البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حوار "ماكرون" على "الجزيرة": مكرٌ بالدين والحرية ..

كاتب المقال د - المنجي الكعبي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 1510


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


مصدوم لمدرّس الحرية في بلاده وغير مصدوم لرسول الإسلام! هذا ماكرون، يعيد نفسه على الأسماع في حديثه أخيراً عبر قناة الجزيرة الى المسلمين، لرفع الالتباس من أذهانهم بزعمه من موقفه الأول، والرجوع عن مقاطعتهم اقتصادَ بلاده، متهماً إياهم بسوء الفهم له عن الإسلام في بلاده، وبسوء التقدير للحرية في بلاده التي تقدّم حرمة الكاريكاتير قبل حرمة الدين.

فلا يزيد إلا عن تكرار خطابه بطريقة كاريكاتيرية أيضاً، ابتداءً، حتى من تأثيث قاعة جلوسه مع الصحافي على كراس وطاولة صغيرة بجانبه عليها ماؤه، مصطنعة كلها من أسلاك حديد، بتصميم شبيه بجرات أقلام الكاريكاتيريين البسيطة، تركيزاً على البساطة والايحاء بالمضمون.. وكان أقل المنتبهين لرمزية الرسالة يرفض الجلوس معه عليها أو على الأقل التعذر بتغييرها. ولكنه لم يكتف بين كل فقرة وأخرى من كلامه للفت النظر للطاولة، كالتحدي عند تناول كأسه عليها للرشف منه، تبريداً على قلبه.

وهو لا يعلم، والمتنوّرون فقط يعلمون أن الإسلام هو التربية على الفطرة السليمة، ولذلك اعتنقه الملايين من الفرنسيين في بلاده.

فهل مكرٌ بالإسلام في بلد الحرية والأنوار؟ أم سيصنع الإسلام في فرنسا ما قد صنعه في السابق بإسبانيا من تقدم وحضارة، كانت المرضعة الأم لفرنسا عصر الأنوار والتحرر، ولكامل أوروبا؟

أية حرية يتحدث عنها؟ الإسلام نفسه فيه قيود وضوابط، والحرية فيه إنما هي التحرر من عبودية غير الله. فلا حرية منافية للدين، لأنها من جوهره. ولا تتناقض معه حتى يعزله عن مجتمعه الطبيعي، بدعاوى تعاليمه المنافية لحرية عموم الفرنسيين. هذا عين الخرق لمبادئ الإسلام الذي قنّن لحماية نفسه من أعدائه ما هادنوه وسالموه وواددوه، والعكس أي حماية ذمتهم به ليعيشوا معه كأسنان المشط إلا بالتقوى.

إن فرنسا الاستعمارية التي يستنكر الرئيس بأريحية أفعالها البشعة في الجزائر وغيرها ويُحيلها الى المؤرخين، حَرِيّة بأن لا تعيد مغامراتها مع هذه الشعوب التي استردت بالإسلام بعد الاستقلال سيادتها وثرواتها، وحريصة على نسج روابط جديدة مع العالم، غربيه وشرقيه دون عقد ومزايدات.

وإنه لمكرٌ أيضاً بالإسلام وبالحرية أن يُتخذ سلوك مدرّس قتَلهُ كاريكاتيره بمحمد - صلى الله عليه وسلم - تعلة لتخويف المسلمين في بلدهم فرنسا وحملهم على التنكر لعقيدتهم التي هي أساس صلاحهم في الدنيا لابتغاء الآخرة، حتى لا يعلو صوت بالأذان فيها تحت راية الجمهورية، التي ترفع شعار الكاريكاتير، ما دامت على دين ماكرون في تمجيد هذا الفن وهذا التعبير على حساب الدين في دولة علمانية. أفليس للأديان أربابها وأتباعها للتعايش بسلام وحرية دون غضاضة على أحدهم من الآخر؟

لقد أصبح المكر بالإسلام والنفاق بالحرية الوجهان لعملة الحداثة ما بعد الحربين العالميتين، لتشريع الهيمنة على الشعوب المستضعفة بدعاوى الإخاء والمساواة والحرية بين الجميع. فما من منظمة أممية اليوم، إلا وفي أول بنودها هذه الشروط، للقرض والتعاون والمساعدة، بالتنازل عن كرامة شعوبها في العيش باعتزاز بدينها ولغتها وآدابها، لمنح حكامها البقاء على كراسيهم والتصرّف السيء في ثروات بلدانهم نهباً للخارج والبنوك والمعاملات المريبة، حتى أصبحوا، سلطةً ومعارضةً، أكثر خشية للدائنين منهم لشعوبهم.

