التعليم الشرعي العربي... ضغوط غربية واستجابة داخلية
أحمد حسين الشيمي المشاهدات: 7704
جدل كثير يدور هذه الأيام حول قرار رئيس الوزراء المصري الخاص بفصل التعليم الشرعي في جامعة الأزهر الشريف عن التعليم التطبيقي، لنعود مرة ثانية إلى الحديث الخاص بالتدخلات الخارجية في التعليم الديني في مصر والوطن العربي، لنتأكد مما إذا كان هناك بالفعل تدخلات خارجية في هذا الموضوع، أم أن الموضوع برمته لم يخرج عن كونه محاولة لتطوير التعليم في مصر والوطن العربي على وجه الخصوص.
رؤية مغلوطة:
في البداية نحب أن نشير إلى أن الغرب قد خلط الأمور ببعضها عندما جزم بأن التعليم الديني في المجتمعات العربية والإسلامية هو السبب الرئيس وراء الموجات الإرهابية المتلاحقة التي شهدها العالم في النصف الأخير من القرن العشرين والنصف الأول من القرن الواحد والعشرين، وذلك بالرغم من تأكيدات الخبراء والمحللون الخاصة بعدم صحة تلك الرؤية، باعتبار أن الإرهاب لا دين له، وأن الأسباب في ظهوره كثيرة ومتعددة، والغرب نفسه وبالأخص الولايات المتحدة التي تتحمل جزء كبير منه، بسبب انحيازها السافر للكيان الصهيوني.
وفي الواقع يعود ذلك الفهم الغربي المغلوط لدور التعليم الديني في تفريغ الإرهابيين إلى تقارير بعض المنظمات الغربية المتشددة بالإضافة إلى بعض المستشرقين الذين ساهموا بصورة كبيرة في تشويه صورة الإسلام والمسلمين في الغرب.
ومن تلك التقارير التي ساعدت في إحداث تلك الفجوة، التقرير الذي أعده "ديفيد ليتمان" الذي مثل العديد من المنظمات غير الحكومية في لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان فى جنيف منذ عام 1986 وهو حاليا ممثل لمنظمتين غير حكومتين وهما (الاتحاد من اجل التعليم العالي) و(الاتحاد العالمي من أجل اليهودية التقدمية).
حيث يقول ديفيد في تقريره "أن الطفل المصري ـ على سبيل المثال ـ يتلقى دروسا في الفخر الديني ويتعلم كيف يكره المسيحيين وأصحاب الديانات الأخرى الا دينه.
ويضيف: ان المسلمين يعتبرون اصحاب الديانات الاخرى ابناء جهنم ويتعلم المسلم منذ طفولته كيف يحتقر ويزدرى هؤلاء الكفار!.
وبخصوص الكتب التي يصدرها الأزهر الشريف، فيرى ليتمان أنها تقدم المبررات الكافية لدق رؤوس الكفار، حيث يشير إلى أن الطلاب يتلقون تعليمات دينية مفادها عندما تواجه الكفار فى القتال فلا تأخذك بهم شفقة ولا رحمة واضرب أعناقهم بقوه لآن هذا هو القتال، فقتل الشخص يعنى القتل أبشع وسيلة " فصل الرأس عن الجسد"!!
ويؤكد ليتمان أن هذا هو المصير المأسواى الذى حدث (لدانيال بيرل) الصحفى الآمريكى فى باكستان منذ سنتين وهو الامر الذى اصبح شيئا مألوفا فى العراق حيث تم احتجاز ما يقرب من 130 اجنبي كرهائن منذ ابريل الماضى تم ذبح 20 منهم من قبل جماعة ابو مصعب الزرقاوى ويذكر ان ابا مصعب الزرقاوى درس لعدة سنوات فى ( جامعة الازهر) فى القاهرة. وهنا يريد ليتمان ان يوضح كيف ان هذا الفكر الذى يصفه بالاصولى هو الذى ساهم فى وجود امثال بن لادن وابو مصعب الزرقاوى .
تحركات مشبوهة:
نظراً لتلك التقارير المشبوهة عن التعليم الديني في الوطن العربي، بدأت الدول الغربية تضغط من أجل تطويق التعليم الديني في الوطن العربي والإسلامي، وبالذات على مصر بلد الأزهر الشريف، وما يؤكد ذلك التشريع الأمريكي الأخير الخاص بعدم خضوع المعونة الأمريكية لمصر أو من يتلقاها لأي إشراف حكومي مصري بأي شكل، وتخصيص 50 مليون دولار لتغيير نظام التعليم في مصر، منها عشر ملايين دولار لتعليم المصريين في مؤسسات أمريكية في عام 2008.
وينطوي التشريع على ألا تقل قيمة المخصصات الأمريكية من المعونة لبرامج الديموقراطية وحقوق الإنسان والحكم عن 20 مليون، وألا تخضع الجهات التي تتلقاها هي الأخرى لأي إشراف حكومي.
وفي هذا الصدد ذكر مركز أبحاث الكونجرس في تقاريره أن "الاستراتيجية الأمريكية في السبعينات والثمانينات من القرن العشرين كانت تركز في المعونة لمصر على إحداث تغييرات اجتماعية واقتصادية، أما في فترة الثمانينات فقد سعت برامج هيئة المعونة الأمريكية إلى التركيز على مجال الزراعة والتعليم والصحة الإنجابية. وفي التسعينات على تغيير السياسة الاقتصادية والنقدية والمالية مثل برامج الخصخصة. لكن الفترة الجديدة تركز على التغييرات الديموقراطية والاقتصادية وحقوق الإنسان والتعليم".
بناء على ذلك نجحت الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية الخاصة بالتعليم الأساسي في التسرب إلى التعليم المصري من خلال مجموعةٍ من الاتفاقيات مع وزارةِ التربيةِ في مطلع الثمانينيات؛ حيث عقدت المنظمة أول اتفاقية مع وزارة التربية والتعليم في عام 1981م ثم طرأ تعديلٌ عليها في عام 1986م؛ وذلك من أجل تمديد المشروع إلى عام 1991م وكان مشروع الوكالة من عام 81 إلى عام 91 يستهدف تغييرَ التعليمِ المصري في مرحلةِ التعليم الأساسي إلى النموذجِ الأمريكي، وقد وضح ذلك في المادةِ 35 من بروتوكول التعاون، وذلك مقابل منحة أمريكية تُقدَّر بـ190 مليون دولار. (1)
كما كانت اليونسكو من أول المنظمات الدولية التي اهتمت بقضية تطوير المناهج التعليمية في مصر، ووضعت أسسًا وخطوات عملية بدأت منذ عام 1987؛ بهدف تفريغ المناهج الدراسية بمختلف المراحل التعليمية من التوجه الديني. فكان التاريخ واللغة العربية أول من طبق فيهما هذا التطوير ؛ وذلك وفقًا للدراسات والمسح العملي على المناهج في الفترة من 1987 حتى 1990، التي أظهرت أن المادة التاريخية والدينية في المرحلتين الإعدادية والثانوية تم تقليصها بنسبة 70 % في الوقت الذي بدأ تدريس اللغات الأجنبية في مرحلة الروضة.
وبعد أحداث 11 سبتمبر 2001 دعت الولايات المتحدة وعدد من الدول الأوربية إلى تعديل مناهج التعليم في جميع الدول الإسلامية؛ لتجنب الآيات القرآنية والأحاديث التي تحض على الجهاد.
وبفعل الضغوط الأمريكية على الأزهر فقد نفٍّذت عدد من التعديلات في المناهج الدراسية بالتعليم قبل الجامعي ومنها:
- حذف مادة الفقه المذهبي من المرحلة الإعدادية، واستبدالها بمقالات صحفية لبعض موظفي الأزهر تحت عنوان: الفقه الميسر.
- إلغاء أبواب الجهاد من المرحلة الإعدادية.
-إضافة مادة الحديث والتفسير في الصف الثالث الإعدادي إلى مادة المطالعة والنصوص منذ العام الماضي.
- حذف 12 جزءا من القرآن الكريم في المرحلة الابتدائية منذ عامين، مع إلغاء السنة الرابعة بالثانوية.
-اختزال مادة التفسير للصف الأول الثانوي إلى الآيات الثمانية الأولى فقط من سورة الكهف.
- حذف "تفسير النسفي" للقرآن الكريم، وهو الذي يعتمد المنهج العلمي في تفسير القرآن بالمرحلة الثانوية. ( 2)
ضغوط قوية:
يؤكد الخبراء والمحللون وعلى رأسهم الدكتور جمال عبد الهادي استاذ التاريخ الإسلامي على تعرض الحكومات والأنظمة العربية لضغوط كبيرة من قوى الغرب من أجل القضاء على التعليم الديني، وعلى أن المؤسسات الحكومية لن تمانع في إجراء أي تعديلات تفرض عليها فالكل حريص على تنفيذ تلك المخططات التي هي جزء من مخططات أكبر ومساعٍ للولايات المتحدة تهدف لتفريغ التعليم الديني من محتواه.
ولاشك أن الغزو الأمريكي لأفغانستان كان مخططا وجاهزا للتنفيذ منذ عهد بوش الأول وسقوط الاتحاد السوفيتي، وجاء الهجوم على أبراج نيويورك وواشنطن يوم 11 سبتمبر كمبرر وفرصة نادرة لإعلام ما سمي بالحرب ضد الإرهاب.
وما تبعه ذلك من هجوم شرس على التعليم الديني في العالم الإسلامي، مبتدئا بدولة الباكستان التي خضعت لسلطانه؛ حيث منحها 100 مليون دولار لمشروع المؤسسة التي تشرف على تحويل 70 ألف مدرسة قرآنية إلى مدارس مدنية علمانية، مبررا ذلك بأن حكومة طالبان هي ثمرة مباشرة لهذا التعليم الديني!!
فهو لم يقتصر على إلغاء هذا التعليم بواسطة الحكومة الأفغانية، وإنما بدأ بجارتها باكستان الدولة النووية الإسلامية الوحيدة التي تتربص بها أمريكا وإسرائيل الدوائر، في انتظار تعميم إرهاب الدول الإسلامية الأخرى بشأن هذا التعليم. (3)
ونتيجة للتقارير المغلوطه التي وصلت للغرب راحت الوفود الأمريكية الأمنية والبرلمانية والدبلوماسية تجوب أرجاء العالم الإسلامي للتباحث مع الحكومات العربية والإسلامية حول تنقية وتعديل مناهج التعليم، بما يخرج أجيالا جديدة في القلب منه تختلف عن الأجيال الحالية التي تكره الغرب وأمريكا، رغم أنه لم يثبت تخرج أي من (الإرهابيين) الذين تتحدث عنهم واشنطن من هذه المدارس أو الجامعات الإسلامية، وغالبيتهم ممن درسوا التعليم المدني العادي.
ونال التعليم الأزهري -إضافة إلى الجامعة الإسلامية في باكستان ومدارس السعودية- قسطا وافرا من الهجوم الأمريكي والغربي، والمطالبات المستمرة بتغييره ليتواكب مع الرغبات الأمريكية. وقامت خلال الأيام الماضية عدة بعثات أمريكية بزيارة القاهرة للتباحث مع المسئولين المصريين حول هذا الموضوع، وغيره من الموضوعات ذات الصلة بالحملة الأمريكية ضد ما تصفه بالإرهاب. وقامت إحدى البعثات بتفقد المعاهد الأزهرية على الطبيعة، واطلعت على مناهجها الدراسية. ولم تتوقف الحملة الأمريكية على التعليم الأزهري، ويبدو أنها لن تتوقف قريبا.
مخططات عامة:
والحقيقة أن الهجوم على التعليم الأزهري قديم؛ وقاده في السنوات الماضية وكلاء محليون وصفوا أنفسهم بأنهم ثوريون أو تقدميون تارة، وبأنهم علمانيون تارة، وأنهم مستنيرون تارة أخرى. وأُدخل على المناهج الأزهرية -سواء في معاهده الابتدائية والإعدادية والثانوية أو في جامعته– الكثير من التعديلات، إما استجابة لتلك الضغوط أو لحاجة حقيقية قدرها المختصون والمسئولون عنه، وبرروها بحذف ما وصفوه بالحشو في المناهج الذي يثقل كاهل الطلاب دون داع. وشهدت ساحات الأزهر معارك قوية بين أنصار تغيير تلك المناهج ومعارضيهم، أسفرت عن الإطاحة بعدد من المعارضين، وإحالتهم إلى مجالس التأديب التي قررت فصلهم أو إحالتهم للمحاكم التأديبية.. ولا تزال توابع تلك المعركة قائمة حتى الآن.(4)
وما يحدث في مصر يحدث كذلك في اليمن، بعد أن دخلت الحكومة اليمنية عمليًّا في تنفيذ توجه قديم لديها بدمج "المعاهد العلمية" المتخصصة في التعليم الإسلامي في اليمن، في إطار وزارة التربية والتعليم. ورغم أن هذه ليست المرة الأولى التي تعلن الحكومة اليمنية عن نيتها دمج المعاهد العلمية في أطر التربية والتعليم الرسمية، لكنها المرة الأولى، التي تنفّذ ما ظلت تحلم بتنفيذه، بعد أن اعتقدت بتحررها من الحاجة إلى حلفائها التاريخيين ممثلين في الحركة الإسلامية اليمنية، وبعد أن طرأت متغيرات جديدة ترتبط بهيكلة الدولة ذاتها، وبتعديل جوهرها، دون المسّ بالشكل الجمهوري لها، مما يستدعي إعادة النظر في خريطة التحالفات وترتيب الأوراق؛ لتستقيم مع متطلبات قيادة الدولة في المرحلة القادمة. (5)
نخلص من ذلك إلى أن رغبة الغرب في القضاء على التعليم الديني في الوطن العربي والإسلامي رغبة جاده، رغم ضعف المبررات التي تدفعهم لذلك الأمر، مما يحتم على الحكومات والأنظمة والمنظمات العربية أن تحول بين هؤلاء ورغبتهم في تدمير التعليم الديني، باعتبار أن ذلك هو حائط الصد الأخير أمامنا في مواجهة الهجمة الغربية الشرسة على ثقافتنا ومقدساتنا وثوابتنا وقيمنا العربية والإسلامية.
-----------------
أحمد حسين الشيمي
كاتب وصحفي مصري
المصادر:
(1) صحيفة المصري اليوم، 1/10/2008.
(2) شيرين صبحي، تغيير نظام التعليم المصري مقابل المعونة الأمريكية، موقع محيط، 27/10/2008.
(3) حملة الإرهاب الأمريكية تلاحق التعليم الديني، حوارات مباشرة، إسلام أون لاين. نت، 28/1/2002.
(4) قطب العربي، مصر العنف لم يخرج من رحم الأزهر ، إسلام أون لاين، 4/2/2002.
(5) سعيد ثابت، دمج المعاهد الدينية اليمنية .. الصراع على المكشوف، إسلام أون لاين، 11/5/2001.
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: