البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

صف الحداثة العربي يندحر في غزة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 220



سؤال ممض ومزعج: لماذا لم يحرر الحداثيون العرب فلسطين قبل أن يعاود الإسلاميون الظهور في الساحة؟ لقد أخذوا فرصة زمنية كفيلة بإعادة تكوير الكرة الأرضية، لكنهم انتهوا في أوسلو إما منخرطين بمجاميعهم أو متعاطفين أو مبررين لكل الفعل الانهزامي، ولا تزال صورهم قائمين وقاعدين وعلى جنوبهم مع الانقلابات العربية المعادية للديمقراطية؛ تقتحم بيوتنا عبر تلفازاتهم. لقد حدث أكثر من انقلاب عسكري في تاريخ العرب الحديث بعنوان معلن تحرير فلسطين من العراق إلى مصر عروجا على ليبيا والجزائر، ولكن لم يتم التحرير إلا بالأغاني الثورية التي تستحضر فقط في مناسبات محددة ثم يعود عدوية "بالسح ادح انبو".

لقد بدأ الإسلاميون حرب التحرير منذ ما قبل قيام الكيان، ثم بقدرة قادر طمس جهادهم باسم توحيد الأمة من أجل التحرير الشامل (كأن التحرير يمر أولا بقطع العلاقة مع الجهاد المؤسس)، ثم كانت مرحلة من النضال العجيب في نُزل فخمة انتهت في أوسلو، حتى كانت حماس. هذه أسئلة حول الفشل الحداثي في معارك التحرير.

قوالب الحداثة المضروبة
ما زلنا مضطرين إلى خوض نقاشات عقيمة مع قوم يروجون بعدُ أن الإخوان المسلمين ومن تناسل من فكرتهم هم صناعة المخابرات الإنجليزية؛ التي زرعتهم لتخريب أمة العرب العظيمة ذات الرسالة الخالدة، وتحت هذه اليافطة تم تدمير تنظيمات شعبية وقُتل الآلاف في السجون والمعتقلات حتى لا يكون هناك مخذّل خلف الجيوش الشجاعة التي ستحرر الأرض المحتلة وتبني الأمة الماجدة. صدر هذا الخطاب من عراق ومن سوريا البعث(يين) ومن مصر الناصرية ومن ورثها وإن أنكر الناصرية، ومن جزائر الجنرالات ومن ليبيا التي لا نجد وصفا لائقا لنظامها العبثي.

في طريق الحرب على التيارات الإسلامية وتنظيماتها تم نسيان فلسطين والادعاء ببناء الحداثة العربية، وروجت الأفكار أن التحرير لا يكون إلا بخطة تحديث تتجاوز الفكر الديني المتخلف والرجعي والظلامي، إلى آخر المعزوفة التي نسمعها لأكثر من سبعين سنة. ومن العجيب أن مشاريع التحديث أخذت بمجامع التحديث الغربي إلا تحديث السياسة عبر إطلاق الحريات وبناء الديمقراطية، حتى صار كل من يحمل علامة دينية يُقصى من الحق في الحياة وصار الذهاب إلى المساجد جريمة في زمن بن علي التونسي.

كان كل خطاب الحداثة يقرن جملة التحديث الاجتماعي بجملة تحرير الأرض ورمي العدو في البحر، وفي الأثناء أرّخت الحداثة لحرب التحرير بنشأة حركة فتح مغفلة ما قبلها، ولا تزال تعتبر أن كل نضال خارج منظمة التحرير هو خيانة للقضية. وقد وصلت الوقاحة بهذا التيار وكثير من رموزه المتحكمة في الإعلام والثقافة والجامعات أن حركة حماس في هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر تدعم المشروع الصهيوني؛ إذ ناوشت اليمين الصهيوني ليفتح معركة تمهد لحكم اليمين الديني في إسرائيل من أجل تقاسم السلطة معه في فلسطين، ليستقر الأمر لليمين الديني على حكم العرب؛ أي والله لقد قرأنا هذا في مقالات الحداثيين التونسيين وفيهم من يكتب من مقاهي باريس مطمئنا إلى سلامة منطقه.

لكن الحقائق على الأرض مختلفة، ولا يمكن للحداثة وتياراتها من اليسار والليبراليين والقوميين أن يغيروها بعد حرب الطوفان. معركة التحرير تجري الآن وهنا، وتقودها تيارات إسلامية وترفع شعارات دينية وتتحدث عن الشهادة والجنة بينما يقف تيار الحداثة وراء شلة أوسلو.

الطوفان يجرف الحداثيين المزيفين

من بركات الغزوة الطوفانية أن جرفت مفكري الحداثة ومشروعهم في التحرير، وجعلت أفكارهم ومواقفهم محل تندر وسخرية. يُظهر الكثير منهم مواقف جديدة تبدأ غالبا بنعم؛ نعم للتحرير ولكن ليس بخطاب ديني ومرجعيات ظلامية. وهذه التوبة المشروطة هي التي تحول هؤلاء إلى مسخرة.

سؤال كبير يعود إلى سطح النقاشات: ماذا في إسلام التحرير يتناقض مع الأفكار التحديثية التي زعم الحداثيون أنها مدخل المستقبل؟ هل الدين الذي يحتمي به المقاوم في لحظة انتصاره يدخل تحت باب أفيون الشعوب؟ هل التحرير أفيون؟ هل يكون المرء رجعيا مظلم العقل وهو يتسلح ويقاوم وينتصر؟

لقد صحح الطوفان للكثيرين موقفهم، وستمتد المراجعات إلى أبعد من حرب غزة 2023، لذلك نراها تحرر عقولا كثيرة غُم عليها بخطاب حداثة ركب السلطة بالدبابة. حرب الطوفان أسقطت الحداثيين العرب وأطروحاتهم وصارت هي بوابة التحديث، فلا تحديث خارج المرجعيات الأصيلة للشعوب حيث تسقط كل الأطروحات الزائفة التي قادت إلى أوسلو بعد أن أسست لكل الديكتاتوريات العربية؛ من قدم منها على دبابة أو من زيف الصندوق الانتخابي منذ النكبة الكبرى.

إننا نرى اليسار بكل مسمياته والقوميين بكل عناوينهم والأنظمة الحاكمة بكل صيغها؛ مجتمعين وراء عباس/ أوسلو وإن تظاهروا بإنكاره هذه الأيام، ونسمعهم ينتظرون اندحار حماس والجهاد ليقولوا "انظروا ماذا فعل الخوانجية بالقضية"، ولكنهم يقفون مبهوتين أمام صمود المقاومة وحاضنتها الشعبية التي كان صمودها بحجم قوة مقاومتها.

أفق الطوفان

طوفان غزة حرر عقولا وحرر إرادات وأعاد وضع القضية في موضعها الذي هي به جديرة، ومنه تكمل مسارها نحو التحرير الشامل ناقضة بذلك نضالات مزيفة كان أغلبها يتم في صالونات مخملية ولم تحمل سلاحا.

هل سيكون الإسلاميون وحدهم في الساحة حتى التحرير الشامل؟ أجيب بلا واضحة، فهناك من يقف معهم بعد، ولكنه لا ينكر عليهم وجودهم ولا دورهم وهو يشاركهم فيما يفعلون دون ادعاءات حداثية كاذبة. هؤلاء جزء من معركة التحرير ورفقاء طريق النصر حتى خطوته الأخيرة، لذلك فإن ما كتبناه أعلاه ليس إنكارا لصدق الصادقين ولا لشهادة من استشهد في معارك حقيقية، بل هو تأكيد على معنى واضح معركة التحرير لا تتناقض مع الحداثة بل هي الحداثة نفسها، فلم نعرف شعبا عاش حداثته تحت الاحتلال أو بالتنسيق الأمني المقدس معه. ولأنها كذلك فإن الإسلامي جزء مكين منها وقد يكون الأقدر عليها بحسب مجريات المعارك الحقيقية لا معارك المؤتمرات الخمس نجوم.. الطوفان ينظف ويفرز ويفتح الطريق نحو حداثة مستقلة ستكتب نصوصها في قادم الأيام.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 13-12-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد يحي، د- هاني ابوالفتوح، د. عبد الآله المالكي، جاسم الرصيف، حميدة الطيلوش، محمود سلطان، د - محمد بنيعيش، أحمد النعيمي، عبد الله زيدان، عمر غازي، علي عبد العال، صالح النعامي ، سامح لطف الله، عبد الغني مزوز، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، الهادي المثلوثي، أبو سمية، د. أحمد محمد سليمان، محمود طرشوبي، حسن عثمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، أنس الشابي، مجدى داود، د - محمد بن موسى الشريف ، فوزي مسعود ، حاتم الصولي، صفاء العربي، صلاح الحريري، د - مصطفى فهمي، سليمان أحمد أبو ستة، خالد الجاف ، منجي باكير، رشيد السيد أحمد، أحمد بوادي، محمد عمر غرس الله، مصطفى منيغ، أشرف إبراهيم حجاج، خبَّاب بن مروان الحمد، عمار غيلوفي، أحمد الحباسي، سعود السبعاني، أحمد ملحم، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، إياد محمود حسين ، عواطف منصور، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صباح الموسوي ، د - شاكر الحوكي ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عبد الرزاق قيراط ، يزيد بن الحسين، رمضان حينوني، د- محمد رحال، رافع القارصي، وائل بنجدو، ماهر عدنان قنديل، محمد الطرابلسي، إسراء أبو رمان، د - عادل رضا، د- جابر قميحة، حسن الطرابلسي، سفيان عبد الكافي، د. طارق عبد الحليم، فهمي شراب، الهيثم زعفان، د. مصطفى يوسف اللداوي، ياسين أحمد، د- محمود علي عريقات، ضحى عبد الرحمن، كريم السليتي، عراق المطيري، سامر أبو رمان ، محرر "بوابتي"، عبد الله الفقير، د. صلاح عودة الله ، صلاح المختار، طلال قسومي، فتحـي قاره بيبـان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب، صفاء العراقي، فتحي الزغل، مراد قميزة، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - المنجي الكعبي، علي الكاش، كريم فارق، محمد شمام ، د. أحمد بشير، رافد العزاوي، فتحي العابد، سيد السباعي، تونسي، محمد أحمد عزوز، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الناصر الرقيق، نادية سعد، إيمى الأشقر، محمد اسعد بيوض التميمي، د. خالد الطراولي ، مصطفي زهران، سلوى المغربي، محمد الياسين، يحيي البوليني، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد العيادي، المولدي الفرجاني، سلام الشماع، رضا الدبّابي، محمود فاروق سيد شعبان، د.محمد فتحي عبد العال،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة