ضحى عبد الرحمن - العراق
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 84
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
المقدمة
لم يترك تأريخ الأدب العربي أي مفصل من فصائل الحياة الا وتناوله باستفاضة، ففي مجال الحيوان والجماد والنبات وبقية الأشياء التي لها علاقة بالبشر من حيث الاستخدام تحدث عنها كبار الأدباء العرب قبل الإسلام وبعده بصورة علمية ودقيقة، علاوة على التراجم من اللغات الأخرى، فقد انصهرت جميع تلك البحوث والدراسات العربية والأجنبية في بوتقة واحدة أفادت البشرية.
سنتناول في هذا المبحث الذباب والبعوض والبرغوث وما جاء فيها في الأدب العربي واية الفصول يتكاثروا فيها، وما ورد عنها في الاشعار والامثال وغيرها من المباحث. مثلا قال الشيخ ركن الدين الوهراني" ينام في ثيابه، يقاسي الناموس في الشتاء، والبراغيث في الربيع، والبق في الصيف، والذباب في الخريف". (منامات الوهراني/118)؟ قال ابن الشيخ البلوي" قال كعب الأحبار عن أعمار الذباب اربعون يوما والبعوض ثلاثة أيام ". (الف باء ق1/ج 2/279). وقال الترمذي" قال الرسول: لو كانت الدّنيا تساوي عند الله تعالى جناح ذبابة ما أعطى الكافر منها شيئا". (سنن الترمذي/2321) و السيوطي في (الجامع الصغير/7480). كما قال الجاحظ" قيل وفي الذباب خصلتان من الخصال المحمودة: أمّا إحداهما: فقرب الحيلة لصرف أذاها ودفع مكروهها؛ فمن أراد إخراجها من البيت فليس بينه وبين أن يكون البيت على المقدار الأوّل من الضّياء والكنّ بعد إخراجها مع السّلامة من التأذي بالذبان- إلّا أن يغلق الباب، فإنّهنّ يتبادرن إلى الخروج، ويتسابقن في طلب الضوء والهرب من الظلمة، فإذا أرخي السّتر وفتح الباب عاد الضّوء وسلم أهله من مكروه الذباب، فإن كان في الباب شقّ، وإلّا جافى المغلق أحد البابين عن صاحبه ولم يطبقه عليه إطباقا. وربّما خرجن من الفتح الذي يكون بين أسفل الباب والعتبة. والحيلة في إخراجها والسّلامة من أذاها يسيرة".(كتاب الحيوان3/154).
القول في طبائع الذباب
من عجائب العرب انها تجعل الذباب والفراش والنحل والدبر كلها من الذباب رغم الاختلاف بينهم من حيث الشكل والطبع، ويقال إن الذباب يكثر إذا هجت ريح الجنوب، وإنه يخلق تلك الساعة، وإذا هبت ريح الشمال خف وتلاشى وهو من ذوات الخراطيم، وكذلك البعوض ويزعم القائم لهذا: إن الذباب يخرجه ويدخله، متى أحب الأكل، والولوج، ومن عجيب أمره أنه يلقي رجعيه على الشيء الأسود أبيضا وعلى الأبيض أسودا وقال أصحاب الفحص عن طبائع الحيوان: الذباب لا يظهر إلا في مواضع العفونة والأماكن المستقذرة، فإنه يخلق من أجزاء تلك العفونة، وهو من الخلق الذي مبدأ خلقه من العفنات، ثم يكون السفاد، ويخلق دودا ثم يصير ذبابا وإذا سفد أبطأ في سفاده، وربما بقى الذكر على ظهر الأنثى عامة النهار وهو يتجاوز في ذلك البعير والخنزير والكلب، وهو من الحيوانات الشمسية وذلك أنه يخفي شتاء، ويظهر صيفا، وفيه من أسرار الطبيعة أنه لما لم يخلق لعينيه أجفان يدرأ بهما القذى عنها، كما خلق لسائر الحيوان خلق له في مقدم بدنه يدان زائدتان تتحركان أبدا كحركة الأجفان ليفعلا فعلهما في تنظيف القذى من عينيه لتبقى صافية، وقال: عنترة بن شداد يصفه بذلك من قصيدته المعلقة
وخلا الذباب بها فليس يبارح ... هزجا كفعل الشارب المترنم
غردا يحك ذراعه بذراعه ... فعل المكب على الزناد الأجذم (مباهج الفكر ومناهج العبر/110)
كتب أبو القسم الآمدي" وصار كاتب الديوان أفرغ من حجام ساباط وحسبك أيدك الله أن كاتب الديوان في هذا الوقت شيخٌ كان يخلفني ويخلف من كان يلي الديوان قبلي يُعرفُ بابن نوح حسن الشيبة عظيم الهامة كثير الصمت لو رأيته لقلتَ هذا نوح النبي (ع) سمتاً ووفارا وليس له عملٌ خلف سلته إلا صيد الذبانِ فهو أعلم خلق الله بأجناسها إذا مر به ذبانَ يطيرُ عرفه بطيرانه قبل أن يسقط فيقول هذا ذكرٌ وهذا أنثى وهذا ربيعيٌ وهذا صيفي وهذا مُلحٌ وهذا لجوجٌ يسقط على العين والأنف ويطرد فيعود وهذا يلسع وهذا ليس بلساع وهذا يقع على الأقذار وهذا نزهٌ عيوف لا يقع إلا على المآكل الحلوة والأشياء العذبة وهذا من صيد الليث وهو جنس من العناكب وليس هذا من صيده وهذا يقع في شبكة الخدرنق وهو العنكبوت الطويل الأرجل وهذا يسفدُ وهو يطير وهذا لا يسفد إلا واقعاً وهذا مما يدخل رأسه في رؤوس الذبان السبعة التي تقع في الأكحال لأنه أقرح وهذا إن وقع رأسه في كحل عمي من يكتحل به لأنه أحمر الجبهة وهذا يقبل بدنه على خرطومه وهذا لا يقبل وهذا هزجٌ مغنٍ وهذا صموتٌ وهذا يُنذرُ وهذا يبشرُ بطنينه وزمزمته فيصدق فيما يعدُ ويوعد ويكون ذلك أخذاً بالكف. وقد ألف فيها كتابا حسنا فيه نوادر وعبر. وظننته قد نظر في باب الذباب والبعوض من كتاب الحيوان واستقى من هناك ففاتحته فاذا هو لا يعرف الجاحظ ولا سمع بكتاب الحيوان قط ونظرت فإذا أبو عثمان لم ينته في معرفة الذباب إلى شيء مما انتهى إليه وعرفه. ومن أجود ما قيل في البراغيث قول بعضهم وقد ظرف في ذلك:
فيا لعبادِ اللهِ ما لقبيلةٍ ... إذا ظهرتْ في الأرضِ شدُ مُغيرها
فلا الدينُ ينهاها ولا هي تنتهي ... ولا ذو سلاح من معدٍ يضِيرُها (ديوان المعاني2/149).
القمعة
قال ابن قتيبة الدينوري" ومن الذباب: القمعة: وهو ذباب أزرق [عظيم، وجمعه] قمع تقع على رؤوس الدواب فتؤذيها. والشذاة: ذباب وجمعها شذى مقصور، وهي تعض الإبل، ومنه يقال للرجل آذيت واشذيت، ويقال ذباب وجمعه أذبة. النعرة: ذبابة تسقط على الدواب فتؤذيها، ومنه قيل حمار نعر.والشعراء: ذباب". (الجراثيم2/299). ذكر ابن قتيبة" قال ذو الرمة يذكر حميرا:
يذببن عن أقرابهن بأرجل ... وأذناب زعر الهلب زرق المقامع
المقامع الذباب الواحدة قمعة جمع على مفاعل مثل مطايب الجزور والواحد أطيب، والخيل تجري على مساويها والواحد سيء، وفيه مشابه من أبيه والواحد شبه، ويروي: ضخم المقامع: والواحدة مقمعة وهي الجحافل من الحمر والخيل ومن الإبل المشافر". (المعاني الكبير2/605).
الشٌعراء
ذكر نشوان الحميري" الشَّعْراء : ضربٌ من ذباب الدواب أزرق ، قال الشماخ:
تذبُّ ضيفاً من الشَّعْراء منزلُه منها لَبَانٌ وأقرابٌ زهاليلُ (شمس العلوم6/173).