البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

على هامش الدعوة إلى التخلّي عن الفصل 230 المتعلق بعقوبة اللواط والسحاق
"حين أرتدّ فوضويا أصير حداثيا"

كاتب المقال محمد المختار القلالي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 6107 kallalimokhtar@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


الإهداء: إلى الذين يدعوننا إلى التنقّل على أربع بدل قدمين.
يا سعد من بــاع داره** وم المال حصّل نصيبـه
في البحر ركّب صغاره** "ســـــــكـــــنــدريــــة" قريبـــة
ولا قعادك في بر تونس** كـل يوم تسمع غريبـة

قل لي بربّك، يا "صاحب الكلام"، ترى ما ذا عسى أن تقول لو امتد بك العمر، وظلك هذا الزمان الرديء فترى ما نرى، وتسمع ما نسمع، وتشهد معنا هذه الأحداث التي نغصت علينا حياتنا حتى أوشكت أرواحنا أن تصعد إلى باريها ؟ أما أنا فلا أخالك إلا متأسفا على أيامك تلك الخوالي برغم اليأس الذي يبدو أنه غشيك وقتها، حدّ التحريض على ركوب البحر، وهجر الأوطان. ولسان حالك :
رب يوم بكيت منه فلمّا** صرت في غيره بكيت عليه

*** *** ***
آخر هذه الأحداث (الترهات)، وليست الأخيرة على ما يبدو، ما طلعت به علينا شرذمة من شبابنا (محط آمالنا) من دعوة صريحة إلى التطبيع مع الفاحشة، أي نعم ! بالعربي الفصيح مع اللّواط والسّحاق، والعياذ بالله. والأنكى من ذلك أن تلقى هذه الدعوة، على قباحتها، آذانا مصغية من قبل بعض المحسوبين على النخبة المثقفة، ومن المؤتمنين على تربية الأجيال، بل وحتى من قبل بعض "الرسميين".

لن أتناول "الشذوذ الجنسي" من وجهة نظر دينية لعلمي أنّه ما من أحد يجهل أن الأديان السماوية كلها تحظر هذا السلوك وتحدّ مرتكبيه من خلال نصوص قطعية الدلالة، ما يعني أننا في غنى عن الخوض في ما هو معلوم من الدين بالضرورة.

إلى ذلك، أعلم أنّ من بيننا من لا يقنعهم الدليل إذا استند إلى فقه الأديان واتصل بأحكامها لشكّ لديهم في صحة نسبة الشرائع إلى السماء. وهم على هذا الصعيد، صعيد الإيمان من عدمه، أحرار. لهم أن لا يعتقدوا إلا ما وقر في أفئدتهم، إذ لا سلطان على الوجدان. لذلك سأحجم عن التحجج بـ "حكم الدين" في هذا الضرب من السّلوك، مفضلا تناول "الظاهرة" من زوايا أخرى ثلاث :

1 - مدى علاقة هذه الممارسات بالحرية الفردية، هذا "الشعار" الذي يتخذه دعاة إباحة الشّذوذ الجنسي سلاحا به يدافعون عن "قضيّتهم".
2 – أثر هذه الظاهرة على النسيج المجتمعي وتحديدا على مؤسّسة الأسرة.
3 – تداعيات الممارسات الجنسية الشاذة على الصحّة العامّة.

ولنبدأ بتحري حجّتهم المحورية التي يتذرعون بها والمتمثلة في القول بإباحة الشذوذ بناء على كونه شكلا من أشكال الحرية، حرية الفرد في التصرف في جسده وفق إرادته وهواه.

هل أحتاج إلى التذكير بأن القول بـ"حرية الإنسان المطلقة" ليس إلاّ ضربا من التسطيح والتلبيس لم يعد ينطلي على أحد بعد أن بات معروفا أنه لا سلطان للفرد على الكثير من سماته وخصوصياته ، سواء تلك العائدة منها إلى العوامل الوراثية، أو الأخرى الناجمة عن الانتماء إلى ثقافة بعينها ؟

إلى ذلك، فاستقراء التاريخ يجعلنا نقدّر أن مرور "الكائن البشري" من مرحلة "التوحّش" إلى مرحلة "التأنّس" قد تمّ جرّاء عجزه عن تأمين حاجاته الحياتية بمفرده، ما جعله محمولا على التنازل عن جانب من حريّته لقاء ما يجتنيه من انخراطه في حياة الجماعة التي تقتضي وجوبا قدرا من الانتظام القائم على جملة من الضوابط والحدود. هي التضحية، التي لا مندوحة عنها، بالمهم من أجل الأهمّ، ذلك الخيار الذي يتعذر أن نجد له بديلا ما دام قد قرّ لدينا أن "الحرية العشوائية" والفوضى وجْهان لعملة واحدة.

وقريب ممّا ذكرنا ما ذهب إليه البعض من أن في فرض القيود ولزوم الحدود صونا للحرية وتوسيعا لمداها. وفي هذا المعنى بالذات يقول د. فؤاد زكرياء في كتابه الرائع "التفكير العلمي" : "إنّنا لو استقرأنا تاريخ المجتمعات البشرية لوجدنا أنّ الإنسان ظل يفرض على نفسه مزيدا من القيود لكي ينال مزيدا من الحريات. وهذا تعبير يبدو متناقضا إذ كيف تفرض القيود من أجل ضمان الحريات ؟ ولكن من السّهل أن يفهم القارئ ما أعني إذا فسّره في ضوء مثال مألوف في حياتنا اليومية، وهو إشارات المرور، فنحن نفرض على أنفسنا أن نتقيد بإشارات المرور لكي ننال بذلك مزيدا من الحرية في حركة المرور، والدليل على ذلك أنّ تعطل إحدى الإشارات، الذي يبدو في الظاهر وكأنه يعطي السّائق أو السّائر "حرية" السير كما يشاء، يؤدّي في واقع الأمر إلى إلغاء هذه الحرية بما يسبّبه من تكدّس وفوضى في المرور. وهكذا الحال في أمور البشر جميعا، أن ننتقل من حالة "الحرية" العشوائية أو المتخبطة التي كانت تسود في البداية إلى نوع من التنظيم والتقييد الذي يحقق لنا مزيدا من الحرية" (د. فؤاد زكريا التفكير العلمي ص 227 – 228).

بيد أن ما يجدر التنويه إليه في هذا السياق، هو أنه ليس كل القيود تصب في صالح الحرية بالضرورة. الواقع يقوم شاهدا على أنّ كثيرا ما صودرت الحريات بمفعول القوانين الجائرة، يسنها الطغاة بدعوى الحفاظ على "الحرية" فيما الغاية ليست سوى إحكام قبضتهم على الرقاب.
إن الذين يتذرعون بالحرية الفردية دفاعا عن "المثلية" يعمدون في الواقع إلى التنكّر "للثقافة" (بمعناها العام)، وهم المحسوبون على الثقافة في الغالب، ويعملون على التغرير بالعامة بدعوى التبشير بالحداثة فيما هم هنا والحداثة في الصين. "وهل تقتضي الحداثة تضييع جميع القيم والمعايير والمفاهيم الإنسانية التي راكمتها وأنضجتها التجربة البشرية على مرّ التاريخ ؟" (يتساءل أحد الكتاب). وهو ما يعني العودة بالبشرية إلى "الزمان الأول" أي إلى عصر "ما قبل الثقافة". وإنه لمن المفارقات العجيبة أن يتهم هؤلاء معارضيهم بـ"الرجعية". فيما هم، بالموضوعية، الأدعى إلى وصمهم بهذه الشبهة (الرجعيّة) بتنكّرهم لحركة التاريخ، وقفزهم على الثقافة، وإيثارهم النكوص إلى "الطبيعة الأولى". أي إلى مستوى الحياة الغريزية، غافلين عن أن الإنسان كائن "بيوثقافي" في النهاية. عجبي كيف لم يستوعب هؤلاء بعد كوننا "كائنات إجتماعية" بامتياز؟

أما عن أثر هذه الظاهرة على النسيج المجتمعي فمن السهل علينا أن نتصوّر مآل المجتمعات البشرية في حال استشراء العلاقات الجنسية السائبة، واختفاء الزواج بشكله التقليدي، وما يترتب على ذلك من تدمير للأسرة بما هي "الخليّة النّووية" للنسيج المجتمعي.

أختم بالتنويه إلى المخاطر التي تتهدّد الصحّة العامّة جرّاء التطبيع مع الممارسات الجنسيّة الشاذّة، وهي مخاطر لم تعد محلّ شكّ ولا افتراض بعد أن كشفت الأبحاث الطبية عن عدد من الأمراض الرهيبة الناجمة عن هذه الممارسات الشائنة، وفي مقدمتها داء فقدان المناعة المكتسبة (السيدا)، عافى الله الجميع.

وبعد، لا يستدعي الأمر خيالا واسعا كي ندرك ما يمكن أن تؤول إليه حالنا فيما لو تمّ إلغاء الفصل القلالي ، بما يعنيه ذلك من رفع الحرج عن الممارسات الجنسية الشاذة. ويبدو أنّ الغاية مما يجري ليست في الأرجح سوى التمهيد لتشريع "الزواج المثلي" في بلادنا العربية المسلمة، استرضاء لجهات أجنبية ذات أجندات مشبوهة.

يبقى بودّي أن أعرف من الداعين إلى إباحة "الشذوذ الجنسي" رأيهم في "زواج المحارم"، وهم القائلون بحرية الفرد المطلقة في التصرف في جسده، وبإقصاء "الثقافي" بالجملة عن مجال العلاقات الجنسية. أتحدّى هؤلاء أن يستطيعوا إجابتي عن السؤال الخطير التالي :
ما العاصم من اختلاط الدماء إذا هُتُِّكَتْ الضوابط، واختلط "الماء" بـ "الماء" ، لا قدّر الله؟

---------
محمد المختار القلالي
عضو اتحاد الكتاب التونسيّين


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، بقايا فرنسا، الشذوذ الجنسي، الفصل 230، اللواط، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 25-10-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد الياسين، كريم السليتي، د. ضرغام عبد الله الدباغ، د.محمد فتحي عبد العال، صالح النعامي ، د. طارق عبد الحليم، حاتم الصولي، الهيثم زعفان، عبد الغني مزوز، د- هاني ابوالفتوح، أحمد بن عبد المحسن العساف ، نادية سعد، د - الضاوي خوالدية، ماهر عدنان قنديل، منجي باكير، محمود سلطان، فتحي الزغل، عزيز العرباوي، د- محمود علي عريقات، محمود فاروق سيد شعبان، صلاح الحريري، د - عادل رضا، عبد الله زيدان، د. عبد الآله المالكي، د - شاكر الحوكي ، محمد عمر غرس الله، سامر أبو رمان ، سعود السبعاني، رحاب اسعد بيوض التميمي، عبد الله الفقير، صلاح المختار، حسن الطرابلسي، صفاء العراقي، سفيان عبد الكافي، د - محمد بن موسى الشريف ، د. صلاح عودة الله ، محمد يحي، د- جابر قميحة، محمد الطرابلسي، كريم فارق، حسن عثمان، الهادي المثلوثي، مجدى داود، سلام الشماع، أ.د. مصطفى رجب، يحيي البوليني، أبو سمية، فتحي العابد، د - صالح المازقي، خالد الجاف ، محمد اسعد بيوض التميمي، رشيد السيد أحمد، ياسين أحمد، أحمد ملحم، د. أحمد بشير، مراد قميزة، محمد العيادي، د- محمد رحال، د. أحمد محمد سليمان، سلوى المغربي، صباح الموسوي ، محمد أحمد عزوز، علي عبد العال، تونسي، عراق المطيري، محرر "بوابتي"، رضا الدبّابي، يزيد بن الحسين، رافع القارصي، أنس الشابي، عمار غيلوفي، أحمد بوادي، حسني إبراهيم عبد العظيم، محمد شمام ، رافد العزاوي، فوزي مسعود ، مصطفى منيغ، الناصر الرقيق، عبد الرزاق قيراط ، علي الكاش، جاسم الرصيف، صفاء العربي، أحمد الحباسي، أحمد النعيمي، أشرف إبراهيم حجاج، عواطف منصور، سيد السباعي، إسراء أبو رمان، طلال قسومي، محمود طرشوبي، فتحـي قاره بيبـان، د. عادل محمد عايش الأسطل، د. مصطفى يوسف اللداوي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، عمر غازي، فهمي شراب، سليمان أحمد أبو ستة، د - مصطفى فهمي، د. خالد الطراولي ، وائل بنجدو، د - المنجي الكعبي، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، خبَّاب بن مروان الحمد، سامح لطف الله، د - محمد بنيعيش، العادل السمعلي، رمضان حينوني، المولدي الفرجاني، ضحى عبد الرحمن، د. كاظم عبد الحسين عباس ، حميدة الطيلوش، إياد محمود حسين ،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء