البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبالاتصال بنا
 
 
 
المقالات الاكثر قراءة
 
تصفح باقي الإدراجات
أحدث المقالات

معارك الاستئصال تُضيّع الأمة

كاتب المقال نور الدين العلوي - تونس   
 المشاهدات: 403



هناك مقعد سياسي مريح يطيب للكثيرين الجلوس عليه وممارسة الحذلقات اللغوية ضد السلطة، وما كل حديث معارض حذلقة باطلة، لكن المقعد المريح في مناكفة السلطة ورأسها بالتحديد يصير مهربًا لكثيرين يجتنبون الانكباب الجاد على جذور فشل التجربة الديمقراطية في تونس وفي الوطن العربي (الأمة العربية برمتها) وما لم ننظر بجرأة في عين الأزمة لن نحلها.

هذه الأزمة وبعد طول تأمل نراها تتجاوز حالة الانقلاب في تونس ومصر وتحتاج حفرًا في الأعماق، إنها أزمة تعايش بين مختلفين: أحدهما استعملته السلطات (الأنظمة العربية جميعها) وملك سندًا ماليًا وثقافيًا من قوى عظمى مكنته من تخريب التجارب، وهذه القوى هي الرابح الوحيد حتى اللحظة من التخريب، والطرف الآخر عرف سجون بلدانه أكثر مما عرف منتزهاتها.

وتتوافر بين أيدينا كل يوم أدلة إضافية على أنه ما لم تحل هذه المعضلة، فإن الديمقراطية لن تقوم ولن يسعد شعب عربي واحد ببناء حياة سياسية سليمة تفضي إلى استقرار دائم وتنمية مستدامة.

اليسار الاستئصالي صنائع الأنظمة
يؤسفني أن أعمم، لكن وجوه اليسار التي لم تمارس الاستئصال قليلة حتى لا تكاد تذكر، لذلك فإنني أسوق اليسار كله تحت عنوان الاستئصال في مساحة تمتد من العمل على الإبادة الشاملة إلى الاستعمال الانتهازي القائم على الاحتقار والإذلال، وأضيف هامشًا في المتن: كل يساري تخلى عن ممارسة الاستئصال تعرض إلى الاستئصال من اليسار نفسه.

زعم اليسار امتلاك مفاتيح الحداثة وبنى سرديته على أنه الوحيد العارف بما يجب أن يكون، فهو إله الثقافة العصرية وهو مالك التقدمية وهو من يحدد على ضوء تقدميته من يكون رجعيًا ومن يحق له الانتماء للوطن ومن يجب قصفه، وهذا التملك الكاذب يحدو عمله السياسي والفكري منذ ظهور أول اليسار العربي شرقًا وغربًا.

وعلى خطى اليسار وفكره تشكلت حركات قومية وتبنت أطروحاته ومارست مثله الإقصاء، بل أفحشت لأنها أفلحت في القفز إلى السلطة على ظهور الدبابات في خمس أقطار عربية على الأقل أحدها محا مدينة كاملة من الوجود.

يتناسى اليسار في هذه الطريق الطويلة أن عدوه الرجعي كان مقيمًا إقامة دائمة في سجون الأنظمة العربية، فلم ينل نفس الحظ في تعليم جامعي يبني به فكرًا أو يصنع نخبة أو يأخذ حقوقًا متساوية في الإدارة والمناصب والمشاركة على قاعدة الحق في إدارة الشأن العام وتعلم أساليب الحكم بما في ذلك الوقوع في أخطاء الحكم التي تسمح بتقييم الكفاءات وتطويرها.

مسار طويل من حرب إبادة عاد فيئها إلى قوى فاسدة في السلطة (مبارك وبن علي نموذجان متأخران) وإلى قوى خارجية ومنها الكيان الصهيوني، حاربت دومًا كي لا تبنى في البلدان العربية أي تجربة ديمقراطية وكان اليسار معول الهدم بأيديها وإن تظاهر بالبراءة وتغطى بخطاب الثورية والتقدمية.

هل الإسلاميون أبرياء؟
هذا سؤال مغالطي ويروم الجدال لا الحقيقة، فلو كان الإسلاميون حظوا بنفس ما حظي به اليسار من فرصة تعلم ومن فرص مشاركة لكان السؤال وجيهًا والحكم على الإسلاميين يقوم على منطق لكن وضع الضحية في كفة والجلاد في أخرى والحكم على سلامة أفعالهما لا يبحث عن الحقيقة.

وقد وقعت أقلام كثيرة في الرد على هذا السؤال معتمدة مشاركة جزئية للإسلاميين في الحكم بعد الربيع العربي كما لو أنها تجربة سليمة وبشروط الديمقراطية المستقرة، متغافلة عن كل العوائق التي وضعها في طريقهم اليسار والقوميون وفي تحالف واضح مع فلول الأنظمة الساقطة وصولًا إلى السيسي وقيس سعيد.

فضلًا عن ذلك فإن حكم اليسار على الإسلاميين لا يقوم على تقييم تجربة حكم تامة أو جزئية بل على وصم مبدئي بالرجعية والتخلف (والعمالة والخيانة إلخ)، فهم منفيون بشكل استباقي بمنطق ينزع عنهم الحق في الحياة لا في المشاركة كمواطنين ذوي حقوق.

في الحالة التونسية التي شارك فيها إسلاميون في الحكم التي وصمها الإعلام بعشرية الإسلاميين متجاهلًا من شاركهم بالأغلبية نتعرف الآن على مزايا العشرية التي لم يضار فيها صحفي ولا صودر فيها صوت متكلم ولا جر فيها شخص للسجن دون تهمة ثابتة، ونرى رأى العين مشاركة اليسار فيما بعد العشرية حيث تهدر كل الحقوق الإنسانية باسم مقاومة الرجعية.

وقد وقعت أدلة إدانة اليسار بين أيدينا دون أن نطلبها، فاليسار هو من نظم جرائم الإرهاب وقتل الناس بسلاح الدولة ويسجن القضاة الذين يكشفون الحقيقة فيعاد أمامنا اكتشاف الهدف الأسمى والأزلي لليسار استئصال شأفة الإسلاميين ولو بتهم مؤلفة في الحانات.

"أنت تنظف الإسلاميين"
أسمع هذه الجملة تتردد قبل قراءة المقال فأرد أولًا بشكل شخصي أنا أتشرف بأني لست استئصاليًا وأتشرف بأني أومن أن الإسلاميين مواطنون كاملو الحقوق وأن لهم الحق الكامل في المشاركة كما لهم الحق في ارتكاب الأخطاء التي يرتكبها كل ممارس للشأن العام خاصة في مبتدأ عملية ديمقراطية مضطربة وتسير تحت النار المعادية من قوى الهيمنة المعادية.

أما عن تنظيف الإسلاميين فنرد ثانيًا برد عام ومبدئي، ليس الإسلاميون بسفالة اليسار، وقد منحت الانقلابات الإسلاميين فرصة تطهر لم يتوقعها المنقلبون أنفسهم وهم يحرقونهم أحياء في الساحات من مصر حتى الجزائر مرورًا بتونس، لقد كشفت سفالة من حكم بعدهم معدنهم الديمقراطي وأدانت الوقائع من أسقطهم.

لقد كررت دومًا أن أخطاء الإسلاميين بعد الربيع العربي كانت أخطاء تسيير تنم عن جهل بالدولة وآليات الحكم وقد خرجوا إليه من سجونهم ومن منافيهم الطويلة، لكنها لم تكن جرائم في حق الديمقراطية ولا اعتداءات على الحق في المشاركة ولم يثبت عليهم عمل معاد للحرية ولا حق التعبير والتنظم، فضلًا عن نظافة أيديهم من المال العام وإذا كان على المرء أن يختار فإن العيش تحت حكم الإسلاميين وعد بمزيد من الحريات، أما حكم اليسار المتخفي في زواريب الانقلابات فيعد بالسجون والمحارق.

وإذا كنت أجد للإسلاميين خطأ، فإني أرى أن خطأهم الأكبر هو الخشية من اليسار وإعطائه قيمة فوق قيمته الصفرية انتخابيًا وأخلاقيًا ومواصلة النظر إليه كقوة ذات رأي يمكن أن يصيب أو تشارك في فعل سياسي، لقد جرهم هذا الخوف من الإسلاميين إلى تحالفات مسيئة للديمقراطية وأوقعهم في مآزق كانوا في غنى عنها لو تحلوا بشيء من الشجاعة في تقييم حجم اليسار على الأرض ووزنوه بما هو أهل له من الاحتقار.

هل هذا هو حل المأزق الديمقراطي العربي؟ إني أرى الحل الوحيد هو تجاوز اليسار ونبذه والتقدم إلى الناس بصوت واضح وشجاع يقوم على فكرة بسيطة: الديمقراطية لا تبنى مع اليسار العربي وتوابعه من القوميين عشاق الدبابات، ولو تكلف الأمر سنوات من الصبر والعمل بين الناس.

معركة الاستئصال التي قادها اليسار العربي منذ أكثر من نصف قرن خربت كل مسارات بناء الديمقراطية، ومكنت لأنظمة فاسدة ولقوى الهيمنة الغربية، ومسار بناء الديمقراطية يبدأ من تجاهل اليسار وسرديته التقدمية الكاذبة، وسيظل الإسلاميون يقعون في مطبات متتابعة ما لم يحسموا علاقتهم باليسار ويمضوا في طريقهم، وهذه نقطة البداية وقد أثبتت صحتها الانقلابات التي خططها اليسار ونفذها عساكر جهلة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، اليسار، الانقلابات، القوميون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 28-02-2023   المصدر: نون بوست

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك

شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
محمد اسعد بيوض التميمي، فتحـي قاره بيبـان، سامح لطف الله، محمد الياسين، حاتم الصولي، رافد العزاوي، أ.د. مصطفى رجب، منجي باكير، محمد العيادي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، تونسي، د - مصطفى فهمي، العادل السمعلي، ماهر عدنان قنديل، د- محمود علي عريقات، إسراء أبو رمان، محرر "بوابتي"، صباح الموسوي ، أبو سمية، عزيز العرباوي، خبَّاب بن مروان الحمد، سلام الشماع، محمد الطرابلسي، جاسم الرصيف، د. خالد الطراولي ، حسني إبراهيم عبد العظيم، رشيد السيد أحمد، د. أحمد بشير، يزيد بن الحسين، فهمي شراب، ضحى عبد الرحمن، عمار غيلوفي، عبد الله زيدان، الهادي المثلوثي، مراد قميزة، أحمد النعيمي، كريم فارق، عبد الرزاق قيراط ، د. أحمد محمد سليمان، فتحي الزغل، رضا الدبّابي، صالح النعامي ، فوزي مسعود ، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، رافع القارصي، محمود سلطان، خالد الجاف ، د - الضاوي خوالدية، محمد شمام ، مجدى داود، د- محمد رحال، ياسين أحمد، سعود السبعاني، د.محمد فتحي عبد العال، د - محمد بنيعيش، محمود فاروق سيد شعبان، عبد الله الفقير، صفاء العربي، د- جابر قميحة، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، حسن عثمان، سفيان عبد الكافي، مصطفي زهران، عبد الغني مزوز، محمد أحمد عزوز، صفاء العراقي، سامر أبو رمان ، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صلاح الحريري، مصطفى منيغ، علي الكاش، د - المنجي الكعبي، وائل بنجدو، د - عادل رضا، عراق المطيري، يحيي البوليني، حميدة الطيلوش، سليمان أحمد أبو ستة، د. عبد الآله المالكي، د - محمد بن موسى الشريف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، طلال قسومي، عمر غازي، محمد عمر غرس الله، أحمد الحباسي، أنس الشابي، فتحي العابد، أحمد ملحم، د - صالح المازقي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د. صلاح عودة الله ، إياد محمود حسين ، الناصر الرقيق، نادية سعد، سلوى المغربي، إيمى الأشقر، علي عبد العال، حسن الطرابلسي، الهيثم زعفان، المولدي الفرجاني، د. طارق عبد الحليم، د. عادل محمد عايش الأسطل، أشرف إبراهيم حجاج، محمد يحي، أحمد بوادي، كريم السليتي، د. مصطفى يوسف اللداوي، عواطف منصور، د - شاكر الحوكي ، صلاح المختار، د- هاني ابوالفتوح، سيد السباعي، رمضان حينوني،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضاة من طرفه أومن طرف "بوابتي"

الكاتب المؤشر عليه بأنه من كتاب موقع بوابتي، هو كل من بعث إلينا مقاله مباشرة