(41) أبعاد التخريب العلماني محمد أركون.. أنموذجاً
د. أحمد إبراهيم خضر
بالأمس... طلب خالدُ بن عبد الله القسري، أمير العراق، الجعدَ بن درهم، حتى ظفر به، فخطب بالناس في يوم الأضحى، وكان آخر ما قاله في خطبته: أيها الناس، ضحّوا، تقبّل الله ضحاياكم، فإني مضح بالجعد بن درهــــم؛ فإنه زعـم أن الله لم يكلـم مـوسى تكليماً، ولم يتخـذ إبراهيم خليلاً، تعالى الله عما يقــول الجعد علواً كبيراً. ثم نزل فذبحه في أصل المنبر، فكان ضحية، ثم طفئت تلك البدعة فكانت كأنها حصاة رُمِيَ بها(1).

واليوم.. المرعى الإسلامي غداً بابه مفتوحاً لـكـــــل (عرجاء) و(عوراء) لا يجزئ لحمها في الأضحية (2).

إنهم أهل التخريب العقدي، يحاربون الإسلام من داخله بإثارة شكوك المسلمين بما يؤمنون به، يهدفون عبر زعزعة الترابط العقدي تفكيكَ المجـتـمـــع الإسلامي برمته(3). يصفون أنفسهم بأنهم علماء مجتهدون متفرغون لتطوير المعرفة(4)، ولا تخرج مقولاتهم عند كونها لوناً من ألوان (الرقاعة الثقافية)(5)، يميزون أنفسهم عن المسلمين الآخرين (المقلدين)، أما هم، فإنهم باحثون تحرروا مما أطلقوا عليه (المعارف الخاطـئــــة) التي تعارف عليها كل المسلمين عن الإسلام. يدعون إلى العقلانية ويطالبون باتساع العقـل وحرية البحث حتى في القضايا الدينية الحساسة التي ترتبط بما هو مقدس ولا يمس (كالوحي والقرآن والسنة). يشجعون الإبداع الفكري الذي يصل عندهم إلى حد القول بأن الاعتقـاد بأن الشريعة ذات أصل إلهي (وهمٌ كبير)(6) ومع كل هذا الانحراف والضلال يطالبون الآخــريــن بالتسامح معهم، والإقبال على مناظرتهم، وعدم الخلط بين العرض العلمي للقضايا ومواقـف العوام، والتقيد بما يفرضه البرهان العقلي. يتهمون ما يسمى (بالخطاب الإسلامي) بأنه خـطـــاب مليء بالـنـقـائــض والرذائل والمثالب، يحمّل المفكرين (أمثالهم) ما لم يفكروا فيه، وما لم يدّعوه، وما لم ينطقوا به(7).

ماذا يريدون بالضبط؟

همهم الأول القضاء على الإيمان العقدي ومحوه من الأفق البشري: حتى لا يبقى هناك إلا الأفق الاجتماعي. يريـــدون منا أن ندخل تجربة الغرب التاريخية التي خاضها منذ أكثر من قرن...