من المستفيد من تغييب يحي السنوار عن المشهد الشرق أوسطي؟
المولدي اليوسفي - تونس
من كتـــــّاب موقع بوّابــتي المشاهدات: 294
يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط
يعيش الشرق الأوسط منذ أكثر من سنة حالة سياسية تتحكم في نبضها غزة بأحداثها وآلامها ورغم ما لحقها من دمار ما عرفه التاريخ وما ارتكب فيها الصهاينة من جرائم يرضاها الأمريكان ومن سار في ركابهم ويستحي منها الشيطان. لا نقول إن مقاتلي الصهاينة عصابة محترفة التنكيل لأنهم أعداء لنا وإنما احتراما للمفاهيم فما عرف التاريخ جندا يفرمون الجرحى مع التراب بالجرافات ولا جيشا يوجه مدافعه لمستشفى به خدج ... قد لا تكون هذه الجرائم محل اجماع القوى الاستعمارية وليس ذلك لأن منها من لا يقرها وإنما هناك فريق يقر تقتيل الفلسطيني ويؤمن بضرورة دعم الكيان الصهيوني في كل ما يصبو إليه إلا أنه يرغب في إيجاد مخرج للمختطفين وتحسين صورة الكيان بتحسين وجهه باتفاق "ما" يضفي عليه مسحة القابل بالتحاور و التفاهم مع العدو بعدما شاهد القاصي والداني بشاعة وجهه المجرم الشيء الذي دفع بشباب الدول الاستعمارية للخروج إلى الشارع وكأنه يقول "أوقفوا هذه الجريمة فلم يعد في وجهكم ما يرى" إلا أن هذه الكتلة لم تستطع الوقوف في وجه الشق الرافض للتحسين والمقر لخط تصفية الخصم منهجا وحيدا للتربع على المشهد السياسي الدولي والقادر على تغييب كل من يريد أن يقاوم أو يحلم بالتحرر من قوى الاستعمار وليس أدل على ذلك من اغتيال كل القادة وخاصة من يقبل بالحوار أو ينخرط فيه مثل الشهيد إسماعيل هنية. ولعل منا من لا يزال يذكر ياسر عرفات وكيف وقع التخلص منه بعد أن أخذوا منه كل شيء. يتمسك بهذا الخط بالخصوص الفاعلون في الإدارة الأمريكية وجل العواصم الاستعمارية.
يتبين لهذه القوى صواب منهجها عندما ترى نتيجة ممارستها للعلاج بالصدمة الجماعية في بعض دول أمريكا اللاتينية وآسيا والشرق الأوسط حيث كانت تعزل العاصمة التي تمرق عن سرب الدول التي تتعامل معها فتدمرها لتعتبر العواصم الأخرى. فعندما كان ما كان من أمر بغداد بتهمة امتلاك أسلحة الدمار الشامل لم تحتج العواصم العربية وانقسمت بين متعاون مع المهاجمين وبين مهللين ومنكسي رؤوسهم وكأنهم لا يشهدون ما يحدث. فسارعت، مثلا، طرابلس الغرب بتسليم ما كان عندها من مواد جمعتها بنية "إنشاء مفاعل نووي". وهكذا وطدت العواصم العربية أسسها على ذلك التعامل مع قوى الاستعمار دون وعي منها حتى أن رأس السلطة لا يعي، أحيانا، ذلك ولنا مثال في الرئيس المصري حسني مبارك عندما رفض صفقة القرن. فهو لم يكن رافضا للمشروع ولكنه كان يعتقد أن دولته كما كل الدول العربية لا تقبل بذلك وتبين فيما بعد أن الرضى بـ/على ما تقره القوى العظمى سرى بأقوى مما يستوعبه وعي مبارك وهو أكبر الساعين اليه. هذا الخط يقابله في المنطقة العربية المقاومة المجتهدة في اثبات وجودها كقوة مدافعة عن أرضها وحق شعبها في الاستقلال. إلا أنه تبين لهذه المقاومة افتقادها للظهر السياسي الذي يمكن ان تستثمر فيه ما تحققه وهذا يحرمها من الاستفادة مما قدمت من تضحيات وما أنجزت في إيلام عدوها. ما لها من مخرج من هذه المعضلة سوى تشكيل موقف وطني فلسطيني يضم القوى الوطنية بما فيها تلك التي تختلف معها. في هذا التوجه نقل عن يحي السنوار، أكثر من مرة، أنه يسعى لتحقيق هذا الموقف الموحد بواجهة السلطة الفلسطينية وهو مخرجه من سوء ما هو فيه. وفعلا تحركت المقاومة لتحقيق ذلك وكانت لقاءات روسيا والصين... وفي اليوم السابق لاستشهاد السنوار صرح خليل الحية أن اجتماعا سيعقد في القاهرة بين المقاومة والسلطة الفلسطينية لتشكيل موقف وطني فلسطيني. وهو أمر لو تم يخرج المقاومة من المطبة التي تقع فيها ويفتح للسلطة الفلسطينية بابا تعود فيه للواجهة السياسية الفلسطينية وتتزين وتعيد بريقها كواجهة للنضال السياسي الفلسطيني. ونقل عن رئيس الشنبيت أنه يرغب في الاتصال، طبعا عبر واسطة، بيحي السنوار. ويعلم المتابعون ان رئيس الشنبيت من الساعين لإرجاع الرهائن الذين تحتجزهم المقاومة منذ سنة وإيقاف القتال، ولو مؤقتا فمقاتلو الصهاينة لم يعرفوا قتالا طال بهم كالذي يخوضونه وقد أنهكهم رغم تغاضي الكتلة الراغبة في مواصلة القتال عن ذلك.
تناغم رئيس الشنبيت مع تصريح خليل الحية فولد أملا في إمكانية الوصول إلى اتفاقية. إلا أن الكتلة الدافعة لمواصلة الحرب تحركت بسرعة فكان لقاء ولي العهد السعودي بالرئيس المصري ليبلغه بالمكالمة التي التقطت منذ شهر أوت وتورط فيها عباس كامل، رئيس المخابرات المصرية، مسيئا للسعودية فما كان من الرئيس المصري إلا أن أقال رئيس المخابرات وبذلك ذبح لقاء القاهرة الذي ذكره خليل الحية والذي لا يعقد دون رئيس مخابرات البلد المضيف. هكذا ألغي اللقاء أو أجل إلى موعد قد لا يحدد. وفي نفس اليوم عثر مقاتلو الصهاينة بالصدفة ( !!!!!! ؟؟؟؟؟؟) على يحي السنوار وقتلوه دون أن يعلموا من هو. ( !!!!!! ؟؟؟؟؟؟)
الغير راغبين في إيجاد مخرج على النحو الذي ذكرنا يعلمون أن هذا التمشي يدعم فكرة حل الدولتين وهو مخرج لا تقبل به أمريكا وكل دول الاستعمار إذ يعني آليا تقسيم فلسطين التاريخية وفي هذا تبعتان تلغي كل منهما الكيان الصهيوني كما أسس وكما تريد قوى الاستعمار أن يكون. التبعة الأولى إيجاد حدود معلومة للكيان وهذا يعني حبسه في منطقة تقلص حجمه وهنا تبرز التبعة الثانية وهي أن الكيان بهذا الحال لن يكون القوة التي تهيمن على المنطقة وتملي على دولها سياساتها هذا إضافة إلى ما سيفتحه هذا المقترح من مشاكل مثل ماذا عن المستوطنين في الأراضي التي ستكون تابعة للدولة الفلسطينية؟ وما مصير مرتفعات الجولان؟ لذلك يخططون لإطالة مدة الحرب حتى يدفعوا المنطقة إلى مخرجات أخرى. أولها القضاء على المقاومة ورفع الحرج على المطبعين من العواصم العربية ودفع المتأخرين للالتحاق بالسرب وتتويج الكيان دولة كبرى في المنطقة ولن تستطيع عندها العواصم العربية من منع الكيان من ضم المناطق التي ذكرها كأجزاء منه. فالمتعاونون مع الهاجمين على غزة والمهللين ومنكسي رؤوسهم وكأنهم لا يشهدون ما يحدث ولم يحتجوا على أن تجيز أمريكا قتل الانسان جوعا بإمهالها الكيان شهرا قبل ادخال الغذاء الى شمال غزة وهي تعلم أن بها أطفالا يموتون جوعا هؤلاء لن يتحركوا عند ضم الكيان ارضا أخرى.
كما تسعى هذه الكتلة، ضمن ما تخطط له من مخرجات المشهد الحالي، لتدمير حزب الله تمهيدا للقضاء عليه بعد مدة ولمناورة إيران للقضاء على أذرعها أو تدجينها مقابل وعدها بعدم تدمير مفاعلها أو ربما تقاسم الهيمنة معها على المنطقة مع تقليص مجال نفوذها. وفي هذا اطمئنان على المنطقة مما يجعل العواصم الغربية تهتم بمنطقة توتر أخرى. طبعا هذا حلم هذه الكتلة إلا أن قراءة معمقة مع توسيع مجال الاهتمام خارج حدود الشرق الاوسط يكشف أن تحقيق هذا الحلم ضعيف جدا رغم ما يبدو من عدم تملك المقاومة للوسائل القتالية مقارنة بالكيان مع تخلي الاقرباء عنها وهم بذلك قدموا لها خدمة جليلة .... فلو أعانوها ولو بـ"قارورة ماء"؟ لتدخلوا في قرارها ولو حصل ذلك لقادوها على خطى "منظمة التحرير الفلسطينية".
--------
المولدي اليوسفي
أستاذ محاضر
علم اجتماع سياسي
تونس
اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة: