البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المجتمع كالطّفل في تطوّرِهِ الدّيمقراطيّ

كاتب المقال فتحي الزغل - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 4361


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يعيش المجتمع في دول الرّبيع العربي منذ نجاح ثوراته الشّعبية و إطاحته بحكّام كانوا يستبدّون به و يقهرونه و يعبثون بمقدرّاته ، حالةً من التّجاذبات السّياسية الحادّة، وصلت درجة الاحتقان و الاقتتال في بعضها. حتّى أنّ بعــــــــض الفُرقاء - ولشدّة عصبيّته لفرقتِه و عدائه لمُخالفيه - أضحى لا يستحي من الترحّم على أيّام المقبور أو المخلوع أو الهارب من هؤلاء الحكّام المجرمين لأنّ تلك الأيام كان هؤلاء في السجون أو في المنافي كما هو معلومٌ.

و عندما بحثتُ عن أوجه الشّبه بين ما يحدث في ديارنا، و ما حدث في الدّول و الشّعوب التي انتفضت على نظامها السّياسي مثلنا، منذ القرن الثّامن عشر في فرنسا، إلى القرن العشرين في أمريكا اللاّتينية و أوروبا الشّرقية و آسيا، وجدتُ أنّ تلك الأمم قد ماثلتنا في التّجاذب الحادّ بين فصائلها السياسيّة و رُؤاها الفكريّة إبّان خلعها نظامَها السّياسيَّ. تجاذبٌ وصل للاحتقان الذي نعيشه اليوم في بعض بلداننا. و أقصدُ ذاك الذي وقع في رومانيا حديثا، أو الذي وقع في فرنسا - بلد أوّل ثورة شعبيّة مكتملة ناجحة – قديما. تجاذبٌ لا يزال بعضه قائمٌ إلى الآن في الدّول الحديثة بالثّورة، و تطوّر بعضه الآخر في الدّول العريقة في الدّيمقراطية، ليصبح نقاشا سياسيًّا راقيًا لا يصلُ درجة العنف و الاحتقان.

و ما الشّبهُ الواضح بين تلك الشّعوب و ما طفح منها بعد ثوراتها، إلاّ لأنّ التّشنّج و التّناكف و النّقاش الحادّ الذي طبـــــع و يطبع المرحلة، لا يعدو أن يكون سوى تعبيرٍ نفسيّ فرديّ و جماعيّ لقانون واحد يحكم تلك الظّاهرة...
فالشّعبُ أو الأمّةُ أو مجموعة البشر التي تعيش تحت نظامٍ سياسيّ واحدٍ، يتطوّر سلوكُه الجماعيُّ و يتغيّرُ و يتكيّفُ بالتّعلّم و بالتّجربة، شأنه شأن سلوك الطّفل منّا، عندما يبدأ في بناء علاقاته الخارجيّة مع إخوته في عائلته، فجيرانُه من أقرانِه، فأصدقاؤُه من مدرسته، وصولا إلى نضجه الكامل في بيئة عملــــــــه و أسرته... و بالتّالي، فنحن إذا ما اقتربنا أكثر من ذاك السّلوك في تطوّره، نجدُه مطبوعا في مراحله الأولى بالأنانيّة، و المركزيّة الذّاتية، و عدم قبول الآخر مطلقا. قبل أن يتطوّر في مرحلة ثانية - لا تعكس إرادته الحقيقيّة المطبوعة كذلك بالأنانيّة الفرديّة - في اتجاه التّعامل مع الآخر إذا كان يخدم مصلحته و يمنحه ما يريدُ. ثمّ في مرحلة لاحقة، يتطوّر نحو بداية تعايش كلّ طفل مع بيئته الضيّقة، و عدم الاعتراف بغيرها من البيئات التي يلحظها هو بنفسه و يُدركُ وجودَها. ليصِلَ في نهاية مراحل نموّه الذّهني و النفسيّ النهائيّة، إلى الوعي بأنَّه جزءٌ من نسيجٍ بشريّ كبيرٍ، يخدم بعضه بعضا، فيتّسمُ سلوكُه في تلك المرحلة باحترام كلّ مكوّنات ذلك النّسيج بما في ذلك من يُخالفهم و يعاكسهم الرّأي.

و هذا التّطور الخطّي نحو لجم عنف الأنانيّة لدى الفرد عبر التّثقّف و الحضارة، يتشكّلُ بعينه في الوعي الجماعيّ لكلّ مجتمع حديث العهد بالدّيمـــــقراطيّة و الحرّيّة... حيث تأخذ داخله الخلافات الجماعيّة في البداية شكلا عنيفا تغلبُ عليه إرادة كل فصيلٍ فيه إقصاءَ غيره ممّن يحمل خلاف فكره. مع ما يُخلّفه ذلك السلوك الاجتماعيّ من خسائر و ضحايا. قبل أن يتطوّر الوعيُ الجماعي لنفس المجتمع لمرحلة أخرى أعلى درجةً، تُدرك فيها فصائله الفكريّةُ أنّ اختلاف غيرها معها في الرأي، لا يعني بالضرورة الخيانة و التّوجّه نحو الكارثة، و إنّما ذاك الاختلاف مـــــــن اختلاف المرجعيّة و التّجربة و المصلحة.

فتبدأ نبرة الحدّة منذ حدوث تلك المرحلة في النّزول شيئا فشيئا، إلى أن تصل تلك الأمم أو المجتمعات في قمّة وعيها الجماعيِّ إلى مرحلة نضج اجتماعيٍّ يفرض احترام كلّ فصيلٍ أو فرقةٍ أو مجموعةٍ من البشر لغيرهم و لو اختلفوا معهم. كما يفرض عليهم نقاشات راقية معهم، لا مكان فيها لفرض الرّأي سوى بالإقناع، ومقارعة الفكرة بالفكرة، و رمي الحجّة بالحجّة تُفحمها.و هو ما يُعبّرُ عنه بالسلوك الديمقراطيّ الذي من أساساته الفكريّة عدم إلغاء المخالف في الرأي.

و تلك مرحلة أظنّني مقتنعٌ بأنّ شعوب ربيعنا العربيّ لم تصلها بعدُ، لحداثة عهدها بالدّيمقراطية. مثلها مثل شعوب أخرى سبقتها بعهود في هذا المجال. لأنّ الصّيرورة الاجتماعية تتطلّب وقتا، يطولُ ويقصرُ، حسب معطيات خارجيّة موضوعيّة أخرى، لا يتّسع وقتُ المحاضرة لذكرها الآن. وإنّما يكفي لأن أشيرَ إلى أنّ كلّ هذه الظاهرة الاجتماعيّة، هي خاضعة لنفس القانون لا محالة. و بفهمنا للقانون... نُشاهدُ العربة و نرى الطريق و نفهمُ السّائق.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الديموقراطية،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 2-06-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إنذارات بمجتمع يهوي
  أنا اللّص الذي عنه تبحثون
  قراءة في المشهد الانتخابي البرلماني التونسي بعد غلق باب التّرشّحات
  السّياسةُ في الإسلام
  ماذا يقع في "وينيزويلّا"؟ حسابات الشّارع وموازين الخارج
   بعد تفجير شارع بورقيبة ... ألو... القائد الأعلى للقوات المسلّحة؟
  إلى متى تنفرد الإدارة في صفاقس بتأويل خاصّ لقوانين البلاد 2؟
  "التوافق" في تونس بين ربح الحزب وخسارة الثورة
  "ترامب"... رحمة من الله على المسلمين
  حكاية من الغابة... حكاية اللئيم و الحمير
  بقرة ينزف ضرعـــها دما
  تعليقا على مؤتمر النهضة... رضي الشيخان ولم يرض الثّائر
  بعد مائة يوم على الحكومة... إلى أين نحن سائرون؟
  الغرب و الشّرق و "داعش" و "شارلي"
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج3
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج2
  "الإرهاب و مسألة الظّلم" ج1
  كيف تختار الرّئيس القادم؟
  قراءة في الانتخابات البرلمانية التونسية
  سكوتلاندا لا تنفصل... درس في المصلحيّة
  قراءة في النّسيج الانتخابي التّونسي
  "أردوغان" رئيسا لتركيا... تعازي غلبت التهاني
  "غزّة" و الإسلاميّون
  الانتخابات الفضيحة
  أُكرانيا و مصر و نفاق الغرب
  رئيسٌ آخر و حكومة جديدة.... قراءة في ما بعد الحدث
  بيان بخصوص رفض الأطبّاء العمل في المناطق الدّاخليّة
  بيان بخصوص إضراب القضاة
  سلطتنا التّنفيذيّة وعلامات الاستفهام
  سلطتنا القضائيّة و علامات الاستفهام

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
ماهر عدنان قنديل، محمد العيادي، ضحى عبد الرحمن، رافد العزاوي، أنس الشابي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أبو سمية، عمار غيلوفي، محمد الطرابلسي، صلاح الحريري، د. خالد الطراولي ، د - محمد بنيعيش، جاسم الرصيف، أحمد الحباسي، خالد الجاف ، صلاح المختار، عبد الغني مزوز، فوزي مسعود ، كريم السليتي، رشيد السيد أحمد، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، عبد الله زيدان، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - محمد بن موسى الشريف ، سلام الشماع، محمد شمام ، فتحي الزغل، حسن عثمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. عادل محمد عايش الأسطل، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد أحمد عزوز، د - المنجي الكعبي، منجي باكير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سيد السباعي، عبد الله الفقير، الهيثم زعفان، تونسي، محمد اسعد بيوض التميمي، د- جابر قميحة، سفيان عبد الكافي، إيمى الأشقر، علي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، سلوى المغربي، كريم فارق، صباح الموسوي ، الناصر الرقيق، مراد قميزة، د. صلاح عودة الله ، عزيز العرباوي، رمضان حينوني، أشرف إبراهيم حجاج، د. عبد الآله المالكي، فتحـي قاره بيبـان، صفاء العراقي، صفاء العربي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. أحمد محمد سليمان، د - شاكر الحوكي ، سامح لطف الله، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد عمر غرس الله، فهمي شراب، حميدة الطيلوش، عراق المطيري، د.محمد فتحي عبد العال، رضا الدبّابي، العادل السمعلي، المولدي الفرجاني، د - الضاوي خوالدية، محمود فاروق سيد شعبان، وائل بنجدو، د- محمود علي عريقات، أحمد النعيمي، يحيي البوليني، د - مصطفى فهمي، مجدى داود، د- محمد رحال، سامر أبو رمان ، فتحي العابد، عمر غازي، مصطفي زهران، أحمد ملحم، عبد الرزاق قيراط ، طلال قسومي، عواطف منصور، د. ضرغام عبد الله الدباغ، الهادي المثلوثي، أحمد بوادي، إياد محمود حسين ، صالح النعامي ، مصطفى منيغ، نادية سعد، د- هاني ابوالفتوح، محمد الياسين، حاتم الصولي، رافع القارصي، محمود سلطان، محمد يحي، يزيد بن الحسين، إسراء أبو رمان، د - صالح المازقي، محرر "بوابتي"، سعود السبعاني، د. أحمد بشير، أ.د. مصطفى رجب، ياسين أحمد، محمود طرشوبي، علي الكاش، حسن الطرابلسي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة