في الوقت الذي يشهد فيه الغرب للاقتصاد الإسلامي بجدارته في التصدي لحل الأزمة المالية العالمية حتى تناقلت وكالات الأنباء ما قاله أوباما وبابا الفاتيكان في هذا الصدد، وبدا أن الحرب قد أعلنت من الله ورسوله على أهل الربا فانخفضت عائدات البنوك الربوية في الشرق والغرب وتنوعت الدراسات من مختلف الزوايا على هذا الحدث الغريب ما بين تأويل ديني واقتصادي.
سمعت ما تعجبت له في قناة فضائية فقد وقعت لسوء حظي على أحد برامج السفسطة العلمانية بإحدى الفضائيات فسمعتهم يقولون: أنه ليس هناك شيءٌ اسمه اقتصاد إسلامي؟! إنهم مسلمون.. عرب.. مصريون هم الذين يتحدثون في ذلك، ولكن أوباما وبابا الفاتيكان أشد إنصافاً منهم للدين والاقتصاد الإسلامي.. وما مقصدهم من هذا الحديث؟ أهو رد الصحوة الإيمانية التي توقعوا حدوثها في الشباب أم رد أهل الغرب عن دراسة الاقتصاد برؤيته الإسلامية؟ أليس هذا هو الطابور الخامس الذي يتحدثون عنه في تاريخ الحرب العالمية الثانية؟!
ومن باب تحقيق ميزة الرأي والرأي الآخر وذراً للرماد في العيون جاءوا بشيخين جليلين لينافحا عن المنهاج القويم ولكن هيهات.. فكما يقول الإمام الشافعي لو جادلت مائة عالم لغلبتهم ولو جادلني جاهلٌ واحد لغلبني وقالت مقدمة البرنامج فيما قالت فض الله فاها أن النبي صلى الله عليه وسلم قد قال أنتم أعلم بشئون دنياكم، فأنبأها الشيخ بأن ما ورد فيه حكم الشرع لا يدخل في هذا المعنى، ومن المضحك المبكي أن الجميع كانوا يرفعون أصواتهم بالصلاة عليه كلما ذكر صلى الله عليه وسلم، لكنهم جحدوا حقه في أعظم مهمة قام بها بشر وأبوا تصديقه بما جاء به، وجاء الرجل الضيف ممثل العلمانية وأحسبه موظفا في أحد البنوك الربوية بحجة أشد جهلا مما أتت به المذيعة حيث قال أن المعاني المنسوبة للفقه الإسلامي فضفاضة وأن بعض الإسلاميين يريد ركوب الموجة!!
ورحت أبحث فيمن يريد ركوب الموجة من الإسلاميين! أليس أوباما مسلم الأصل؟ فلابد أنه ممن يركبون الموجة ليعيد ترشيح نفسه رئيساً للولايات المتحدة الإسلامية؟! فقد ورد عنه مطالبته للمؤتمرين بجاكرتا في المنتدى الاقتصادي بتطبيق النظام المالي الإسلامي لمواجهة الأزمة الاقتصادية، وللبنوك الإسلامية: بتطبيق "أعمال تشجيعية" في الغرب موافقة لأحكام الشريعة، وأما رئيس الوزراء الماليزي فقد أكد أن جشع الفائدة "هو العامل الأساسي وراء الأزمة المالية العالمية التي خلفت وضعا اقتصاديا مضطربا في العالم" ودعا المسلمين قاطبة" إلى الاستثمار في مجال الزراعة والصناعات الغذائية، معتبرا ذلك النهج الأمثل لمواجهة الأزمة".. وتوقع خبراء اقتصاديون أن تصب هذه الأزمة في خانة البنوك الإسلامية.
كل هذا يصوره هذا "المثقف" بركوب الموجة وبالرجوع إلى مفردات ما نسميه بالاقتصاد الإسلامي بحسب مبادئ القرآن الكريم والسنة المطهرة نجد أنه يرتكز على قائمين بينهما سببٌ وصلة أما القائم الأول فهو محاربة الربا ولعنه باعتباره الكبيرة التي عجل الله عقوبتها في الدنيا" فاءذنوا بحربٍ من الله ورسوله" والقائم الثاني بالحث على الكسب الحلال وإعلاء قيمة العمل كما في عددٍ من الأحاديث الشهيرة منها:
1. عن أبي هريرة رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: ليس الغنى عن كثرة العرض، ولكن الغنى غنى النفس ُمتَّفَقٌ عَلَيهِ، وعن حكيم بن حزام رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ أن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول، وخير الصدقة عن ظهر غنىً، ومن يستعفف يعفه اللَّه، ومن يستغن يغنه اللَّه ُمتَّفَقٌ عَلَيهِ. وهذا لفظ البخاري.
2. وعن أبي عبد اللَّه الزبير بن العوام رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ قال، قال رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم: أن يأخذ أحدكم أحبله ثم يأتي الجبل فيأتي بحزمة من حطب على ظهره فيبيعها فيكف اللَّه بها وجهه خير له من أن يسأل الناس، أعطوه أو منعوه" رَوَاهُ البُخَارِيُِّ.
3. وعن المقداد بن معد يكرب رَضِيَ اللَّهُ عَنهُ عن النبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّم قال: ما أكل أحد طعاماً قط خيراً من أن يأكل من عمل يده إن نبي اللَّه داود عليه السلام كان يأكل من عمل يده "رَوَاهُ البُخَارِيُّ .
وأما الصلة بينهما فهي الحث على الزهد في الدنيا أو كما يحلو لبعض اليساريين تسميتها "الاشتراكية المثالية"فالمنهج الإسلامي يخلق روح المؤاخاة بين المسلمين بصورة تجعل أحلام اليساريين حقائق وقد كتب غير واحد من فقهاء ومفكري الأمة عن الاقتصاد الإسلامي منذ عقود لكن أحدا لم يلتفت لهم مع أن ما قالوه يتحقق اليوم، من إنقاص الإنفاق لأقصى حد ممكن مع رفع الإنتاج لأعلى درجة وجعل الفائدة على القروض تساوي صفراً (وبحسب تعليق الشيخ الشعراوي على هذا التعبير أنهم يستكبرون أن يقولوا بمنع الفائدة كما فعل فرعون حين أدركه الغرق فقال آمنت بالذي آمنت به بنو إسرائيل ولم يقل آمنت بالله..).
حتى وقعت الأزمة الأخيرة، وكانت الأزمة التي نشبت في الولايات المتحدة في أكتوبر الماضي بعد أن تخلف المتعاملون بنظام الرهن العقاري عن سداد الأقساط المطلوبة منهم، مما هدّد بإدخال الاقتصاد الأمريكي في حالة كساد، وهو ما انعكس بدوره على العالم كله وقد جاءت مصيبة هؤلاء نصراً للدين الإسلامي كما يقول الحق جل وعلا: " سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق" فكانت محنة أمريكا هذه هي التي فتحت العيون على قيمة ما قاله الدين الإسلامي بشأن الربا فلو كانت العقارات تعتمد نمطاً آخر غير الفائدة لما وقعت هذه الأزمة وعلى ضوء ما تقدم فإن ظهور مجموعة الديون بسبب القروض العقارية كانت تفوق طاقة الاقتصاد أو السوق القائم على الفائدة.. مما أدى إلى حالة من الركود الاقتصادي لاسيما في بيع وشراء العقارات، وقد نتج عن هذا الركود هبوط في الإنتاج للإحجام العام عن الشراء وبالتالي ارتفاع نسبة البطالة بصورة كبيرة وهي أخطر مشاكل الأزمة، وبطريقة الكلمات المتقاطعة لو وضعنا كل مبدأ من مبادئ الإسلام سالفة الذكر في موضعه لوجدنا أن المحنة تنتهي من تلقاء نفسها.
ترك الربا يؤدي إلى تيسير قضاء الأقساط على المتعاملين، وبالقطع سيسهم في تقليل نفقات الإنتاج ومن ثم في تنشيطه والحث على العمل يقابل أخطر مشاكل الأزمة والزهد سيقلل بلا ريب لهفة الناس على الشراء لحاجة ولغير حاجة، ويحكى أن أربعة قذفتهم الأمواج لجزيرة مهجورة من حطام إحدى السفن وكان أحدهم زارعا وكان الآخر نجارا والثالث صياداً والرابع لا يحسن شيئاً فلما استقر بهم المقام بدأ كلٌ يمارس حرفته أحدهم بالبناء والنجارة لنفسه ولغيره والآخر يزرع الأرض ويبيع لهم من ثمارها والثالث يصطاد ويبيع وفكر الرابع ماذا يفعل فخطرت له فكرة عمل البنك يجمع مدخراتهم ويجعل لها فائدة, وهكذا جعل لنفسه رزقا فيما بخسه من جهد رفاقه ولو تأملنا ببساطة ما هو سر الغلاء إن كانت الأرض تجود بخيراتها بنفس الطريقة التي خلقها الله عليها منذ آلاف السنين، والمواد الخام التي تقوم عليها الصناعات كما هي منذ الأزل والسماء لا تزل تجود بمائها، والأرض لم تنضب ولم تضق بعد بآهليها فما سر الغلاء إذاً؟ إنه الربا ولا شيء سواه.
ولو تأملت مراد هؤلاء العلمانيين من ترديد نفس الكلمات منذ أكثر من نصف قرن والدنيا تكذبهم وتفضح جهلهم والتاريخ يجري على خلاف ما أرادوا وهم بعد لم يرعووا ولم يرتدعوا.. أقول لو تأملت حالهم لحيرتك نواياهم فما الذي يجنيه هذا المتحاذق في زعمه أن ليس في الدين مبادئ اقتصادية متميزة بحيث تسمي بالاقتصاد الإسلامي، وحينما حاربوا حاكمية الإسلام وقالوا لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة أتوا بنظرياتٍ من الشرق والغرب كلها تهاوت كأصنام قريش وعاد الإسلام يفرض نفسه بحماس المؤمنين به ليصبح الفاعل الأول في كل محافل السياسة في الشرق منذ ثلاثة عقود حتى ارتبط الصراع في العالم كله اليوم بمنطلقات الدين، وفي الاقتصاد ها هم يزعمون أنه لا اقتصاد إسلامي واعتنقوا منذ عقود نظرية الشرق تارة و فكرة الغرب تارة، فذهبت قيم الغرب بعدما انتحرت نظرية الشرق، ولا يزال اليساريون ينافحون عن مثلٍ أعلن أهلها وفاتها منذ سنين، وفي آداب المجتمع سخروا من حجاب المرأة وتندروا من نظرة الإسلام بازدواجية المجتمع بين الرجال والنساء، حتى أتتهم الأمراض تترا، التي لم تكن معروفة في أسلافهم فبان فضل العفة و عادت الأمة من تلقاء نفسها لتحيي التكافل وصلة الأرحام في جملة من مبادئ الإسلام في مقاومة جماعية للفقر الذي ضرب ربوع البلاد، فالإسلام ينتصر بتقدير الله تعالى له لا بنصرة البشر الذين إن نصروه أفلحوا هم وفازوا، ألأم يعرفنا الله تعالى نصر دينه منذ البداية؟ "والله غالبٌ على أمره ولكن أكثر الناس لا يعلمون".
إن بني جلدتنا الذين تفرغوا لنقد الإسلام وتنفير الناس في أحكامه وتعظيم مثل وقيم الغرب لا يجدون لهم اليوم قيمة حيث كانت قيمتهم منذ عقود مستمدة من التغلب والتفوق الغربي فلما تعرض الغرب لانكسارات في الحرب والسياسة ثم في الاقتصاد دارت دورتهم وبطل سحرهم، وها هم يقدمون بعد القرابين لآلهة نفقت منذ عقود: الهيمنة الأمريكية على العالم انتهت لذهاب بوش وظهور توجهٍ جديد لدى الناخب الأمريكي تلمس فيه يقظة المواطن الأمريكي وقوله بلسان حاله لا نريد حاكماً يجرنا لحروبٍ تهدد تفوقنا وتذهب بدولتنا، التفوق الرأسمالي ينتهي بأهله لكساد وأمة لم تسفر بعد عن قعرها، والمسلمون بدءوا يراجعون أوامر ربهم رغبا ورهبا، ولا يزال الزمان يمدنا بآيات تنطق أن الله غالب على أمره ولكن أكثر لناس لا يعلمون.
إن مواقف الزعماء اليوم باتت تقيّم بمنظور خدمة الإسلام وقضاياه الحيوية حتى أن حرب غزة الأخيرة ميزت الناس في عيون الأمة بصورةٍ غير مسبوقة، فرفعت أردوغان مثلا بموقف يسير ونزلت بآخرين نسوا أن الإعلام اليوم يصور ويفضح كل شيءٍ.
لكن حسبنا أن نعود لآيات الله تعالى في قيم الغرب! لقد تهاوت تماثيل حقوق الإنسان والديمقراطية والحرية تحت قوانين محاربة الإرهاب واضطرار أمريكا لممارسة كل سياسات الحكومات العربية من اعتقال وانتهاك لحقوق الإنسان وتنصت على مكالمات الآخرين ومنع مغادرة ودخول شخصيات عديدة لبلادها،لتنتهي أسطورة السياسة الغربية بقيمها ومثلها العليا، وبعدها جاءت أزمة الولايات المتحدة من تلقاء نفسها كما يحاولون أن يقنعونا وأن ليس في هذا حربٌ من الله على من قتل الآلاف من المسلمين في أفغانستان والعراق، لتكرر الفشل الغربي في الاقتصاد كما بينته في السياسة، ولكن.. هل يأتي زمان ترى فيه البنوك الإسلامية سائدة في عواصم الغرب؟ هل تسحب هذه الأزمة البساط من تحت أقدام اليهود الذين بسطوا هيمنتهم على أوروبا ببنوكهم ورباهم؟! لقد قال القرآن الكثير عن اليهود ودورهم المشبوه في كل ما يحل بالعالم من الويلات وهاهي بروتوكولات حكماء صهيون تنبئنا القصة بحذافيرها حيث تقول: قد اغتنمنا فرصة ما عليه رجال الإدارة الكبار من التكالب على جمع المال، وما أصيب به الحكّام من آفة الخمول، فاستعدنا أموالنا منهم ضعفين وثلاثة أضعاف، فهل ينتقم الله منهم بتغير أنظمة البنوك وهل يدفع هذا الانقلاب إلى تخلي أمريكا تدريجيا عن موالاتها لإسرائيل؟ لعلها أحلام مسلم تفاءل بالغد ووثق بموعود الله ولعل التاريخ سيكتب غدا هذا وأكثر؟!
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: