البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

في تونس الإيمان في القلب

كاتب المقال عبد اللطيف العلوي - تونس   
 المشاهدات: 2022


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لسنا سيّئين أبدا، ولم نخرج يوما عن ديننا ولا عن دنيانا، جعلناهما معا عجّة واحدة، تباع في الأسواق وفي المدارس والجوامع والخمّارات والأعراس والمحاكم والملاعب والشّواطئ والمواخير وفي كلّ مكان. يكفي أن تؤمن بأنّ الإيمان في القلب، لتبيع ما تريد وتشتري ما تريد من متاع الدّنيا والآخرة، ولا حاجة بك لتقديم أيّ تفسير حتّى فيما بينك وبين ربّك.

الصّلاة ليست ضروريّة أبدا ولا فرضا كما يقول الفقهاء المتشدّدون، ما دام الإيمان في القلب، والزّكاة منسيّة أصلا من حديث النّاس، والصّوم مؤجّل ما دام الشّابّ طائشا، وبإمكانه أن يغتنم من حياته ما يشاء، فيزنى ويسكر بشواء عيد الأضحى ويعيش كما يعيش أنداده ما دام العمر لا يزال طويلا أمامه للتّدارك، والحجّ فريضة العجائز البائسين الّذين اقتربت ساعتهم ويريدون أن يغسلوا عظامهم من ذنوب العمر الطّويل. كلّ ذلك لا يجب أن يفسد للإيمان قضيّة ولا للآخرة ودّا، مادام الإيمان في القلب.

يستطيع روّاد الحانات أن يبدؤوا بالبسملة لأنّهم مسلمون في قلوبهم ولا أحد يزايد عليهم، وتستطيع العاهرة أن تتحجّج بالظّروف القاسية وظلم ذوي القربى وتمارس "فضيلتها" فلا يفسد ذلك إيمانها، ويستطيع بائع الحليب أن يخلط الحليب بالماء، فذلك نوع من التّدبير، ويستطيع الجزّار أن يبيعك لحم الحمير أو البغال أو حتّى لحم القطط والضّفادع، فهذا من صميم الشّطارة والفهلوة ولا يتعارض مع الإسلام في شيء. ربّ البيت الوقور هو أيضا لن يفسد وقاره أن يجلس في المقهى بالسّاعات يتسلّى بكلّ أنواع النّكت الفاحشة وينظر إلى المؤخّرات الكبيرة ويسبّ الجلالة بطلاقة وفصاحة وتنغيم، لكنّه لن يفوّت صلاة الجمعة حتّى وإن كان لا يصلّي باقي أيّام الأسبوع، وسيحرص على شراء الكبش الأقرن الأجمل صورة في الحيّ، عملا بسنّة سيّدنا إبراهيم، وسيلبس القميص الأبيض لصلاة العيد ويسبّح ويكبّر طويلا بصوت جهوريّ خاشع ورأس منكوس، وسيشهد زورا في المحكمة بعد ذلك لينصر رئيسه في العمل على موظّف غلبان، لأنّه مضطرّ للحفاظ على خبزة أبنائه، والإيمان في القلب، وساكنة الحيّ اللاّتينيّ ستقرّد خادمتها الّتي ترتدي الحجاب وتنعتها بالبهيمة المتخلّفة، وستركب كلّ أنواع الموضة لتنفخ أشياءها وتكشطها وتشدّها وتعرضها للجيمع عرضا يعبّر عن تفتّحها الشّديد وتحرّرها وقطيعتها الكلّيّة مع ثقافة "أولاد الحفيانة" المتخلّفين، وستتقبّل التّهاني بعيد الأضحى وعيد الفطر ومولد الرّسول وتنشر بدورها على حسابها الفايسبوكيّ رشّات متتالية من الآيات المكتوبة بخطّ مذهّب والأحاديث الشريفة والأذكار والأدعية المأثورة.

المتحجّبة أيضا ليست في ضيق من حالها، فالله يأمر بالسّتر عند المعصية، وما دام الأمر كذلك، فبإمكانها أن تتخفّف قليلا حين تغفل الأعين. وحاسّة التّديّن تتعطّل في الأعراس، وخاصّة إذا كان العرس لقريب من الأقارب، فالفرحة له واجبة والرّقص والرّدح في الصّالات وفوق السّطوح يصبح من السّنن المؤكّدة، والإسراف في الماكياج والتّغنّج لا يفسد للدّين قضيّة، مادام الإيمان في القلب. الموظّف بإمكانه أن يجعل راتبه الشّهريّ في حساب مغلق مادامت عائدات الرّشوة تكفيه كي يبني ثلاثة طوابق وينفق على عائلته ويشتري فاخر الأثاث والعقارات والسيارات، وهذا لا يتعارض طبعا مه كونه مؤمنا إيمانا حقيقيّا، وليس من حقّك أن تزايد عليه ولا أن تذكّره بربّ العباد ولا بأيّ شيء.

الحاكم أيضا لا يضرّ إيمانه أبدا أن يسلخ المعارضين في السّجون وأن يغتصب النّساء والأرزاق ويسقط الشّهداء في السّاحات، لأنّ كلّ ذلك من ضرورات الحكم والمحافظة على الدّولة، ولا علاقة له أبدا بمسألة الدّين، فهو رغم ذلك يبقى حامي الحمى والدّين ويشرف على الاحتفالات بالجامع الكبير وعلى توزيع جوائز حفظ القرآن بالجبّة والشّاشيّة القرمزيّة والسّبحة اللاّمعة. فلا يجب أبدا أن نخلط الأمور. نحن شعب سعيد ومتوازن ومنسجم تماما مع نفسه، منذ اخترعنا مقولة إنّ الإيمان في القلب. والإسلام دين متفتّح متنوّر، والجميع مسلمون بلا أيّ نقاش، حتّى الملحدون في بلادنا جميعهم مؤمنون، وإيمانهم في القلب، وسوف يتزوّجون المحجّبات ويصلّى عليهم في خشوع ويغسّلون ويدفنون في مقابر المسلمين وتقرأ عليهم الفاتحة. إنّها الخلطة التّونسيّة العجيبة الّتي حيّرت العالم، حتّى الشّيطان لا يستطيع أن يغوي شعبا كهذا، متصالحا بالكامل مع كلّ مفاسده وجرائمه، ولذلك ترك مهمّته هنا لكثير من البشر الّذين يمكن أن يقوموا بها أفضل منه ألف مرّة...


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، اليسار، اليسار التونسي، العلمانية، بقايا فرنسا، النفاق،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 11-12-2019  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د- محمد رحال، صلاح المختار، د.محمد فتحي عبد العال، سفيان عبد الكافي، رافع القارصي، د. أحمد بشير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمود فاروق سيد شعبان، العادل السمعلي، محمد عمر غرس الله، كريم فارق، سيد السباعي، رافد العزاوي، د - محمد بن موسى الشريف ، د - الضاوي خوالدية، عمر غازي، وائل بنجدو، مجدى داود، سلام الشماع، فهمي شراب، فتحـي قاره بيبـان، إياد محمود حسين ، عبد الغني مزوز، رمضان حينوني، مصطفى منيغ، د- محمود علي عريقات، د. عادل محمد عايش الأسطل، إيمى الأشقر، ياسين أحمد، د - عادل رضا، جاسم الرصيف، د - شاكر الحوكي ، د. عبد الآله المالكي، محمود سلطان، د. أحمد محمد سليمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد ملحم، علي الكاش، د. خالد الطراولي ، أحمد بوادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أنس الشابي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عبد الله الفقير، محمود طرشوبي، صفاء العربي، محمد الياسين، محمد يحي، أحمد النعيمي، سليمان أحمد أبو ستة، صباح الموسوي ، محمد الطرابلسي، الهادي المثلوثي، د- جابر قميحة، د - المنجي الكعبي، حسن الطرابلسي، أبو سمية، ضحى عبد الرحمن، الناصر الرقيق، فوزي مسعود ، محرر "بوابتي"، مصطفي زهران، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، الهيثم زعفان، عبد الله زيدان، عواطف منصور، محمد شمام ، المولدي الفرجاني، منجي باكير، ماهر عدنان قنديل، فتحي العابد، د. طارق عبد الحليم، تونسي، أحمد الحباسي، صالح النعامي ، د. صلاح عودة الله ، عبد الرزاق قيراط ، نادية سعد، رضا الدبّابي، حاتم الصولي، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، د - محمد بنيعيش، عراق المطيري، صلاح الحريري، سلوى المغربي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، يحيي البوليني، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، د - مصطفى فهمي، خالد الجاف ، سامح لطف الله، حسن عثمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عزيز العرباوي، د - صالح المازقي، يزيد بن الحسين، خبَّاب بن مروان الحمد، حميدة الطيلوش، صفاء العراقي، علي عبد العال، إسراء أبو رمان، محمد اسعد بيوض التميمي، سعود السبعاني، رحاب اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، طلال قسومي، أ.د. مصطفى رجب، محمد العيادي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة