البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

تونس: إعادة إنتاج الخديعة السياسية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 651



الثائرون ضد انقلاب قيس سعيد في تونس متفائلون جدا إلى درجة الإيهام بأنهم سيمسكون غدا برقبته ومحاسبته. وهم لفرط تفاؤلهم يعتبرون زيارة الرئيس الجزائري إلى تركيا وعقده لاتفاقيات كثيرة ماء في طاحونة انتصارهم، ويروجون الآن (الثلاثاء، 17 أيار/ مايو) أن طرد باشاغا من طرابلس حدث مؤثر في الداخل التونسي، ناسفين كل اختلاف محتمل (أو خصوصية) بين تجارب الدول الثلاث وطبيعة أنظمتها والظروف الخاصة التي يمر بها كل بلد.

بودي أن أقاسمهم كل هذا الاستبشار لكني أفضل التوقف عند أمر تونسي خاص، وهو أن معارضي الانقلاب -وهم طرائق قددا- يطوفون بكثير من الخبث السياسي حول نفس الأخطاء التي أدت إلى الانقلاب، ليعيدوا خداع أنفسهم بوهم تقدم لا ينتج إلا دورة جديدة من التخلف الديمقراطي. ولهذا الخبث أو الغباء وجهان: التجميع السياسي بالكم على حساب النوع، والتسرب دخل الكم دون الارتقاء النوعي.

وهْم التجميع الكمي

الذين قفزوا منذ البداية إلى توليف اسم سياسي ميداني (مواطنون ضد الانقلاب) فتحوا ثغرة حقيقية في لحظة الارتباك التي أعقبت الانقلاب، فسار خلفهم عدد من الناس، فتحولت حركة أفراد إلى مبادرة ديمقراطية بهدف تكبير "الكدس" كما يقال في تونس، أي توسيع عدد المنخرطين في مقاومة الانقلاب، وكانت الدعوات مفتوحة للانخراط في الشارع دون حسابات مسبقة. بعد تسعة شهور من الانقلاب تبين للناس أمران: أن عمق المبادرة ظل دوما حزب النهضة وجمهوره المنضبط يزيد وينقص أحيانا تحت تأثير الطقس، لكن لم يتشكل تيار شعبي حقيقي وواسع ومتنوع سياسيا حول المبادرة (هذا دون غمط حق كثير من نشطاء صادقين وغير مخترقين).

والثاني أن الأزمة الاجتماعية والاقتصادية (وأهم أسبابها الحصار المالي الخارجي للانقلاب) قد بدأت تلقي بظلالها على مستقبل الانقلاب، كما أن مشروع الرئيس السياسي ليس شاغلا حقيقيا لدى الشارع، وهذا ما دفع حزاما كبيرا من حول الانقلاب إلى الابتعاد عنه ومن ثم البحث عن مقعد ضمن المعارضة، وهو ما خلق موجة تفاؤل تنفخ في احتمال التقاء كل المعارضين في جبهة واحدة. وزاد هذا في نهم التجمعيين إلى العدد دون تمحيص، وأوحى إلى الهاربين من حول الانقلاب بأنهم سيجدون مكانهم الطبيعي في المستقبل بصفتهم أيضا ديمقراطيين أبرياء معارضين للانقلاب.

محاولة العودة الطاهرة

ظنت المبادرة الديمقراطية أن انتداب السيد نجيب الشابي إلى صفها وإعادة تدويره كرجل إجماع وطني ذي تاريخ ديمقراطي قد سهل لها التجميع، وتم تسويق صورة أو خلق انطباع بأن الشارع الثائر أكثر من جمهور النهضة وحزامها التقليدي (ائتلاف الكرامة وحراك المرزوقي).

وفتح السيد نجيب قنوات حوار مع أسماء شخصيات سياسية ومسميات حزبية، وكثرت الحركة بين مكتبه ومكاتب الأحزاب والسفارات. هذه الحركة الدؤوبة ولدت الوهم الثاني بأن من ناصروا الانقلاب وتعرضوا إلى الطرد من حماه قد وجدوا ثغرة العودة والنجاة، فكثرت إعلانات المعارضة لكنها استصحبت شروطها الخاصة.

عند النظر في البيانات (التي صدرت كلوائح شروط مسبقة) نجد أن هذه الأسماء لم تغادر مربعات فعلها السياسي السابقة على الانقلاب، وهي أن تحكم دون ثقل جماهيري حقيقي. فعندما يتكلم السيد نجيب عن حوار وطني ينظم نهاية الانقلاب ويرتب ما بعده، يأتيه الجواب على شكل شرط واحد كبير: ما بعد الانقلاب يكون بلا حزب النهضة أو بأقل القليل منه في صورة التفضل بقبول العمل معه مستقبلا. وهو ما يعيدنا بلا مواربة إلى مربع ما قبل الانقلاب، ومن هنا تبدأ إعادة إنتاج الأزمة التي خلقت الانقلاب.

طاولة حوار مغشوش في الأفق

عندما ينصب السيد نجيب طاولة حواره سيجد حولها صفين من السياسيين: صف المطرودين من حمى الانقلاب في مواجهة حزب النهضة، وقلة معه بادرت بالمعارضة، ولكنها لم تصر تيارا شعبيا رديفا للنهضة بالعدد بل ظلت نخبة متميزة نوعيا وقليلة العدد.

الصف الأول ينطلق من خطاب واحد: تحميل حزب النهضة كل المآسي التي حدثت بعد الثورة ونفي كل مكسب حصل بما فيها الدستور (تمت استعادة تسمية الدستور بدستور النهضة بعد أن كان دستور الإجماع)، فإذا لم يقر له بهذه المقدمة فلا عمل مع النهضة مستقبلا. (نذكر بأن كل مكونات هذا الصف لم تنزل إلى الشارع ألف شخص معا منذ بدأت في النأي عن الانقلاب، وكان كل نشاطها بيانات سياسية أو قائمة شروط تصدر تحت التكييف). وهو يأتي طاولة التفاوض لا كشريك يقدر حجمه على الأرض، بل كصاحب حق مطلق يحمل في يده قائمة شروط للفرض لا للنقاش.

الصف الثاني حزب النهضة، وفي يديه قائمة تنازلات سياسية مغلفة بشعار (الكلمة السواء). ومن أجل ذلك لا بأس بأن يقدم قائمة طويلة من أخطائه دون بقية من شارك في الحكم ويتبنى كل الموبقات، فالمهم إسقاط الانقلاب.

لماذا يخول حزب النهضة لنفسه التنازل عما ليس من حقه؟ إن نقد المرحلة السابقة على 25 تموز/ يوليو حق للشعب الناخب وليس لحزب من الأحزاب، وهنا يقوم حزب النهضة بعملية تشبه "وعد من لا يملك لمن لا يستحق". وإذا كان له مطلق الحرية في قراءة تاريخ تجربته وعيوبها فإن نقدا آخر للمرحلة يظل دوما مشروعا، وخلاصته أن فساد ما قبل الانقلاب ساهمت فيه قوى نقابية وسياسية وشخصيات اعتبارية ودفعت الوضع إلى الأزمة التي استغلها الانقلاب. وكثير من هؤلاء يجلسون في مواجهة النهضة، وهي تقوم بتبرئتهم وفي ظنها أن ذلك على حسابها فقط، ولكن هذا التنازل يلحق ضررا فادحا بكل ضحايا ما قبل 25 تموز/ يوليو الذين هم الضحايا الفعليون للانقلاب.

كيف للسيد نجيب أن يعدل الخطاب حول الطاولة، خاصة أن خطاب لفلفة التفاصيل عنده لا يختلف كثيرا عن "خطاب الكلمة السواء"؟ هناك حق سيضيع حتما هو حق محاسبة من شارك في تعفين وضع ما قبل 25 تموز/ يوليو، والأدهى أن المخرب سيصير شريكا في الحل بل يدا عليا فيه.

الانسحاب أفضل من المشاركة في الخديعة

قال لنا المفرطون في التفاؤل إننا سندخل رمضان بدون المنقلب، ولم يحصل نصيب، وهم يقولون الآن إنه لن يبلغ غايته بفرض دستوره وانتخاباته. وعندما نخفف سقوف تفاؤلهم بأن العمل السياسي الجاري لا يزال يحمل جرثوم ما قبل 25 تموز/ يوليو يهربون إلى أن الأزمة الاجتماعية ستعصف به (دعوه سيسقط وحده)، وهو ما يكشف هشاشة بالغة في خططهم.

ما نراه يجري على الأرض وخاصة بعد مظاهرة ١٥ أيار/ مايو يكشف لنا أن الحوار الشكلي ممكن (ونتوقع حدوثه قريبا)، وأنه يمكن أن يوفر مخرجا لكننا نراه مخرجا ملغوما بكل أسباب الأزمة، ولن يكون إلا استعادة لوضع ما قبل 25 تموز/ يوليو مع جرعة مزايدات يقول فيها المعفنون المتطهرون: نحن أسقطنا الانقلاب ويجب أن نحكم، يرد خصومهم: نحن كنا في الشارع قبلكم. (وهذا من قبيل قول الفريق المهزوم للفريق المنتصر: نحن سجلنا أولا، دون الانتباه إلى أن الهزيمة بعد التقدم في النتيجة تكون أشد وطأة).

وفي ظل عجز فرد وحده على التأثير على طاولة تفاوض (حوار)، تبدأ من نقد ذاتي وعلني أمام الجمهور المسكين، فإن الأشرف سياسيا عدم قبول ما سيصدر عن هذه الطاولة من حلول وعدم الترويج لنجاح كاذب؛ لأن الانقلاب سيستمر ولو بدون قيس سعيد، فجوهر الانقلاب هو الأزمة التي صنعته وأدت إليه (لقد حدث الانقلاب على الثورة قبل أن يظهر قيس سعيد في الصورة).

هذه الطاولة المغشوشة ستؤبد الانقلاب على الثورة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

إنقلاب قيس سعيد، تونس، الإنقلاب في تونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 18-05-2022   المصدر: عربي 21

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. صلاح عودة الله ، الناصر الرقيق، أحمد ملحم، محمد الطرابلسي، حسن الطرابلسي، عمر غازي، العادل السمعلي، صفاء العراقي، عواطف منصور، محمد أحمد عزوز، مصطفي زهران، رمضان حينوني، أنس الشابي، جاسم الرصيف، عبد الله الفقير، سيد السباعي، أشرف إبراهيم حجاج، ماهر عدنان قنديل، صباح الموسوي ، إيمى الأشقر، د. طارق عبد الحليم، محمود سلطان، د.محمد فتحي عبد العال، محمد يحي، فتحـي قاره بيبـان، ضحى عبد الرحمن، د - صالح المازقي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. خالد الطراولي ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رافع القارصي، خالد الجاف ، سليمان أحمد أبو ستة، مصطفى منيغ، تونسي، عبد الله زيدان، د - الضاوي خوالدية، المولدي الفرجاني، د- محمد رحال، حاتم الصولي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي الزغل، أ.د. مصطفى رجب، د. أحمد بشير، عراق المطيري، د - محمد بن موسى الشريف ، أحمد الحباسي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د- هاني ابوالفتوح، الهيثم زعفان، رشيد السيد أحمد، د - مصطفى فهمي، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الغني مزوز، سعود السبعاني، أحمد النعيمي، يحيي البوليني، ياسين أحمد، الهادي المثلوثي، محمود طرشوبي، علي الكاش، محمد العيادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سلام الشماع، سلوى المغربي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، صلاح الحريري، فوزي مسعود ، يزيد بن الحسين، إياد محمود حسين ، د. عادل محمد عايش الأسطل، رافد العزاوي، د - شاكر الحوكي ، صالح النعامي ، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، منجي باكير، نادية سعد، عزيز العرباوي، د- جابر قميحة، أحمد بوادي، د - المنجي الكعبي، وائل بنجدو، مجدى داود، د - محمد بنيعيش، صفاء العربي، عمار غيلوفي، مراد قميزة، إسراء أبو رمان، محمد شمام ، حميدة الطيلوش، حسن عثمان، محرر "بوابتي"، كريم السليتي، د - عادل رضا، رضا الدبّابي، علي عبد العال، د- محمود علي عريقات، د. أحمد محمد سليمان، صلاح المختار، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد الياسين، سامح لطف الله، محمد عمر غرس الله، أبو سمية، سامر أبو رمان ، د. عبد الآله المالكي، طلال قسومي، فتحي العابد، كريم فارق، فهمي شراب، محمد اسعد بيوض التميمي، د. ضرغام عبد الله الدباغ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة