الجهالة في معركة التحديث
أنس الشابي - تونس
عن دار المدار صدر "كتاب الاختلاف في الثقافة العربية الإسلامية" لآمال القرامي في حوالي الألف صفحة، وهو عبارة عن أطروحة دكتوراه دولة أعدّت في كلية آداب منوبة تحت إشراف عبد المجيد الشرفي الذي أشاد بها وبصاحبتها معتبرا أنها تمثل:"إسهاما ثريا ممتعا في آن، نحن سعيدون بتقديمه إلى القراء بعد أن سعدنا به بالإشراف عليه وننتظر من آمال مزيد العطاء وإغناء المكتبة العربية بأمثال هذه الدراسة غناء فكريا ناضجا شهيا"(1).

وقد مَنيت النفس بأن أسعد كما سعد عبد المجيد ولكن الآمال خابت منذ البداية، فعنوان الدراسة ملتبس ويطرح عددا من التساؤلات:
أوّلها لماذا استعملت الكاتبة لفظ الاختلاف بإطلاق ودون تحديد لمجالاته أو مضامينه أو مظاهره، فهل قصدها الاختلاف بين المذكر والمؤنث أو الذكر والأنثى أو بين القراءات أو بين المدارس الفقهية أو بين الفرق الإسلامية أو بين المذاهب الصوفية.....؟ ذلك أن الأطاريح الجامعية الجادّة تلتزم حدودا معينة لا تخرج عنها فكلما كان الموضوع ضيّقا كلما استطاع الباحث الإلمام بأطرافه والإحاطة بمصادره ومن ثم تتأتى الجدّة في الدرس والقدرة على الإضافة والعكس صحيح إذ كلما كان الموضوع منفلتا من أيّ عقال كلما كانت المعالجة سطحيّة وعبثيّة لا غناء فيها.
وثانيها لماذا لم تحدّد الكاتبة الفترة الزمنية المدروسة والحال أن كلّ الأطاريح الجامعية تلتزم فترات زمنية مضبوطة لا تتجاوز بأيّ حال من الأحوال مائة سنة وغالبا ما تكون أقلّ من ذلك بكثير حتى يتمكن الباحث من الوصول إلى نتائج أدق وأعمق بدراسة الجزئيات والتفاصيل ووضعها ضمن سياقها التاريخي، أمّا الإصرار على تعويم الزمن وفتح السنوات والقرون على بعضها البعض لمدّة تفوق 15 قرنا كما هو الحال في أطروحة آمال فلن يؤدي إلا إلى التلخيص والاقتباس والتعميم وهو ما سنفصِّل فيه القول لاحقا.
وثالثها لماذا لم تحدّد آمال مجالا جغرافيا مُعَـيَّـنا لدراستها كأن يكون مدينة أو بلدا أو منطقة ما، خصوصا إذا وضعنا في الاعتبار أن الثقافة ومظاهرها تختلف من بيئة إلى أخرى حتى وإن استندت إلى أصل عقدي واحد فعادات الزواج...