أصول الرؤية الإسلامية للعالم والعلاقة مع الآخر
د. إبراهيم البيومي غانم
تنبع الرؤية الإسلامية للعالم من أصل عقَدي إيماني هو "التوحيد"؛ الذي يعني الإقرار بوجود الله وبوحدانيته سبحانه وتعالى، وأنه هو خالق هذا الكون ومالكه الحقيقي الوحيد ولا شريك له، وهو الذي خلق الإنسان وجعله خليفة في الأرض ليعمرها وليتصرف فيها طبقاً لأوامره عز وجل وامتثالاً لإرادته سبحانه: ﴿وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ﴾(الأنعام:18)، ويتضمن الإقرار بوحدانية الله سبحانه وتعالى، كمال العقيدة من جهتي الربوبية (الخلق والتربية) والألوهية (العبادة).
ولكن كيف تؤثر هذه العقيدة التوحيدية على رؤية العالم في المنظور الإسلامي؟

إن تأثيرها يبدو من خلال هيمنة مبدأ "الوحدة" (Unity) والوئام على الرؤية الإسلامية للعالم، ومن ثم نبذ التجزئة والصراع، مع عدم التواني عن ردع أو منع الاعتداء من المحيط الخارجي. ولا يعبر مبدأ الوحدة عن مجرد فكرة نظرية أو فلسفية مثالية (Utopia)، وإنما هو متجذر اجتماعيًّا في وحدة الجنس البشري، وروحيًّا في وحدة الدين ورسالته من حيث مصدرها وغايتها معاً، وبيان ذلك كالآتي:

وحدة الجنس البشري
قرر الإسلام وحدة الجنس والنسب للبشر جميعاً، فالناس لآدم عليه السلام، "ولا فضل لعربي على عجمي ولا أسود على أحمر إلا بالتقوى" (رواه البخاري). وحكمة التقسيم إلى شعوب وقبائل إنما هي التعارف لا التخالف، والتعاون لا التخاذل، والتفاضل بالتقوى والأعمال الصالحة التي تعود بالخير على المجموع والأفراد، والله سبحانه وتعالى رب الجميع يرقب هذه الأخوة ويرعاها، هو يطالب عباده جميعاً بتقريرها ورعايتها، والشعور بحقوقها والسير في حدودها.

ويعلن القـرآن الكـريم هـذه الحقيقة بمعانيها جميعاً في وضوح فيقول: ﴿يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَ...