البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

غزة كابوس الأنظمة العربية

كاتب المقال محمد هنيد   
 المشاهدات: 192



يبدو الموقف الرسمي العربي المتواطئ مع حرب الإبادة الأطلسية في غزة متناغما مع طبيعة هذه الأنظمة التي تعتبر دون أدنى مبالغة أنظمة وكالة وحراسة مكلفة بإخضاع الشعوب وإبقائها سجينة القمع. وليست تصريحات أكثر من مسؤول غربي وصهيوني عن إلحاح قادة بعض الأنظمة العربية في طلب سحق المقاومة الفلسطينية وإخراج غزة من كل معادلات الصراع مع الاحتلال وعرّابيه في الغرب إلا دليلا إضافيا على الدور المحوري الذي تلعبه هذه الكيانات الوظيفية في مأساة شعب فلسطين.

في الحقيقة لا يحارب أهلُ فلسطين جيش الكيان المحتل المدجج بآخر أدوات الموت والتجسس والإبادة وهم لا يحاربون مجاميع الجيوش الصليبية بقيادة الولايات المتحدة فقط. إنهم يقاتلون أولا وقبل كل شيء أنماطا أخطر من الجيوش ومن المليشيات الظاهرة والخفية ممثلة في النظام العربي ودول الطوق التي تحكم قبضتها عليهم وتمنع عنهم الماء والدواء والسلاح.

وفاء النظام العربي

النظام العربي ممثلا في جامعة الدول نظام وفيّ للقيم والوظائف والشروط التي أنشئ من أجلها بعد الحرب العالمية الثانية والمتمثلة في السيطرة على المجتمع وإخضاعه ومحاربة كل أشكال التحرر داخله. كان هذا الشرط هو أساس العقد المبرم بين كل حكومة عربية من جهة وبين أقطاب النظام العالمي الجديد سواء كانت الولايات المتحدة الأمريكية أو فرنسا وبريطانيا داخل مستعمراتها القديمة.

لم يكن إعلان استقلال الدول العربية وظهور الدولة الوطنية إلا مسرحية سيئة الإخراج سرعان ما انكشف زيفها من خلال التبعية الاقتصادية والثقافية والسياسية المطلقة لهذه الكيانات الهجينة. نجحت السلطة العربية بعد ذلك في نحت أبشع الأنظمة الاستبدادية بثلاث واجهات رئيسية: الواجهة الملكية الوراثية والواجهة الجمهورية العسكرية والواجهة الجمهورية الأمنية. وهي واجهات تنصهر في منوال جامعة الدول وتنسق فيما بينها لمنع النظام الإقليمي من الانهيار أو السقوط مثلما حدث خلال القمع الدامي الذي جوبهت به ثورات الربيع الأخيرة حيث رأينا كيف هبّت الأنظمة الوراثية في الخليج لإنقاذ النظام العسكري في مصر وسوريا من السقوط.

ما يجمع النظام الرسمي العربي أيضا ويوحّد بوصلته التي رسمها الكفيل الغربي هو عداؤه المطلق وغير المشروط لكل حركات المقاومة التي تمثل تهديدا وجوديا له. لا نقصد بحركات المقاومة الجماعات المسلحة التي تعود في أصل نشأتها إليه وإلى أجهزة مخابراته بل نقصد أساسا الحركة المقاوِمة فكرا كانت أو فنا أو أدبا أو ثقافة أو تربية أو عقيدة. أما حركة المقاومة في فلسطين فلم تنشأ من رحم النظام الرسمي الذي تعبّر عنه وتنوبه سلطة التنسيق الأمني في رام الله بل نشأت فعلا مقاوِما لهذا النظام.

أنشأت السلطة العربية عشرات الواجهات الفكرية والثقافية والحزبية لتمثل دور المقاومة من أحزاب وجمعيات وتيارات ومؤسسات دينية هدفها الأساسي هو منع أي فكر مقاوم حقيقي من الظهور. فليست التيارات القومية واليسارية والإسلامية واللبرالية المتحركة في فلك السلطة إلا خلايا سرطانية تهدف إلى محاربة كل الخلايا الحية التي يمكن أن تعصف بسرديات النظام الرسمي وتكشف خياناته.

كابوس المقاومة في غزة

تحمل المقاومة الفلسطينية في غزة ثلاثة خصائص أساسية تؤرق هدوء الاستبداد العربي. فهي أولا حركة إسلامية عقائدية تتماهى بشكل أو بآخر مع العدو اللدود للنظام العربي وهو فكر الإخوان المسلمين رغم اختلاف السياقات والمرجعيات والأهداف والمنطلقات. وهي ثانيا حركة مسلحة على خلاف حركة الإخوان في الأقطار العربية وهي في صدام مباشر مع المحتل منذ أكثر من نصف قرن ولم ينجح رغم كل مجازره وجرائمه في استئصالها. أما ثالثا وهذا أخطر خصائصها فهو ما تحمله من رمزية ثورية مقاوِمة ملهمة لبقية الشعوب العربية وحركات التحرر في العالم فكيف يمكن لحركة صغيرة محاصرة في قطعة صغيرة من الأرض أن تصمد كل هذا الصمود في وجه أعتى آلات الموت في حين رضي مئات الملايين من العرب والمسلمين بالطاعة والخضوع للمحتل ووكلائه؟

من هنا أصبح القضاء على حركة المقاومة في فلسطين عموما وفي غزة تحديدا شرطا أساسيا لبقاء النظام الإقليمي من ناحية ولتوسع الاحتلال من ناحية أخرى ولاستمرار هيمنة القوى العظمى على البلاد العربية وثرواتها من ناحية ثالثة. السلطة العربية سلطة عمياء وقوّة وظيفية لا تستفيد من هامش المناورة الذي قد توفره لها حركة المقاومة فتستعملها كورقة ضغط على النظام الدولي كما تفعل إيران بنجاح محدود بل هي لا تدرك أن النظام الدولي نفسه قد يضحي بها يوم تنتفي شروط الحاجة إليها.

في مصر تحكم السلطات العسكرية هناك خنق القطاع عبر معبر رفح كما تشارك بقوة في التنسيق الأمني والاستخباراتي مع المحتل وتساهم بشكل مباشر في إغراق الأنفاق وبناء العوازل الإسمنتية وتعذيب عناصر المقاومة. وفي الخليج باستثناء قطر والكويت والسلطنة فإن التنسيق الأمني والدعم المالي والعسكري والدبلوماسي صار ظاهرا للعلن وكذا الأمر في الأردن. أما في لبنان فإن الوجود الفلسطيني نفسه صار مهددا بعد تحول حزب الله إلى ذراع إيرانية لها أجنداتها الخاصة على الحدود مع العدو.

تفاقم الوضع بعد موجة التطبيع العلني الأخيرة حيث رأت السلطة العربية في بقاء المقاومة وقدرتها على الصمود تهديدا لمشاريعها الاقتصادية والسياسية في المشرق العربي وصارت مهمة القضاء عليها أمرا ملحا. ساهمت انتصارات المقاومة الأخيرة وصمودها وتضحياتها في شحن المعنويات الشعبية خلال الأسابيع الأخيرة وخلقت موجة عارمة من التعاطف معها وهو ما ضاعف من أزمة الحكومات العربية.

لن يكون ما بعد غزة كما كان قبلها مهما حاولت أنظمة الحكم مسح الحدث من الذاكرة الشعبية بل إنه سيخلق موجات ارتدادية سيكون لها أثر خطير على الأنظمة الحاكمة في الإقليم وعلى كيان الاحتلال الذي بدأ يترنّح منتظرا ساعة الحسم الأخيرة.

ليس توحش المجازر اليوم ودموية القصف في الحقيقة إلا آخر رقصات الديك المذبوح الذي عرّته المقاومة من قناع القوة وأسقطت عنه لباس الضحية وفضحت أمام العالم حقيقته بأنه كيان مغتصب يستنسخ بقبح جوهر الفعل الاستعماري ويعبر بوضوح عن دموية الفكر النازي.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

غزة، فلسطين، إسرائيل، طوفان الأقصى،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 8-12-2023   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
رافع القارصي، عبد الرزاق قيراط ، سليمان أحمد أبو ستة، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، وائل بنجدو، د - المنجي الكعبي، صلاح الحريري، أ.د. مصطفى رجب، محمد أحمد عزوز، فتحي الزغل، أبو سمية، حسن الطرابلسي، محمد الياسين، حميدة الطيلوش، خالد الجاف ، فوزي مسعود ، د - مصطفى فهمي، محمود فاروق سيد شعبان، تونسي، منجي باكير، كريم فارق، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، د. عبد الآله المالكي، مصطفي زهران، محمد العيادي، د- محمود علي عريقات، د. خالد الطراولي ، سلام الشماع، رشيد السيد أحمد، إيمى الأشقر، د - محمد بنيعيش، عبد الله الفقير، أحمد النعيمي، د - عادل رضا، جاسم الرصيف، د. عادل محمد عايش الأسطل، علي الكاش، محمد اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، عبد الغني مزوز، مجدى داود، ضحى عبد الرحمن، أحمد بن عبد المحسن العساف ، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، كريم السليتي، د. مصطفى يوسف اللداوي، سامر أبو رمان ، المولدي الفرجاني، سامح لطف الله، ياسين أحمد، رافد العزاوي، الهيثم زعفان، د.محمد فتحي عبد العال، محرر "بوابتي"، يزيد بن الحسين، يحيي البوليني، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، صباح الموسوي ، د. صلاح عودة الله ، رحاب اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، محمد يحي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، إياد محمود حسين ، خبَّاب بن مروان الحمد، نادية سعد، رضا الدبّابي، أحمد بوادي، محمود سلطان، د. أحمد بشير، د- جابر قميحة، طلال قسومي، د. أحمد محمد سليمان، صفاء العربي، أحمد الحباسي، د - صالح المازقي، علي عبد العال، الناصر الرقيق، فهمي شراب، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، حسن عثمان، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، سيد السباعي، د- هاني ابوالفتوح، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد عمر غرس الله، عبد الله زيدان، د - محمد بن موسى الشريف ، عمر غازي، إسراء أبو رمان، رمضان حينوني، أنس الشابي، فتحي العابد، العادل السمعلي، د- محمد رحال، د - الضاوي خوالدية، سلوى المغربي، سفيان عبد الكافي، ماهر عدنان قنديل، صالح النعامي ، د. طارق عبد الحليم، محمد شمام ، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، أحمد ملحم، حاتم الصولي، د - شاكر الحوكي ، عواطف منصور، صلاح المختار،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة