(30) علم الإجتماع : قرن كامل من الفشل فى مصر والعالم العربى [1]
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
ليس من أحد له صلة بعلم الإجتماع أو الفلسفة إلا ويعرف " أوجست كومت" الذى ينسب إليه تأسيس هذا العلم . لكن القليل من الناس ومنهم طلاب العلم من يعرف أن هذا الفيلسوف بؤمن بأن الأديان ولدت من الخزعبلات القديمة. ويؤمن كذلك بأن الدين يجب أن يبقى شكلا ، لكن محتواه لا بد أن يتغير. لهذا نادى " كومت" بتأسيس دين جديد هو " علم الإجتماع" ، ولأن الدين لا بد له من أنبياء ورسل ، كان أنبياء هذا الدين الجديد ورسله هم علماء الإجتماع.

ليس غريبا على علماء الإجتماع فى بلاد الغرب أن يمارسوا دور الأنبياء والرسل لكن الغريب أن يصدق رجال الاجتماع في مصر - بل وفى العالم العربي أيضا- ما قاله " كومت " أو يمارسونه عمليا دون أن يعرفوا ما رسمهم له هذا الفيلسوف. تصور رجال الإجتماع فى بلادنا أنهم طليعة هذه الأمة وضميرها، وأنهم القدوة والنموذج ، كما كانوا يتصورون أيضا أنهم يملكون في أيديهم عناصر الترشيد الضرورية للمجتمع ، وأنهم يستطيعون توصيف المراحل التي يمر بها المجتمع ، وتحليل قواه الاجتماعية الفاعلة، وأنه بإمكانهم تقديم البدائل المتاحة أمامه . لقد وصل الأمر برجال الاجتماع إلى الاعتقاد بأن الخبير منهم يجب التبرك به. نبع هذا التصور الذاتي الوهمي المبالغ فيه من نظرتهم إلى المجتمع الذي لا يخرج عندهم عن كونه مجرد مجتمع من الجهلة والأميين والمرضى والجائعين والمتأخرين ... الذين على رجال الاجتماع تنميتهم وعلاجهم وعصرنتهم أو تغريبهم، لأن الإنسان العربي -عموما- عندهم ، إنسان تقليدي متأخر متخلف.

ومع مرور الزمن سقط هذا التصور إلى الحد الذي وصل بأحد أساتذة الاجتماع إلى الإقرار بأن علم الاجتماع ما هو إلا " شعوذة الأزمنة الحديثة "، ودعا زملاءه إلى الحد من الانبهار الساذج والتوكل الكلى على علم الاجتماع كمواقف تجعل منه عصا سحرية علمية. وتوالت بعد ذلك اعترافات رجال الاجتماع سواء في مصر أو العالم العربي لينتهوا إلى الإقرار- بأنفسهم- بحقيقة قاسية عليهم وعلينا ، مفادها " أن علم الاجتماع ما هو إلا علم هامشي هزيل لا يرعاه ولا يش...