البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

حجاب المرأة ووحدة العلوم عند الصوفية

كاتب المقال د - محمد بنيعيش - المغرب    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 13748 benyaich_tetouan@yahoo.fr


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


يسعد موقع "بوابتي" انضمام الدكتور محمد بنيعيش، من المغرب، للمساهمين بالنشر بموقعنا، والدكتور محمد بنيعيش أستاذ بكلية أصول الدين جامعة القرويين – المغرب، ونحن نرحب به وبكتاباته.
مشرف موقع "بوابتي"

-----------


أولا : العلوم المادية والبعد التوحيدي للحجاب


/1 مبدأ وحدة العلوم طريق إلى التوحيد عند الصوفية

من خصائص الفكر الصوفي أنه لا يفصل بين العلوم من حيث دلالتها على عقيدة التوحيد وخدمتها للإنسان من هذا الجانب كغاية وبعد لكل تحصيل معرفي موضوعي، ولهذا فإننا نجد في الكتابات الصوفية أمثلة كثيرة توظف فيها العلوم الحسية، سواء كانت حيوانية أو نباتية أو جمادية، وذلك على وجه الاستدلال وتقريب المعاني المجردة والذوقية إلى متناول الأذهان، حتى أن بعض الكتاب المحدثين عاب على الغزالي مثلا كثرة ضربه للأمثلة في تأكيد المعنى الذي يروم إيصاله إلى وعي القراء بتحريك الخيال وتقريب المعنى من خلاله[38].

والغزالي نفسه يصرح فيقول بأن" جميع العلوم مقدمات ووسائل لمعرفـة الأول الحق جل جلاله"[39]، كما أنه كثيرا ما يستشهد الصوفية بهذا البيت :
وفي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد
حتى إن بعض الصوفية كالشيخ أحمد بن عجيبة قد حول المنظومة النحوية المسماة بالآجرومية إلى معنى روحي وذوقي له بعد توحيدي.

وتمشيا مع هذه القاعدة العامة عند الصوفية، فإنه يكون من المفيد أن تستغل العلوم المادية الحديثة لتوظيفها على سبيل القياس الاستئناسي في تأكيد إيجابية الأحكام الشرعية وأحقيتها لكي تكون أولى بالتطبيق من كـل آراء بشرية تطبعها الذاتية والنظرة الجزئية السطحية ولا تقاس على حس أو عقل أو ذوق.

لكن، وقبل عرض ما توصلت إليه العلوم الحديثة من آراء، فإن التحديد الحقيقي للوجود وطبيعته يبقى المصدر فيه هو العلم الالهي المنصوص عليه في القرآن الكريم، أو المبين بواسطة النبي صلى الله عليه وسلم على شكل حديث.

فالقرآن الكريم ينص على أن الأصل في الكائنات حيها وجامدها هو الوحدة سواء تعلق الأمر بالكون ككل، أو بالنفس الانسانية موضوع دراستنا. فنجد قول الله تعالى في وحدة الكون أو لم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقا ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شيء حي.[40] إذ البنية الأولى للكون كانت تمثل وحدة متراصة تنتهي إلى عنصر واحد شكلا وجوهرا، ثم عرفت بعد ذلك انشطارية على سبيل التنوع الشكلي لتحقيق التفاعل والتوالد وما إلى ذلك مما يستدعي تجانس الكثرة بين العناصر المتقاربة.

وعلى هذا السياق المفيد لوحدة البنية الأولى للكون ، يمضي القرآن في تحديد طبيعة النفس الانسانية فيقول الله تعالى بهذا الخصوص : يا أيها الناس اتقوا ربكم الذي خلقكم من نفس واحدة وخلق منها زوجها وبث منهما رجـالا كثيرا ونساء، واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام ، إن الله كـان عليكم رقيبا[41]

ويذهب ابن عربي الصوفي في تفسير معنى قول الله تعالى :الذي خلقكم من نفس واحدة إلى أنها هي النفس الناطقة الكلية التي هي قلب العالم وهو آدم الحقيقي ، وجعل "منها زوجها" أي النفس الحيوانية الناشئة منها، وقيل أنها خلقت من ضلعه الأيسر من الجهة التي تلي عالم الكون، فإنها أضعف من الجهة التي تلي الحق، ولولا زوجها لما أهبط إلى الدنيا. كما اشتهر أن إبليس سول لها أولا فتوسل بإغوائها إلى إغواء آدم. ولا شك في أن التعلق البدني لا يتهـيأ إلا بواسطتها وبث منهما رجالا كثيرا أي أصحاب قلوب ينزعون إلى أبيهم "ونساء" أصحاب نفوس وطبائع ينزعون إلى أمهم"[42].

وعلى أساس هذه الوحدة التكوينية لنفس الرجل والمرأة يحلل الصوفية أسباب السكيـنـة التي تحصل بين الزوجين باعتبار المشاكلة والمجانسة بين النفسيـن كما يقول أبو طالب المكي : "وذلك أن للنفس استراحات إلى ماجانسها هو فتورها عن الذكر، فاستراحات نفوس المتقين إلى المباح من ذلك قوله عز وجل "ليسكن إليها" وهذا سكون النفس إلى الجنس لما تلائمه من الصفات المتجانسة، وهو أحد المعاني في قول علي عليه السلام: "روحوا القلوب يعني في الذكر". قيل روحوها باستراحة النفـس إلى المباح"[43]

ويفسر ابن عربي هذه السكينة بكونها ذات بعد عرفاني غايته توحيدية فيقول : "فأما فتنة النساء فصورة رجوعه إلى الله في محبتهن بأن يرى الكل أحب بعضه وحن إليه. فما أحب سوى نفسه لأن المرأة في الأصل خلقت من الرجل من ضلعه القصرى فينزلها من نفسه منزلة الصورة التي خلق الله الانسان الكامل عليها وهي صورة الحق، فجعلها الحق مجلى له وإذا كان الشيء مجلى للناظر فلا يرى الناظر تلك الصورة إلا نفسه، فإذا رأى في هذه المرأة نفسه بشدة حبه فيها وميله إليها رأى صورته".[44]

وهذا النص قد يصعب على غير المختصين فهمه وإدراك إشاراته لما يطبع كتابات ابن عربي من تعميق للمعاني، إلا أنه يتضمن نقطة جوهرية تهمنا في هذا الموضوع وهي تأكيد التجاذب القوي بين نفسية المرأة والرجل، المرتكز على وحدة الذات التي تمت عليها نشأة النفسيـن قبل الانشطار الشكلي.

2/ حجاب المرأة بين تطابق السنن الشرعية والكونية :

إن وحدة النفس وارتباط الأنثى بالذكر على سبيل التوافق العنصري الجوهري والانشطارية الشكلية كما فهمها الصوفية من النص القرآني والحديثي هي وحدة واقعية وكفيلة بأن تدع بين الجنسين تجاذبا سواء على مستوى النفس أو على مستوى الجسد، وأكثر ما يكون هذا التجاذب حينما لا يوجد حاجز أو عازل يمنع حدوثه ويحد من قوة هياجه، لأن القاعدة الصوفية في تحديدها لترابط الكائنات تنبني على مبدأ الذوق المقتضي للتناسب، وهو مؤدي إلى التقارب لا محالة، وإذا تقاربت الأشكال المتناسبة فالشكل إلى الشكل أميل، وعن هذا الميل يتم التواصل والتفاعل المؤدي إلى التوالد الذي يمثل النتيجة الحتمية والوسيلة العادية لاستمرار نوع الأشياء وتكاثرها وخاصة النوع الانساني، بحيث يمكن تعريف ولادته نظريا بأنها " نتاج تلاقح معين بين عنصرين مختلفين شكلا متحدين جوهرا" .

وحينما نطالع آراء الباحثين في مجال الطب والوراثة ووظائف الأعضاء...إلخ، نجدهم يؤكدون في موضوع التوالد الانساني، أن جميع خلايا الجسم البشري تحتوي على 23 زوجا من الصبغيات (الكروموسومات) أحد هذه الأزواج يكون الصبغين الجنسيين، عند الأنثى يكون الصبغيان الجنسيان متطابقين (س س) أما عند الذكور فأحد هذين الصبغيين أقصر (س ص) ومع ذلك يتم الاتحاد بين هذه الصبغيات عند التوالد لتحديد جنس المولود إما ذكرا أو أنثى (س ص) أو (س س).
كما أن بعضا من الباحثين يذهب إلى أن الهرمونين المذكر والمؤنث موجودان معا في الذكور والاناث "فلا يوجد آدم مائة بالمائة رجلا ولا توجد حواء مائة بالمائة امرأة "[45].

وإذا كان الأمر كذلك فهذا مـا يستأنس به كتفسير لبعض الظواهر النسوية التي تطفو أعراضها على بعض الرجال، وكذلك العكس وذلك إما على المستوى الجسدي أو حتى النفسي والسلوكي والتي قد يكون سبب مؤداها إلى هذه الحالة انغماس الرجل في التشبه بالنساء أو العكس، وهذا ما أمر النبي صلى الله عليه وسلم بتفاديه من خلال قوله : "لعن الله المتشبهات من النسـاء بالرجال والمتشبهين من الرجال بالنساء"[46]. وكذلك " لعن الله المخنثين من الرجال والـمترجلات من النـساء " وذلـك حتى لا يختل التوازن النفسي لكلا الجنسين مما يؤدي تبعا إلى اختـلال التوازن الجسمي وكذا الوقوع في الشذوذات السلوكية والجنسية وهذا ما توصلت إليه بشكل محتشم وجزئي الدراسات الطبية وعلم وظائف الأعضاء من خلال ما يسمى بدراسة الظواهر النفسية والجسدية... إلخ.

لكنهم لم يدركوا جيدا أو تجاهلوا تعمدا أن الشيء إذا تجانس وتقارب دون الارتكاز على قاعدة ضابطة ومناسبة قد ينقلب إلى ضده ، بحيث أن تكشف النساء للرجال على غير ضوابط شرعية وبصورة جماعية مؤدي حتما إلى الخلل الجنسي إما على وجه الافراط أو التفريط، مما يترتب عنه في النهاية إما الاحتراق أو الاختراق وهو ما يمكن تقريب معناه من خلال النموذج الكهربائي في توليد الضوء والانارة وإمكان ذلك بين تعرية الأسلاك أو عزلها عن بعضها بالحجاب المطاطي.

إذ من القواعد البسيطة والملخصة للكهرباء أنه لكي نتمكن من توليد الضوء وإيصاله إلى المصباح يلزم وجود مولد يتضمن في مكوناته عنصري الايجابية والسلبية. بحيث أن الكهرباء بوجه عام هي "دراسة حركة الشحنات الكهربائية... والشحنة الكهربائية بحد ذاتها تنتج عن وجود (شحنة سلبية) أو غياب (شحنة موجبة) الالكترونات، فكل مادة تنتزع من ذراتها بعض الالكترونات بواسطة الاحتكاك مثلا تكتسب شحنة موجبة. مثال ذلك إذا فركنا قطعة زجاج بقماش من الحرير أدى ذلك إلى انتقال الالكترونات من الزجاج الذي يصبح موجبا إلى الحرير الذي يصبح سالبا، ويتميز كل جسم محمل بشحنة موجبة بأنه قادر على جذب جسم آخر محمل بشحنة سالبة، وهناك تنافر بين الأجسام التي تحمل نفس النوع من الشحنة"[47].
وعلى فرض أن الرجل والمرأة يكونان فيما بينهـما مجمع الشحنتين الإيجابية والسلبية، فإنه لا يمكن أن تجتمع هاتان المتضادتـان شكلا لتوليد الضوء وضمان استمرار التوازن والسلامة للنشاط الإنساني إلا بواسطة الإرتكاز على دعامتين رئيسيتين وهما :
أ - وجود عازل بين محمل أو مرتكز الشحنتين السالبـة والمـوجبـة.

ب - الإلتقـاء عند قاعدة مضبوطـة وكفيلة بضمان توليد الضوء أو الإنارة دون حدوث احتراق أو اختراق قد يتلف السلكين أو يهدد القاعدة العامة التي بسببها ومن أجلها تم الجمع بين الشحنتين السالبة والموجبة.

إذ أن وجود سلكين متحدين جوهرا ومختلفين شكلا على وجه أن أحدهما يحمل شحنة مـوجبة والآخـر سالبة، يتطلب وضعهما لتوليد الضوء المفيد حالتين وهما : ضرورة التقارب بيـن السلكـين وضرورة العزل بينهما في آن واحد وإلا فلن يتم توليد الضوء، كما لن يبقى للسلكين استقرار في المجاورة بحكم طبيعتهما في الإنجذاب نحو الإحتراق والإختراق عند التقارب بغير حجاب.

كما أن العازل المطاطي بين السلكين قد لايؤمن إستمرار وظيفته التي من أجلها وضع وصمم إذا طالت مدة استهلاكه وتعرض لهزات الرياح والشتاء والرطوبة والحرارة وما إلى ذلك، إذ قد يحدث فيه تآكل وذبول لحد الشفافية مما يجعل التجاذب بين السلكين على غير قاعدة سليمة وشـيك الوقوع لا يؤمن شره وضرره خاصة إذا تعرض للإهمال وغياب المراقبة والاصلاح.

وعلى هذه القاعدة الكهرفيزيائية وربطا بمبدأ وحدة العلوم عند الصوفية نقيس علاقة الرجل بالمرأة ، بحكم الوحدة المكونة لعنصريهما جوهرا، وبحكم الاختلاف الشكلي الذي يميز بينهما وبحكم الوظيفة المنوطة بتواصلهما وهي التجاذب النوعي لضمان التناسل والولادة واستمرارية بقاء النوع الانساني على وجهه السليم

فالرجل والمرأة بمثابة السلكين الكهربائيين الموجب والسالب ، وضرورة تعاون الرجل والمرأة يقتضي المجاورة النسبية وعلى درجات بحسب مقتضيات التركيبة الاجتماعيـة والأسريـة التي تحدد نوعية هذا التعاون والتجاور وذلك إما على مستوى الزواج أو قرابة الرحم، والمحرمية، وغيرهما، وكذلك على مستوى الدراسة والتجارة والصناعة، وحتى السياسة إن اقتضى الحال... إلخ.

لكن هذه المجاورة لكي تبقى سليمة المبدأ والغاية ينبغي أن تحتفظ بالوسيل الحاجبة لذبذبات التجاذب غير المرغوب فيه حتى لا يحدث الاحتراق أو الاختراق ، ولا يمكن الوصل بين العنصرين ورفع الحجاب الكلي أو الجزئي إلا بواسطة القاعدة الشرعية المحددة لنوعية هذا التواصل ومستويات نزع الحجاب وحدوده.

كما أن التواصل بين غير المحارم وإن كان الحجاب موجودا قد لا يكفي لضمان السلامة الكلية من الاختراق والاحتراق، فينبغي إذن عدم ترك الوضع للاهمال وغياب المراقبة وتحديد الضروري من المبالغ فيه والزائد عليه، ولهذا جاء الشرع بالأمر بمنع الخلوة بين رجل وامرأة لا تجمع بينهما قرابة رحم محرمية وذلك من خلال قول النبي صلى الله عليه وسلم : "لا تسافر المرأة إلا مع ذي محرم ولا يدخل عليها رجل إلا ومعها محرم"[48]، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم : "باعدوا بين أنفاس الرجال والنساء".

وقد يتوافق رأينا المستفيد من البعد التوحيدي لحجاب المرأة عند الصوفية وموفقهم من وحدة العلوم وترابطها مع رأي قريب من هذا المعنى وجزئي إلى حد ما عند ابن حزم الأندلسي الـفقيه الظاهري، وخاصة عندما ضربنا لمثال الاحتراق والاختراق في مجال الكهرباء بحيث يقول في كتابـه طوق الحمامة : "الصالحان مـن الرجال والـنساء كالنار الكامنة في الرماد لا تحرق من جاورها إلا بأن تحرك، والفاسقان كالنار المشتعلة تحرق كل شيء... وأما امرأة مهملة ورجل متعرض فقد هلكا وتلفا"[49].

وهذا المثال عند ابن حزم يتقارب مع ما ضربناه بالأسلاك الكهربائية والاهمال رغم وجود الحجاب المطاطي، كما أنه يدل ويؤكد ما قلناه من مذهب الصوفية الموضوعي في وحدة العلوم.
فالمباعدة بين أنفاس الرجال والنساء تؤسس الاحتياط الضروري كتدعيم لغض البصر والحجاب، ولهذا فقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم النساء عن أن يتطيبن خارج بيوتهن حتى لايفقد الحجاب دوره، ويعسر إذاك غض البصر على الرجل، فتكون المرأة بذلك حجابا له عن الله تعالى من خلال إثارة شهوته عن القناة الشمية، وكذا السمعية لأن الإثارة قد تحصل عن طريق القنوات الحسية غير البصر. وهو ما نص عليه القرآن الكريم بقول الله تعالى:ولايضربن بأرجلهن ليعلم ما يخفين من زينتهن... الآية. إذ الخصائص النسوية مثيرة للرجال سواء تعلق الأمر بالظواهر الجسدية المحضة أو بملازمتها لحكم الغريزة والعادات النسوية.

فالإسلام ينهى عن مقدمات الإثارة حتى لايقع المثار في المحظور تدريجيا. وهذا النهي يمكن فهمه واستنباطه من خلال قول الله تعالى : يا أيها الذين آمنوا لاتتبعوا خطوات الشيطان ومن يتبع خطوات الشيطان فإنه يامر بالفحشاء والمنكر ولولا فضل الله عليكم ورحمته ما زكى منكم من أحد أبدا ولكن الله يزكي من يشاء والله سميع عليم.[50]

والصوفية لوعيهم بمدلول النص القرآني وكذا الحديثي في الدعوة إلى صرف النفس عن اتباع الشهوات واجتناب سلبيات تراكماتها ، سيلتـزمون هذه القواعد الشرعية محددين بها تعاملهم مع موضوع الشهوة، ابتداء من ملاحظة الباعث الأول للحركة حتى نهاية تدرجاته في تفاعله مع النفس مما يحدد نوعيته هل هو باعث خير أم باعث شرير، وذلك من خلال مراقبة ما يعرف عندهم بالخاطر، إذ يعد المحرك الأول للسلوك كما يقول الغزالي: "أول ما يرد على القلب الخاطر كما لو خطر له مثـلا صورة امرأة وأنها وراء ظهره في الطريق لو التفت إليها رآها. الثاني هيجان الرغبة إلى النظر وهو حركة الشهوة التي في الطبع، وهذا يتولد عن الخاطر الأول ونسميه: ميل بالطبع ويسمى الأول حديث النفس. والثالث : حكم القلب بأن هذا ينبغي أن يفعل أي ينبغي أن ينظر إليها، فإن الطبع إذا مال لم تنبعث الهمة والنية ما لم تندفع الصوارف فإنه قد يمنعه حياء أو خوف من التفات، وعدم هذه الصوارف ربما يكون بتأمل وهو على كل حال حكم من جهة العقل ويسمى هذا اعتقادا وهو يتتبع الخاطر.

والميل الرابع : تصميم العزم على الالتفات وجزم النية فيه وهذا نسميه هما بالفعل ونية وقصدا"[51].
ويضرب الغزالي أيضا مثالا حول الخواطر الأولى وأسباب الاثارة الشهوية بسبب الدافع الخارجي على غرار المثال السابق فيقول : "مثاله أنه خلق فيك شهوة الطعام إلا أنها قد تكون فيك راكدة كأنها نائمة وإذا وقع بصرك على طعام حصلت المعرفة بالطعام فانتهضت الشهوة للطعام فامتدت إليه اليد، وإنما امتدت إليه بالقوة التي فيها المطيعة لاشارة الشهوة وانتهضت المعرفة المستفادة من طبيعة الحس"[52].

وكقاعدة صوفية في اعتبار تفاعل العناصر وأوجه التواصل بينها وخاصة على مستوى التأثر الشهوي وضوابطه وعلى رأسها الحجاب الحسي و المعنوي، يقول المحاسبي : "والشيء يغلب الشيء والشيء يشغل عن الشيء والشيء ينسي الشيء والشيء يهيج الشيء والشيء يزيد الشيء، والمحاسب نفسه قد عرف هذا، وأدناه التيقظ وأعلاه النسيان. واعلم أن الشر شهوة والخير كراهية، والشهوة سابقة على الكراهية وغالبة عليها حتى يجيء العلم والصدق فيزيلان الشهوة ويجعلان الكراهة مكانها، فمن لم يفقه ولم يفهم هذا حين يسمع لم يحسن مراجعة سـريرته ولا يجئ عـلى اصطلاحها حـتى يتعلمه ممن يـحسنه و يحسن وصفه"[53].

ثانيـا : التفسير النفسي لحجاب المرأة بين الغربيين والصوفية .


إن الصوفية لم ينظروا إلى الحجاب من باب جزئي متمثل في مجرد سترة الرأس كما يصطلح عليه بعض المعـاصرين من الغربيين والعرب ، وإنما جعلوا من الحجاب موضوعا متكاملا بين الرائي والمرئي ، بين أسباب الاثارة والمؤثر والمتأثر ، وكذلك بين اعتبار الظاهر والباطن وبين الحسي والمعنوي في تحديد طبيعة الشهوات وأبعادها السلوكية والعرفانية ، فجاء فهمهم لآية الحجاب على أحسن وجه وأعمقه وخاصة حينما ضربواعلى أسرار الشهوة وخلفياتها بعنف الرياضـة وصدق الارادة. وبـهذا كان مـنهجهم التحليلي يعد مـن أهم المناهج في الفكر الاسلامي التي يمكن بواسطتها مواجهة وفضح مزاعم المتطرفين من أهل الشهوات والمنظرين لها، وخاصة اليونان وأذنابهم الأوروبيين وبعض بل غالبية عرب هذا الزمان .

1/ خلفيات المكبوتات وعلاجاتها المتناقضة في الفكر الغربي :

فالدعوة إلى السفور بل العري الكلي أو شبهه أصبح العمل به جارٍ لدى أغلب سكان هذه الأرض وخاصة في الشواطئ وأوكار الفساد من مراقص وملاهي وغيرها ، وكذلك المنتديات الرياضية أو ما يسمى زورا بالثقافية والانسانية. وهي ليست وليدة العصر أو الساعة وإنما تمثل امتدادا رجعيا بهيميا ومتخلفا يعود بالانسان إلى فترات العصر الحجري وإلى أرجاس الضلال الوثني اليوناني والهمجية البدائية المضادة والشاردة عن خصوصية التحضر الانساني المؤسس على دعوات الرسل والأنبياء عليهم السلام.

وبما أن المنادين لنزع الحجاب أو عدم اعتبار ضرورته ولزومه يتذرعون في عصرنا بوهم الديموقراطية فلننظر إلى خلفياتها وجذورها في الاصطلاح والممارسة باختصار ،حتى يتبين عند المقارنة البسيطة والواضحة كيف أن المسلمين والصوفية منهم خاصة، هم أهل الحق والحضارة والأصلح للبقاء.

فقد انهارت أثينا وإسبرطة وتهدمت معالمها ولم يبق منها سوى آثار بالية ورموز لمجتمع باد وتدمر تحكي حروبه وأفوله ، لم يتحقق معه حلم فلاسفتـهم والمنظرين لتواصله على أساس الشذوذ الشهوي ، والدعوة إلى العري ونزع حجاب الحياء الضامن لصلاح البقاء، والتي من نتائجها – كما قلنا - الاحتراق والاختراق لأنها دعوة نحو البهيمية العمياء وفساد النوع الانساني.
فمن نماذج هذا التنظير أقتطف بعض محاورات أفلاطون في جمهوريته قولـه :
- فقلت : وهل من الممكن أن نعهد إلى حيوان بنفس عمل حيوان آخر إن لم نغذه ونتعهده بنفس الطريقة ؟ هذا محال.
- فإذا ما فرضنا على النساء نفس مهام الرجال فعلينا أيضا أن نعلمهن نفس التعليم.
- أجل
- وإذن فمن الضروري أن يأخذ النساء بنصيب من هذين الفرعين من التعليم ومن فن الحرب وأن يعاملن نفس معاملة الرجال.
- هذا ما يؤدي إليه كلامك ولكن ربما كانت في هذه الاقتراحات أمور تبدو غريبة إذا خرجت إلى حيز التنفيذ وذلك لمخالفتها للمألوف. قد يكون الأمر كذلك بالفعل فماذا تراه أغرب ما فيها ؟
- لا شك أن قيام النساء بالتدريب وهن عاريات تماما مع الرجال في حلبة الرياضة، ولا أعني بذلك الصغيرات منهن فحسب ، وإنما أعني المتقدمات منهن في السن أيضا كالشيوخ الذيـن يميلون إلى رياضة أبدانهم مع انكماش أجسامهم وقبح منظرها .
- أجل إن هذا ليبدو غريبا حقا إذا تأملناه من خلال العرف السائد، ولكن ما دمنا قد بدأنا بعرض آرائنا فليس لنا أن نخشى سخرية الساخرين الذين ينتقدون ما نريد إدخاله من التجديد، لا في موضوع تربيـة النساء بدنيا فحسب بل وفي تربيتهن الموسيقية والذهنية وتعويدهن حمل السلاح وركوب الخيل.
- والحق معك"[54].

وكامتداد لهذا المسخ الفكري والسلوكي الذي لايحتاج إلى تعليق ، نورد نموذجه المتفرع عنه والمؤيد له في الفكر الغربي الحديث، ونلخصه في بعض آراء فرويد حول الكبت الغريزي والعرض والقلق حيث يقول: "إن الكبت يحدث في حالتين مختلفتين : عندما يقوم إدراك حسي خارجي بإثارة دافع غريزي غير مرغوب فيه، وعندما يثور هذا الدافع الغريزي من الداخل بدون إثارة من هذا النوع، وتحدث هذه الوقاية ضد التنبيهات الخارجية فقط وهي لا تحدث ضد الدوافع الغريزية الداخلية.
وما دمنا نوجه اهتمامنا إلى محاولة الهرب التي يقوم بها الأنا، فإننا لن نقترب لذلك من الموضوع الخاص بنشوء العرض. إن العرض ينشأ نتيجة لارغام الدافع الغريزي على الكبت، غير أن الكبت بإضعاف عملية الاشباع وبإنزالـه لها إلى مرتبة العرض إنما يظهر سطوته من ناحية أخرى، فإن ذلك يمنع عملية الاشباع البديل على قدر الامكان من التفريغ عن طريق الحركة. وحتى إذا لم يكن ذلك ممكنا فإن عملية الاشباع البديل تضطر أن تستخدم نفسها في إحداث بعض التغييرات في بدن الشخص نفسه بدون أن يسمح لها بالاصطدام مع العالم الخارجي، وليس بمسموح لها أن تتحول إلى حركة إذ أن الأنا كما نعلم إنما يقوم بالكبت تحت تأثير الواقع الخارجي، وهو لذلك يحول دون أن يكون لعملية الاشباع البديل أي تأثير على الواقع"[55].

إن هذه المناهج الممثلة للفكر الغربي بائده وحديثه تكشف عن تناقضاتها سواء عند المقابلة وملاحظة التكامل الشذوذي بين الفكر اليوناني في الماضي وبين الفكر الأوروبي الحديث، أو عند تحليل كل منهما على حدة. كما أن كشف هذه التناقضات لا يتطلب بذل جهد وإطناب في استعراض ما بقي من آراء شبيهة لها عبارة ومعنى، إذ محاورات أفلاطون تفترض المستحيل الغرائزي والمستهجن السلوكي حينما تريد أن تروض التجاذب الجنسي والعاطفي بين الرجل والمرأة على سبيل متناقض، وهو افتراض غياب التأثر والانفعال مع التقريب المباشر والمتماس بين المؤثر والمتأثر أو الفاعل والمنفعل بطبيعة تكوينه، وهذا تناقض صارخ لا يقبله عقل ولا تجربة ولا عادة سواء كانت نفسية أو طبيعية، بحيث أن القاعدة العامة في تحديد العلاقة بين العناصر القابلة للتجاذب تؤكد أنه كلما اقتربت مسافاتها وذراتها مكانيا إلا وتقوت نسبة تجاذبها بل نسبة حرارتها، كما نجد لدى الفلكيين في تحليلاتهم لنسب البرودة والحرارة في الكواكب المكونة للمجموعة الشمسية من حيث قربها أو بعدها عن الشمس، بحيث أن الكوكب الأقرب إلى الشمس يكون أقرب إلى الاحتراق وربما الانفجار حينما يستنفذ قوة تحمله.

وكمثال آخر قريب من هذا فيزيائيا نجد نموذج المغناطيس في تجاذب شطريه المنفصلين، إذ أنه بقدر ما كان التقارب بينهما أكثر بقدر ما ازدادت قوة التجاذب لحد التماس والالتصاق بل قد يصل الحد إلى التصادم المؤدي إلى الإنكسار أو التفتت، لكننا إذا عزلنا المغناطيس عن شطره إما بعازل كثيف وإما بتولية أحد شطريه عن الآخر ظهره، أي الجانب الذي لا يقبل معه التجاذب فإن التدافع سيكون هو العكس وبذلك لا يتم الانجذاب ولا الاصطدام إلا إذا وجه الشطران بحسب القاعدة المفيدة للتجاذب عند الاقتضاء.

والدليل المغناطيسي على غرار الكهربائي كما سبق وبينا يعتبر قريبا جدا إلى تحديد مفهوم الجنسين واتحاد عناصرهما مع اختلاف قطبيهما وخصائصهما، بحيث قد لا يقتصر كقاعدة وتلخيص فيما توصل إليه الفيزيائيون: "وجود قوى الجذب أو التنافر على الأجسام المشحونة بالكهرباء فحسب، بل يتعداه أيضا إلى المواد المغناطيسية كحجم المغناطيس الذي يوجد في الطبيعة على شكل خامة أكسيد الحديد، وتبدو الخصائص المغناطيسية للوهلة الأولى مركزة في مساحتين صغيرتين في طرفي المغناطيس تسميان قطبي المغناطيس، وعندما يعلق قضيب مغناطيسي ويترك بشأنه يتجه إحدى طرفيه مباشرة نحو الشمال ويسمى نتيجة لذلك، قطب المغناطيس الشمالي ش، ويسمى الطرف الآخر القطب الجنوبي ج، والمعروف أن القطب الشمالي يجذب القطب الجنوبي وأن قطبين من نوع واحد يتنافران!

وخلافا للشحونات الكهربائية فإنه من المستحيل عزل قطب مغناطيس عن القطب الآخر لأنهما يقترنان دائما ببعضهما البعض، ولذلك فقد أطلق على المغناطيس اسم ثنائي الأقطاب"[56]
وعلى هذا فتوهم أفلاطون أن الرجال والنساء يمكنهم أن يتعودوا التقارب بينهم مع التكشف ودون الانجذاب الاحتراقي أو الاختراقي بالاصطدام هو مجرد تضليل ومغالطة غريزية.إذ الغريزة عملها اندفاعي نحو مثيرها ومقابلها ما لم تضبط عند الخاطر الأول بالعقل والارادة كما يركز على ذلك الصوفية.

وبسبب الاندفاع الغريزي اعتبرت جل أفعال الحيوانات غريزية وليست عقلية لأنها انفعالية ومتحركة بحسب تكشف مثيرها. فإذا كان التوازن السلوكي يقتضي حفظ الاعتدال الوظيفي لكل من القوى العقلية والشهوية والغضبية حسب التقسيم الثلاثي الأفلاطوني للقوى النفسية، فأية وظيفة ستبقـى للعقل في ضبط شهوة أو غريزة النوع التي تعتبر من أشد الشهوات والغرائز الانسانية انجذابا واندفاعا، ما دام المؤثر قائما وبارزا والمتأثر حاضرا وأسباب التجاذب القوي متوفرة بسبب رفع الحجاب والتعري الجسدي السافر والمثير للشهوة دون لجام أو ضابط؟

أو ليس هذا هو عين الكبت الذي سينظر له فرويد فيما بعد إسقاطا وبترا، والذي اعتبره من أهم الأسباب المؤدية إلى الأمراض العصابية والقلق وكل الشذوذات النفسية وأعراضها السلوكية؟
كما أن النتيجة ستكون من وراء هذا الكبت المفتعل في مجتمعات العري والسفور هي : إما العصاب المؤدي إلى الجنون وهذا هو ما اصطلحنا عليه بالاحتراق، وإما الاخلال بالتوازن والاطمئنان الاجتماعي وطغيان ظاهرة الاغتصاب والتسلسل الدوري في دوامة الشهوة المستفزة والمستثارة على التوالي مما قد يؤدي إلى تراكم المكبوتات القاتلة، ما دام العري والسفور هو السائد بإثارته في مجتمع ما وهذا ما عبرنا عنه بالاختراق، إذ النفوس لو تركناها تدور في فلك الاثارة والشهوة فإنها كما يقول ابن حزم الأندلسي تتمنى لو تنكح نساء العالم!!. فسد باب الاثارة هو الذي يحول دون هذا الاختراق النفسي ويلجم الخيال المريض عن هذا التمني.

وهذه المعاني قد أدركها الصوفية بلغة ذوقية كما سبق وعرضنا فالتزموا الضوابط الشرعية ظاهرا وباطنا، وذلك من خلال فهمهم لآية الحجاب وما تتطلبه من غض للبصر الحسي والمعنوي حتى لا يقعوا في دوامة المكبوتات والتي نظروا لها بمناهج متكاملة وموضوعية قبل أن يتحدث عنها فرويد بأسلوبه الاسقاطي المبتور وخلفياته المعبرة عن مجتمعه الفاسد والمختل سلوكيا وأخلاقيا.

2/ الفكر الاسلامي وتفادي الكبت والعصاب بالحجاب .

هذا وقد عبر الصوفية عن موضوع الكبت بمصطلحات خاصة ومتناسبة مع الواقع ومفهومه لدى الجميع مثل : التحسر والتألم وما إلى ذلك مما هو نتيجة للاثارة الشهوية بين الرائي والمرئي على وجه الخصوص، لأن العين كما يقول الغزالي : "مبدأ الزنا فحفظها مهم وهو عسر من حيث أنه قد يستهان به ولا يعظم الخوف منه والآفات كلها منه تنشأ، والنظرة الأولى إذا لم تقصد لا يؤاخذ بها، والمعاودة يؤاخد بها. قال صلى الله عليه وسلم: "لك الأولى وعليـك الثانية " أي النظــرة وقال العلاء بن زياد : "لا تتبع بصرك رداء المرأة فإن النظر يزرع في القلب شهوة، وقلما يخلو الانسان في ترداده عن وقوع البصر على النساء والصبيان، فمهما تخايل إليه الحسن تقاضى الطبع المعاودة، وعنده ينبغي أن يقرر في نفسه أن هذه المعاودة عين الجهل، فإنه إن حقق النظر فاستحسن ثارت الشهوة وعجز عن الوصول فلا يحصل له إلا التحسر، وإن استقبح لم يلتذ وتألم لأنه قصد الالتذاذ فقد فعل ما آلمه، فلا يخلو في كلتا حالتيه عن معصية وعن تألم وتحسـر. ومهما حفظ العين بهذا الطريق اندفع عن قلبه كثير من الآفات، فإن أخطأت عينه وحفظ الفرج مع التمكن فذلك يستدعي غاية القوة ونهاية التوفيق"[57]. وفي نفس المعنى نجد هذين البيتين المتداولين عند الصوفية في شتى المناسبات وهما :

وأنت إذا أرسلت طرفك رائــدا*** لقلبك يومـا أتعبتـك المنـاظــر
رأيت الـذي لاكله أنـت قـادر *** عليه و لا عن بعضه أنت صابـــر
إن السفور دليل الخوف والحـذر*** هذا هو العرف في الأعراض بالخبر
فإن رأيت فتاة الحي قد سفـرت*** فكن فديـتك مـن هذا علـى حــذر[58].
فالتلازم قائم بين الشهوة واللذة والألم، وخاصة من جانب الادراك الحسي والنفسي الجنسي، إذ الشهوة حسب رأي ابن عربي "لا تتعلق إلا بما للنفس في نيله لذة خاصة، ومحل الشهوة النفس الحيوانية ومحل الارادة النفس الناطقة ، والشهوة تتقدم اللذة بالمشتهى في الوجود، ولها لذة متخيلة تتعلق بتصور وجود المشتهى، فتلك اللذة مقارنة لها في الوجود، فتوجد في النفس قبل حصول المشتهى، واللذة لوجود حصول المشتهى في ملك المشتهي ، فليس عـيـن الشهوة عين اللذة لفنائه بحصول المشتهى وبقاء اللذة"[59].

واللذة تتبع الادراك، والادراك إدراكان : ظاهر وباطن، أما الظاهر فبالحواس الخمس ... ومن اقتصر من لذته على الحواس الخمس فهو بهيمة ـ كما عبر الغزالي ـ لأن البهيمة تشاركه فيها، وإنما خاصية الانسان التمييز بالبصيرة الباطنة ولذة البصر الظاهر في الصور الجميلة الظاهرة، ولذة البصيرة الباطنة في الصور الجميلة الباطنة"[60]

ومن هنا فتوسيع دائرة النظر إلى الأجسام المشتهاة بغيرقـيود مقدمات إلى طلب تحصيل اللذات المتراكمة واستفراغ طاقاتها النفسية، وإلا انـقلب الأمر إلى غضب مؤلم أوعصاب حسب التعبيرات الحديثة ، إذ الشهوات حسب تعريف الغزالي هي : عبارة عن مجموعة من الآلام يسعى الانسان إلى التخلص منها والاستراحة من عنائها أو ضغوطها، "فيجد لذة بسبب الخلاص."[61]

وبهذا فتحريك الشهوة طلب للذة وتحصيل اللذة استفراغ للآلام المتراكمة عن إثارة الشهوة، وهذه الآلام تتحدد منافعها ومضارها بحسب الاعتدال أو الافراط والتفريط في إثارتها وإخمادها ، لأنها في اعتدالها آلام ملائمة لطبيعة الانسان وتكوينه وسعادته فردا ومجتمعا، لكنها عند الافراط أو التفريط قد تصبح آلاما حقيقية تتحسر منها نفسه وجسده، وبالتالي سببا إلى الاختراق والاحتراق أو الغضب والعصاب الناتج عن الكبت، خاصة في مجتمع متبرج ومتغنج وذي تمنع متصنع ومتهيج، مما يعني التضاد السلوكي والتناقض الذاتي بين الاثارة المفرطة والمتعمدة وبين عدم القدرة على تحصيلها كلها رغم تـعلق الارادة شهوة بها لأنها خارجية ليست في ملك العين ، إذ أن "التضاد مؤلم ـ كما يقول الغزالي ـ سواء كان بسبب خارج أو داخل، فإن سم العقرب في العضو يؤلم لفرط برودته المضادة لحرارة البدن فلا تظن أن الآلام كلها تدخل من خارج ، فإن قلت إن العقرب إنما لدغت من خارج ، فاعلم أن ألم السن وألم العين لا يقصر عنه وإنما سببه انصباب خلط داخل مضاد لمزاج العين والسن، وليس ذلك بأهون من لذغ العقرب والحية، واعلم أن تضاد الصفات في القلب يؤلم إيلاما لا ينقص عما يؤلم السن والعين".[62]

فالصوفية حينما أدركوا موضوع الكبت وأسبابه الداخلية والخارجية ، عالجوه بوسائل موضوعية تستند على الأمر الشرعي ومقتضيات العقل والغريزة السليمة ، وذلك من خلال هذه الاجراءات التي سيلخصها الغزالي في قوله بأنه : "مهما أفرطت هذه الرغبة -أي الجنسية- فكسرها بالجوع، والنكاح، وغض البصر، وقلة الاهتمام بها وشغل النفس بالعلوم واكتساب الفضائل فبهذا تندفع"[63].

ومن خلال هذا المنظور الصوفي الموضوعي والسليم، تفتضح بلغة العلم والعرفان الذوقي خلفيات المناداة الملحة والضاغطة بالسفور والتبرج عبر التلفزات واستقبالاتها عن طريق الأقمار الصناعية والأطباق الهوائية، وعبر المجلات والمنتديات المختلطة والكتابات المنحرفة والمسماة زعما وإيهاما بالعلمية والمدافعة عن حقوق المرأة... إلخ إذ أن المناداة بهذا أسلوب ونحو هذا الاتجاه تعتبر بالمقياس العلمي والذوقي تضليلية وإفسادية للكيان الانساني واطمئنانه النفسي، مهما تقدم علم النفس في تحديد الوصفات العلاجية للكبت وأعراضه والقلق وأضراره، إلا إذا روعي العلاج بالحجاب وغض البصر وارتباطهما بالايمان بالله كما نص عليه القرآن الكريم والحديث النبوي الشريف، وهو ما فهمه الصوفية على وجه جيد جدا.
إذ سيكون من نتائج المناداة بالسفور والتـبرج المثير مع الادعـاء تناقضا بإمكانيـة تهذيب الغرائز ومنـعها مـن الاستجابة لموضوع الاثارة كما يقول الشاعر :

ألقاه في اليم مكتوفا وقال له *** إياك إياك أن تبتل بالماء
وهذا هو الذي أصبح طاغيا في عصرنا، إذ غالبية الناس تائهون بين مناقضات أفلاطون في العري والتعود عليه وبين مناقضات فرويد في الكبت وإطلاق إفراغاته، مما يترتب عليه كما يشهد له الواقع لدى كل من سلك طريق هذه المتناقضات إما الاحتراق وإما الاختراق كما عبرنا مرارا.

إذ الغرائز تتهذب بصرفها عن مثيرها لا بمقابلتها به وتقريبها منه. وفي هذا المضمار كمثال يحكى أن رجلا هذب قططا وجعلهن تحمل الشموع وتقف حول الموائد، وفي يوم من الأيام حملت القطط الشموع فسقط عليها فأر فألقت الشموع على الأرض وفرت وراءه، فاحترق البيت وذعر الجالسون... لأن الغريزة لا يمكن تغييرها أو قلعها جذريا، إذ سيؤدي الحال حينذاك إما إلى شذوذ غريزي أو مسخ شخصي أو إلى مرض جسدي ونفسي تتعطل معه الأعضاء ووظائفها. ولهذا فقمعها كلية غير ممكن "وليس الأمر ـ على حد تعبير الغزالي - كما ظنه فريق من لزوم قمع الغضب وإماطته بالكلية وقمع الشهوة وإماطتها بالكلية، بل الواجب ضبطها وتأديبها".[64]

وعند هذا الحد نختصر القول بأن الصوفية قد أدركوا جيدا مفهوم الحجاب في الاسلام، فجعلوا منه مدرسة عرفانية وسلوكية ترتقي فوق كل الحسابات السياسية والمذهبيات الاجتماعية الوضعية في الماضي والحاضر، ففهموا من الحجاب معناه العقدي وبعده التوحيدي ليوظفوه في توحيد الله تعالى بلغة الذوق والانشغال بالحق عن حجاب الخلق . فكانت لهم تعاريف للحجاب كثيرة كلها تصب في غاية واحدة كقول بعضهم : "الحجاب حائل يحول بين الشيء المطلوب والمقصود وبين طالبه وقاصده " "الحجاب كل ما ستر مطلوبك عن عينك".
"الحجاب انطباع الصور الكونية في القلب المانعة لقبول تجلي الحقائق".
"الحجاب كل ما يستر مطلوبك وهو عند أهل الحق انطباع الصور الكونية في القلب المانعة لقبولتجلي الحق" "اعلم أن الحجاب الذي يحتجب به الانسان عن قرب الله إما نوراني وهو نور الروح، وإما ظلماني وهو ظلمة الجسم. والمدركات الباطنة من النفس والعقل والسر والروح الخفي كل واحد له حجاب: فحجاب النفس الشهوات واللذات والأهوية، وحجاب القلب الملاحظة في غير الحق، وحجاب العقل وقوفه مع المعاني، وحجاب السر الـوقوف مع الأسرار، وحجاب الروح المكاشـفـة، والحجاب الخفي العظمة والكبرياء والحجاب الظلماني هو مثل البطون والقهر والجلال وجملة الصفات الذميمة أيضا، والحجاب النوراني يعني ظهور اللطف والجمال وجميع الـصفات الحميدة أيضا"[65].

يقول الله تعالى : يا بني آدم قد أنزلنا عليكم لباسا يواري سوءاتكم وريشا ولباس التقوى ذلك خير، ذلك من آيات الله لعلهم يذكرون.
يا بني آدم لا يفتننكم الشيطان كما أخرج أبويكم من الجنة ينزع عنهما لباسهما ليريهما سوءاتهما، إنه يراكم هو وقبيله من حيث لا ترونهم، إنا جعلنا الشياطين أولياء للذين لا يؤمنون[66]
 كلا بل ران على قلوبهم ما كانوا يكسبون كلا إنهـم عـن ربهم يومئذ لمحجوبون. [67] صدق الله العظيم

الإحالات


[38] زكي مبارك : الأخلاق عند الغزالي، ص : 75.
[39] الغزالي : معارج القدس في مدارج معرفة النفس دار الآفاق الجديدة، بيروت، ص 6.
40 سورة الأنبياء آيـة 30.
[41] سورة النسـاء آية 1.
[42] ابن عربي الحاتمي تفسير القرآن الكريم، تحقيق مصطفى غالب دار الأندلس بيروت ج 1 ص : 247 .
[43] أبو طالب المكي : قوت القلوب ج2، ص : 247 .
44 ابن عربي : الوصايا دار الايمان بيروت دمشق ص : 25 .
[45] صبري القباني، حياتنا الجنسية، دار العلم للملايين بيروت ط 22 - 1978، ص : 253
[46]رواه أحمد والنسائي وأصحاب السنن.
[47] ألان إسحاق فاليري بيت : الفيزياء : ترجمة محمد دبس، مكتبة الثقافة العلمية الميسرة، معهد الإنماء العربي، ص : 38
[48] متفق عليه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما بهذا اللفظ.
[49] ابن حزم : طوق الحمامة في الألفة والألاف، تحقيق الطاهر أحمد مكي، دار المعارف، ط2، ص 146
[50] سورة النور آية 1 .
[51] الغزالي : إحياء علوم الدين ج 3، ص : 36.
[52] الغزالي : الاربعين في أصول الدين دار الآفاق الجديدة، ص : 171 .
[53]حارث بن أسد المحاسبي : آداب النفوس دار الجيل بيروت ط 1984 ص : 126 .
[54] أفلاطون : جمهورية أفلاطون ترجمة فؤاد زكريا الهيئة المصرية العامة للكتاب 1974 ص : 347 .
[55] سجمند فرويد : الكف والعرض والقلق ترجمة محمد عثمان نجاتي دار الشروق ط 3 1403 هـ 1983م
[56] ألان إسحق – فاليري بيت: الفيزياء ص 40
[57] الغزالي : إحياء علوم الدين ج 3، ص :91.
[58] ابن عربي : الفتوحات المكية ح 2، ص : 293
[59] ابن عربي : الفتوحات المكية ج 2 ص : 193
[60] الغزالي : الأربعين في أصول الدين دار الآفاق الجديدة بيروت ص : 190
[61] الغزالي، أحياء علوم الدين ج 3 ص 86
[62] الغزالي، الأربعين في أصول الدينص : 225.
[63] الغزالي، معارج القدس فـي مدارج معرفة النفس ص : 82
[64] الغزالي : ميزان العمل ص : 54
[65] أنور فؤاد أبي خزام : معجم المصطلحات الصوفية : حجاب مكتبة لبنان ناشرون ط 1 1993 ص
[66] سورة الأعراف آية 26 - 27
[67] سورة المطففين، آية : 15


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

الحجاب، التصوف، الصوفية، الغرب الكافر، المرأة، تغريب، تعري، عري، المسلم الرسالي،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 5-09-2009  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
سفيان عبد الكافي، سلام الشماع، رشيد السيد أحمد، محمود فاروق سيد شعبان، د. عادل محمد عايش الأسطل، أحمد ملحم، علي عبد العال، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمد اسعد بيوض التميمي، رضا الدبّابي، محمد الياسين، مصطفي زهران، الهيثم زعفان، د - الضاوي خوالدية، رمضان حينوني، وائل بنجدو، طلال قسومي، يحيي البوليني، د.محمد فتحي عبد العال، نادية سعد، ياسين أحمد، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، د. طارق عبد الحليم، أحمد الحباسي، د - محمد بن موسى الشريف ، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، صلاح المختار، عراق المطيري، فتحي الزغل، كريم السليتي، عواطف منصور، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أحمد النعيمي، أحمد بن عبد المحسن العساف ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، د - صالح المازقي، محمد عمر غرس الله، رافد العزاوي، محمد شمام ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، عبد الله الفقير، صباح الموسوي ، د. أحمد محمد سليمان، حميدة الطيلوش، عبد الله زيدان، إسراء أبو رمان، منجي باكير، أحمد بوادي، صفاء العراقي، سامح لطف الله، سامر أبو رمان ، حسن الطرابلسي، د. أحمد بشير، خبَّاب بن مروان الحمد، د - شاكر الحوكي ، د- محمود علي عريقات، أنس الشابي، سيد السباعي، فتحي العابد، أشرف إبراهيم حجاج، مجدى داود، تونسي، خالد الجاف ، مراد قميزة، محمد العيادي، أ.د. مصطفى رجب، د- محمد رحال، د. ضرغام عبد الله الدباغ، أبو سمية، الهادي المثلوثي، سعود السبعاني، إياد محمود حسين ، عزيز العرباوي، فتحـي قاره بيبـان، محمود طرشوبي، محمد الطرابلسي، حسني إبراهيم عبد العظيم، جاسم الرصيف، فهمي شراب، علي الكاش، د. صلاح عودة الله ، عمر غازي، محمد يحي، د - مصطفى فهمي، د. عبد الآله المالكي، سلوى المغربي، ماهر عدنان قنديل، محمد أحمد عزوز، صالح النعامي ، صلاح الحريري، ضحى عبد الرحمن، رافع القارصي، فوزي مسعود ، عمار غيلوفي، سليمان أحمد أبو ستة، حاتم الصولي، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، محمود سلطان، د - المنجي الكعبي، صفاء العربي، د - عادل رضا، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. خالد الطراولي ، العادل السمعلي، إيمى الأشقر، حسن عثمان، د - محمد بنيعيش، د- جابر قميحة، المولدي الفرجاني، يزيد بن الحسين، محرر "بوابتي"،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة