(123) علم الاجتماع: صياغة دينية لمعتوه فرنسي (*)
د. أحمد إبراهيم خضر - مصر
أوَّل ما يجبُ الإقرارُ به هو أنَّ علمَ الاجتماع بالمعنى الأكاديمي الحديث الذي يُدرَّس في جامعاتنا - بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - هو أوروبي النَّشأة، تأسَّس على يد معتوهٍ فرنسي اسمه "أوجست كونت"، لا ارتباطَ له بالإسلام ولا بابن خلدون، وما يجبُ الإقرار به ثانيًا هو أنَّ أفكار علماء اجتماع الغرب التي تُدرَّس في جامعاتنا - بما فيها الجامعات الإسلاميَّة - لا تنفَصِل مُطلَقًا عن التيَّارات الفكرية والأخلاقية السائدة في بلاد الغرْب، وثالثُ ما يجب الإقرارُ به هو أنَّ الأنشطة الفكرية والنظريَّات الكبرى لعلماء الاجتماع تمَّت في أثناء أزماتٍ سياسية واقتصادية كانت المجتمعات الغربية تمرُّ بها، وكان على علماء الاجتماع أنْ يقدموا لمجتمعاتهم صِياغةً نظرية تُمكِّنهم من تَخطِّي هذه الأزمات.

ويعني هذا جميعُه أنَّنا لا شأنَ لنا في بلادنا بأفكار هذا المعتوه، ولا بالتيَّارات السائدة في العالم الغربي، ولا بأزماته التي مرَّ بها، لكنَّ رجال الاجتماع في بلادنا كانوا أكثر عتاهةً من (كونت)، فقَبِلُوا المقولات التي نشَأت وتطوَّرت في هذه المجتمعات ومع أزَماتها، برغم أنها تقومُ على مُسلَّمات تشكَّلت في ظُروفٍ تختلف تمامًا عن ظُروفنا، ولم يكنْ هناك من مُبرِّرٍ لقبول هذه المقولات واعتبارها مُسلَّمات.

نشَأ علم الاجتماع في مناخٍ وظُروف لا شأنَ ولا دَخْلَ لنا بها؛ دِين وكنيسة تدعو إلى الرهبانية، وتمحق الطاقات التي تُؤدِّي إلى المحافظة على النوع، حياة رجال الكنيسة مليئةٌ بالفواحش والمُنكَرات، استَحوَذَ عليهم الجشَعُ وحبُّ المال، انحطَّت أخلاقهم وأخلاق باباواتهم، يبيعون المناصب والوظائف كالسِّلَع، يُؤجِّرون الجنة ويُصدِرون صُكوك غفران في الوقت الذي كانوا يَأمُرون الناس فيه بالحِرمان باسم الدِّين، كنيسة أدخلت كثيرًا من الخُرافات على الدِّين، مَن لم يؤمن بها يُطرَد من رحمة الربِّ، منَعت الناسَ من البحث في فهْم الكتاب المقدَّس وتفسيره، ادَّعت آراء ونظريَّات جغرافية وتاريخية وطبيعية مليئة بالخُرافات والأخطاء عن الكون والإنسان والحياة، جعلَتْها مُقدَّسة لا تُناقَش ولا...