إثارة الفتن، تهمة فضفاضة ووسيلة لترسيخ الاستبداد
سوسن مسعود
النظم السياسية المستبدة التي تملأ منطقتنا العربية، انتقلت من مرحلة الديكتاتورية الكاملة والصريحة إلى مرحلة الاستبداد المستتر بالقانون والتشريعات، هذا القانون الذي يصاغ بعقلية فاشية متسلطة لا تحترم الخلاف والتعددية وتداول السلطة، وتوافق عليه مجالس تشريعية منتخبة بالتزوير، وفي النهاية نجد أنفسنا أمام ترسانة قانونية ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، فهي ديمقراطية في الشكل وديكتاتورية في الجوهر والمضمون.

فالنظام السياسي الديكتاتوري يريد أن يبقى في السلطة إلى أبد الآبدين، ولذلك فإنه يعمل دائمًا على تجريم ومحاصرة وإدانة أي تحرك شعبي يدفع في اتجاه التغيير السياسي والاجتماعي ويعمل على التحرك المنظم في المجتمع، ومن ذلك أنه يستخدم تعبير "إثارة الفتن والفوضى" كتهمة فضفاضة يتم وضعها لكي تناسب مقاسات مختلفة، وتنطبق على معظم الناشطين الذين يرهقون النظام ويعكرون صفو قادته ورموزه وأركانه.

وتنص المادة 98 فقرة (و) من قانون العقوبات المصري، والتي أضيفت بموجب القانون رقم 29 لسنة 1982م، علي أن يعاقب بالحبس مدة لا يقل عن ستة أشهر ولا تجاوز خمس سنوات أو بغرامة لا تقل عن خمسمائة جنيه ولا تجاوز ألف جنيه كل من استغل الدين في الترويج، أو التحبيذ بالقول أو بالكتابة أو بأية وسيلة أخري لأفكار متطرفة بقصد إثارة الفتنة، أو تحقير أو ازدراء أحد الأديان السماوية، أو الطوائف المنتمية إليها، أو الإضرار بالوحدة الوطنية، أو بالسلام الاجتماعي.

ولأن تهم مثل "إثارة الفتن" و"ازدراء الأديان" تهم فضفاضة وغير محددة، فإن جهات عديدة يمكنها استخدامها استخدامًا سيئًا، وعلى سبيل المثال فقد استغل متطرفو النصارى ظهور كتاب "فتنة التكفير" وأقاموا الدنيا ولم يقعدوها، وتقدموا ببلاغات متعددة للنائب العام بدعوى أن الكتاب يعمل علي إثارة الفتن الطائف...