لماذا تعامل فرنسا المتديّنين فيها بازدواجية الخطاب، وهي تدري عددهم وأصنافهم ولا تبوح بها، بحجة الجري - كما ذكر رئيسها في عثرة من عثرات لسانه في هذا الحديث - على عدم القيام بإحصاءات سكانية دورية على أساس العقيدة!

فهل يَستكثر على الفرنسيين أن يكون العدد في تصاعد بين معتنقٍ للديانة وبين متحصّنٍ بالدستور لانتهاك ديانة غيره، التي لا يدين بها أو يرفضها من مجتمعه رفضاً أعمى.

وفي الماضي كانت فرنسا على وشك ضم تونس لدول الاتحاد الفرنسي، الذي كانت حكومة ذلك الوقت تحلم بتكوينه لرص صفوف مستعمراتها الإفريقية تحت جناح إمبراطوريتها. فلما اكتشف منظّروها أن فرنسا ستصبح بهذا الاتحاد ذات أغلبية إسلامية وهي الدولة الكاثوليكية أصلاً ويخشى أن تمضي أحكام الإسلام على قوانينها، فأحجموا وأهملوا المشروع لغاية محاربة الإسلام في هذه الدول.

إن الدين سماح والكاريكاتير سلاح، ينقلب الى صدر من يُشْهِره في وجه غيره ظلماً وعدواناً. وهو كالهجاء في الشعر عند العرب. ولم يجرّم الإسلام الهجاء ولكنه منع منه لذات الرسول قدوة به، وذهب الخلفاء والأمراء والسلاطين والولاة الى الضرب على رقاب العابثين برمزية القائمين على أمور المسلمين، شعراً كان أو نثراً أو محاكاة أو رسماً منعاً للتأثير السيء على الروح الدينية، لا تنزيهاًً لأشخاصهم في ذاتها من النقص والخطأ. وردّوا ذلك لتقدير أهل الذكر. وتسامحوا ما امتد حبل التسامح بأيديهم وضيقوا أكبر الضيق على المنافقين والزنادقة ومن لف لفهم، وهم في كل عصر ومصر. وما جُعلت القوانين الوضعية والشرعية إلاً للنّصَفة والعدل من كل متجاوز لحدودها.

فإذا كان الرئيس الفرنسي لا يفتأ يُقرّ في كل حديث أن الكاريكاتير قد يصدم بعض المشاعر ولكن لا يبرر بحال رد الفعل العنيف، فليمنح ملايين المسلمين قلبه ليُسالم المتطرفون منهم على الأقل من لا يسالمهم، ويُقابلوا بعدم الإذاية من آذاهم، أو فليجنّد دولته لمقاضاة مرتكبي مثل هذه الجرائم كمتهمين لا كمسلمين. لأنه لو اقتص منهم بغير القصاص الصحيح يكون قد كتبهم كشهداء، كما كُتِب، زمنَ الاستعمار الكثيرُ منهم في صف الشهداء. ﴿وَلَا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَّا بِأَهْلِهِ﴾.

------------
تونس في ١٥ ربيع الأول ١٤٤٢ ه‍‍

١ نوفمبر ٢٠٢٠ م

-----------
وقع تحوير طفيف على العنوان الأصلي الذي وردنا
محرر موقع بوابتي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، فرنسا، قناة الجزيرة، ماكرون، الحرب على الإسلام،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-11-2020  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  على هامش الانتخابات الرئاسية القادمة صدور كتابين تاريخيين في طبعة جديدة
  حل الدولتين في مأزق النقض
  فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ
  المرحوم قاسم بوسنينة مثال نادر من الرجال المخلصين
  فعل المستحيل، أو بعبع حق النقض في يد إسرائيل بالتناظر لأمريكا
  أفكار يجرفها الطوفان
  كل ما تخسره إسرائيل بتطاول مدة الحرب تكسبه حماس
  يهود العالم في ولايات متحدة أمريكية صهيونية
  هدنة تفتح على حل دائم وإلا عودة لحماس أشد بأسا
  معركة الأسرى أقوى من معركة السلاح وفتيل النار
  كل الغثاء حمله الطوفان
  رب درس تأخذه من عند غير مدرس ولو من طوفان
  في غزة طوفان دموع اختلط بطوفان الأقصى
  فرنسا من المعاداة للسامية إلى المؤاخاة للصهيونية
  قمة العرب والمسلمين لمساندة طوفان الأقصى في غزة بما أوتوا من قوة الإختلاف والإئتلاف
  فلسطين بطوفان الأقصى دخلت حرب التحرير بالمعنى الجزائري الفريد
  إهلال الإسلام على الكون الجديد
  "‏الفيتو" الأمريكي البريطاني الفرنسي ملطوخ في غزة
  ‏إسرائيل تقتل نفسها عرقا عرقا في غزة
  إسرائيل «غريبة» أوروبا في الشرق الأوسط
  هذه حرب ظالمة لا حرب دفاع عن النفس
  مال الإسلام إرهاب
  الصراع الأمريكي الإسرائيلي
  ‏تركيا وإيران ومصر
  حل الدولة الواحدة
  التهور مزلة والإقدام عن تبصر مأمون
  الموقف التونسي
  ‌على أنفاس غزة
  لمحات شابية
  نيتشه الموت والحياة

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
العادل السمعلي، د - الضاوي خوالدية، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - شاكر الحوكي ، أبو سمية، د. خالد الطراولي ، رافد العزاوي، عمار غيلوفي، رمضان حينوني، أحمد بوادي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أنس الشابي، فوزي مسعود ، فهمي شراب، إيمى الأشقر، محمد عمر غرس الله، محمد يحي، د - محمد بنيعيش، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - صالح المازقي، محمود سلطان، محمد شمام ، الناصر الرقيق، د- هاني ابوالفتوح، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله زيدان، علي عبد العال، سامح لطف الله، حسن عثمان، د - المنجي الكعبي، جاسم الرصيف، د. عبد الآله المالكي، فتحـي قاره بيبـان، حسني إبراهيم عبد العظيم، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، وائل بنجدو، سيد السباعي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الطرابلسي، د. أحمد محمد سليمان، د- محمد رحال، علي الكاش، عبد الغني مزوز، تونسي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. صلاح عودة الله ، إياد محمود حسين ، صلاح المختار، صلاح الحريري، المولدي الفرجاني، طلال قسومي، محمود طرشوبي، مجدى داود، صباح الموسوي ، عراق المطيري، أ.د. مصطفى رجب، الهادي المثلوثي، د - عادل رضا، سامر أبو رمان ، أشرف إبراهيم حجاج، د. أحمد بشير، رحاب اسعد بيوض التميمي، ياسين أحمد، أحمد ملحم، صفاء العربي، ماهر عدنان قنديل، حسن الطرابلسي، يزيد بن الحسين، عبد الله الفقير، محمد أحمد عزوز، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فتحي العابد، فتحي الزغل، سفيان عبد الكافي، د. طارق عبد الحليم، سلوى المغربي، د. عادل محمد عايش الأسطل، صالح النعامي ، محرر "بوابتي"، حميدة الطيلوش، رافع القارصي، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العراقي، خبَّاب بن مروان الحمد، خالد الجاف ، حاتم الصولي، عزيز العرباوي، أحمد الحباسي، محمد الياسين، سلام الشماع، د- محمود علي عريقات، عمر غازي، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الرزاق قيراط ، عواطف منصور، أحمد النعيمي، نادية سعد، مراد قميزة، محمد العيادي، مصطفي زهران، د - محمد بن موسى الشريف ، رضا الدبّابي، مصطفى منيغ، كريم فارق، الهيثم زعفان، سعود السبعاني، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، د- جابر قميحة، منجي باكير،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة