البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

التَّوانسة: شعب أراد الحياة!

كاتب المقال أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8412 ahmadalassaf@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


شاء الله أن يكون يوم الجمعة العاشر من شهر صفر عام (1432) الموافق للرَّابع عشر من شهر يناير سنة (2011) يوماً فريداً في حياة الشَّعب التُّونسي المسلم، فقد أصبح زين بن علي زعيماً وأمسى صعلوكاً طريدا؛ في حال من الخزي والثُّبور يجدر بالحاكم العاقل اجتناب أسبابهما، ولم تغن عن بن علي عقود الجبروت والتَّسلُّط؛ فالقيد انكسر، والشَّعب بفضل الله قد انتصر.

ولقد تمنّى بعض الذين تغلي دماؤهم غيظاً من مجرم تونس لو ناله نصيب من السَّحل عى الطَّريقة العراقية أو السَّحب على النَّمط الرُّوماني حتى يكون عبرة لغيره، ولتشفى صدور قوم مكلومين منه ومن جلاديه وفجَّار ناديه؛ ولئن عزَّ هذا المطلب في الدُّنيا فإنَّ له يوماً عبوساً لن يُخلفه مالم يتب الله عليه.

وفي سقوط هذا الطَّاغية اندحارٌ لليبرالية التي كان يمثِّلها، فقد كان ليبرالياً في التَّحرر والفسوق، سرَّاقاً لأموال النَّاس نهَّاباً لخيرات البلد، مغتصباً للحكم، جاثماً على السلطة بلا انتخاب نزيه ولا قبول شعبي. وزاد سوءاً حين استوزر المجرمين، واستشار الغششة الكذَّابين، وأغلق أذنيه عن أي ناصح، وتوجه صوب فرنسا ثمَّ أمريكا، معلِّقاً قلبه بهما؛ ومطمئناً إلى نصرتهم ضدَّ شعبه، ولم يتَّصور يوماً أنَّ للشَّعب ربٌّ ينتصر لهم إذا شاء.

ولم يأبه هذا الحاكم الليبرالي لآهات الشَّعب المظلوم، ولم يتوجع لأنَّات الفقراء والعاطلين والمساجين والعوانس، ولم يصلح ما فسد في حكومته وأجهزتها التَّنفيذية، ولم يرفع رأساً بالشَّريعة الغرَّاء ولم يوقِّرها. وفي عهده المشين امتلأت السُّجون، وتضاعف عدد الفقراء، وزادت العوانس، وتدافع القادرون على الهجرة للهروب من جحيم ديارهم، وصار الشَّعب مقهوراً بلا حرية في أن يقول فضلاً عن أن يفعل، حتى قضى محمد البوعزيزي نحبه اعتراضاً على جور السُّلطان، فأحرق الخوف من النُّفوس، وخرجت الجموع لا تلوي على شيء، وليس لها من مطلب دون إذلال مَنْ كان سبباً في مآسيهم وعوزهم.

وكان من الاستخفاف بالوعي ومحاولة ترقيع الفضيحة الواسعة ما فاه به بن علي من خطب متتابعة، فقد رضخ لمنح مزيد من الحريات، ووعد بأن تكون هذه آخر فترة حكم له، ثم جعل نفسه مظلوماً واقعاً تحت مغالطات مستشاريه! ولم تنطلِ هذه الأكاذيب على الجموع الغاضبة، ولم تصدِّق توبة الآثم البغيض أو عزوفه عن الرِّئاسة، ولم ولن تؤمن ببراءته ووقوعه تحت كذب الأعوان وتزويرهم، فالشَّعب هو الأعرف بخصومه ومغتصبي حقوقه؛ وما أكثرهم في تونس من الرِّجال والنِّساء؛ حيث لم يكتف هذا المبير بإيذاء شعبه، بل اطلق الحبل على الغارب لزوجته ليلى ولمن شاءت ليلى بلا قيد ولا شرط، وكم في بلاد المسلمين من (ليلى) لا مناص من لجمها!

ومن العبر في ماحدث أنَّ تونس أشدُّ البدان العربية في التَّنكيل بالمعارضين وأحرار النَّاس، ولها باع طويل وسجل مخز في حرب مظاهر التَّدين والصَّلاح لدى الرِّجال والنِّساء. وأما كبت الحريات، ومنع التَّعبير عن الآراء، ومراقبة الأنفاس فلها فيه سبق وريادة. ولعل عنف وزارة الدَّاخلية التُّونسية أهلَّها لتكون مقراً دائماً للاجتماعات الأمنية العربية، وهو اجتماع لم يحتجب أبداً مع غزارة الخلافات بين العرب! ومع ذلك انطلقت الحشود ولم تتهيب وزارتها العنيفة، بل تسلَّق بعض الشُّبان أسوارها ليكسروا شوكتها وعدوانها، وربَّما أنَّهم ردَّدوا مع شاعرهم الرَّاحل أنَّ مَنْ يتهيب صعود الجبال يعش أبد الدَّهر في قهر بين الحفر.

ومن الآيات في يوم تونس ارتفاع الغطاء الفرنسي والأمريكي عن الرَّجل الذي طالما تذلل لإرضائهم، وسعى في حرب شعبه وإقصاء رموزه بالسَّجن أو القتل أو التَّكميم، وناكف الشَّريعة حتى في الأحوال الشَّخصية، وقد تعلَّق بالعون الأجنبي حتى غدا الغرب هجيراه ومأوى آماله ومعقد طموحاته وسبب اطمئنانه، وفجأة تقول أمريكا من حيث لم يحتسب عميلها: للشَّعب حقُّ الاختيار! وبدا من فرنسا ماكان خافياً عنه حين أشارت إلى أنَّ الرَّحيل هو أفضل الحلول، وأنَّه وكلَّ مَنْ ارتبط معه بسبب أو نسب غير مرحب بهم في فرنسا! وعلم إذ ذاك بن علي أنَّ الوقت المتاح له للصُّعود على خشبة المسرح قد انتهى، وأنَّ حياته في سدَّة الرِّئاسة قد آذنت بزوال مهين، وليته بعد أن لفظته فرنسا وغيرها لم يستضف قريباً من البقاع المقدَّسة.

ومن المهم ألاَّ يقطف ثمرة هذه الثَّورة الشَّعبية أقوام على غرار بن علي، فقد تكبَّد الشَّعب خسائر كبيرة لطرد بن علي وحزبه الذين لاجذور لهم في الأرض التُّونسية؛ حتى يحكمه مَنْ يحفظ حقوقه، ويعالج همومه، ويعلي قدره، ويرعى مصالحه الدِّينية والدُّنيوية، ويعيد لتونس الجميلة رواءها وبهاءها اللذين اختفيا في جحيم الحكم البائد. ولا أظنُّ الشَّعب التُّونسي العربي المسلم يرضى بحكم يقصي دينه، أويهمل شريعة ربه وسنَّة نبيه، وعسى أن يقود هذه الثَّورة عقلاء البلد وحكماؤها، فلا تهدر الدِّماء أو تعم الفوضى، ولا تعبث أيد ملوثة وعقول مشوشة بحاضر تونس ومستقبلها، ولا بدَّ من تفويت الفرصة على كلِّ متربِّص بالبلاد وأهلها.

ولعل التَّوانسة قد ناموا بهناء حال ورخاء بال ليلة السَّبت، خلافاً لكلِّ ظالم سارق خانق خائن؛ فقد كانت عليه ليلة حالكة السَّواد طويلة السُّهاد؛ خشية مصير مماثل للزَّميل الهارب المخلوع بعد صحوة الشُّعوب على وقع الخطوات التُّونسية العفوية. فاللهم يا ربنا احفظ بلادك وعبادك، وول عليهم خيار خلقك، واجعلهم في أمن سابغ، وهناء كبير، وظل وارف وقرِّب إليهم كلَّ خير تصلح به دنياهم وآخرتهم، وادفع عنهم الشُّرور والأوزار.

أحمد بن عبد المحسن العسَّاف-الرِّياض
السبت 11 من شهرِ صفر عام 1432


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة، ثورات شعبية، إرادة الحياة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 9-04-2011  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

 مشاركات الكاتب(ة) بموقعنا

  أزياء بنات الجامعة!
  الأعمال الكاملة لشيخ الزَّيتونة والأزهر
  رسائل من غبار السِّنين
  التَّوانسة: شعب أراد الحياة!
  العيد: لُّحمةٌ ورحمة
  ليبيا.. وأربعونَ عاماً منْ الأغلال
  جوائزٌ للإنصافِ الغربي
  الخطباءُ وأفكارُ المنبر
  ابنُ جبرين..والدِّيارُ التي خلتْ!
  الطِّفلُ الملِكيُ والقُنصلُ الفرنسي!
  المهنيةُ إذْ تشتكي...
  مجتمعُنا والثقافاتُ النَّادرة
  الأيامُ العالميةُ: احتفالٌ أمْ إهمال؟
  ابحثْ عنْ الطفلِ الذي يحكُم!
  غزَّةُ هاشم: وخزَةُ الماردِ النائم
  عِبَرٌ منْ غزَّةَ بلا عبَرات
  غزَّة: القطاعُ الكاشف
  العيدُ: اجتماعٌ وفرحة
  العيد: يومُ الزِّينةِ والبسمة
  رمضان: الضيفُ المُعَلِّم
  رمضان: بوابةُ التحسينِ والتغيير
  رمضان:موسمُ العزَّةِ وشهرُ التربية
  وماذا بعدَ البيانِ والبُهتانِ حولَ المسعى؟
  الملتقياتُ العائليةُ: المجتمعُ الجديد
  المرأةُ على خطِّ المواجهة!
  كيفَ يبني المربي ثقافتَه ؟
  المهندسون: عقولٌ وآمال‏
  حَيَّ على الزواج
  المبادئُ الثابتةُ أمْ الرموزُ القابلةُ للتحول ؟‏
  أبناءُ الأكابرِ والمسؤولية

أنظر باقي مقالات الكاتب(ة) بموقعنا


شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
د. خالد الطراولي ، د. صلاح عودة الله ، رافد العزاوي، محمد أحمد عزوز، ضحى عبد الرحمن، عبد الرزاق قيراط ، سامر أبو رمان ، صالح النعامي ، د- جابر قميحة، خبَّاب بن مروان الحمد، محمود طرشوبي، د.محمد فتحي عبد العال، حميدة الطيلوش، يزيد بن الحسين، إيمى الأشقر، محرر "بوابتي"، محمد عمر غرس الله، د. أحمد بشير، فهمي شراب، د. أحمد محمد سليمان، د - مصطفى فهمي، العادل السمعلي، مراد قميزة، عبد الغني مزوز، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، د. كاظم عبد الحسين عباس ، الهادي المثلوثي، مصطفي زهران، د - محمد بنيعيش، كريم السليتي، رافع القارصي، منجي باكير، سفيان عبد الكافي، عراق المطيري، أحمد بوادي، د - شاكر الحوكي ، أحمد الحباسي، د - الضاوي خوالدية، فتحـي قاره بيبـان، سلوى المغربي، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح الحريري، وائل بنجدو، عمار غيلوفي، د. طارق عبد الحليم، د- محمد رحال، د- محمود علي عريقات، حسن الطرابلسي، عواطف منصور، مجدى داود، علي عبد العال، رضا الدبّابي، أبو سمية، د - المنجي الكعبي، حاتم الصولي، رشيد السيد أحمد، حسن عثمان، عزيز العرباوي، فتحي الزغل، أشرف إبراهيم حجاج، د - صالح المازقي، د- هاني ابوالفتوح، سليمان أحمد أبو ستة، جاسم الرصيف، علي الكاش، د - عادل رضا، محمد اسعد بيوض التميمي، فتحي العابد، مصطفى منيغ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمد العيادي، فوزي مسعود ، أنس الشابي، محمد يحي، صفاء العربي، محمود سلطان، عبد الله زيدان، د. عادل محمد عايش الأسطل، ياسين أحمد، صلاح المختار، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، سيد السباعي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، إياد محمود حسين ، يحيي البوليني، ماهر عدنان قنديل، كريم فارق، أحمد ملحم، سامح لطف الله، د - محمد بن موسى الشريف ، صفاء العراقي، سلام الشماع، محمود فاروق سيد شعبان، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمد الياسين، الهيثم زعفان، خالد الجاف ، عبد الله الفقير، تونسي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أ.د. مصطفى رجب، الناصر الرقيق، طلال قسومي، حسني إبراهيم عبد العظيم، عمر غازي، محمد شمام ، محمد الطرابلسي، سعود السبعاني، نادية سعد، إسراء أبو رمان، صباح الموسوي ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة