البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

شباب تونس وموسم الانتحار يأسا

كاتب المقال محمد هنيد - تونس   
 المشاهدات: 2541



فاجعة كبيرة لن تكون الأخيرة في سلسلة الفواجع التي تضرب مهد ربيع الثورات تونس. الفاجعة ليست الأولى طبعا بل هي تضاف إلى سلسلة الصدمات التي تضرب المجتمع بكل قسوة ليستفيق على مرارة الواقع وبشاعته وعلى حصاد عقود من الاستبداد والقمع وحكم الفرد الواحد.

بالأمس غرق مركب يقلّ أكثر من مائتي مهاجر في عرض البحر وتقدر أعداد المفقودين والجثامين بما يقارب مائة وعشرين فردا من الشباب خاصة.

مائة وعشرون مأتما ومائة وعشرون جنازة ومائة وعشرون أُمّا مكلومة على فقدان أعز ما تملك هي آخر حصيلة من حصيلة حكم العصابات ودولة العصابات والفساد. التعبير هنا ليس مجازا بل حقيقة مرّة لأن آخر التسريبات حول العملية تكشف وقوف عصابات منظمة وراء تسفير الشباب في قوارب الموت وهي نفس العصابات التي سهرت على تسفيرهم إلى بؤر توتر وجبهات القتال.

حقيقة أخرى لا تخفى على أحد في تونس اليوم وتتمثل في تورط أجهزة الدولة نفسها وخاصة منها الأمنية في عمليات التسفير والحصول على ثروات طائلة من أحلام شباب فقير لا يبحث عن غير العمل والكرامة بالعمل حسب تصريحات الناجين من الكارثة.

لسائل أن يسأل: من الذي يدفع شبابا في ريعان العمر إلى ركوب الأمواج والمخاطرة بالنفس في سبيل مستقبل غامض قد يكون أو لا يكون؟ ماهي القوة الهائلة التي تدفع الفرد إلى مغادرة بلده وأهله ومرتع صباه والإبحار نحو المجهول؟ أية طاقة جبارة تجعل الفرد يهرب من الحضن الذي كبر فيه ويلقي بنفسه في جحيم المجهول؟

الجواب بسيط بل وبسيط جدا: لقد تحول الوطن إلى جحيم لا يطاق وصار الهروب منه غاية وحلم كل شاب وشابة بعد أن نهبت دولة العصابات والمنظومات الفاسدة كل ثروات الوطن وباعتها للمحتل الحقيقي بثمن بخس على حساب مستقبل أبناء الوطن وأجياله.

راكب البحر كالهارب من الجحيم بعد أن غدا الوطن أرضا قاحلة بوارا لم يترك فيها تحالف الاستبداد والفساء أية فرصة للحياة الكريمة. هذا المشهد الموغل في الحزن والكآبة يسمح رغم هول الصدمة بإبداء الملاحظات التالية:

إن تفشي البطالة بين الشباب وانعدام كل أفق لحل ممكن لمستقبل آلاف من المعطلين عن العمل سواء كانوا من خرجي الجامعات أو ممن انقطعوا باكرا عن الدراسة بسبب الفقر والحاجة ينذر بانفجار اجتماعي خطير. البطالة في تونس لا تعود أسباها إلى نفور الشباب من العمل أو إلى قلة الموارد أو إلى انعدام الكفاءات بل هي تتجلى أساسا في انتشار الفساد والمحسوبية والمحاباة في إسناد الوظائف وفي الترقيات وفي تشغيل المقربين.

لقد أنشأ نظام بن علي شبكة عميقة من الفساد الإداري حيث تسند الوظائف والامتيازات والترقيات لمسؤولين في كافة أجهزة الدولة يسهرون على إسناد الوظائف لأبنائهم وأقربائهم. بل صارت الوظائف تجارة رابحة فخصص لكل وظيفة سعر معين في سوق رائجة تحصد المليارات كل سنة.

لا يمس الموت ولا تنال قواربه إلا أبناء الطبقة الفقيرة من أبناء العمق التونسي العميق. ينحدر كل الشباب الذين التهمتهم أمواج المتوسط من الداخل التونسي الفقير حيث تمثل البطالة قدرا لا يفلت منه كل من ولد لعائلة معوزة لم تنخرط في منظومة الفساد ولم تتبع مسالكه.

أما الأحياء الراقية والأشبه بالمحميات أو المستوطنات فإن أبناءها لا يسلكون طريق البحر بل تأتيهم الوظائف والثروة والجاه على طبق ذهبي بفضل شبكة العلاقات التي صنعها أهلهم داخل النظام أو خارجه.

هذا الواقع يكاد يشطر البلاد إلى نصفين لا يلتقيان: طبقة فقيرة معدمة تشمل اليوم حتى الطبقة المتوسطة التي تكاد تختفي وتقابلها طبقة من الأثرياء القدامى والجدد الذين يستحوذون على الجزء الأكبر من الثروة الوطنية. هذا التوزيع الجديد ينذر هو الآخر بتصاعد الاحتقان الاجتماعي وبانفجار معدلات الجريمة والعنف.

ثالث الملاحظات وأخطرها إنما تتمثل في وعي الدولة بهذه المأساة بل ومشاركتها فيها عبر الصمت والعجز أمام شبكات المهربين و مجموعات العصابات التي تقتات من فقر المفقرين ومن أحلامهم ومن معاناتهم ومآسيهم التي لا تنتهي. إن صمت الدولة وعجز مؤسساتها السيادية عن محاسبة من تسبب في هذا النزيف الاجتماعي الذي لا يتوقف والذي يهدد الأمن القومي وينذر المجتمع بالانفجار هو في الحقيقة مشاركة في الجريمة وتستر على المجرمين.

تونس اليوم على صفيح حارق وهي تقف في مفترق طرق مصيري فإما أن تنتهز الفرصة التاريخية بمحاربة شبكات التهريب ومنظومات الجريمة المنظمة وتعلن حربا حقيقية على الفساد بكل مستوياته وإما أن تفتح الباب أمام طريق معلوم من الفوضى والخراب والدمار الذي لن يبقي على أحد.

إن تطبيق القانون واحترام انسانية الانسان في وطنه ليست منة من أحد بل واجب ومسؤولية تعبد الطريق أمام شباب باحث عن بصيص أمل قد يتبخر فيقذف بنفسه عبر أبواب الانحراف المشرّعة من إرهاب وجريمة منظمة وهجرة غير شرعية بما يحوله من عنصر بناء فاعل إلى خطر يحدق بالمجتمع نفسه.

لن تنفع اليوم حلول الأمس من تغاض عن الجرائم ومن تعتيم إعلامي وتخدير للعقل الجمعي ومواصلة لمسيرة نهب الثروات وبيع البلاد للشركات الأجنبية. لن تنفع سياسة التهميش والاحتقار للجزء الأكبر من البلاد وسكانها بل إن الثورة لا تزال هنا ولا تزال المطالب التي اندلعت من أجلها قائمة واشتدت ضراوتها بشكل لن يسمح بإلغائها مهما حاولت قوي النظام القديم وخناجر الثورة المضادة وداعميهم في الداخل والخارج إخماد نارها.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الحرقة، الهجرة السرية، قرقنة، حادثة غرق،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-06-2018   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
حسني إبراهيم عبد العظيم، سفيان عبد الكافي، مجدى داود، محمد أحمد عزوز، صباح الموسوي ، سامح لطف الله، فهمي شراب، عبد الله زيدان، مصطفي زهران، إياد محمود حسين ، كريم فارق، عزيز العرباوي، د - المنجي الكعبي، الهادي المثلوثي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عمار غيلوفي، رافع القارصي، صلاح المختار، سليمان أحمد أبو ستة، د- محمد رحال، محرر "بوابتي"، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، طلال قسومي، د - محمد بن موسى الشريف ، رافد العزاوي، وائل بنجدو، د. مصطفى يوسف اللداوي، د- محمود علي عريقات، أحمد الحباسي، محمد يحي، تونسي، د. صلاح عودة الله ، مصطفى منيغ، علي عبد العال، ياسين أحمد، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد بشير، المولدي الفرجاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، سيد السباعي، صالح النعامي ، محمد الياسين، فتحي الزغل، حسن عثمان، د.محمد فتحي عبد العال، صفاء العراقي، نادية سعد، جاسم الرصيف، محمود سلطان، أشرف إبراهيم حجاج، رضا الدبّابي، محمود فاروق سيد شعبان، الهيثم زعفان، عبد الله الفقير، سعود السبعاني، يحيي البوليني، د - عادل رضا، د. عادل محمد عايش الأسطل، أنس الشابي، إسراء أبو رمان، ماهر عدنان قنديل، عبد الرزاق قيراط ، خالد الجاف ، محمد اسعد بيوض التميمي، د - صالح المازقي، رشيد السيد أحمد، عمر غازي، أبو سمية، العادل السمعلي، حاتم الصولي، د - الضاوي خوالدية، صفاء العربي، د. أحمد محمد سليمان، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، خبَّاب بن مروان الحمد، محمد الطرابلسي، د - محمد بنيعيش، فتحي العابد، محمد شمام ، سلام الشماع، صلاح الحريري، عراق المطيري، رمضان حينوني، أحمد ملحم، د. عبد الآله المالكي، سامر أبو رمان ، حميدة الطيلوش، د- جابر قميحة، أحمد النعيمي، د - مصطفى فهمي، الناصر الرقيق، عبد الغني مزوز، ضحى عبد الرحمن، أ.د. مصطفى رجب، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بوادي، علي الكاش، د - شاكر الحوكي ، فوزي مسعود ، سلوى المغربي، يزيد بن الحسين، عواطف منصور، إيمى الأشقر، فتحـي قاره بيبـان، محمد عمر غرس الله، كريم السليتي، منجي باكير، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د. طارق عبد الحليم، محمد العيادي، د. خالد الطراولي ، حسن الطرابلسي، مراد قميزة، محمود طرشوبي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة