البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التيار القومي العربي في محرقة الديمقراطية: نمزذج تونس

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 1841



لا يزال المختبر السياسي التونسي يصدر نتائج جديدة في كل فصل سياسي إنه يتحول إلى مختبر أو مدرسة لقراءة الواقع السياسي العربي الشامل ويبدو أنه يحوّل تونس إلى إقليم قاعدة - بلغة نديم البيطار - ليس لقيادة الأمة نحو وحدتها السياسية الشاملة كما في كراريس القوميين العرب بمختلف أحزابهم وأنظمتهم وإنما في تقديم حالة مدرسية على أن التيار القومي أعجز من أن يقود الأمة نحو وحدتها، وليس أدل من تجربة تونس نموذجًا للتحليل. إننا نرى اللقاء الغريب حول حفتر بين مكونات مختلفة سياسيًا وفكريًا في تونس يضع شاهدة على قبر التيار القومي وينهي دوره إلا حنينًا إلى فكرة لم تستقم لأهلها ولم توحدهم في قطر واحد وهم الطامحون إلى توحيد أمة.

تاريخ فشل
لا نحتاج إلى استعراض تاريخي عميق لنثبت أن التيار القومي فشل في بناء الديمقراطية حيث حكم حتى فشل وأفشل. حكم التيار القومي خمس أقطار عربية كبرى (مصر وسوريا والعراق واليمن وليبيا ويمكن أن نضيف الجزائر) هي الآن أفشل الدول العربية اقتصاديًا وسياسيًا رغم أنها باستثناء اليمن أغنى الدول العربية بالمواد الطاقية. والإنسان فيها مضطهد خانع مدمر تحت الأحذية العسكرية. فلا يُرفع حذاء حتى ينزل آخر. وقد انتهت كلها تحت وصاية أجنبية. هي في جوهرها احتلال عسكري يناقض كل لغو السيادة الوطنية والقومية التي صدع بها التيار القومي رؤوس الخلق منذ قرن تقريبًا.

الفشل مرادف لحكم القوميين في بناء الديمقراطية السياسية حيث أنتج غيابها فشلًا اقتصاديًا ذريعًا وأعاد الفشل الاقتصادي تدوير الفشل السياسي. حلقة مفرغة حكمت بالحديد والنار وانتهت إلى بيع فلسطين وقبض ثمنها.

آخر حالات الفشل قادها حفتر بزعم إنقاذ ليبيا من "خونة الأمة" بزعمه (الإخوان المسلمين)، ونحن نتابع اندحاره واندحار كل التيار القومي العربي الذي وقف وراءه يسنده وينتظره في تونس ليجهز على أعداء الأمة برشاشات عوزي الإسرائيلية.

خطاب مواساة الذات الفاشلة سيرى في الفقرة السابقة دفاعًا عن أنظمة قطرية أخرى فاشلة بدورها ولكن الأنظمة غير القومية لم تطرح على نفسها شعارات توحيد الأمة وتحرير فلسطين لذلك هي غير معنية بهذه الورقة وخطاب المواساة محتاج إلى الرد من موقع آخر إذا أراد دحض ما قيل.

الحالة التونسية فشل إضافي
المثير للاستغراب في ما بعد الثورة التونسية هو ظهور تحالف سياسي بين جهتين تبادلتا العداء سابقا هما حزب فرنسا أو التيار اليساري الفرانكفوني والتيار القومي العربي وأكثر ما اتحد فيه التياران المتعاديان هو الموقف من الانقلاب العسكري في مصر ضد النظام المنتخب والموقف المساند لحفتر في ليبيا.

نحن نتابع هذا التحالف غير المعلن، ونتذكر العدوان الثلاثي على مصر الذي قادته فرنسا الاستعمارية، ولا يزال التيار القومي يمجد انتصار ناصر على العدوان وصموده في وجه فرنسا حليفة الكيان الغاصب.

فرنسا في تونس وطيلة عقود في الخطاب القومي عدو مكشوف وجب التحرر منه لبناء السيادة خاصة في أقطار المغرب العربي. (يوجد خطاب مماثل ومكمل في الشام/المستعمرة الفرنسية).

فرنسا هي عدوة اللغة العربية المكون الأول للهوية في تونس طبقًا للخطاب القومي. لكن حزبها (وهو تعبير مجازي عن تيار فكري وسياسي موال لها في كل أقطار المغرب العربي) يقف الآن (أو قبل الهزيمة وهو الصواب) مساندًا لحفتر لأن فرنسا تمول حفتر وتدعمه بالسلاح والرجال الخبراء ويقف التيار القومي بكل فصائله (وهي فصائل كثيرة تعجز عن العمل معًا تحت الراية القومية) في نفس الموقف السياسي و"النضالي".

لماذا حدث هذا اللقاء في الفكرة والموقف وجعل التيارين يتحركان سويًا في البرلمان وفي الشارع لصالح حفتر؟ حيرة فكرية تكشف إن الفكرة القومية ليست باطنًا روحيًا بناء بل ظاهرة سياسية خادعة ضمن نفس المعركة التي عاش منها كل حاكم قطري معاد واقعيًا للقومية العربية أي موالاة الغرب سياسيًا والاعتماد عليه لمواجهة الطلب الديمقراطي بالقوة الغاشمة.

الديمقراطية الحارقة
بعد كل هذا الفشل في الحكم وفي المعارضة نرى أن ليس للتيار القومي أية مشروع قومي بل هم نسخة غبية من تيارات اليسار العربي بمسمياتهم المختلفة (ماركسيون عرب، يسار عربي، بعث، الخ...) لم يعد شعار توحيد الأمة العربية يقنع عربيًا واحدًا بأية صيغة. لا لأن الفكرة خاطئة بل لأن من رفعها خانها وخربها فصار لفظ قومي عربي مرادفًا لكل أشكال الفشل السياسي والفكري.

ولم يكن الوقوف مع حفتر في ليبيا ومساندة الانقلاب العسكري في والدفاع المستميت عن نظام القتل والتهجير في سوريا إلا علامات إضافية على الفشل في التصورات السياسية المفضية إلى الانخراط في الديمقراطية.

إن عشر سنوات من الصراع الديمقراطي في تونس تحت سقوف حرية عالية جدًا ورغم ضعف النتائج الاقتصادية كشف أن التيار القومي ليس ديمقراطيًا مخلصًا للديمقراطية. مثله مثل تيارات اليسار الفاشلة. بل هو يتربص بها. إذ لا معنى أن تكون ديمقراطيًا في تونس ومعاديًا للديمقراطية في مصر وسوريا وليبيا. لا معنى أن تستفيد من الديمقراطية في بلد فتدخل البرلمان والحكومة وتتمتع بالحرية وترفضها لشعب آخر في بلد آخر.

والأدهى أن تكون داعية قومية وتعمل على توحيد الأمة. فقطاع واسع من الجمهور العربي الناخب في تونس وخارجها يسأل القوميين هل ستوحدون الشعوب العربية تحت نموذج النظام التونسي بعد الثورة أم تحت نموذج نظام السيسي الانقلابي أو نظام بشار القاتل.

الدرس الديمقراطي التونسي أربك التيار القومي لأنه وضعه في مواجهة سؤال الحكم بوسائل الديمقراطية. لقد تذكر كل مشارك في الديمقراطية إن لم يكن هناك أي نظام قومي عربي وصل إلى الحكم بطريقة ديمقراطية. فكلهم ركبوا إليه الدبابة والمكيدة المخابراتية ثم القتل والتشريد. وعندما أراد شريك القوميين في تونس أن يشاركهم الحكم وجدهم يستنصرون عليه بكل عسكري حتى الذي اصطنعته المخابرات الأمريكية في مطبخها وأعدته لأقذر المهمات.

نتابع الآن قوميين كثر في تونس وخارجها يدافعون على حفتر ولا يضيرهم في شيء أن يعرفوا أن حفتر يستعين على بعض قومه بالصهاينة. إنهم يلحسون سبعين سنة من الخطاب الجماهيري المعادي للصهيونية. لأن حفتر شكل عندهم أملًا منقذًا من الديمقراطية التي تكشف حجمهم السياسي في الواقع وتضطرهم إلى القبول بشركاء لا يستحقون عندهم الحياة.

هنا نعثر على مفتاح فهم وتحليل للفكر القومي ولتياراته ورجالاته الأفذاذ. ماذا قدم القوميون العرب للأمة العربية حيث ما حكموا غير ذبح الإسلاميين. إنه نفس مفتاح فهم اليسار العربي مشرقًا ومغربًا. اختلفت كل الأنظمة القومية في ما بينها ونموذج سوريا والعراق نموذج مثالي لاختلاف القوميين العرب. لكنها اتفقت كلها في إبادة التيار الإسلامي كأنها ما خلقت إلا لتلك المهمة.

لكن الدرس الديمقراطي التونسي يشير إلى أمر مهم. من استنصر على الديمقراطية بحفتر وبشار والسيسي ستطحنه الديمقراطية وتمر على جثته إلى المستقبل. هذه هي محرقة الديمقراطية التي ستوحد الشعوب العربية دون قوميين.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، القوميون، القومية العربية، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-05-2020   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، سامح لطف الله، صفاء العربي، رشيد السيد أحمد، د. أحمد محمد سليمان، محمد شمام ، عبد الغني مزوز، محمد العيادي، د- جابر قميحة، د - المنجي الكعبي، د- محمود علي عريقات، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد ملحم، رضا الدبّابي، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، مصطفي زهران، نادية سعد، فتحي العابد، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله الفقير، المولدي الفرجاني، رافد العزاوي، عمار غيلوفي، محمد عمر غرس الله، محرر "بوابتي"، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الهيثم زعفان، محمد الياسين، أنس الشابي، الناصر الرقيق، يحيي البوليني، أحمد الحباسي، عراق المطيري، رافع القارصي، صالح النعامي ، د - الضاوي خوالدية، إياد محمود حسين ، د- محمد رحال، كريم فارق، كريم السليتي، عبد الله زيدان، د. أحمد بشير، صلاح المختار، الهادي المثلوثي، صفاء العراقي، صباح الموسوي ، محمد أحمد عزوز، د. عبد الآله المالكي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد بوادي، جاسم الرصيف، د - محمد بنيعيش، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، سعود السبعاني، صلاح الحريري، د. كاظم عبد الحسين عباس ، مجدى داود، د. عادل محمد عايش الأسطل، عمر غازي، خبَّاب بن مروان الحمد، منجي باكير، سلام الشماع، سلوى المغربي، د. طارق عبد الحليم، سامر أبو رمان ، د. صلاح عودة الله ، د - عادل رضا، العادل السمعلي، علي الكاش، أشرف إبراهيم حجاج، أحمد النعيمي، سفيان عبد الكافي، حميدة الطيلوش، ياسين أحمد، محمد اسعد بيوض التميمي، حسن عثمان، حاتم الصولي، أبو سمية، إسراء أبو رمان، طلال قسومي، د - شاكر الحوكي ، فوزي مسعود ، د.محمد فتحي عبد العال، ماهر عدنان قنديل، د - محمد بن موسى الشريف ، فتحـي قاره بيبـان، علي عبد العال، فهمي شراب، عبد الرزاق قيراط ، د - صالح المازقي، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، حسن الطرابلسي، محمود سلطان، رمضان حينوني، مصطفى منيغ، أ.د. مصطفى رجب، يزيد بن الحسين، تونسي، د. خالد الطراولي ، سليمان أحمد أبو ستة، د - مصطفى فهمي، وائل بنجدو، عواطف منصور، مراد قميزة، أحمد بن عبد المحسن العساف ، ضحى عبد الرحمن، فتحي الزغل، رحاب اسعد بيوض التميمي،
أحدث الردود
ما سأقوله ليس مداخلة، إنّما هو مجرّد ملاحظة قصيرة:
جميع لغات العالم لها وظيفة واحدة هي تأمين التواصل بين مجموعة بشريّة معيّنة، إلّا اللّغة الفر...>>


مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة