البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

دعوكم من الكلام... قاربوا القضايا بالمنهج العلمي

كاتب المقال محمد المختار القلالي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 5398 kallalimokhtar@gmail.com


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


كلّما سمعت تلك الأصوات تتعالى من هنا وهناك، تدعو التّونسيين إلى الإقدام على العمل، والانصراف إلى الإنتاج إلاّ وترسّخ لديّ الاعتقاد أنّنا ‘خارج العصر’ لبعدنا عن ‘منطق العصر’، مشفقا في الوقت نفسه على أصحاب هذه الأصوات... ليس شكّا في حسن نوايا هؤلاء ‘النّاصحين’، معاذ الله، وإنّما شكّا في الجدوى من دعواتهم. وإلاّ هل أثمرت هذه الدّعوات إلى حدّ اليوم شيئا؟ الواقع يقرّ أنّها ذهبت جميعا مع الرّيح، و كصرخة في واد. وذلك لسبب بديهي ما كان ينبغي أن يغيب عن أحد، خصوصا عن أهل الحلّ و الربط. مفاده، بالتّحديد، أنّ الإقبال على العمل بحماس وإخلاص لا يمكن أن يتحقّق من خلال الدّعوة إليه بالقول وحسب.

كلّنا تقريبا نقرّ أنّنا، كتونسيّين وكعرب عموما، لا نولي العمل ما هو حقيق به من العناية والاعتبار، ميّالين إلى الضنّ بالجهد والإخلاد إلى السّهولة، بعيدين في الغالب عن الشّعور بواجب المساهمة في الإنتاج وتنمية الثّروة. لكن، هل دفعتنا هذه القراءة إلى القناعة بضرورة التّعاطي مع هذه الظّاهرة بالجديّة المطلوبة إدراكا منّا أنّها دائما ما مثّلت، ولا تزال، أحد أبرز العوامل التي أعاقت حلمنا بتحقيق التّنمية؟ الواقع (مرة أخرى) يقوم شاهدا على أنّنا لا نزال على اعتقادنا السّاذج أنّه بــ’الكلام’ وحده يمكن أن نحلّ بعض مشكلاتنا، فيما المنطق السّليم يحتّم بالضّرورة توخّي المعالجة العلميّة المنهجيّة القائمة على فهم الظّواهر وتعليلها، ومن ثَمَّ إلى تخيّر المقاربات الكفيلة بتسويتها كلّما تعلّق الأمر بمواجهة مسألة من المسائل، أو تحدّ من التحدّيات.

ما أبسط، والله، عقول من يتوهّمون أنّه يكفي أن نصيح في النّاس أَنْ ‘حيّ على العمل، حيّ على الإنتاج’ كي نراهم ينفرون خفافا إلى أشغالهم بكلّ عزيمة وشغف وإخلاص. إنّ المسألة أكثر عمقا وتعقيدا من ذلك بكثير. وحلّها لن يتأتّى بمجرّد الدّعوات، وبإسداء النّصائح، وتقديم المواعظ. وآية ذلك أنّنا لم نخط خطوة واحدة إلى اليوم نحو التّصالح مع ‘مفهوم العمل’ رغم كلّ الذي سِيق من نصائح ودروس في الغرض. نصائح ودروس ما أن تدخل من أذن حتى تخرج من الأخرى. ما يعني أنّ لتحبيب النّاس في العمل شروطا لا بدّ من أخذها بعين الإعتبار و إلّا فسنستمرّ ندور في حلقة مفرغة إلى ما شاء اللّه.

يقول فـــــــــولتار:’ يبعد عنّا العمل ثلاث آفات القلق والرّذيلة والاحتياج’. ما يعني أنّ له ثلاث وظائف:

- نفسيّـــــة: بما هو الذي يجنّبنا الملل وتداعياته السّلبية على الصّحة النّفسيّة.
- أخـــلاقيّة: كونه الذي ينأى بالفرد عن المفاسد وشتّى ضروب الانحراف.
- مـــــــاديّة: باعتباره السّبيل إلى تفادي الوقوع في البؤس والخصاصة.

لن أتوقّف عند الفائدتين الأوليين، فأمرهما يبدو مسلّما به تقريبا. بيد أنّ الإشكال يبقى عالقا بالغاية النّفعية من العمل، إذ أنّ تحقيقها يظلّ مرهونا بمدى التّعويض الذي يتلقّاه العامل لقاء عمله. فإن كان التّعويض مجزيّا فبها ونعمتْ، وإلاّ فإنّ علاقة العامل بعمله صائرة إلى السّوء والتوتّر لا محالة. إنّ العمل الذي لا يعصم صاحبه من الحاجة يُمسِي مرغوبا عنه، لا يأتيه الواحد إلاّ متكاسلا. وإذا ذُكر عنده ‘الإنتاج والإنتاجيّة’ سخر من قائله، واعتبره ‘خارج السّياق’. وذلك هو واقع حالنا الذي لا تعزب عنه العين، مع شديد الأسف.

وبعد، ألا يغدو من العجب، تبعا لذلك، أن ننتظر من الموظّف في بلادنا أن يتفانى، ويخلص، ويبدع، ويبادر، على غرار نظيره في بلاد أخرى حيث المواطن هو المبتدأ والخبر؟ وهل من السّائغ أن نسأل كيف لا يقبل على عمله بعزيمة وانشراح مَن خرج إلى شغله تاركا أمّ عياله تتدبّر ‘قوت يومهم’ مع عطّار الحيّ، يجيبها إلى حاجتها أم يمنعها؟ أو من ترك مريضه يعاني الأوجاع دون أن يكون قادرا على فعل شيء يخفّف عن مريضه الأوجاع... أو من أثقلت كاهله الدّيون دون القدرة على الوفاء بالتزاماته تجاه غرمائه ودائنيه، أو... أو... ، والقائمة ‘تشذّ عن الحصر لا يأخذها العدّ’.

قد يتعلّل البعض بأنّ إمكانيات البلاد لا تسمح بأن توفّر لكلّ عامل تعويضا مجزيا يؤمّن له حياة هانئة ميسورة. وهو تعليل هشّ لا يثبت عند الحجاج، و ‘مسألة فيها نظر’ على نحو ما يقول فقهاؤنا. دليلنا على ذلك أنّ بلدانا أخرى لا تختلف عنّا كثيرا من حيث الثّروات والموارد قد نجحت في تحقيق الرّفاه لشعوبها بعد أن كانت أوضاعها، قبل عقود قليلة فقط، تشابه أوضاعنا. ما يعني أنّ مصدر الخلل يتجاوز شحّ الموارد لينحصر، على الأرجح، في ‘نمط الحكم’. قُيّض لهم ‘حكم رشيد’ فتسنّموا الأعالي، وابتلينا بــــ’حكم سفيه’ فبقينا نتخبّط في الأسافل.

والظّاهر أنّنا سنظلّ نراوح مكاننا ما لم تتوفّر لدينا إرادة سياسية استثنائية، مؤمنة، فعلا لا قولا، بحجم التّغيير الذي تقتضيه أوضاعنا، مستندة إلى ‘مشروع نهضة’ يلامس كل مناحي حياتنا لنجعل منه ‘هدفا كبيرا’ يتجنّد له الجميع، وتُعبّأ له كلّ الطّاقات من أجل تحقيقه.
وإلى أن يتهيّأ لنا ذلك، ليس بوسعنا غير أن… نتفاءل!

------------
محمد المختار القلالي
عضو إتّحاد الكتّاب التّونسيّين


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، حركة نداء تونس،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 7-03-2015  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد النعيمي، سفيان عبد الكافي، د - محمد بنيعيش، رشيد السيد أحمد، د - المنجي الكعبي، محمد عمر غرس الله، أ.د. مصطفى رجب، ماهر عدنان قنديل، إياد محمود حسين ، صلاح الحريري، محمد الطرابلسي، د. عبد الآله المالكي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سلوى المغربي، المولدي الفرجاني، محمود طرشوبي، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، د - عادل رضا، عبد الله الفقير، مجدى داود، رافع القارصي، محمد الياسين، الناصر الرقيق، مصطفي زهران، رمضان حينوني، د. عادل محمد عايش الأسطل، فهمي شراب، سليمان أحمد أبو ستة، د.محمد فتحي عبد العال، رافد العزاوي، خبَّاب بن مروان الحمد، طلال قسومي، ياسين أحمد، د. أحمد بشير، منجي باكير، أحمد ملحم، عمر غازي، د - الضاوي خوالدية، د - مصطفى فهمي، خالد الجاف ، سيد السباعي، محمد اسعد بيوض التميمي، محمد يحي، فتحي الزغل، علي الكاش، حاتم الصولي، أحمد الحباسي، د- محمود علي عريقات، د. ضرغام عبد الله الدباغ، محمد العيادي، فتحـي قاره بيبـان، محمد أحمد عزوز، سعود السبعاني، وائل بنجدو، عبد الغني مزوز، رحاب اسعد بيوض التميمي، د- هاني ابوالفتوح، سامر أبو رمان ، د. صلاح عودة الله ، د. مصطفى يوسف اللداوي، محمود فاروق سيد شعبان، فتحي العابد، عبد الله زيدان، سلام الشماع، د- جابر قميحة، د - شاكر الحوكي ، كريم السليتي، صالح النعامي ، الهيثم زعفان، محرر "بوابتي"، صباح الموسوي ، جاسم الرصيف، د - صالح المازقي، العادل السمعلي، د. طارق عبد الحليم، إيمى الأشقر، د. خالد الطراولي ، عمار غيلوفي، صلاح المختار، حسن الطرابلسي، إسراء أبو رمان، حسني إبراهيم عبد العظيم، كريم فارق، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. أحمد محمد سليمان، أحمد بوادي، أنس الشابي، عواطف منصور، تونسي، حسن عثمان، د - محمد بن موسى الشريف ، محمود سلطان، عبد الرزاق قيراط ، أشرف إبراهيم حجاج، نادية سعد، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، علي عبد العال، محمد شمام ، ضحى عبد الرحمن، أبو سمية، يحيي البوليني، فوزي مسعود ، مراد قميزة، حميدة الطيلوش، يزيد بن الحسين، د- محمد رحال، مصطفى منيغ، الهادي المثلوثي، عراق المطيري، رضا الدبّابي، سامح لطف الله، أحمد بن عبد المحسن العساف ، صفاء العربي،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء