البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

من هو محمد صلى الله عليه و سلم

كاتب المقال محمد الطرابلسي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6752


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


بسم الله الرحمان الرحيم القائل:« هو الذي أرسل رسوله بالهدى و دين الحق ليظهره على الدين كله و لو كره المشركون » (سورة الصف الآية 9).
و الصلاة و السلام على البشير النذير و السراج المنير محمد و على آله و صحبه أجمعين و من أهتدى بهديه :
و نظرا لتعرض سيرته النبوية للتشويه من قبل الغرب و نشر صور مسيئة لنبي الرحمة في بعض وسائل الإعلام الأجنبية و جهل العديد لسيرته رأينا من الضروري إعادة تعريف أبناء الأمة بنبيها حتى تكون هذه المساهمة نبراسا مضيئا لثقافتنا الإسلامية و لكي نتجند جميعا لنصرة محمد عليه الصلاة و السلام.
و لكي نرسخ في شباب أمتنا الإسلامية أن هذا النبي هو قدوتنا إذ أن في سيرته نجد الإنسان الذي سعدت به الدنيا و كان و لازال و إلى الأبد رحمة للعالمين.
و أنصح الجميع بالتعرف على نبينا محمد صلى الله عليه و سلم و الابتعاد عن الانفعال و التوتر فنصرته صلى الله عليه وسلم تكون بالسير على منهجه و التعرف على سيرته العطرة و التخلق بأخلاقه العظيمة، فنحن اليوم نحتاج إلى التسامح و العفو لا الفتنة و التخريب لان رسولنا صلى الله عليه وسلم ينصحنا بذلك قائلا : « من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليكرم ضيفه، و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليصل رحمه، و من كان يؤمن بالله و اليوم الآخر فليقل خيرا أو ليصمت ». فتعرف أخي المؤمن على نبيك الأكرم فإن في التعرف عليه نصرة له... و لا تتفوه إلا بالكلم الطيب فالكلم الحسن الطيب هو الذي يصعد إلى الله تعالى قال عز من قائل : {مَن كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ وَالَّذِينَ يَمْكُرُونَ السَّيِّئَاتِ لَهُمْ عَذَابٌ شَدِيدٌ وَمَكْرُ أُوْلَئِكَ هُوَ يَبُورُ }. سورة فاطر : 10.
كيف كان يعيش العرب قبل الإسلام:

كان العرب قبل الإسلام في حالة بؤس و شقاء و جاهلية عمياء، أغلبهم يعيش متنقلا مع ماشيته طلبا للثأر أو للإغارة لإفتكاك قوتهم بالقوة يعبدون الأصنام و يدفنون البنات أحياءا، فالذي يبشر منهم بأنثى تجد وجهه مسود وهو كظيم، كما يحتقر القوي منهم الضعيف.

و من قبائل العرب قبل الإسلام من كانوا يهودا مثل حمير و كثير و كندة و بنو كنانة... و من القبائل من كان نصرانيا وهم قبائل ربيعة و غسان و بعض قضاعة. و منهم من مال إلى الماجوسية مثل بنو تميم و منهم من كان على دين إبراهيم و منهم من كان على دين شعيب.
و كان في ذلك الزمن الفرس و الروم يسيطرون على السواد الأعظم من المشرق : الفرس قوم يوجدون في بلاد إيران حاليا و جزءا من العراق، كانوا يعبدون النار و ينكحون محارمهم و الروم غارقون في الشهوات و الجدل الديني الممل و الرهبنة التي تجعل من طول الشعر و الأظافر و ترك الغسل و أعتزال النساء تقرب من الآلهة.

قبيلة النبي صلى الله عليه و سلم:


قبيلة النبي صلى الله عليه و سلم « قريش » لا تنافسها قبيلة أخرى عربية في السيادة و الشرف، فقريش هي خلاصة أبناء إسماعيل، وهم سكان مكة المكرمة. و الكعبة المشرفة التي يعظمها العرب قاطبة سبب من أسباب إحترام العرب لهم. و وقوع مكة المكرمة في طريق القوافل بين الشام و اليمن هيأ لهم سبل العيش في التجارة. و قد كان هاشم جد النبي صلى الله عليه و سلم يقرر رحلة الشتاء إلى اليمن و رحلة الصيف إلى الشام. و برعت بذلك قريش في التجارة و نالت من الثروة ما عزز مكانتها.

نسبه الشريف من قبل أبيه و أمه :


1. هو محمد بن عبد الله بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي بن كلاب بن مرة بن كلب بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة بن خزيمة بن مدركة بن إلياس بن مضر بن نزار بن معد بن عدنان. و ينتهي النسب إلى إسماعيل بن إبراهيم عليه السلام خليل الرحمان.
2. هو محمد بن آمنة بنت وهب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب. و عنده يجتمع نسب أمه و أبيه. فرسول الله صلى الله عليه و سلم أشرف العرب حسبا و أفضلهم نسبا من قبل أبيه و أمه.

حمله المبارك صلى الله عليه و سلم و مولده الميمون:


لما حملت به أمه قالت : « فما وجدت له مشقة حتى وضعته »، ثم خرج أبوه عبد الله و أمه حامل به في تجارة إلى الشام فلما عاد نزل على أخواله بني النجار بالمدينة فمرض هناك و توفي ورسول الله صلى الله عليه و سلم في بطن أمه، و كانت أمه في شهرها السابع، و كان عبد الله فقيرا لم يخلف سوى خمسة من الإبل و قطيع غنم و جارية إسمها بركة و تكنى أم أيمن وهي التي حضنت النبي صلى الله عليه و سلم.

مولد النبي صلى الله عليه وسلم :


ولد المصطفى صلى الله عليه و سلم بمكة يوم الإثنين عند الفجر في الثاني عشر من شهر ربيع الأول وفي رواية أخرى في السابع عشر من نفس الشهر. و لد في عام الفيل بعد خمسة و خمسين عام من هلاك أصحاب الفيل : هو العام الذي زحف فيه أبرهة الحبشي من اليمن بجيش جرار و فيل ضخم يريد هدم الكعبة، و صرف الناس إلى كنيسة بناها بصنعاء و بالغ في تزيينها فتسلل أعرابي فتغوط فيها فغضب أبرهة، و لما قرب من مكة أخذ جيشه مائتي بعير لعبد المطلب فجاء إلى أبرهة فأجله و أكرمه و سأل عن حاجته، فطلب إطلاق إبله، فقال لقد نقصت في عيني إذ تتحدث عن إبلك لا عن الكعبة، و مجدك و مجد أبائك أتيت لخرابه. فقال عبد المطلب قولته المشهورة « أنا رب إبلي، و للبيت رب يحميه ». و ما إن أتم عبد المطلب قوله هذا حتى زحفت أفواج من الطيور الصغيرة من جهة البحر يحمل كل طير حجرا بمنقاره و حجرين في مخالبه فحصبتهم حتى أفنتهم، و كان هذا إرهاص لقدوم النبي صلى الله عليه و سلم.

و يكاد يجمع علماء الأمة على أن الإحتفال بالمولد الشريف بدعة حسنة تجلب البركة، و كل بدعة موافقة لقواعد الشريعة تجلب البركة و تدفع المضرة. إن الإحتفال بالمولد النبوي الشريف بدعة حسنة كما ذكرنا، تذكرنا بتاريخ الأمة المشرق أما الإحتفال بعيد المسيح من قبل المسلمين بدعة سيئة تقود الأمة إلى الظلال و إلى التغريب و ذلك بتقليد الغرب تقليدا أعمى في ممارساتهم و أخلاقهم التي لا تمت للإسلام بصلة.

يقول حافظ بن حجر : « إن الإحتفال بالمولد بدعة حسنة لها أصل من السنة »، ذلك أن اليهود في المدينة كانوا يصومون عاشوراء شكرا لله على إغراق فرعون و نجاة موسى، فقال صلى الله عليه و سلم :« أنا أحق بموسى منكم »، فصامه و أمر بصيامه.

إرهاصات ميلاد النبي صلى الله عليه و سلم:


من إرهاصات مولد النبي صلى الله عليه و سلم أن يهوديا صرخ قائلا: طلع نجم أحمد. و منها نزوله عند ولادته ساجدا، رافعا رأسه إلى السماء، كما ذكرت بعض المصادر بأن عند ولادته صلى الله عليه و سلم خرج نور أضاء قصور بصرى بالشام و في رواية أخرى أضاء ما بين المشرق و المغرب. و أن أمه لم تجد لحمله ألما و لا ثقلا. و كانت عادة الجاهلية إذا ولد لهم مولود بالليل وضعوه تحت برمة لا ينظرون إليه حتى الصبح فوضعوها على رسول الله صلى الله عليه و سلم فأنفلقت.
و من إرهاصات مولده أيضا أنه ولد مختونا مقطوع السرة، و أنه تكلم في المهد و كانت الملائكة تحرك مهده.
مرضعات النبي صلى الله عليه وسلم :
1. أرضعته أمه آمنة سبعة أشهر.
2. أرضعته ثوبية مولاة أبي لهب أربعة أشهر.
3. أرضعته حليمة بنت أبي ذؤيب السعدية وهي أشهر مرضعاته و شاركتها في حضانته ابنتها الشيماء.

كفالة جده ثم عمه أبي طالب:


بعد أن قضى صلى الله عليه وسلم ثلاث سنوات في بني سعد عاد إلى أمه مكتمل الصحة، في كفالة جده عبد المطلب، حيث نشأت بينهما علاقة حميمية ألغت المراسم المتبعة مع سيد مكة إذ كان لا يتجرأ على الجلوس في مجلس عبد المطلب عند الكعبة غيره، و حين يحاول أعمامه إزاحته يقول : دعوا إبني، فوالله أن له شأنا.

ثم عهد عبد المطلب قبل موته بحفيده إلى ولده أبي طالب أجل أبنائه قدرا، و أعظمهم نبلا و مكانة في قريش. و قيل، أن عبد المطلب جمع أولاده و قال لحفيده صلى الله عليه وسلم : من ترضى لكفالتك ؟ فهؤلاء عمومتك و عماتك، فجعل ينظر في وجوههم حتى أتى أبا طالب فجلس في حجره، فقال: هذا يا جدي، فقال عبد المطلب : سبحان الله ! ما أردت غيرك يا عبد مناف. و وردت هذه الرواية في كتاب السيرة النبوية لأبن هشام في الجزء الأول بالصفحة 179.

وفاة أمه آمنة :


توفيت آمنة أم الرسول صلى الله عليه وسلم، وهو في سن السادسة من عمره، على اثر عودتها من زيارة قبر زوجها بالمدينة. و بعد وفاة أمه صلى الله عليه و سلم ازدادت حفاوة جده به و ظل معه سنتين ثم ودعه إلى قبره بكل لوعة و حزن. و كان عمر جده ثمانون عام.

أخلاق الرسول صلى الله عليه وسلم و عصمته في طفولته من أمر الجاهلية:


كان صلى الله عليه وسلم محفوظا بعناية الله عز وجل، فما تعرى مع الصبية، و لا شرب خمرا مع الشباب، و لا تعاطى اللهو مع اللاهين، و لا عرف طريق البغايا، و لا سجد لصنم.
و لم يكن صلى الله عليه وسلم في معزل عن حياة الناس، و أبرز ما نقل عنه في كتب السيرة النبوية، أقصه عليكم ليكن عبرة للناس في القرن الواحد و العشرين، و ما أحوجنا اليوم لمثل هذه العبر، كما نريد لذلك أن يكون أسوة حسنة لشباب عصرنا خاصة و كافة الناس أجمعين بأختلاف فئاتهم العمرية و بأختلاف جنسهم و لونهم.

كان الرسول صلى الله عليه وسلم راعي غنم و يقول صلوات الله عليه و سلامه:« ما بعث الله نبيا إلا رعى الغنم»، فقال أصحابه و أنت؟ قال:« نعم كنت أرعاها على قراريط لأهل مكة». و في رواية :« بعث موسى وهو راعي غنم، و بعث داوود وهو راعي غنم، و بعثت أنا أرعى الغنم بأجياد».

و العبرة من ذلك إخواني، إن الله سبحانه و تعالى لو شاء أن يولد الرسل بين خرق الحرير و ملاعق الذهب و داخل القصور لفعل، و لكنه أراد منهم أن يكونوا قدوة البشر في ميدان العمل و النشاط و الإرتزاق من كسب أيديهم، فخير ما أكل المرء من كسب يده. وقد وردت أحاديث تجعل العمل عبادة تمسح الذنوب فقد قال ابن عباس : سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم يقول « من أمسى كالا من عمل يده، أمسى مغفورا له ». و عن أبي هريرة أن الرسول صلى الله عليه و سلم قال: « إن من الذنوب ذنوبا لا يكفرها الصلاة و لا الصيام و لا الحج و لا العمرة، قالوا : فما يكفرها يا رسول الله ؟ قال : الهموم في طلب المعيشة».

و من أخلاق النبي صلى الله عليه و سلم، التواضع و التعامل مع الواقع، فلا مجال اليوم للتعالي على بعضنا البعض على أساس علم إكتسبناه أو مالا كثيرا جمعناه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول لنا بصريح العبارة :« لا يدخل الجنة من في قلبه ذرة من كبر».
و الحكمة أيضا من رعي الأنبياء للغنم قبل النبوة أن يحصل لديهم الحلم و الشفقة لأنهم إذا صبروا على رعييها، و دفع عدوها عنها، و علموا إختلاف طباعها، ألفوا من ذلك الصبر على الأمة بإختلاف طباعها و رفقوا بضعيفها.

و كان الرسول صلى الله عليه وسلم يحب الصلح و إصلاح ذات البين، و كان ميالا إلى العفو عند المقدرة، و كان ينصر المظلوم و يرد الظالم عن ظلمه و يقول في ذلك صلى الله عليه وسلم :« أنصر أخاك ظالما أو مظلوما »، قالوا : هذا المظلوم، فما بال الظالم؟ قال : « ترده عن ظلمه ». مع العلم وأن هذا الحديث ورد في صحيح البخاري.

زواج الرسول صلى الله عليه و سلم:


تزوج الرسول صلى الله عليه و سلم من خديجة أفضل نساء قريش و أنجبت له كل أولاده : القاسم و كان النبي صلى الله عليه وسلم يكنى به، ثم زينب، ثم أم كلثوم، ثم فاطمة الزهراء عليها السلام، ثم عبد الله الملقب بالطيب و الطاهر.

و لقد أسس الرسول صلى الله عليه و سلم مع أم المؤمنين خديجة رضي الله عنها أسرة مثالية. و كانت هذه الأسرة مثالا للبناء الإجتماعي المتوازن بالرغم من أن أم المؤمنين رضي الله عنها كانت كبيرة في السن، غنية، تزوجت برجلين قبله، وهو أصغر منها بخمسة عشر سنة وهو فقير الحال.

إن خديجة رضي الله عنها كسرت الحواجز الإجتماعية السائدة في ذلك الوقت و ألتقت مع النبي صلى الله عليه و سلم في المبادئ، فهي أمرأة عاقلة، ذكية، شريفة، جميلة، عفيفة، كاملة الأوصاف.
و استطاعت أم المؤمنين رضي الله عنها أن تملأ قلب الفتى النبيل الذي يصغرها بخمسة عشرة سنة، لأنها طراز نادر من النساء، فلا تقع عين زوجها منها إلا على كل ماهو جميل و لا تسمع أذناه إلا كل كلام حسن، عاملته معاملة الحبيب المدلل، و الملك المهيب، و منحته مالها و نفسها دون منة و لا إذلال. لقد كانت الزوجة الوفية لمبادئها و الأم الحنون فمنحته العطف و الشفقة و عوضته وحشة اليتم و قسوة الحياة. و حفظت خديجة رضي الله عنها حقوق زوجها كزوج، و حرمته كنبي، فأعطته كل شيء و كانت أول من آمن به، فحفظ الله لها مكانتها و أرسل جبريل يقرؤها السلام و يبشرها ببيت في الجنة. و قد أثار إهتمام الرسول صلى الله عليه و سلم بالسيدة خديجة رضي الله عنها غيرة عائشة أول زوجاته، فقالت : « إن هي إلا عجوز أبدلك الله خير منها، فقال : ما أبدلت خير منها، أعطتني حين منعني الناس، و رزقني الله منها ولد. صلى الله عليك يا خير الأزواج، و أكرم من حصن النساء، و أوفى من عرفته الدنيا ».

بناء الكعبة :


كان النبي صلى الله عليه و سلم مع عمه العباس ينقلان الحجارة، فأشار عليه أن يضع إزاره على عاتقه وقاية من الحجارة، فلما حاول حله خر إلى الأرض و أرتفعت عيناه إلى السماء، ثم أفاق فقال : إزاري إزاري، فشد عليه إزاره. ولما وصل البناء إلى مكان الحجر الأسود، تنازعوا أيهم يضعه، و تفاقم الخلاف حتى كادوا يقتتلون، فأقترح أحدهم أن يحكموا أول داخل من باب الصفا، فكان محمد عليه الصلاة و السلام، فقالوا جميعا : الأمين رضينا بحكمه. فدعي صلى الله عليه و سلم بثوب فوضع الحجر عليه و أمر زعماء القبائل أن يأخذوا بأطراف الثوب، و رفعوه فوضعه بيده الشريفة في مكانه.

خلوة النبي صلى الله عليه وسلم في غار حراء:


عندما أقترب عمره صلى الله عليه وسلم من الأربعين، كان محبا للخلوة،نافرا من الأصنام، متأملا في المخلوقات التي تدعو العقلاء إلى الإعتراف بالخالق. و سمع قس بن ساعدة على ناقته بعكاض يقول : «أيها الناس، اسمعوا و عوا ، و إذا وعيتم فأنتفعوا، من عاش مات، و من مات فات، و كل ماهو آت آت. إن في السماء لخبرا، و إن في الأرض لعبرا : ليل داج، و سماء ذات أبراج، و أرض ذات فجاج، و بحار ذات أمواج. البعرة تدل على البعير و الأثر على المسير، أفلا يدل ذلك على اللطيف الخبير...». و يفسر الباحث العراقي مرتضى بن زيد المتخصص في دراسة السيرة النبوية بأن قس بن ساعدة قد قسم قسما حقا بأن لله دينا هو أحب إليه من الدين السائد في ذلك الزمن و نبيا خاتما حان حينه... فطوبى لمن آمن به فهداه، و ويل لمن خالفه و عصاه، قال النبي صلى الله عليه وسلم : لو ألتفت لرآني.

و عند خلوته في غار جراء وفرت السيدة خديجة رضي الله عنها لزوجها الراحة و الهدوء، و كفته مئونة البيت و زودته في الغار بما يحتاج إليه. فكان يتعبد الليالي ثم يعود لأهله و يتزود لمثلها حتى أتاه اليقين، و أذن الله لنور الهداية أن يظهر.

بداية نزول الوحي:


حين بلغ الرسول صلى الله عليه وسلم من العمر أربعين سنة، جاءه الوحي وهو في غار حراء، في ليلة من ليالي شهر رمضان. جاءه جبريل عليه السلام على صورة رجل، فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقاريء، فأخذه جبريل عليه السلام فضمه إلى صدره ضماَ شديداَ حتى خاف الرسول صلى الله عليه وسلم على نفسه، ثم أرسله جبريل فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فضمه ثانية ثم أرسله فقال له: اقرأ، قال: ما أنا بقارئ، فضمه ثالثة ثم أرسله فقال له: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علّم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم } [العلق: 1-5].

ثم توقف الوحي، ووقف محمد صلى الله عليه وسلم برهة يتأمل فيما جرى له، ثم انطلق عائداً، وهو خائف مرتجف، فلما دخل بيته أخبر زوجته خديجة بما حصل له. وقال لها: والله لقد خفت على نفسي، قالت له:"كلا والله لا يخزيك الله أبداً، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق".

ثم ذهبت خديجة بعد ذلك مع الرسول صلى الله عليه وسلم إلى ابن عمها (ورقة بن نوفل) وكان شيخاً كبير السن، قرأ الكتب السابقة فقالت له خديجة: يا ابن عم؛ اسمع من ابن أخيك. فأخبره محمد صلى الله عليه وسلم بما جرى له، فقال له ورقة: هذا هو الناموس الذي كان ينْزل على موسى عليه السلام، وإني لأرجو أن تكون نبي هذه الأمة. ثم قال له:«ليتني أكون شاباً حين يخرجك قومك من أرضك» فتعجب النبي من ذلك، وقال لورقه: «أو مخرجي هم؟ قال ورقة: لم يأت أحد قومَه بمثل ما أتيت به إلا أخرجوه وعادوه، وإن يُدرِكْني يومُك أنصُرْك نصراً مؤزراً».
رجع النبي صلى الله عليه وسلم وقد أدرك أنه أصبح نبياً، وأن هذا الذي نزل عليه هو من الوحي، وكان في حاجة إلى بعض الوقت للراحة والتأمل فيما حدث له، وفي كلام ورقة بن نوفل له. وتحقق ذلك بتوقف نزول جبريل عليه السلام عليه، مدة من الوقت مما جعله يتشوق إلى رؤيته واللقاء به، ولما طالت مدة إنقطاع الوحي، حزن صلى الله عليه وسلم حزناً شديداً.

روى ابن سعد عن ابن عباس أنه قال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما نزل عليه الوحي بحراء مكث أياماً لا يرى جبريل عليه السلام، فحزن حزناً شديداً، حتى كان يغدو إلى ثبير مرة وإلى حراء مرة، فقصد رسول الله صلى الله عليه وسلم كذلك عامداً لبعض تلك الجبال إذ سمع صوتاً من السماء، فوقف صعقاً للصوت، ثم رفع رأسه، فإذا جبريل عليه السلام يقول: يا محمد أنت رسول الله حقاً، وأنا جبريل. فأنصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أقرّ الله عينه، وربط جأشه، ثم تتابع الوحي بعدُ وحمي. وعن جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال وهو يحدث عن فترة الوحي:« بينما أنا أمشي إذ سمعت صوتاً من السماء، فرفعت بصري فإذا الملك الذي جاءني بحراء جالس على كرسي بين السماء والأرض، فرعبت منه، فرجعت فقلت: زملوني، فدثّروه، فأنزل الله:{ يا أيها المدثر قم فأنذر وربك فكبر وثيابك فطهر والرجز فاهجر} [سورة المدثر) ثم تتابع الوحي.

هكذا بدأ نزول القرآن في ليلة القدر، وهي ليلة مباركةٌ من ليالي شهر رمضان العظيم، في غار حراء بمكة المكرمة، بوساطة أمين الوحي جبريل عليه الصلاة والسلام، على قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان أول ما نزل من القرآن قوله تعالى: {اقرأ باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، اقرأ وربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم} [سورة العلق 1-5]. ثم تتابع نزول القرآن الكريم في سائر الأيام والشهور، وظلت آياته تتنزل منذ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم حتى وفاته، وهي مدة تقدر بثلاث و عشرين سنة. وهكذا كان تقدير الله سبحانه أن يكرم المسلمين بنزول أفضل كتابٍ في أفضل الليالي، في أفضل الشهور، في أفضل البقاع، بوساطة أفضل الملائكة، على قلب أفضل البشر، ليكون أفضل تكريمٍ لخيرِ أُمةٍ أُخرجت للناس.

مراحل الدعوة للإسلام :


1ـ دعوة الأقربين:
استمر النبي صلى الله عليه وسلم يدعو إلى دينه سرّاً مدّة ثلاثة أعوام، إذ كان يدعو الأشخاص الأقربين خاصة من أولائك الذين لهم تأثير على الناس، وكانوا السبب في أن يدخل في الدين الجديد جماعة آخرون تقبّلوا دعوته واشتهروا من بين السابقين إلى الإيمان برسول اللّه وهم كل من:
ـ السيدة خديجة بنت خويلد، وعلي بن أبي طالب.
ـ زيد بن حارثة، والزبير بن العوام.
ـ عبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص.
ـ طلحة بن عبيد اللّه، وأبو عبيدة الجراح.
ـ أبو سلمة، والأرقم بن أبي الأرقم.
ـ عثمان بن مظعون، وقدامة بن مظعون.
ـ عبد اللّه بن مظعون، وعبيدة بن الحارث.
ـ سعيد بن زيد.
ـ أبو بكر بن أبي قحافة، وعثمان بن عفان.
وكان النبي (صلى الله عليه وسلم) يخرج مع بعض أتباعه إلى شعاب مكّة للصلاة فيها بعيداً عن أنظار قريش، إلاّ أنّ البعض منهم رأوهم يصلُّون، فحدث نزاعٌ قصيرٌ بين الطرفين، حين استنكروا فعلهم، وهو ما جعلَ النبي يقرر اتّخاذ بيت (الأرقم بن أبي الأرقم) مكاناً للعبادة، حيث آمن في هذا البيت عددٌ آخر من المشركين، كان أبرزهم : عمار بن ياسر، وصهيب بن سنان الرومي.

وقد ركّز الرسول (صلى الله عليه وسلم) جهده في الدعوة السريّة، دون عجلة أو تسرّع، يعرض فيها دينه على كلّ من وجده أهلاً لتقبل المبادئ الإسلامية، من الناحية الفكرية، ففي خلال ثلاثة أعوام اكتفى بالاتّصال الشخصيّ بمن وَجَدَه مؤَهلاً وصالحاً للدعوة ومستعداً لقبول الدين الجديد، ممّا ساعده في أن يكسب فريقاً من الأتباع الذين اهتدوا إلى دينه بقبول دعوته.

أمّا زعماء قريش فإنّهم لم يعتنوا بالدعوة الجديدة، كما لم يتعرضوا بأي عمل عدائي للرسول (صلى الله عليه وسلم) بل ظلوا ينظرون إليه بإحترام، مراعين قواعد الآداب والسلوك، في الوقت الذي لم يتعرض فيه النبي أيضاً لأصنامهم وآلهتهم بسوء، ولا تناولها بالنقد والإعراض بصورة علنية، وذلك أنّ زعماء قريش كانوا متأكدين من أنّ دعوته ستنتهي في العاجل بقولهم: إنّها أيّام وتنطفئ بعدها شعلة الدعوة هذه فوراً، كما انطفأت من قبل دعوة (ورقة وأُميّة) اللّذين دعيا إلى نبذ الوثنية واعتناق المسيحية، ثم ّنسي الأمر.

وقد جمع النبي (صلى الله عليه وسلم) في السنوات الثلاث الأولى، أربعين شخصاً، لم يكن فيهم كفاية لاَن يصبحوا قوة دفاعية لحماية النبي (صلى الله عليه وسلم) ورسالته، ممّا جعله يسعى إلى دعوة أقربائه، فكسر بذلك جدار الصمت، بالشروع في دعوة الأقربين ثمّ الناس أجمعين، فالنبي كان يؤمن ويعتقد أنّ أي إصلاح وتغيير لابدّ أن يبدأ من إصلاح الداخل وتغييره، ومن هنا أمره اللّه تعالى بأن يدعو عشيرته الأقربين، الذين تمنّى أن يكوّنَ منهم سياجاً قوياً يحفظه ويحفظ رسالته من الأخطار المحتَملة: «وَأَنْذِرْ عَشِيرَتَكَ الأقربين»(الشعراء214 )، كما خاطبه الله وهو بصدد دعوة الناس عامة: «فأصدع بِما تُؤْمَرُ وَأَعْرِضْ عَنِ الْمُشْرِكينَ* إِنّا كَفَيْناكَ المُسْتَهْزئِين»الحجر:94ـ95.

وقد اتّخذ النبي (صلى الله عليه وسلم) أُسلوباً مميزاً في دعوة أقربائه، إذ أنّه أعدّ لهم مائدةً كبرى، لـ45 فرداً من سراة بني هاشم ووجهائهم، ليكشف لهم أمر رسالته خلال تلك الضيافة، إلاّ أنّ الجو لم يناسب الحدث، فانفضّ المجلس دون تحقيق الغرض، ممّا اضطرّه إلى إعادتها في اليوم التالي. فقام النبي بعد تناول الطعام، خطيباً فيهم وقال: (إنّ الرائد لا يكذب أهله، واللّه الذي لا إله إلاّ هو، إنّي رسول اللّه إليكم خاصةً وإلى الناس عامةً، واللّه لتموتنّ كما تنامون، ولتبعَثُنّ كما تستيقظون، ولتحاسبنّ بما تعملون، وإنّها الجنة أبداً والنار أبداً. يا بني عبدالمطلب، إنّي واللّه ما أعلم شاباً في العرب جاء قومه بأفضل ممّا جئتكم به، إنّي قد جئتكم بخير الدنيا والآخرة، وقد أمرني اللّه عزّوجلّ أن أدعوكم إليه، فأيّكم يؤَمن بي ويؤَازرني على هذا الأمر على أن يكون أخي ووصيّي وخليفتي فيكم؟) فقام علي رضي الله عنه وهو في الثالثة عشرة أو الخامسة عشرة من عمره قائلاً: (أنا يا رسول اللّه أكونُ وزيرُك على ما بعثك اللّه). وبعدما تكرّر هذا الموقف ثلاث مرّات، أخذ النبي (صلى الله عليه و سلم) بيد عليّ وإلتفت إلى القوم قائلاً: (إنّ هذا أخي ووصيّي وخليفتي فيكم، فأسمعوا له وأطيعوا)، فضحك الجميع مستهزئين، وقالوا لأبي طالب: قد أمرك أن تسمع لإبنك وتطيعه وجعله عليك أميراً.

2ـ دعوة عامة الناس :
بعد تلك السنوات الثلاث، عمد الرسول (صلى الله عليه وسلم) إلى إعلان الدعوة جهراً، حين وقف ذات يوم على صخرة عند جبل الصفا منادياً بصوت عالٍ: (أرأيتكم إن أخبرتكم إنّ العدو مصبحكم أو ممسيكم أكنتم تصدّقونني؟) قالوا: بلى، قال: (فإنّي نذير لكم بين يدي عذاب شديد). فرد عليه أحدهم: تبّاً لك ألهذا دعوتنا؟ فتفرّق الناس على أثر ذلك. إلاّ أنّه بعد فترة من الدعوة العامة، تشكلت جماعة قوية متعاطفة متحابّة، من السابقين واللاحقين،، كانت بمثابة إنذار لعناصر الكفر والشرك والوثنية، وهم المخالفون، وقد تألّفت تلك الجماعة من قبائل مختلفة منعوا الكفّار من التعرض لهم، إذ لم يكن اتّخاذ أي قرار حاسم بحقّهم، أمراً سهلاً ومريحاً. ولذا قرر سادة قريش مواجهة قائد تلك الجماعة ومحركهم، بوسائل الترغيب والترهيب، بالإغراء، والإيذاء والتهديد، واستمرت برامج قريش وموقفها من الدعوة بهذه الأساليب طيلة عشر سنوات هي عمر دعوة عامة الناس في مكة، حتى اتّخذوا قرارهم النهائي بالتخلّص منه بقتله، في الوقت الذي تمكن (صلى الله عليه وسلم) من إبطال مؤَامرتهم وإفشالها بالهجرة إلى المدينة.

وقد بدؤوا التحرك في مطالبة كفيله أبي طالب بأن يبعد النبي (صلى الله عليه وسلم) عنهم قائلين له: يا أبا طالب إنّ ابن أخيك قد سبّ آلهتنا، وعاب ديننا، وسفَّه أحلامنا، وضلّل آباءنا، فإمّا أن تكفّه عنّا، وإمّا أن تُخلّي بيننا و بينه. إلاّ أنّ أبا طالب رَدّهم بقول ٍجميلٍ حكيمٍ. ولكن الدين الجديد انتشر بقوّة بين العرب، والقادمين إلى مكّة خلال الأشهر الحرم، فأدرك طغاة قريش أنّ محمّداً بدأ يفتح له مكاناً في قلوب جميع القبائل، فكثّر أنصاره منها، الأمر الذي دفعهم إلى مقابلة أبي طالب مرةً أُخرى، ليذكّروه إشارة وتصريحاً، بالأخطار التي أحدقت بهم وبعقائدهم نتيجة إنتشار الإسلام : إنّا واللّه لا نصبرُ على هذا من شتم آبائنا وعَيب آلهتنا حتى تكفّه عنّا أو ننازله وإيّاك في ذلك، حتى يهلك أحد الفريقين. فسكّن غضبهم وأطفأ ثائرتهم وهدّأ خواطرهم، ليتم معالجة هذه المشكلة بطريقةٍ أفضل.

فأتى النبي (صلى الله عليه وسلم) وأخبره بأمرهم، فردّ عليه بالجواب التاريخي الخالد، (صلى الله عليه وسلم) : « يا عمّ، واللّه لو وضعوا الشمس في يميني والقمرَ في يساري على أن أترك هذا الأمر حتى يظهِرَه اللّه، أو أهلك فيه، ماتركته». وأثرت في عمّه تلك الكلمات العظيمة، فأظهر إستعداده الكامل للوقوف إلى جانبه قائلاً: أذهب يا ابن أخي فقل ما أحببتَ، فواللّه لا أُسْلِمَكَ لشيءٍ أَبداً.

وحاولت قريشٌ مساومة أبي طالب مرةً أُخرى، للتخلّص من النبي ودعوته، إلاّ أنّه رفض أي نوع من المساومة في هذه القضية، محافظاً على محمد صلى الله عليه و سلم ودينه.

فسلكوا طريقاً آخر، ووسيلة أجدى لإثناء النبي (صلى الله عليه وسلم) عن المضي في دعوته، وهي تطميعه بالمناصب والهدايا والأموال والفَتَيات الجميلات: (فإن كنتَ إنّما جئتَ بهذا الحديث تطلبُ به مالاً جمعنا لك من أموالنا حتى تكون أكثر مالاً، وإن كنتَ إنّما تطلب الشرفَ فينا فنحن نسوِّدُكَ ونشرِّفك علينا، وإن كان هذا الذي يأتيك تابعاً من الجنّ قد غلب عليك، بذلنا أموالنا في طلبك.
إلاّ أنّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) قال لعمّه: « يا عمّ أريدهم على كلمةٍ واحدة يقولُونها، تدين لهم العرب، وتوَدّي إليهم بها العجم الجزية ». قالوا: ما هي؟
قال: « لا إله إلاّ اللّه». فقاموا فزعين قائلين: « أتجعل الآلهة إلهاً واحداً إِنْ هذا لشيء عجابٌ».

معجزة الرسول صلى الله عليه و سلم: القرآن الكريم:


إذا كانت معظم المعجزات التي جاء بها الرسل قبل مجيء الرسول صلى الله عليه و سلم حسية أي تنتهي كل منها بإنتهاء أداء فعلها، فقد كرم الله سيدنا محمد عليه الصلاة و السلام بمعجزة عقلية خالدة تتمثل في القرآن الكريم و يستمر عملها إلى يوم الدين.و تولى الله تعالى حفظ آيات القرآن الكريم من التبديل و التغيير و ذلك في قوله تعالى « إنا نحن نزلنا الذكر و إنا له لحافظون» ( الحجر الآية 9 )، و قد فضل الله القرآن على غيره من الكتب السماوية السابقة له و التي تعرضت للتحريف وقال تعالى :« و أنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب و مهيمنا عليه، فأحكم بينهم بما أنزل الله و لا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة و منهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة و لكن ليبلوكم في ما آتاكم فأستبقوا الخيرات، إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون» ( المائدة، الآية 48 ). و معجزة الرسول الأمي صلى الله عليه وسلم القرآن، فهي أجل المعجزات شأنا، هي معجزة القرآن الكريم الذي أنزله الله تبارك و تعالى على الناس ليكون هدى و رحمة و بشرى للمسلمين.
و من مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم دلالته على قدرة الخالق عز وجل في القدرة على خلق كل شيء. و تأتي آيات القرآن الكريم بقصص الناس السابقين كما أحتوت آياته على أخبار الغيب الذي لا يدركه البشر و يقول تبارك وتعالى:« و يوم نبعث في كل أمة شهيدا عليهم من أنفسهم و جئنا بك شهيدا على هؤلاء و نزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء و هدى ورحمة و بشرى للمسلمين » ( النحل الآية 89 ).

و القرآن الكريم هو كلام الله الذي تحدى به الإنس و الجن و العالمين و العرب الذين نبغوا في اللغة و تفننوا في أساليبها حتى يكون التحدي نابغا وقويا. و يسمى هذا الكلام المعجز كتابا و فرقانا و ذكرا و قرآنا: سمي كتابا لأن الله كتب أحكامه و تكاليفه على عباده، وسمي فرقانا لأنه يفرق بين الحق و الباطل و سمي قرآنا لأنه مقروء و ذكرا لأن الله يذكر فيه عباده و يعرفهم الفرائض من خلاله.

و لا يجوز لنا أبدا المقارنة بين أساليب الكتابة البشرية و الأسلوب البلاغي الذي نزل به القرآن على الرسول محمد صلى الله عليه وسلم. و تتميز لغة القرآن و حسن بيانه بالعمق فكل حرف منه يحمل دلالة مقصودة و كل كلمة فيه تحمل بين طياتها معاني كثيرة قابلة للإجتهاد و التأويل. إن قوة القرآن كمعجزة لا تكمن في سرده لحقائق من التاريخ أو في وصفه عناصر الكون، بل في كونه مرجعا للمعاني الصادقة و المعلومات التاريخية و الجغرافية التي لا تقبل الشك،إنها حقائق ثابتة و خالدة. و يكمن إعجازه أيضا في كونه نزل على الرسول الأمي محمد عليه الصلاة و السلام بلغة يستطيع أبناء هذا العصر فهمها و التحقق منها، لغة تحرك نفوس الناس و تشدهم إلى دينهم الحنيف كما حركتها عند بدء نزوله.
و من الإعجاز العلمي في القرآن الكريم ما جاء من تشابه في شأن عدد مرات بعض الكلمات الخاصة فيه ذات العلاقات المترابطة و منها على سبيل المثال:
الكلمة عدد المرات الكلمة عدد المرات
الدنيا 115 الرجل 24
الآخرة 115 المرأة 24
الملائكة 88 الشهر 12
الشياطين 88 اليوم 365
الحياة 145 البحر 32
الموت 145 البر 13
و يتضح من خلال هذا الجدول إن مجموع كلمات البر و البحر في القرآن الكريم هو 45 مرة، و إذا قسمنا كل من عدد مرات كلمة بحر أو كلمة بر على المجموع معا مضروبا X 100نحصل على النتيجة التالية :
• النسبة المئوية لمساحة البحار في كوكب الأرض : 32/45 x 100 = 71.111%
• النسبة المئوية لمساحة اليابسة من مجموع كوكب الأرض: 13/45 x 100 = 28.999 %
إن ما ذكرناه يعتبر جانب يسير من مظاهر الإعجاز في القرآن الكريم الذي نزل على سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم النبي الأمي، و أعتقد أنه من الضروري الوقوف عند معجزة الرسول صلى الله عليه و سلم عند دراسة السيرة النبوية حتى يكون القرآن عبرة لمن يعتبر و سلاحا للدعوة و الإصلاح و دستورا عظيما لأمة الإسلام.

الهجرة إلى المدينة :


لما ضاقت مكة بأفضل أهلها وخيرهم عند الله، رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه، جعل الله للمسلمين فرجاً ومخرجاً، فأذن لهم بالهجرة إلى المدينة حيث النصرة، وقبول الحق... وقد أرخ لهجرة المصطفى صلى الله عليه وسلم. الزهري فقال : « مكث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد الحج بقية ذي الحجة , والمحرم وصفر ثم إن مشركي قريش اجتمعوا " - يعني على قتله - وقال الحاكم : " تواترت الأخبار أن خروجه كان يوم الإثنين ودخلوه المدينة كان يوم الإثنين.« وقد أذن الله تعالى لرسوله صلى الله عليه وسلم بالهجرة إلى المدينة، وكان يتردد على بيت أبي بكر كل يوم صباحاً ومساءا , لا يكاد يدع ذلك , فلما أذن له بالهجرة جاءهم ظهراً على غير عادته وهو متقنع، فأخبر أبا بكر بذلك. وإختياره وقت الظهر لأن الناس تأوي إلى بيوتها للقيلولة فراراً من الحر، وتقنّعه يفيد شعوره بالخطر من حوله، فقد أعتزمت قريش قتله , ولابد أنها ستعمد إلى رصد تحركه. قال تعالى : {وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين } (الأنفال 30(، مؤامرة لقتل الرسول صلى الله عليه وسلم وقد بينت رواية ضعيفة - بسبب الإرسال - قصة إجتماع المشركين على باب الرسول صلى الله عليه وسلم وذره التراب على رؤوسهم.

كما بيّن ابن عباس حصار المشركين لبيته ابتغاء قتله , ومبيت علي رضي الله عنه على فراشه ولحاقه بالنبي صلى الله عليه وسلم بالغار، ولما علم المشركون ذلك في الصباح اقتصوا أثره إلى الغار فرأوا على بابه نسيج العنكبوت فتركوه. ولكن هذه الرواية لا تصلح للإحتجاج بها وهي أجود ما روي في قصة نسيج العنكبوت على فم الغار، وقد ورد حديث ضعيف جداً يفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم لما بات في غار ثور أمر الله شجرة، فنبتت في وجه الغار , وأمر حمامتين وحشيتين، فوقعتا بفم الغار. وأن ذلك سبب رد المشركين عن الغار. ومثل هذه الأساطير تسربت إلى مصادر كثيرة في الحديث والسيرة. وعلى أية حال فإن ائتمار المشركين لقتله ثابت بنص الآية فلا يبعد أن يحاصروا بيت. في غار ثور، قالت عائشة رضي الله عنها : « فبينما نحن يوماً جلوس في بيت أبي بكر في نحر الظهيرة، قال قائل لأبي بكر : هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم متقناً في ساعة لم يكن يأتينا فيها. فقال أبو بكر: فداء له أبي وأمي، والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت : فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم فاستأذن فأذن له، فدخل. فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأبي بكر : أخرج من عندك. فقال أبو بكر: إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال : فإني قد أذن لي في الخروج. فقال أبو بكر : الصحابة بأبي أنت يارسول الله. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : نعم. قال أبو بكر : فخذ - بأبي أنت يا رسول الله - إحدى راحلتي هاتين. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : بالثمن. قالت عائشة: فجهزناهما أحث الجهاز، وضعنا لهم سفرة في جراب فقطعت أسماء بنت أبي بكر قطعة من نطاقها، فربطت به على فم الجراب. وبذلك سميت ذات النطاق. قالت : ثم لحق رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر بغار في جبل ثور , فكمنا فيه ثلاث ليال، يبيت عندهما عبد الله بن أبي بكر - وهو غلام شاب ثقف لقن - فيدلج من عندهما بسحر، فيصبح من قريش بمكة كبائت، فلا يسمع أمراً يكتادان به إلا وعاه حتى يأتيهما بخبر ذلك حين يختلط الظلام، ويرعى عليهما عامر بن فهيرة - مولى أبي بكر - منحة من غنم , فيريحها عليهما حتى تذهب ساعة من العشاء، فيبيتان في رسل - وهو لبن منحتهما وضيفهما - حتى ينعق بها عامر بن فهيرة بغلس، يفعل ذلك في كل ليلة من تلك الليالي الثلاث. واستأجر رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر رجلاً من بني الديل وهو من بني عدي بن عدي هاد ياً خرّيتاً قد غمس حلفاً في العاص بن وائل السهمي - وهو على دين الكفار - فدفعا إليه راحلتيهما، وواعداه غار ثور بعد ثلاث ليال براحلتيهما صبح ثلاث»، ) وثمة رواية حسنة تفيد أن الرسول صلى الله عليه وسلم انطلق إلى الغار من بيته حيث حاصره المشركون يريدون قتله، فلبس علي رضي الله عنه ثوبه ونام مكانه واخترق رسول الله صلى الله عليه وسلم حصار المشركين دون أن يروه، بعد أن أوصى علياً بأن يخبر أبا بكر أن يلحق به، فجاء أبو بكر وعليّ نائم , وأبو بكر يحسب أنه نبي الله صلى الله عليه وسلم، قال : فقال : يا نبي الله.. فقال له علي : إن نبي الله صلى الله عليه وسلم قد انطلق نحو بئر ميمون فأدركه. قال : فانطلق أبو بكر فدخل معه الغار. قال : وجعل علي يرمي بالحجارة، كما كان يرمي نبي الله صلى الله عليه وسلم وهو يتضور، قد لفّ رأسه في الثوب لا يخرجه، حتى أصبح. ثم كشف عن رأسه، فقالوا : إنك للئيم !. كان صاحبك نرميه فلا يتضوّر وأنت تتضوّر وقد استنكرنا ذلك. لقد كان غار ثور قد تحدد منطلقاً للهجرة، وضرب الموعد مع الدليل في ذلك المكان، وكان خروج المصطفى والصديق إلى الغار ليلاً..

لقد حمل أبو بكر رضي الله عنه ثروته ليضعها تحت تصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم , وقد ذكرت أسماء ابنته أنها خمسة آلاف أو ستة آلاف درهم. لقد مكث الاثنان في الغار ثلاث ليال وقد تمكن المشركون من اقتفاء أثرهم إلى الغار حيث رأى الصديق أقدامهم فقال :« يا نبي الله , لو أن بعضهم طأطأ بصره رآنا ». قال : « اسكت يا أبا بكر اثنان الله ثالثهما .«

وإلى هذا اليقين التام والتوكل الكامل تشير الآية { ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إن الله معنا } ( التوبة 40(. فأعلنت قريش عن مكافأة لمن يقتلهما أو يأسرهما وأرّخت رواية واهية خروج النبي صلى الله عليه وسلم من الغار في ليلة الاثنين لأربع ليال خلون من شهر ربيع الأول، وأدركتهما القيلولة ظهر يوم الثلاثاء بقديد. وهذا التحديد يثير الشك بصحة الرواية فضلاً عن ضعف الإسناد.لقد مضى الاثنان في الطريق إلى المدينة وهما يحسان برصد المشركين لهما. قال أبو بكر : « أخذ علينا بالرصد فخرجنا ليلاً.«
وخلاصة القول فإن الهجرة حدث عظيم، وفيه من الفوائد والعبر الكثير الكثير، مما لا يمكن استيفاؤه في مثل هذا المقال، ومن الله نستمد العون والهدي والتوفيق. و فيما يلي خريطة تبين المسلك الذي سلكه الرسول صلى الله عليه وسلم في هجرته إلى المدينة محاولا تجنب مسلك القوافل التجارية في ذلك الوقت :

غزوات الرسول صلى الله عليه وسلم :


أذن الله للمسلمين بالقتال والدفاع عن أنفسهم بعد أن تعرضوا للظلم والتعذيب والتشريد، واضطروا إلى ترك مكة وهاجروا إلى المدينة و في هذا الإطار يقول الله تعالى في سورة الحج في الآية 39 و 40 « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ، الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَن يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ، وقد قاد النبي – صلى الله عليه وسلم- بنفسه سبعًا وعشرين غزوة، قاتل في تسع منها، هي "بدر"، و"الخندق"، و"بنو قريظة"، و"بنو المصطلق"، و"خيبر"، و"فتح مكة"، و"حنين"، و"الطائف". وأناب – صلى الله عليه وسلم- بعض أصحابه في قيادة سبع وأربعين حملة عسكرية. وألتزم المسلمون بقيادة النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزواتهم بآداب الحرب، وكانت أوامر النبي – صلى الله عليه وسلم- واضحة وصريحة في إبعاد من لا مشاركة له في الحرب عن الحرب وأخطارها. فمنع قتل الأطفال والنساء والشيوخ لأن الإسلام جاء ليبنى الحياة ويعمرها، لا ليدمرها ويهدمها. وسنتعرض لأهم الغزوات التي خاضها النبي – صلى الله عليه وسلم- وهى:

1. غزوة بدر الكبرى :
وقعت هذه الغزوة في (17) من رمضان من السنة الثانية للهجرة عند بئر "بدر" الذي يقع بين "مكة" و"المدينة"، وسبب هذه الغزوة أن النبي – صلى الله عليه وسلم- علم أن "أبا سفيان بن حرب" زعيم "قريش" عائد من "الشام" إلى "مكة" على رأس قافلة تجارية، فقرر التعرض لها والاستيلاء عليها، تعويضًا للمسلمين عن أموالهم التي استولت عليها "قريش" في "مكة"، وهذا حق وعدل، ولم يكن للنبي – صلى الله عليه وسلم- أن يترك "قريشًا" حرة طليقة، تجوب الطرق، وتتاجر وتربح، وتدبر المكايد للمسلمين، وكان لابد من التضييق على "قريش" وتهديدها في تجارتها، التي هي رزقها ومصدر قوتها؛ لتراجع نفسها وتتخلى عن عدائها للمسلمين.
ولما علم "أبو سفيان" بأنباء تحرك المسلمين، أرسل إلى "قريش" يستنجد بها، فبعثت بجيش يضم خير شبابها وفرسانها، وعلى رأسهم "أبوجهل"، لكن القافلة التجارية نجحت في الهروب من قبضة المسلمين الذين وصلوا إلى بئر "بدر"، وعلى الرغم من نجاة القافلة فإن "أبا جهل" أصر على قتال المسلمين، ورفض الرجوع إلى "مكة"، وكان كثيرون من زعماء "مكة" يودون عدم القتال.وإزاء إصرار المشركين على القتال لم يجد النبي – صلى الله عليه وسلم – مفرًّا من دخول المعركة بعد أن استشار كبار صحابته الذين كانوا معه.

وكان عدد المسلمين فى هذه الغزوة (314) رجلاً من المهاجرين والأنصار، في حين كان جيش "قريش" يقترب من الألف، ويضم كبار رجالات "مكة" وأبطالها، وبدأت المعركة في صباح يوم السابع عشر من شهر رمضان بالمبارزة،حيث خرج ثلاثة من أبطال المشركين يطلبون المبارزة، فأمر النبي – صلى الله عليه وسلم- عمه "حمزة عبد المطلب"، وابني عمه "على بن أبى طالب"، و"عبيدة بن الحارث" بالخروج إليهم، فنجحوا في القضاء على فرسان المشركين وقتلهم.ثم انطلق المشركون بعدها في الهجوم الكاسح، لكن المسلمين تحملوا هذا الهجوم وتصدوا له بالإيمان والثبات في المعركة، ثم بادلوهم الهجوم، ونزل النبي – صلى الله عليه وسلم- ساحة القتال، وبعد قتال عنيف تصدع جيش المشركين، وقتل "أبو جهل" ومعه كثير من قادة "قريش"، وحلت الهزيمة بالمشركين، وأحرز المسلمون نصرًا عظيمًا وامتلأت أيديهم بالغنائم، وقد استشهد من المسلمين في هذه الغزوة (14) شهيدًا، في حين قتل من المشركين سبعون رجلاً.

.2 غزوة أحد :
وقعت أحداث هذه الغزوة في شهر شوال من العام الثالث للهجرة عند جبل "أحد" الواقع شمالي "المدينة"، وكانت "قريش" قد جندت ثلاثة آلاف من رجالها وحلفائها للانتقام من المسلمين، والثأر لهزيمتها الساحقة في "بدر"، وعندما وصلت أخبار هذا الإستعداد للنبي – صلى الله عليه وسلم - أعد جيشه لمواجهة هذا التحدي، وخرج من "المدينة"؛ نزولا عند رغبة الأغلبية من أصحابه الذين رأوا الخروج ومواجهة المشركين خارج "المدينة"، وكان النبي – صلى الله عليه وسلم- يميل إلى التحصن بالمدينة ومحاربة "قريش" حين يأتون إليها، لكنه التزم برأي الأغلبية وخرج بجيشه إلى ساحة "أحد"، وجعل ظهر جيشه إلى الجبل والأعداء أمامه، وأمر خمسين رجلاً ممن يحسنون الرمي بالنبل بالصعود إلى قمة عالية خلف ظهر جيش المسلمين، وأوصاهم بألا يتركوا مواقعهم، سواء انتصر المسلمون أو انهزموا.ودارت المعركة وحقق المسلمون النصر في البداية وظنوا أن المعركة قد انتهت فانشغلوا بجمع الغنائم التي خلفها المشركون المنهزمون، وفى الوقت نفسه خالف الرماة الذين فوق الجبل أمر النبي-صلى الله عليه و سلم- فتركوا مواقعهم ونزلوا؛ ليكون لهم نصيب في جمع الغنائم. ولما رأى المشركون ذلك تقدم "خالد بن الوليد"– قبل إسلامه- وجاء من الخلف، وانقض على المسلمين مستغلاً ترك الرماة مواقعهم، وارتبك المسلمون من هول المفاجأة، واضطربت صفوفهم، وجرح الرسول في المعركة، وانتهى الأمر بهزيمة المسلمين، وسقوط واحد وسبعين شهيدًا، وأخذ المسلمون درسًا غاليًا لمخالفتهم أوامر الرسول – صلى الله عليه وسلم .

3. غزوة الخندق ( الأحزاب ) :
وقعت أحداث هذه الغزوة في العام الخامس للهجرة؛ حيث تحالف المشركون من "قريش" وقبائل "غطفان" و"بني أسد" لمحاربة المسلمين، وتجمع لهم جيش من عشرة آلاف مقاتل، وتقدموا إلى "المدينة" للقضاء على المسلمين. ولما علم المسلمون بهذه الأخبار تحصنوا داخل "المدينة"، وحفروا خندقًا من الجهة الشمالية الغربية من "المدينة" لمنع اقتحام جيوش الأحزاب؛ لأن بقية جهات "المدينة" كانت محصنة بغابات من النخيل يصعب على خيول المشركين اقتحامها.وصاحب فكرة حفر الخندق هو الصحابي الجليل "سلمان الفارسي"، وقد اشترك النبي – صلى الله عليه وسلم – في حفر الخندق مع المسلمين وكان عمره آنذاك سبعًا وخمسين سنة. ولما جاءت جيوش الأحزاب فوجئت بالخندق، وعجزت عن اقتحامه؛ لأنهم لم يتعودوا على مثل هذه الأساليب الجديدة في القتال، وطال حصار المشركين للمدينة، واشتد الكرب بالمسلمين نتيجة لهذا الحصار، وكان يهود "بنى قريظة" الذين يعيشون في "المدينة" قد نقضوا عهدهم مع الرسول – صلى الله عليه وسلم- واتفقوا مع الأحزاب على الانضمام إليهم عندما يهاجمون "المدينة". وفى هذا الظرف العصيب نجح "نعيم بن مسعود"- وكان قد أسلم- وقدم مع الأحزاب دون أن يعلموا- في التفريق بين الأحزاب ويهود "بنى قريظة"، وزرع الشكوك في قلوبهما، ثم أرسل الله ريحًا شديدة قلعت خيام المشركين وكفأت قدورهم، وانقلب الموقف كله بفضل الله تعالى، وأدرك "أبو سفيان بن حرب" قائد الأحزاب أنه لا فائدة من البقاء، فأمر الأحزاب بالرحيل، والعودة من حيث جاءوا، وبعد رحيل الأحزاب قال النبي – صلى الله عليه وسلم- : "الآن نغزوهم ولا يغزونا أي أن "قريشًا" لن تستطيع مهاجمة "المدينة" مرة أخرى.

4. غزوة بني قريظة :
وبعد إنتهاء غزوة الخندق تقدم النبي – صلى الله عليه وسلم – وحاصر بجيشه يهود "بنى قريظة" لخيانتهم للعهد واتفاقهم مع المشركين، وبعد أكثر من عشرين يومًا طلبوا أن يحكم فيهم "سعد بن معاذ" وكان حليفهم، فحكم بقتل الرجال جزاء غدرهم وخيانتهم وحين قضى "سعد" بهذا الحكم قال له الرسول – صلى الله عليه وسلم - : "لقد حكمت فيهم بحكم الله ".وكان المسلمون قد تعرضوا من قبل لغدر اليهود وخيانتهم فأجلاهم الرسول – صلى الله عليه وسلم – عن "المدينة" وأخرج يهود بنى قينقاع بعد غزوة "بدر" ويهود "بنى النضير" بعد غزوة « أحد».

5. فتح مكة :
نقضت "قريش" المعاهدة التي أبرمتها مع النبي – صلى الله عليه وسلم- في "صلح الحديبية" واعتدت على قبيلة "خزاعة" حليفة رسول الله – صلى الله عليه وسلم، فقرر النبي -صلى الله عليه و سلم- فتح "مكة"، فخرج على رأس جيش قوامه عشرة آلاف مجاهد لفتح "مكة"، وذلك في بداية الأسبوع الثاني من شهر رمضان من العام الثامن للهجرة. ولما اقترب المسلمون من "مكة" نصبوا خيامهم وأوقدوا نارًا شديدة أضاءت الوادي، فخرج "أبو سفيان" يستطلع الأخبار فوقع في الأسر، وأتى به إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فأعلن إسلامه، وإكراما له أمره أن يبلغ أهل مكة بأن "من دخل دار أبى سفيان فهو آمن، ومن أغلق عليه باب داره فهو آمن، ومن دخل المسجد الحرام فهو آمن . وحرص النبي – صلى الله عليه وسلم- أن يدخل "مكة" البلد الحرام دون قتال، وأوصى قادة جيوشه بألا يقاتلوا إلا في حالة الضرورة القصوى وفى أضيق الحدود.

ودخل النبي – صلى الله عليه وسلم – "مكة" فاتحًا منتصرًا وهو الذي خرج منها متخفيًا من ثماني سنوات مضت، بعد أن تآمرت عليه "قريش" لتقتله، فلما انتهى من الطواف حول الكعبة جمع أهل "مكة"، وقال لهم: ما تظنون أنى فاعل بكم ؟ قالوا خيرًا أخ كريم وابن أخ كريم، فقال لهم: "اذهبوا فأنتم الطلقاء".
وبهذا ضرب النبي – صلى الله عليه وسلم- أروع الأمثلة في السماحة والعفو عند المقدرة، وكان في استطاعته أن يثأر ممن ظلمه وأساء إليه وإلى أصحابه، وساموهم سوء العذاب، لكنه لم يفعل
.
6. غزوة حنين :
بعد فتح "مكة" غزا النبي – صلى الله عليه وسلم- "هوازن" و"ثقيف" بعد معركة شديدة ثبت فيها النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن فر أصحابه، لكن النبي – صلى الله عليه وسلم – ظل في ساحة القتال ينادي : "إلى أين أيها الناس؟ إلى أين أيها الناس، أنا النبي لا أكذب أنا ابن عبد المطلب"، وأمام ثبات النبي وشجاعته أقبل الفارون من الصحابة، وتمكنوا من هزيمة ثقيف وهوازن وغنموا غنائم كثيرة.

7. غزوة تبوك :
هي آخر غزوة غزاها النبي – صلى الله عليه وسلم – بعد أن استقر الإسلام في شبه الجزيرة العربية، وكانت الأنباء قد وصلت النبي – صلى الله عليه وسلم – أن الروم يستعدون للهجوم عليه، فأعد لذلك جيشًا كبيرًا بلغ ثلاثين ألفًا، وهو أكبر جيش قاده النبي – صلى الله عليه وسلم- وسمى جيش العسرة، لأن المسافة كانت بعيدة والجو شديد الحرارة، والناس يحبون المقام في مزارعهم وبساتينهم لجنى الثمار والاستمتاع بالظل الوارف، لكن المسلمين يتهددهم الخطر، ولابد من التضحية، وقد ضحى الصحابة بكل ما يملكون وأسهموا في نفقات الجيش وإعداده وتسليحه، وقد جهز "عثمان بن عفان" بمفرده ثلث الجيش من ماله الخاص. وقد سار النبي – صلى الله عليه وسلم – حتى بلغ "تبوك" فلم يجد شيئًا، وعلم أن جيش الروم- أقوى جيش في العالم آنذاك- قد فر مذعورًا إلى داخل "الشام"، فعسكر النبي – صلى الله عليه وسلم- هناك ثلاثة أسابيع، مكن فيها للمسلمين، ورتب أوضاع المنطقة، وعقد معاهدات مع القبائل الصغيرة القائمة هناك، ثم رجع إلى "المدينة" لاستقبال وفود القبائل العربية، التي جاءت من كل مكان تعلن إسلامها وخضوعها لله ولرسوله.

كيف فرضت الصلاة ليلة الإسراء و المعراج ؟


عن انس بن مالك (رضي الله عنه)، قال رسول الله (صلى الله عليه وسلم) : فرج عن سقف بيتي، وأنا فى مكة، فنزل جبريل – صلى الله عليه وسلم – ففرج صدري، ثم غسله بماء زمزم، ثم جاء بطست من ذهب ( إناء من ذهب ) ممتلئ حكمة وإيمان فأفرغه في صدري، ثم أطبقه، ثم أخذ بيدي، فعرج بي إلى السماء الدنيا، فلما جئت إلى السماء الدنيا، قال جبريل لخازن السماء : أفتح، قال : من هذا ؟ قال : جبريل قال : هل معك أحد ؟ قال : نعم، معي محمد – صلى الله عليه وسلم – فقال : أرسل إليه ؟ قال : نعم، فلما فتح علونا إلى السماء الدنيــــا، فإذا برجل قاعد، على يمينه أسـودة ( أشخاص )، وعلى شماله اسودة، إذا نظر قبل يمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، فقال: مرحبا بالنبي الصالح، والابن الصالح، قلت لجبريل : من هذا ؟ قال: هذا آدم عليه السلام، وهذه الأسودة التي عن يمينه وشماله نسم بنيه ( أرواح أبناءه) فأهل اليمين منهم أهل الجنة والأسوده التي عن شماله أهل النار، فإذا نظر بيمينه ضحك، وإذا نظر قبل شماله بكى، حتى عرج بي إلى السماء الثانية، فقال لخازنها : أفتح، فقال له خازنها مثال ما قال الأول ففتح، فلما مر الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) بإدريس، قال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح والأخ الصالح، فقلت من هذا ؟ قال : هذا إدريس، ثم مررت بموسي عليه السلام، فقال : مرحبا بالنبي الصالح والأخ الصالح، قلت من هذا، قال : هذا موسي، ثم مررت بعيسي عليه السلام، فقال : مرحبا بالأخ الصالح والنبي الصالح، قلت : من هذا، قال : عيسي، ثم مررت بإبراهيم – عليه السلام – فقال : مرحبا بالنبي الصالح والابن الصالح، قلت : من هذا، قال : هذا إبراهيم – صلى الله عليه وسلم – ثم قال الرسول صلى الله عليه وسلم : ثم عرج بي حتى ظهرت لمستوى اسمع فيه صريف الأقلام ( صوت كتابة الملائكة لقدر الإنسان باللوح المحفوظ ) ففرض الله على أمتي خمسين صلاة، فرجعت بذلك، حتى مررت بموسي عليه السلام، فقال : ما فرض الله لك على أمتك ؟ قلت : خمسين صلاة، قال : أرجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فرجعت، فوضع علي شطرها، فرجعت إلى موسي، قلت : وضع عني شطرها، فقال موسى : راجع ربك فأن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعت، فوضع شطرها، فرجعت إلى موسي : فقال : أرجع إلى ربك، فإن أمتك لا تطيق ذلك، فراجعته، فقال : هي خمس وهي خمسون، لا يبدل القول لدى، فرجعت إلى موسي، فقال : ر اجع ربك، فقلت : قد أستحيت من ربي، ثم أنطلق بي، حتي أنتهي إلى سدرة المنتهى، وغشيها ألوان لا أدري ماهي ؟ ثم أدخلت الجنة، فإذا فيها حبائل اللؤلؤ، وإذ ترابها مسك ( صدق رسول الله صلى الله عليه و سلم ).

و صايا الرسول صلى الله عليه وسلم :


من وصايا الرسول الكريم ورد عن الرسول الكريم صلوات الله وسلامه عليه بعض الوصايا الجامعة المانعة عظيمة القدر والفائدة التي لا غنى لمسلم عنها في حياته اليومية وأحواله العامة والخاصة:

. وصايا الرسول صلى الله عليه وسلم لأبي ذر:
عن أبي ذر رضي الله عنه قال: أمرني خليلي بسبع، أمرني بحب المساكين والدنو منهم. وأمرني أن أنظر إلى من هو دوني ولا أنظر إلى من هو فوقي وأمرني أن أصل الرحم وإن أدبرت. وأمرني أن لا أسأل أحدًا شيئًا. وأمرني أن أقول بالحق وإن كان مُرًّا.
وأمرني أن لا أخاف في الله لومة لائم.
وأمرني أن أُكثر من قول لا حول ولا قوة إلا بالله فإنهن من كنز تحت العرش.
عن أبي ذر رضي الله عنه أن رسول الله أوصاه فقال له:
« أوصاني بالإخلاص في السر والعلانية. والعدل في الرضا والغضب. والقصد في الغنى والفقر.
وأن أعفو عمّن ظلمني. وأُعطي من حرمني. وأصل من قطعني. وأن يكون: صمتي فكرًا، ونُطقي ذكرًا، ونظري عِبَرًا«.
عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله: من يأخذ عني هذه الكلمات فيعمل بهن أو يُعلِّم من يعمل بهن؟ فقال أبو هريرة: قلت: أنا يا رسول الله فأخذ بيدي فعدّ خمسًا فقال: » اتّقِ المحارم تكن أعبد الناس. وارضَ بما قسم الله لك تكن أغنى الناس. وأحسن إلى جارك تكن مؤمنًا. وأحبَّ للناس ما تُحبّ لنفسك تكن مسلمًا. ولا تكثر الضحك فإن كثرة الضحك تميت القلب».
عن أبي عباس رضي الله عنه قال: كنت خلف رسول الله يومًا فقال: « يا غلام إني أعلمك كلمات: أحفظ الله يحفظك، أحفظ الله تجده تجاهك، إذا سألت فاسأل الله، وإذا استعنت فاستعن بالله، واعلم أن الأمة لو اجتمعت على أن ينفعوك بشيء لم ينفعوك إلا بشيء قد كتبه الله لك، ولو اجتمعوا على أن يضروك بشيء لم يضروك إلا بشيء قد كتبه الله عليك، رفعت الأقلام وجفّت الصحف».
عن عبادة بن الصامت رضي الله عنه أن النبي قال: «اضمنوا لي ستًّا من أنفسكم أضمن لكم الجنة »:
اصدقوا إذا حدّثتم. وأوفوا إذا وعدتم. وأدّوا إذا اؤتمنتم.
واحفظوا فروجكم. وغضوا أبصاركم. وكُفّوا أيديكم.
قال النبي لرجل وهو يعظه: اغتنم خمسًا قبل خمس:
شبابك قبل هرمك. وصحتك قبل سقمك. وغناك قبل فقرك. وفراغك قبل شغلك. وحياتك قبل موتك.
عن معاذ بن جبل رضي الله عنه قال:
أوصاني رسول الله بعشر كلمات فقال:
لا تُشرك بالله وإن قُتلت وحُرقت. ولا تعُقنّ والديك وإن أمراك أن تخرج من أهلك ومالك. ولا تتركنّ صلاة مكتوبة متعمدًا، فإن من ترك صلاة مكتوبة متعمّدًا فقد برئت منه ذمة الله. ولا تشربنّ خمرًا فإنه رأس كل فاحشة. وإياك والمعصية فإن بالمعصية حلّ سخط الله.
وإياك والفرار من الزحف وإن هلك الناس. وإن أصاب الناس موت فاثبت. وأنفق على أهلك من طولك.
ولا ترفع عنهم عصاك أبدا. وخِفهم في الله.
هذه الوصايا ملخص ما جاء في كتاب بعنوان : وصايا الرسول« ثلاثون وصية من وصايا الرسول» للشيخ الجليل محمد متولي الشعراوي رحمه الله تعالى. لخصتها في هذا المقال حتى تكون دستورا في حياتنا و مرجعا في أخلاقنا و نورا لعقولنا.
وفاة النبيّ محمد صلى الله عليه وسلم:
إخوة الإسلام، حريّ بنا أن نتكلم عن وفاة سيد الأمة وإمام الأئمة من أرسله الله للناس هدىً ورحمة فهذا يذكرنا بأن الدنيا دار ممر والآخرة دار مقر وبأن الموت حق قد كتبه الله على العباد، وأفضل العباد قد مات ولا بد لكل واحد منا أن يموت فقد قال الله تعالى مخاطبا نبيه المصطفى في الكتاب: { إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُم مَّيِّتُونَ ( الزمر الآية 30 ) أي إنك ستموت وهم سيموتون.
ابتدأ برسول الله صلى الله عليه وسلم صداع في بيت عائشة، قالت: دخل عليّ رسول الله صلى الله عليه وسلم في اليوم الذي بدئ فيه، فقلت: «ورأساه» قال: «بل أنا ورأساه»، ثمّ اشتد أمره في بيت ميمونة، واستأذن نساءه أن يمرّض في بيت عائشة فأذن له، وكانت مدة علته اثني عشر يوما.
فعن عبيد الله بن عبد الله قال: دخلت على عائشة فقلت ألا تحدثيني عن مرض رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فقالت: بلى، ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال: أصلى الناس؟ فقلت: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله.
فقال ضعوا لي ماء في المخضب ففعلنا، فاغتسل ثم ذهب لينؤ (أي لينهض) فأغمي عليه ثم أفاق فقال: أصلى الناس؟ فقلنا: لا، هم ينتظرونك يا رسول الله، قالت: والناس عكوف في المسجد ينتظرون رسول الله لصلاة العشاء، فأرسل رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى أبي بكر يصلي بالناس وكان أبو بكر رجلا رقيقا، فقال: يا عمر صلّ بالناس. فقال: أنت أحق بذلك. فصلى بهم أبو بكر تلك الأيام. ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم وجد خفة (أي خف عنه المرض) فخرج بين رجلين، أحدهما العباس، لصلاة الظهر فلما رآه أبو بكر ذهب ليتأخر (أي ليرجع عن الإمامة في الصلاة بوجود رسول الله صلى الله عليه وسلم) فأومأ إليه أن لا تتأخر، وأمرهما فأجلساه إلى جنبه فجعل أبو بكر يصلي قائما ورسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي قاعدا. رواه البخاري ومسلم والنسائي.
وفاة الرسول وغسله صلى الله عليه وسلم: عن أنس رضي الله عنه قال: لمّا ثقل رسول الله صلى الله عليه وسلم جعل يتغشاه الكرب فقالت فاطمة رضي الله عنها: وا كرب أبتاه. فقال لها: ليس على أبيك كرب بعد اليوم.
فلما توفي قالت: يا أبتاه أجاب ربّا دعاه، يا أبتاه جنّة الفردوس مأواه، يا أبتاه إلى جبريل أنعاه، فلما دفن قالت فاطمة: يا أنس أطابت أنفسكم أن تحثوا على رسول الله صلى الله عليه وسلم التراب. رواه البخاري.
وعن ابن عباس رضي الله عنه قال: لما أجمع القوم لغسل رسول الله صلى الله عليه وسلم وليس في البيت إلا أهله : عمه العباس، وعلي بن أبي طالب، والفضل بن العباس، و قثم بن العباس، وأسامة ابن زيد، وصالح مولاه، فلما أجمعوا على غسله نادى من وراء الباب أوس بن خولة الأنصاري، وكان بدريا، علي بن أبي طالب فقال: يا علي ناشدتك الله حظنا من رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال له علي رضي الله عنه : ادخل، فدخل فحضر غسل رسول الله صلى الله عليه وسلم ولم يل من غسله شيئا فقال فأسنده علي إلى صدره وعليه قميصه، وكان العباس والفضل وقثم يقلبونه مع علي وكان أسامة وصالح يصبان الماء، وجعل علي يغسله.

ولم ير من رسول الله صلى الله عليه وسلم شىء مما يرى من الميت وهو يقول: بأبي وأمي ما أطيبك حيّا وميتا. رواه أحمد بن حنبل.
وعن ابن جريج قال: أخبرني أبي أن أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم لم يدروا أين يقبر النبي صلى الله عليه وسلم؟ حتى قال أبو بكر رضي الله عنه: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «لم يقبر نبي إلا حيث يموت». فأخروا فراشه وحفروا له تحت فراشه. رواه أحمد بن حنبل. وروي أنه صلى الله عليه وسلم ولد مختونا مسرورا، وكفّن بثلاثة أثواب بيض، ووضع على سريره على شفير القبر، ثم دخل الناس إرسالا يصلون عليه فوجا فوجا، لا يؤمهم أحد، ثم دفن صلى الله عليه وسلم ونزل في حفرته العباس، وعلي، والفضل، وقثم، وشقران، ودفن في اللحد، وبني عليه في لحده اللبّن، ثم أهالوا عليه التراب، وجعل قبره عليه الصلاة والسلام مسطحا، ورشّ عليه الماء رشا.

أخي المسلم: انظر وتمعن وتذكر، فإنّ الذكرى تنفع المؤمنين، فعليك إن أصبت يوما بمصيبة أن تذكر وفاة النبيّ صلى الله عليه وسلم، واعمل لآخرتك حتى تكون مع النبيّ صلى الله عليه وسلم في الجنّة، وأكثر من الصلاة عليه فإن الصلاة عليه نور وضياء.
اللهم لا تجعل مصيبتنا في ديننا، ولا تجعل الدنيا أكبر همنا، ولا مبلغ علمنا ونجنا في الآخرة بفضلك يا أرحم الراحمين.

خاتمة


و ختاما نرجو من الله أن يتقبل منا هذه الخطوة للتعريف بسيد المرسلين نبينا محمد عليه الصلاة و السلام، وهي محاولة مني لتقديم اليسير من سيرته بلغة بسيطة و استندنا في ذلك إلى مصادر و مراجع السيرة النبوية خاصة منها كتاب السيرة النبوية لابن كثير أو سيرة ابن هشام، و كنت اقصد من وراء ذلك إيصال المعلومة إلى كل المسلمين باختلاف مستوياتهم و أعمارهم لكي يكون هذا الجزء اليسير من سيرة الحبيب سراجا منيرا لحياتهم وسلاحا للدفاع عن إسلامهم و الله ولي التوفيق. و إني لأعتذر عن تطفلي على حياة الرسول صلى الله عليه وسلم المقدسة، و لست لذلك بأهل إلا أن علمي بأنه صلى الله عليه وسلم على خلق عظيم شجعني على أن أدلي بدلوي مع تقصيري في ذلك، يدفعني لذلك حبي للرسول صلى الله عليه وسلم و يحدوني الشوق إليه. و حسبي أني بذلت جهدي و سلكت في ذلك مسلك الاعتدال و الوسطية و أستفدت من شتى المصادر و المراجع فجاءت هذه السيرة العطرة صغيرة الحجم، عظيمة بمعلوماتها، كبيرة بفوائدها، نفعني و إياكم بها الله. و أرجو من كل الأطراف السياسية في العالم و المنظمات الدولية أن تضع مثاق عالمي لحرية التعبير يضع حدودا لهذه الحرية و ينص على أن المقدسات و الأديان و الأنبياء خط أحمر لا يمكن تجاوزه. و يكون هذا المثاق وثيقة رسمية لدى كل وسائل الإعلام المكتوبة و المسموعة و المرئية مثله مثل الميثاق العالمي لحقوق الإنسان ...و السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

قائمة المصادر و المراجع :


لمن يريد التعمق في دراسة السيرة النبوية عليه العودة إلى المصادر و المراجع التالية:
- كتاب تاريخ الإسلام لمؤلفه الحافظ الذهبي، منشورات دار الكتاب العربي، الطبعة الأولى.
- كتاب تاريخ الطبري، دار التراث العربي، تحقيق محمد أبو الفضل.
- حياة محمد رسول الله، تأليف محمد حسين هيكل، مكتبة النهضة المصرية.
- السيرة النبوية، ابن كثير، طبعة دار إحياء التراث.
- السيرة النبوية، ابن هشام، الطبعة الثانية.
- الرسالة المحمدية لمؤلفه عبد العزيز الثعالبي، دار بن كثير، الطبعة الأولى.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

السيرة النبوية، نبي الإسلام، السيرة، تاريخ الدعوة الإسلامية، غزوات النبي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-09-2012  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  إشكاليات التنمية في البلدان العربية بعد الثورات
  الخطر القادم من السبسي ...
  من هو محمد صلى الله عليه و سلم
  رسالة مفتوحة إلى السيد وزير التعليم العالي
  أحداث بئر بن عياد 14 و 15 مارس 2012
  الأطراف الفاعلة و ديناميكية المجال الفلاحي في «جهة صفاقس»
  الإشكاليات الجديدة في الجغرافيا السياسية بعد الثورات العربية (ملخص)
  المحافظة على التراث المائي في البلاد التونسية
  بئر بن عياد...المنطقة المنسية...
  كرامة الإنسان في الإسلام
  من يوميات الثورة التونسية
  التعليم العالي في تونس و تحديات المستقبل

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. خالد الطراولي ، تونسي، صلاح المختار، د. أحمد بشير، علي الكاش، محمد عمر غرس الله، فوزي مسعود ، ماهر عدنان قنديل، د - مصطفى فهمي، الهادي المثلوثي، أبو سمية، يحيي البوليني، فتحي العابد، صباح الموسوي ، د. صلاح عودة الله ، د - محمد بنيعيش، رضا الدبّابي، خبَّاب بن مروان الحمد، د - عادل رضا، حاتم الصولي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، عبد الرزاق قيراط ، سفيان عبد الكافي، سلوى المغربي، مصطفي زهران، العادل السمعلي، عبد الله زيدان، محمد الياسين، مجدى داود، رافد العزاوي، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الغني مزوز، صفاء العربي، محمد اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، عواطف منصور، محمد يحي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، أحمد ملحم، عمار غيلوفي، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، حسن الطرابلسي، أحمد بوادي، كريم فارق، صالح النعامي ، كريم السليتي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. أحمد محمد سليمان، أ.د. مصطفى رجب، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - شاكر الحوكي ، محمود طرشوبي، د. عبد الآله المالكي، محمود فاروق سيد شعبان، أحمد بن عبد المحسن العساف ، فتحـي قاره بيبـان، علي عبد العال، طلال قسومي، مصطفى منيغ، منجي باكير، خالد الجاف ، صلاح الحريري، ياسين أحمد، جاسم الرصيف، الهيثم زعفان، د- محمود علي عريقات، حميدة الطيلوش، د - المنجي الكعبي، محمد الطرابلسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، سعود السبعاني، سامح لطف الله، المولدي الفرجاني، د- هاني ابوالفتوح، رحاب اسعد بيوض التميمي، محرر "بوابتي"، رشيد السيد أحمد، صفاء العراقي، أنس الشابي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، فتحي الزغل، د.محمد فتحي عبد العال، د. طارق عبد الحليم، أحمد الحباسي، سلام الشماع، إياد محمود حسين ، إسراء أبو رمان، يزيد بن الحسين، د- محمد رحال، سامر أبو رمان ، محمد شمام ، سيد السباعي، محمود سلطان، د - صالح المازقي، وائل بنجدو، أحمد النعيمي، ضحى عبد الرحمن، مراد قميزة، فهمي شراب، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، د - الضاوي خوالدية، عمر غازي، سليمان أحمد أبو ستة، إيمى الأشقر، رافع القارصي، محمد العيادي، الناصر الرقيق، د- جابر قميحة، عراق المطيري، محمد أحمد عزوز،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة