بصرف النظر عن القص واللزق الواضح في فيديو خطاب الفريق السيسي، والمونتاج الواضح في الفيديو ما بين ضباط واقفين، ثم جالسين بدون داع، وإضاءة وخلفية مختلفة، ما يؤكد أن الكلمة تم تركيبها على فيديوهات لا علاقة لها بمكان إلقاء الكلمة، إلا أن طبيعة الخطاب ولهجته وأسلوب الفريق السيسي وما ذكره تبعث برسائل عديدة أزعم أن بعضها سلبي يؤشر لمرحلة عناد مقبل تجاه معارضي الانقلاب، وبعضها إيجابي يؤشر لحالة ارتباك بسبب هذه الحشود الموجودة في الشارع المؤيدة لمرسي.
من هذه المؤشرات السلبية: أن الفريق السيسي حاول توجيه خطاب تبريري لما قام به من انقلاب بالحديث عن أنه حاول إقناع الرئيس مرسي بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة أو استفتاء على رئاسته ولكنه رفض، دون أن يوضح علاقة هذا بتدخله كعسكري في العملية السياسية الديمقراطية ومحاولة فرض موقف عسكري علي الحكم الديمقراطي المدني والانحياز لطرف دون أخر بينما كان ينادي يحذر الطرفين معا من قبل.
ومنها أنه حاول الظهور بمظهر الزعيم السياسي لا قائد الجيش، وإظهار هذا في عبارات المديح له من بعض الضباط والثناء على ما فعله لـ "إنقاذ مصر"، ما دفع البعض - ومنهم الدكتور محمد عثمان أستاذ علم الأديان بجامعة القاهرة - لمحاولة تصوير السيسي على أنه "عبد الناصر" جديد بالقول أن خطابه "يعيد إلى الشعب صورة الزعيم الراحل جمال عبد الناصر الذي طالما ألهم المصريين"!!، برغم أن هذه المقارنة بين السيسي وناصر في ظل حالة البطش بالإعلام وإلقاء المعارضين الإسلاميين في السجون وغلق وحرق مقرات أحزاب إسلامية، وعودة أمن الدولة بقوة والتنسيق الواضح مع أمريكا، تؤشر لحكم عسكري باطش وعهد ملئ بالمعتقلات لا كما حاول عشاق البيادة إظهارها كثورة قادها زعيم بحجم عبد الناصر.
ويزيد من خطورة هذه الصورة التي يروجها البعض - والتي تعيد عهود الاستبداد السابقة - ما ذكره زميلنا عادل صبري رئيس تحرير بوابة الوفد السابق من أن مكتب الفريق السيسي طلب من الجرائد الصادرة الاثنين ألا تطبع مبكراً قبل أن يعدوا لها بيان السيسي كي تمجد الصحف فيه صباح اليوم التالي (!)..
وقبل هذا كشف عصام سلطان عن أوامر مشابهة صدرت من مكتب السيسي أيضاً لبنوك بوقف صرف أموال رموز إسلامية، منها عصام سلطان نفسه الذي لم يتمكن من سحب أموال من حسابه لدفع رواتب موظفي مكتبه.. وكل هذا في وقت يقال فيه أن مصر بها رئيس مؤقت ورئيس وزراء ولا يحكمها العسكر!.
السلبية الثالثة في خطاب السيسي: أنه استاء لمحاصرة المحكمة الدستورية بصورة سلمية، ولم يستاء لمحاصرة قصر الرئاسة (الاتحادية) وقذفه بالمولوتوف وحرق أشجاره وأبوابه واقتلاعها بواسطة البلاك بلوك وبلطجية دون أن يتدخل لا الحرس الجمهوري ولا الجيش ولا الشرطة.. استاء لمحاصرة مدينة الإنتاج الإعلامي سلمياً أيضاً، ولم يستاء للسب والقذف الذي مارسته قنوات الفلول بحق الرئيس المنتخب مرسي وعائلته ولا بحقه هو شخصياً كقائد للجيش والسخرية منه حينئذ؟!.
السلبية الرابعة: أنه بينما كرر السيسي أن من حق من يريد التظاهر أن يتظاهر، فإن البيانات التي يلقيها على المعتصمين بطائرات الجيش -أربعة بيانات- تتوعدهم تارة بعدم ملاحقتهم، وتتحايل عليهم تارة لترك الميدان وعدم تعطيل أعمالهم، وتارة ثالثة تقول أنها ستحمي ظهورهم في حين أن ما شاهده المعتصمون بأنفسهم أمام الحرس الجمهوري وهو يصلون تاركين ظهورهم لقوات الجيش والشرطة عكس ما قيل!.
أما المؤشرات الايجابية في الخطاب التي تظهر ارتباك قادة الانقلاب بسبب الاعتصامات والمسيرات الضخمة المؤيدة للرئيس مرسي وتدهور الأحوال الاقتصادية رغم الجسر المالي الخليجي، فظهرت ليس فقط في لغة الخطاب التي توضح أن الجيش ليس طامعاً في السلطة بينما الحقيقة تبدو خلاف هذا حيث الحكم هذه المرة من خلف الستار، ولكن في حرص الفريق السيسي علي دغدغة مشاعر المصريين تجاه حبهم الطبيعي (مؤيدين ومعارضين للانقلاب) للجيش، وعدم ظهور أحد - إعلامياً - من قيادات المجلس العسكري مؤيد للانقلاب سوي السيسي والمتحدث الرسمي للقوات المسلحة.
من الايجابيات التي تحسب لمؤيدي مرسي أيضاً: أن حديث السيسي عن الاستجابة لإرادة الشعب باتت تعرف على أنها استجابة لفريق معين من الشعب معاد للإسلاميين، بدليل استخدام طائرات الجيش لتحيه معارضي مرسي، واستخدامها بالمقابل لتهديد مؤيديه ودعوتهم لترك الميادين، فضلاً عن تعيين خصوم ومعادين للتيار الإسلامي في المناصب المختلفة، وإلا لانحاز أيضا للفريق الأخر الموجود حالياً في الشارع من مؤيدي الرئيس ولم يتجاهلهم.
والملفت هنا أن الخطاب الإعلامي بعد الانقلاب العسكري وخطابات السيسي التي تلقي على متظاهري رابعة العدوية بدأت بالحديث عن "الإرهابيين" كصفة للمعتصمين، ثم "من عاد إلى بيته فهو آمن "، ثم "أخي المواطن الكريم نخاطب فيك أخلاق الشهر الكريم"، ما يشير لإدارك قوة الموجودين في الشارع.
أخشي أننا أمام مفترقين:
الأول: أن يكون غالبية قادة الجيش مع السيسي، ولا يضغطون عليه لتعديل المسار لمصالحة حقيقية قبل فوات الأوان وتصاعد الاحتقان، وفي هذه الحالة نحن مقبلون على عناد عسكري متصل بحالة العداء من كافة أجهزة الدولة السابقة - شرطة قضاة نيابة بيروقراطية حكومية فلول أصحاب مصالح- للإسلاميين، ما قد يؤدي بنا لسيناريو الستينات الذي سبق النكسة.
والثاني: الذي أظن أنه الأكثر ترجيحاً، أن يكون خطاب السيسي مؤشر علي غضب قيادات عديدة داخل الجيش من انحياز الجيش لفصيل سياسي علماني معادي لغالبية الشعب المصري المتدين فشل في خمسة انتخابات فاستعصم بالجيش لينجده، وأن المنشورات التي تلقي علي المعتصمين تؤشر لقلق من حجم الاعتصامات وقوة معارضي الانقلاب في الشارع، كما أن فشل محاولاتهم لحشد مشابه لما حدث يوم 30 يونيه والسعي لحشود مقابل لحشود مناهضي الانقلاب، كلها تؤشر إلى الشعور بالمأزق وقد تكون مقدمة للتراجع والتفاوض الذي بدأ وعودة الرئيس المنتخب ولو بحل وسط كاستفتاء علي الرئاسة.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: