيعيش، رافد العزاوي، يحيي البوليني، د. صلاح عودة الله ، صباح الموسوي ، محمد الطرابلسي، عبد الغني مزوز، صلاح الحريري، خالد الجاف ، عبد الله زيدان، عزيز العرباوي، عمار غيلوفي، جاسم الرصيف، حسن الطرابلسي، محمد اسعد بيوض التميمي، د- محمود علي عريقات، محمد العيادي، محمد أحمد عزوز، نادية سعد، سليمان أحمد أبو ستة، سيد السباعي، فتحـي قاره بيبـان، ضحى عبد الرحمن، طلال قسومي، محرر "بوابتي"، محمد شمام ، المولدي الفرجاني، صالح النعامي ، رمضان حينوني، فوزي مسعود ، د. أحمد محمد سليمان، د. طارق عبد الحليم، عواطف منصور، حسني إبراهيم عبد العظيم، أبو سمية، أنس الشابي، سلوى المغربي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د - عادل رضا، مصطفى منيغ، محمد يحي، عمر غازي، صفاء العربي، مجدى داود، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. مصطفى يوسف اللداوي، رافع القارصي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عراق المطيري، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، محمد عمر غرس الله، أحمد النعيمي، كريم السليتي، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، سعود السبعاني، د - الضاوي خوالدية، ياسين أحمد، حسن عثمان، محمود فاروق سيد شعبان، د - محمد بن موسى الشريف ، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، فتحي العابد، سامر أبو رمان ، أحمد بوادي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة