البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

الحرب على غزة أو "الاستبدال العظيم"

كاتب المقال عادل بن عبد الله - تونس   
 المشاهدات: 236



تصدير: "ها أنتم هؤلاء تُدعَون لتنفقوا في سبيل الله فمنكم من يبخل، ومن يبخل فإنما يبخل على نفسه والله الغني وأنتم الفقراء، وإن تتولَّوا يستبدل قوما غيركم ثم لا يكونوا أمثالكم" (محمد: ٣٨).

مهما اختلفت المقاربات السياسية والأيديولوجية للقضية الفلسطينية، فإن تلك المقاربات ترتبط دائما بـ"أيديولوجية التحرير" المهيمنة في سياق تاريخي معين. وقد كانت هيمنة الماركسية ومن بعدها القومية (الناصرية والبعثية) على خطابات المقاومة تكريسا لمرجعية العقل الغربي؛ باعتبار قضية فلسطين هي قضية "هامش" عالمثالثي محتل أو قضية "أمّة عربية" وليست قضية دينية. وقد كان هذا التوصيف ذو المرجعية الغربية يؤدي دورين متعامدين: أولا ضرب المرجعية الإسلامية للصراع وبالتالي توظيف "المقاومة" لترسيخ المرجعية "الحديثة" للدولة-الأمة بالمفهوم الوستفالي (رغم تناقض مفهوم الدولة-الأمة مع الدعوتين القومية والأممية)، ثانيا استهداف الحركات الإسلامية وما قد تمثله من تشكيك في شرعية الأنظمة القائمة بحكم قدراتها التعبوية الهائلة في استثمار الوعي و/ أو المخيال الدينيَّين.

وقد كان لظهور "المقاومة الإسلامية" في الفضاءين السّني والشيعي (خاصة حركات حماس والجهاد وحزب الله) دور كبير في تغيير "المعادلات" الأيديولوجية المتحكمة في إدارة الصراع؛ من جهة المفاهيم والرمزيات والتحالفات والغايات القصوى وغيرها. وهي تحولات كانت تعكس فشل المقاربات المهيمنة على السلطة في مستويين: الفشل في مستوى التحديث الداخلي أو التخلص من الاستعمار غير المباشر والتبعية والتخلف، ومن باب أولى الفشل في "تحرير فلسطين". ولكنّ تلك التحولات مسّت أمرا لا يقل أهمية عن المستوى السياسي أو الأيديولوجي المحايث، لقد استطاعت "المقاومة الإسلامية" أن تكسر السياج الطائفي الذي عملت عدة جهات سياسية وفقهية "سلطانية" (بدعم صريح أو خفي من القوى الصهيو-صليبية) على تكريسه.

ربما تغرينا الملحمة الغزاوية وما ارتبط بها من تحولات تتجاوز الفضاء العربي الإسلامي على أن نجعلها نقطةً مرجعية في التأريخ للاستبدال العظيم، ولكننا نذهب إلى أن الاستبدال العظيم بدأ عندما وعت أطراف "المقاومة الإسلامية" بجناحيها السني والشيعي بضرورة الخروج من شرنقة التمذهب وضيق الطائفية؛ إلى سعة "الإسلام" باعتباره مرجعية جامعة لكل أطياف المقاومة، وليس فقط باعتباره مرجعية نضالية من داخل أدبيات الطائفة.

ونحن نذهب إلى أن "فلسطين" ورمزية الأقصى قد أعادت المسلمين إلى قبلتهم "الأولى"، ليس فقط بالمعنى التراثي المعلوم (الأقصى أولى القبلتين وثالث الحرمين)، بل بمعنى أعمق. فالأقصى (وليس التراث الطائفي) قد أصبح مرجع المعنى "التحرري" وقِبلته، وهو ما يدفع بالأماكن/ المرجعيات "المقدسة" طائفيا إلى خلفية المشهد دون أن يُفقدها قدسيتها. إن "الأقصى" يُحيّد "الطائفية" ومفاعيلها السياسية ولكنه لا ينسفها أو يتجاوزها جدليا على الأقل في المدى المنظور، ولذلك يمكننا اعتباره "مدخل" الاستبدال العظيم أو رمزه الأعظم.

كي لا نغمط "طوفان الأقصى" حقه في مشروع "الاستبدال العظيم"، فإنّ علينا أن نعترف بأنه نقطة التحول المركزية في مواجهة مشروع "الاستبدال العظيم" بالمعنى الصهيو-صليبي الداعم للكيان. فـ"طوفان الأقصى" هو المقابل الموضوعي لـ"مشروع القرن" المدعوم من لدن "محور التطبيع" (وهو محور الثورات المضادة ذاته)، باعتبار ذلك المشروع هو مجرد لحظة من لحظات تصفية القضية الفلسطينية (في غزة) تمهيدا لاستهداف الضفة الغربية و"تهويد" كل فلسطين، بل كل العالم العربي بمنطق "التطبيع". فإسرائيل "الكبرى" لا تحتاج إلى "احتلال" العالم العربي احتلالا مباشرا، إذ يكفيها أن تهيمن السردية "الصهيونية" على هذا الفضاء بمنطق "التطبيع" أو "الديانة الابراهيمية" أو "التسامح بين الأديان"، بل يكفيها أن تضمن هيمنة "الوهابية السعودية" باعتبارها الخطاب المرجعي لأهل السنة والجماعة حتى تضمن هيمنتها (عبر هيمنة المنطق الطائفي وعبر تأبيد التوتر بين "المسلم" وعالمه، وتكريس منطق "تأليه الحاكم وتكفين المرأة" وما يؤدي إليه من تشويه صورة الإسلام في الغرب وفي ديار المسلمين أنفسهم).

عندما استعملنا تعبير "الاستبدال العظيم" فإننا كنا نقصد كل ما سبق، ولكننا نقصد أمورا أخرى منها ذلك المخزون البشري الداعم للمسلمين ولغزة في الغرب والذي سيتحول تدريجيا إلى "جماعات ضغط" التي ستتشكل من "المسلمين الجدد" ومن أفراد وجماعات من غير المتحولين دينيا، وكنا نقصد أيضا خلخلة السردية الصهيو-صليبية للصراع ضد الكيان الغاصب واستبدالها ولو جزئيا بسردية المقاومة، كما قصدنا سقوط الكثير من "المقدسات العلمانية" مثل "حيادية" المنظمات الدولية وكونية منظومة حقوق الإنسان، و"الصداقة" التي تربط العرب والمسلمين بالغرب، و"وطنية" الأنظمة الحاكمة أو انحيازها "الخطابي" لفلسطين، والدور الحقيقي لـ"جامعة الدول العربية" أو "منظمة المؤتمر الإسلامي" وغير ذلك من "الأوثان" التي لا قيمة لها إلا خدمة المشروع الصهيوني ورعاته في الغرب.

لقد أثبتت حرب الإبادة الجماعية التي يخوضها الكيان والغرب ضد غزة أن "الاستبدال العظيم" (سواء آعتبرناه مشروعا إلهيا متعاليا أم مشروعا "تحرريا" محايثا) يقتضي التخفف من الكثير من الأوهام التي حكمت العقل العربي-الإسلامي بمختلف تجلياته الحداثية والتراثية.

رغم أن "طوفان الأقصى" ليس بداية "الاستبدال العظيم"، فإن ملحمته قد تكون بداية لمشروع "التحرير" الحقيقي الذي يتجاوز العرب والمسلمين إلى الانسانية جمعاء. فهذا الطوفان قد أرجع الناس إلى "القرآن" وإلى الإسلام باعتباره منظومة قيمية قبل أن يكون منظومة تشريعية. كما أن "الطوفان" قد يكون أداة لتحرير الغربيين قبل غيرهم، فقد وضعهم أمام حقيقة جماعات الضغط التي تجعل من آراء الناخبين أو عموم المواطنين مجرد مجاز عند تحديد السياسات الخارجية للدول، بل حتى عند التعامل السلطوي مع حق التعبير الناقد للصهيونية ولحلفائها من القوى الصليبية المتعلمنة.

أما العرب والمسلمون، فقد أثبت لهم "طوفان الأقصى" أن بلدانهم مجرد محميات أو ملحقات وظيفية بالغرب، وأن مفاهيم "السيادة الوطنية" و"استقلالية القرار" والانحياز للحق الفلسطيني وغير ذلك من أسس الشرعية؛ ليست إلا تلبيسات لا تتجاوز قيمتُها قيمةَ "حلّ الدولتين" المستحيل واقعيا. كما أثبت لهم "الطوفان" أن "إسلام المقاومة والتحرير" لا يمكن البتة أن يكون إسلاما طائفيا أو سلطويا، وأن "الطائفة المنصورة" هي طائفة غير متمذهبة بالضرورة.

ولا شك عندنا في أن "الاستبدال العظيم" هو مشروع "كوني" لا يمكن الجزم بمساراته، وإن كنا نستطيع الجزم -من منطلق إيماني أو من منطلق الثقة في عدالة القضية أو حتى من منطلق استقراء قوانين التاريخ والجغرافيا- بمآلاته أو نهاياته ولو بعد حين: تحرير الانسانية من "تألّه" الانسان الغربي وصنيعته الصهيونية والمتصهينة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-01-2024   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله الفقير، محمد اسعد بيوض التميمي، صفاء العربي، محمد أحمد عزوز، تونسي، د - الضاوي خوالدية، د. أحمد محمد سليمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، مصطفي زهران، ضحى عبد الرحمن، وائل بنجدو، علي عبد العال، د - المنجي الكعبي، صالح النعامي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، فتحي الزغل، عمار غيلوفي، رشيد السيد أحمد، محمد العيادي، أشرف إبراهيم حجاج، أ.د. مصطفى رجب، الهادي المثلوثي، رضا الدبّابي، الهيثم زعفان، د. صلاح عودة الله ، د. عبد الآله المالكي، سعود السبعاني، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد عمر غرس الله، إيمى الأشقر، د. مصطفى يوسف اللداوي، العادل السمعلي، سامر أبو رمان ، سيد السباعي، سلوى المغربي، فهمي شراب، ياسين أحمد، المولدي الفرجاني، رمضان حينوني، د- هاني ابوالفتوح، فوزي مسعود ، عزيز العرباوي، ماهر عدنان قنديل، د. طارق عبد الحليم، يحيي البوليني، سلام الشماع، محمود سلطان، مصطفى منيغ، محرر "بوابتي"، خبَّاب بن مروان الحمد، نادية سعد، عبد الغني مزوز، إسراء أبو رمان، سامح لطف الله، د- محمود علي عريقات، د - محمد بن موسى الشريف ، علي الكاش، رحاب اسعد بيوض التميمي، صفاء العراقي، منجي باكير، أحمد ملحم، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمود طرشوبي، أبو سمية، د - محمد بنيعيش، صلاح الحريري، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، محمد الطرابلسي، مراد قميزة، د. عادل محمد عايش الأسطل، حميدة الطيلوش، خالد الجاف ، سليمان أحمد أبو ستة، أنس الشابي، صباح الموسوي ، د.محمد فتحي عبد العال، أحمد النعيمي، إياد محمود حسين ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، سفيان عبد الكافي، حسن الطرابلسي، عواطف منصور، طلال قسومي، عمر غازي، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، حاتم الصولي، محمد يحي، مجدى داود، محمد شمام ، فتحي العابد، أحمد بوادي، جاسم الرصيف، د - صالح المازقي، د - شاكر الحوكي ، د- محمد رحال، يزيد بن الحسين، محمد الياسين، عراق المطيري، عبد الله زيدان، د - عادل رضا، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، د. أحمد بشير، د. خالد الطراولي ، كريم السليتي، رافد العزاوي، أحمد الحباسي، صلاح المختار، محمود فاروق سيد شعبان، د - مصطفى فهمي، رافع القارصي، فتحـي قاره بيبـان،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة