البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

أين اختفى الشعب التونسي؟

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 257



كان الحديث عن فلسطين يوفر لنا دوما مهربا من الانكباب على همومنا القُطرية، وكان يوفر لنا دوما فرصة بطولات وهمية نعوض بها خيباتنا في أقطارنا، وحتى معركة الطوفان كانت لنا مهربا مارسنا فيه محبتنا لفلسطين وتخفّينا بها عن سؤال ممض عن مصير الثورة التونسية التي أوهمتنا بتغيير العالم ففرحنا بالوهم وروّجناه.

ويوم الرابع عشر من كانون الثاني/ يناير مرت ذكرى الثورة الثالثة عشرة بلا بهرجة ولا احتفاليات، سوى مظاهرة حزينة كررت شعارات الثورة ولم يبلغ صداها الشوارع المجاورة لشارع الثورة الذي استعاد اسمه القديم لتختفي كلمة الثورة من القاموس. وصار لزاما طرح السؤال عن مصير الشعب التونسي الذي اختفى من المشهد العام كأنه لم يعد شعبا ولم ينجز ثورة؛ فأين اختفى الشعب العظيم الذي أوشك أن يغير العالم ثم عاد إلى صورته قبل الثورة، جماعة بشرية بائسة ويائسة وتلتفت على جنبيها إذا عنَّ لها الحديث في الشأن العام؟

الشفاء من حب تونس حتى حين

يمكن للفلسطيني أن يشفى من الاحتلال بسلاحه ويمكنه أن يشفى أيضا من مرض حبه لتونس ويطمئن الشاعر أن تونس تخلت عنه في معركته الفاصلة. يبدو أنه كان حبا من جانب واحد؛ حديث التونسي النخبوي هذه الأيام عن فلسطين نفاق بيِّن، ففي تونس قوم يقفون مع السيسي وهو يغلق المعبر ويخجلون أن يسموا المقاومة باسمها الحقيقي، وهذا الموقف في جوهره موقف محدد طبقا للوضع الداخلي، ومنه يمكن أن نفهم سبب فشل الثورة التونسية التي كان لها شرف إدخال حكومة عربية إلى غزة ذات حرب من حروبها الكثيرة.

اسم المقاومة يخفي في الخلفية حماس والجهاد، وهما فصيلان مصنفان في الإسلام السياسي، أي أنهما في العمق يسيران في خط سياسي ونضالي مقاوم أسسه الإخوان المسلمون منذ ما قبل النكبة (دون غوص في التفاصيل)، وأي نصر يحققه هذا التيار في أي مكان يرفضه كل من عادى الإخوان باسم الحداثة أو التقدمية أو اليسارية والقومية، وأي نصر في غزة يصب في مصلحة هذا التيار في كل قُطر عربي على المدى المتوسط والبعيد، لذلك تحدد المواقف على هذا الأساس. ولم يكن ممكنا لكثيرين تجاهل المقاومة، لكنهم ينافقونها تحت اسم المقاومة نفسه.

الموقف من المقاومة (بخلفيتها الاسلامية) مصدره الموقف من الديمقراطية في تونس (ونقيس على مصر خاصة والمغرب والجزائر بالتبعية).. إذا نجحت الديمقراطية وفّرت مكانا آمنا للإسلاميين في كل قُطر، فإذا أمنوا شاركوا وحكموا وضيّقوا على ملاك السلطة الذين أسقطتهم الثورة، وهنا نعثر على مفتاح القراءة الأهم: لا يجب أن تنجح الثورة حتى لا ينجح الإسلاميون ولا ينالوا حقا من بلدانهم (مهما كان ضئيلا)، ولا يجب أن تنتصر المقاومة فيفوز الإسلاميون بفخر التحرير. هنا نفهم أين اختفى الشعب التونسي.

لقد اكتشف الشعب حرب الاستئصال المدمرة للديمقراطية فأعرض عن المشاركة في أي فعل سياسي بعد سنوات قليلة من الحماس والصبر والانتظار لأن المعركة ليست معركته، وهو يتذكر (كجمهور واع) دوره في إسقاط نظام بن علي ومبارك وفرض الديمقراطية، ويتذكر أيضا أنه في لحظة انتظار مكاسب ثورته وحق دماء شهدائه وجد نفسه يخوض حربا استئصال ضد مكون أساسي من مكوناته، فالنهضة كحزب إسلامي كانت حاضرة في كل مفصل من مفاصل الثورة والجمهور الواسع، وإن لم يكن منها إلا أنه ليس يعاديها لسبب لا يعرفه.

هذا الجمهور وإن لم يتفاصح بصوت نخبوي فإنه فهم دور النقابة ودور الأحزاب التي حملته وراءها في حربها لاستئصال الإسلام السياسي. وقد زادت حرب الطوفان فكشفت مقدار نفاق النقابة مثلا التي ما أصدرت يوما لائحة لا تتضمن حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره، فلما بدأ الشعب في تقرير مصيره اختفت النقابة من أمام الجمهور التونسي ففهم الجمهور من كان يكذب عليه. وهكذا امتد الوعي بالنفاق النخبوي الاستئصالي في الموضوع المحلي القُطري إلى الموقف من غزة وحربها، فلم ينزل أحد إلى الشوارع ولم يمد في قوة المنافقين الذين وظفوا حماسه في حربهم التي ليست حربه.

ويتسع القياس إلى الوضع المحلي، حيث يشقى المواطن التونسي (وحتما أخوه المصري) في تدبر قوته اليومي (من خبز وزيت طعام وسكر الشاي البسيط)، وقد كان لديه سؤال عرف إجابته. حرب الاستئصال هي السبب التي أوصلته الى هذا البؤس العظيم، لكني لا أراه يخرج لحل المشكل ويفضل الصمت الموجوع.

في ذاكرة هذا المواطن ثورة وشهداء انتهت إلى فضيحة استئصالية، من مطالبه بالخبز والحرية والكرامة وجد نفسه يساهم في قتل الإسلاميين بلا ثمن يضعه في جيبه وفي قوت عياله فنكص على عقبيه ولسان حاله يقول: "إن شاء الله تخرب على الجميع". هكذا لم يعد إلى الشارع لأي مطلب رغم حيوية المطالب، ففي كل مسيرة يسمع شعارات ليست شعاراته ومطالب ليست مطالبه.

هنا اختفى الشعب التونسي، لقد نجا بنفسه من حرب باطلة يصب خراجها في جيب من ثار ضدهم أول مرة ودفع من لحم أولاده.

يمكن للنخب الكسولة أن تواصل عملها التقليدي بلعن الشعب الخانع، فهي مختصة في تحميله المسؤولية وانتظار دمه المسفوك لتقطف ثمراته سلطة ومجدا فرديا. حدث هذا مرة في 2011، ولا نظن الشعب من الغباء بحيث يموت مرة ثانية من أجل من يراهم الآن يتصدرون المشهد بخطاب دامع عن ضياع ثورة.

لقد ضيّعت النخب الثورة فاختفى الشعب والأصح أن نقول رفض أن يُخدع عن أمره مرة ثانية، وقد فعل ما عليه إذ قاطع كل مناسبات التزييف الجارية (والمقاطعة سلاحه الصامت الفعال)، ولكني لا أظنه يعول على نخب فاشلة لتفهم عزوفه وصمته.. فكل همها منافع السلطة وهي تنتظر جوع الشعب ليقدم لها السلطة مرة ثانية.

إعراض الشعب عن مناصرة غزة وراء من ينافق المقاومة من جنس إعراضه عن مقارعة الانقلاب الفاشل؛ لأن من يراهم في الصورة السياسية للمعارضة هم أقرب إلى صورة عباس منهم إلى صورة أبي عبيدة.. هذه الاختفاء وعي عظيم..


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 19-01-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
خالد الجاف ، ضحى عبد الرحمن، د - شاكر الحوكي ، د- جابر قميحة، صلاح الحريري، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد الياسين، د. أحمد محمد سليمان، العادل السمعلي، محمود سلطان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، فتحي الزغل، د - مصطفى فهمي، د- محمود علي عريقات، جاسم الرصيف، المولدي الفرجاني، د.محمد فتحي عبد العال، سعود السبعاني، مجدى داود، د. عبد الآله المالكي، محمد شمام ، صفاء العراقي، رمضان حينوني، الهيثم زعفان، صلاح المختار، مراد قميزة، إيمى الأشقر، عبد الله الفقير، عبد الرزاق قيراط ، محمود فاروق سيد شعبان، عزيز العرباوي، محمد الطرابلسي، عبد الغني مزوز، يزيد بن الحسين، علي عبد العال، د- محمد رحال، طلال قسومي، منجي باكير، أنس الشابي، أحمد النعيمي، محمود طرشوبي، رافع القارصي، مصطفي زهران، الهادي المثلوثي، محرر "بوابتي"، حميدة الطيلوش، د - صالح المازقي، فتحي العابد، محمد يحي، صفاء العربي، يحيي البوليني، د - الضاوي خوالدية، سفيان عبد الكافي، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، أشرف إبراهيم حجاج، د - محمد بنيعيش، د. عادل محمد عايش الأسطل، إياد محمود حسين ، حسن عثمان، سلام الشماع، رضا الدبّابي، صباح الموسوي ، د - عادل رضا، سيد السباعي، فهمي شراب، عمار غيلوفي، أحمد بوادي، عبد الله زيدان، ماهر عدنان قنديل، تونسي، ياسين أحمد، الناصر الرقيق، صالح النعامي ، د. أحمد بشير، سليمان أحمد أبو ستة، علي الكاش، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حاتم الصولي، عراق المطيري، سامح لطف الله، سلوى المغربي، سامر أبو رمان ، د- هاني ابوالفتوح، خبَّاب بن مروان الحمد، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، أبو سمية، رشيد السيد أحمد، فوزي مسعود ، د. خالد الطراولي ، فتحـي قاره بيبـان، حسني إبراهيم عبد العظيم، نادية سعد، رحاب اسعد بيوض التميمي، عواطف منصور، د. مصطفى يوسف اللداوي، حسن الطرابلسي، عمر غازي، محمد العيادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د - المنجي الكعبي، كريم السليتي، إسراء أبو رمان، أحمد الحباسي، د. صلاح عودة الله ، مصطفى منيغ، د - محمد بن موسى الشريف ، محمد أحمد عزوز، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب، كريم فارق، رافد العزاوي، أحمد ملحم، محمد عمر غرس الله،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة