البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

المنشار التونسي عدد 54.. تقطيع أوصال الحرية

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 267



فضيحة معرض الكتاب بتونس تجاوزت الحدود، ولسنا نحتاج دليلًا أبلغ ولا أوضح من خروج الرئيس خروجًا استعراضيًّا ليلة الثالث من مايو/ أيار، ليخفّف من آثارها على نظامه وعلى شخصه.

ردّت الصحافة العالمية المهتمة بالشأن التونسي بسرعة ونشرت النار في هشيم النظام، نظام الانقلاب في تونس عاد إلى أساليب بن علي، وشرع يصنصر الكتب والأفكار ويطارد أصحاب الرأي.

قام الناشرون بحركة تضامنية سريعة وفعّالة بإغلاق أجنحتهم بالمعرض، وتفاعلت مواقع التواصل بشكل أسرع مع الحدث فوسّعت صداه، فوجدت مديرة المعرض نفسها في ورطة اضطرتها إلى رمي كرة اللهب بعيدًا عنها، فهي ليست من اتخذت قرار منع ترويج الكتاب وإغلاق مقر الناشر.

هنا تبيّن للناس جهة المنع، وتحدث البعض عن ميليشيا تأتمر بأمر وزيرة الثقافة، هدأت الأزمة أو رُدمت بفعل ماكينة إعلامية مدرّبة تقف مع الرئيس ونظامه، لكن الجمهور الواسع ظلَّ يتحدث عن المنشور 54 المتعلق بجرائم النشر بعد الانقلاب.

منشور متخلّف
المنشور عدد 54 صدر من دون مقدمات موضوعية، إذ قام الناس ذات صباح فوجدوه مسلّطًا على رؤوسهم وأقلامهم، لقد كان في رأس الرئيس ضمن خطته الخاصة بالسيطرة والتحكم الفردي (وهو المشرع الأوحد الذي لا تُراجع قراراته)، ومضمون المنشور يقوم على محاكمة النوايا قبل الفعل، وهو يسحب الجميع إلى منطقة "الأصل في الأشياء المنع لا الإباحة"، وهو منطق نظام بن علي وكل نظام قمعي يضيق بالرأي المخالف، ولدينا عليه أمثلة في كل المنطقة العربية.

بشاعة المرسوم كشفت مساحات الحريات التي فرضتها الثورة طيلة عشرية الحريات الباهرة، تحررت فيها الأقلام والعقول فتمتّعت بقول ما تريد دون رقيب أو حسيب، حتى أن أعداء الحرية من ماكينة إعلام بن علي كانوا أكثر من تمتع بها وعبث بنتائجها، والآن بدأ الجميع يحترق بنار محاكمة النوايا قبل الفعل.

لاحظنا للأسف علامات خوف كثيرة من قبل مدونين كانوا مطلقي الأيدي والألسن، هناك قلة باقية على خط نار الحريات وتكتب بشجاعة، لكن الشعور بأن مساحة الحريات قد ضاقت صار حقيقة ماثلة في الشارع الافتراضي والشارع الاجتماعي.

وعندما تسمع أصوات دفاع قوية عن الحرية، تخرج ماكينة بن علي/ الانقلاب لتقول للناس: "ماذا تفيدنا الحرية؟" أو "الحرية ما توكل خبز". جماعات الخبز قبل الحرية يعتلون المشهد ويملكون المناشير وقد بدؤوا "الخشقجة"، حيث بإمكان أي مسؤول في ماكينة الانقلاب أن يتظلم لدى القضاء من تدوينة عابرة قد يكون صاحبها كتبها بشكل ساخر.

الأصوات المراجعة للموقف من لعن العشرية لصالح الانقلاب بدأت تُسمع، لكنها مرتبكة، فكل تمجيد لمكسب من مكاسب العشرية يصبّ في مصلحة الحزب المتهم بأنه سوّد أيام تونس، أي حزب النهضة.

طبعًا مراجعو مكاسب العشرية وجدوا مدخلًا آخر للقول، فقد بدأنا نسمع جملًا متناثرة أن مكاسب العشرية ليست من فعل حزب النهضة، إنما هي من فعل التعدد السياسي الذي حكم، لكنهم لا ينتبهون إلى أنهم يبيّضون حزب النهضة عدوهم اللدود، ولذلك هم في ورطة كبيرة. نتمتع الآن بمتابعة ارتباكهم، فمناشيرهم الحربائية تقطع أوصالهم قبل أوصال حزب النهضة.

إعلاميون لا يؤمنون بالحريات
في مشهد الدفاع عن الحريات من منشور أو بالأحرى منشار 54، فُضِحَ إعلاميون لا يؤمنون بالحرية إلا لأنفسهم، لذلك يعلو صراخهم إذا طالت الاعتقالات واحدًا من صفهم، بينما يصمتون صمت القبور إذا كان الإعلامي من صف النهضة أو من صف الثورة المنقلب عليها.

لقد حوكم أمام محكمة عسكرية إعلامي قريب من النهضة، لأنه قرأ قصيدة لأحمد مطر على المباشر (صارت تعرف بقضية القصيدة)، لم تنبس نقابة الصحفيين ببنت شفة إلا بضغط كبير، فأصدرت بيانًا خجولًا يطالب بمحاكمة عادلة دون أية إشارة إلى منشور 54.

أمامنا حقيقة فاجعة، يوجد إعلاميون لا يهتمون بالمساس بالحريات، ولديهم استعدادات للعودة إلى ما دون سقف وكالة الاتصال الخارجي (مؤسسة رقابية أقامها بن علي حوّلت الإعلاميين إلى مرتزقة ومخبرين عند الأجهزة الأمنية)، فالأولوية عندهم ألّا يتمتع خصمهم السياسي بالحرية التي تطلق أجنحته (رغم أنه لا يملك إعلاميين أفذاذًا ممّن يقلب المشهد الإعلامي بتدخل تلفزي أو بمقال مكتوب).

صفُّ الإعلاميين المخترق من قبل الفريق الاستئصالي الموالي للانقلاب يقوم بدور تخريبي، ويغمز للانقلاب أن يواصل تقطيع أوصال المشهد الإعلامي وترهيب الأقلام الحرة الباقية.

الانقلاب يراقب الوضع ويعرف أن فرقة الإعلاميين حول الحرية تخدمه، لذلك يتقدم بمنشاره/ منشوره في المتبقي من مساحة الحريات ويضيّق على الناس، وهي الفرقة نفسها التي تكسر ظهر جبهة المعارضة.

إذ إن كل اجتماع سياسي يحضره حزب النهضة أو بعض أنصاره وجب كسره والعمل على الحد من فعاليته، حتى أن اجتماعات التضامن مع السجناء صارت تفرز سجناء النهضة، فتتضامن مع الجميع إلا هم.

هذه الفرقة هي أقوى أسلحة الانقلاب، فنحن نكتب منذ بدايته أن قوته ليست منه إنما هو قادر وباقٍ ويحقق مكاسب خاصة في مربع إعدام الحريات باختلاف معارضيه حول الأسُس، وهو الاختلاف الذي يغذيه الفريق الاستئصالي الذي كلما تخيّل سقوط الانقلاب وجدَ النهضة تعود وتشارك، فيُمعن مع الانقلاب ولو فقد كل حريته.

رغم هذا، نقول إن مرحلة الفرز مهمة رغم الثمن المحتمل، ومهما طال بقاء الانقلاب فإن المشهد الإعلامي قد عرف أقلامه وأصواته المؤمنة فعلًا بالحرية، وسيكون من الغباء المطلق أن يشارك مدمّرو الحرية في إعادة نشرها، فالانقلاب سيرحل بهم مهما طال بقاؤه.

ولعلّ في بعض الدروس القاسية فائدة أكثر من إيمان طفولي سيطر أثناء العشرية، بأن كل من تحدّث عن الحريات أو استفاد منها مؤمن فعلًا بقوتها وجدواها. مكلف هذا الفرز لكنه ضروري للمرحلة القادمة التي لا نشك في حلولها، ولدينا كفاية من الصبر لتهيئة أرضية صلبة تقوم عليها فلا ينشرها منشور أو منشار.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، قيس سعيد، انقلاب قيس، المعارضة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-05-2023   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
علي عبد العال، محرر "بوابتي"، عواطف منصور، حسني إبراهيم عبد العظيم، أحمد النعيمي، محمد العيادي، أنس الشابي، إياد محمود حسين ، خبَّاب بن مروان الحمد، ماهر عدنان قنديل، عزيز العرباوي، د. عبد الآله المالكي، سعود السبعاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، عبد الغني مزوز، إسراء أبو رمان، رشيد السيد أحمد، ضحى عبد الرحمن، عمر غازي، خالد الجاف ، رافع القارصي، صفاء العراقي، سيد السباعي، أحمد الحباسي، سلوى المغربي، د.محمد فتحي عبد العال، الهيثم زعفان، أشرف إبراهيم حجاج، مصطفي زهران، د - شاكر الحوكي ، وائل بنجدو، د- جابر قميحة، تونسي، العادل السمعلي، الناصر الرقيق، محمود طرشوبي، فتحي الزغل، محمد اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، الهادي المثلوثي، عبد الله زيدان، عبد الله الفقير، د. خالد الطراولي ، د- محمود علي عريقات، د. أحمد بشير، حسن عثمان، د. ضرغام عبد الله الدباغ، يزيد بن الحسين، مصطفى منيغ، سفيان عبد الكافي، سلام الشماع، عبد الرزاق قيراط ، رافد العزاوي، د - مصطفى فهمي، د. عادل محمد عايش الأسطل، د- محمد رحال، د- هاني ابوالفتوح، محمد شمام ، حاتم الصولي، رمضان حينوني، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، محمود فاروق سيد شعبان، نادية سعد، محمد يحي، د. طارق عبد الحليم، د. مصطفى يوسف اللداوي، أحمد بوادي، حسن الطرابلسي، كريم فارق، كريم السليتي، صلاح المختار، محمد أحمد عزوز، صفاء العربي، عمار غيلوفي، محمد عمر غرس الله، مجدى داود، فتحي العابد، فتحـي قاره بيبـان، د - عادل رضا، سليمان أحمد أبو ستة، سامح لطف الله، محمد الطرابلسي، محمد الياسين، سامر أبو رمان ، د. أحمد محمد سليمان، المولدي الفرجاني، د - محمد بنيعيش، محمود سلطان، طلال قسومي، صالح النعامي ، ياسين أحمد، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، صلاح الحريري، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، رضا الدبّابي، د - صالح المازقي، أحمد ملحم، د - محمد بن موسى الشريف ، حميدة الطيلوش، مراد قميزة، د - الضاوي خوالدية، منجي باكير، إيمى الأشقر، فوزي مسعود ، فهمي شراب، د - المنجي الكعبي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، أبو سمية، رحاب اسعد بيوض التميمي، د. صلاح عودة الله ، يحيي البوليني، أ.د. مصطفى رجب، علي الكاش،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة