البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

دعوى وجوب إشراف السلطة على المساجد: تدجين الدين وإنتاج القطعان

كاتب المقال فوزي مسعود - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 8040


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


أعتقد الكثير من التونسيين أن الثورة كانت مقدم خير، وأنها ستحرر العديد من الأبعاد في حياتهم، ستحرر الناس من أن يكبتوا في أرائهم، وستحرر الإسلام من أن يواصل استغلاله من طرف السلطة الحاكمة.

لقد ظنوا أن الوقت قد حان لكي تزال الوصاية السياسية عن المساجد وعن المتحدثين في شؤون الإسلام من أن يوجهوا في حديثهم ودروسهم، وانطلقوا مباشرة في ممارسة الإسلام الطلق الخام البسيط كما فهموه في ما تيسر لهم من مقرات كالمساجد وغيرها.

لم يكد المسلمون بتونس يشرعوا في ممارسة بعضا من حرية تديّنهم، حتى فاجأتهم نذر الثورة المضادة لتذكرهم أن سقف أمانيهم كان مرتفعا، وأن بينهم وبين ما يتمنونه أمدا بعيدا، لعله يلزم الكثير من الجهد الإضافي لكي يبلغوه.
لتذكرهم أن عليهم المزيد من الصبر والمقاومة لكي يمكنهم ممارسة الإسلام الحر، لكي يمارسوا الإسلام من دون وصاية الحاكم عليهم.
لتذكرهم أنه يلزمهم الكثير من الفهم والعمل الذهني لكي ينتصروا على أعداء الداخل من بقايا فرنسا وحلفائهم جماعة الإسلام الوسطي ممن لاهمّ لهم إلا الزحف الأبدي على كل أعضائهم إرضاء للغرب، حد المساهمة في تمرير مشاريعه ومنها خطط تدجين المساجد وجعلها تحت سلطة السياسة
وكان أن انطلقت حملات ما سمي استرجاع المساجد الخارجة عن سلطة الدولة منذ فترة حكم حركة "النهضة"، وها إنها اليوم بلغت شوطا انتهى بغلق المساجد التي لم تفلح السلطة في تدجينها.

المساجد أداة تعمل في نطاق منظومة الفعل والتأطير الإسلامي، ويفترض أن لا يقع التعامل معها إلا من خلال الفهم الإسلامي للواقع ومكوناته وللمسجد ودوره، وإذا علمنا أن مطلب وجوب إشراف الدولة على المساجد ينطلق من تصورات غربية علمانية لمفهوم الدين تقول بان هذا الأخير لا يجب أن يجاوز الأبعاد الفردية، وأنه يمنع تأثيره على المجال الاجتماعي، فهمنا أن مطالب السلطة الحاكمة بتأميم المساجد، هو بوجه آخر تسلط للرؤية العلمانية على واقعنا.

بمعنى آخر، فإن ما يقع هو فرض للتصورات والمفاهيم الغربية العلمانية المتطرفة تحديدا، على التونسيين، بل على الإسلام ذاته، حيث لم يقع النظر للإسلام كمنظومة ورأيه في جواز تأميم المساجد، واعتمد فقط على الآراء والمفاهيم الغربية في المسالة، نحن إذن إزاء حلقة أخرى من الحلقات المتواصلة منذ عقود ما بعد الاستقلال، في مسار الاقتلاع من هويتنا وإلحاقنا بالغرب.

تأميم المساجد يجعل الإسلام وأدواته مجرد تابع لباقي مكونات الواقع، عوض أن يكون الإسلام ومفاهيمه هو الضابط للمجتمع، التأميم يجعل الإسلام يقيّم من طرف المنظومة التغريبية التي تفصل له حدوده التي يجب ان لا يجاوزها بزعمهم، عوض ان يكون الإسلام هو من يحاكم تلك المنظومات الوافدة علينا ومفاهيمها، التأميم يجعل من حملة مشعل الإلحاق بالغرب هم المتسيدون للساحة بتصوراتهم والمملون علينا حدود الإسلام، عوض ان يكونوا هم وأرائهم موضع التقييم من الإسلام.

بالإضافة لكون تأميم المساجد هو تصور غربي، فإن خطورة التأميم تكمن في أن تلك العملية ستنتهي لإفراغ الخطاب الدعوي بالمساجد من فائدته، حيث إن المساجد المؤممة ستتحول لمؤسسات حكومية، كما سيكون المتحدثون بتلك المساجد مجرد موظفين.

ولما كان العمل الدعوي ومنه الخطب والدروس بالمساجد، فعلا إيمانيا بدرجة أولى، فان المناط فيه ليس الإنتاج الكمي الموضوعي الملموس كذلك الذي لدى موظف عادي يتلقى أجرا، بل هناك شروط أخرى لنجاحه منها الصدق والإخلاص والتقرب إلى الله، وهذه أبعاد لا يمكن أولا تقييمها، بل أساسا لايمكن التأكد من وجودها لكي ينجح عمل الموظف / الإمام المعين من طرف السلطة بالمساجد، ثم هي ثانيا لا يمكن أن توجد من خلال الأوامر الإدارية والإنتاجية، لكي يطالب موظف معين على مسجد بإنجازها.

إذن فإن المساجد المؤممة لن تصبح مساجد يذكر فيها إسم الله بحرية، وعليه فإنه يتساءل عن جدوى حضور خطب جمعة يؤمها موظفون تعينهم الدولة، بل هل يجوز أصلا حضور تلك الخطب لأن الحضور يعني الموافقة على ضرب الإسلام وتقزيمه داخل المجتمع.

لنا الحق أيضا أن نتساءل إن كان مصطلح مسجد سينطبق على مقرات يتحدث فيها موظفون تعينهم سلطة تحارب الإسلام من حيث أنها تنطلق في فهمه من تصورات تغريبية علمانية أساسا.

المساجد المؤممة لن تكون إلا أداة دعاية سياسية، تنضاف لتلك الأدوات التي بيدها لتأبيد الواقع من خلال مزيد نشر تصوراتها ومفاهيمها.

ستجد في كل الحالات من سيؤم تلك المساجد، وهذا سينتهي لخلق التصورات النمطية الموحدة لديهم مادامت تعبّ من نفس المعين المقرر لدى السلطة مباشرة أو ضمنيا، وسننتهي لخلق قطعان من الناس، وهذا ما يؤكده الواقع على أية حال، إذ المساجد كانت مؤممة طيلة وجودها، والواقع يشهد باستشراء الإمعية ومنطق القطيع لدى الناس.

تاريخيا، إذا استثنينا زمن النبي صلى الله عليه وسلم وفترة الخليفتين الأولين، فإن المساجد انحرفت عن دورها المقصود في الإسلام، إذ سرعان ما حولها الحكام لأداة دعاية فعالة لحكمهم، وتواصل ذلك الانحراف عبر القرون بمختلف الدول التي حكمت المسلمين، وكان بنو أمية الرائدون في مسار هذا الانحراف، فلهم فضل التأسيس الصريح العلني لتحويل المساجد لمكان للمناداة باسم الخليفة والإشادة به والدعاء له، بل إن بني أمية لم يكتفوا بإجبار أئمة المساجد على الدعاء لخلفائهم، بل أجبروهم على الدعاء على مناوئيهم، حدا وصل للعن علي أبن أبي طالب من على منابر المساجد، وهو من هو في فضله وقربه من النبي صلى الله عليه وسلم ، وتواصل لعنه وابنه الحسين مددا متطاولة، رغم أن فقهاء السلطة ساعتها ولحد الآن، يقولون بعدم التهجم على الصحابة في معرض دفاعهم عن معاوية، وتجاهلوا أن عليا صحابي، بل من أكارم الصحابة وسابقيهم إلى الصحبة.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

المساجد، قانون المساجد، إغلاق المساجد، تأميم المساجد،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 20-07-2014  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
أحمد النعيمي، مصطفى منيغ، سعود السبعاني، العادل السمعلي، د. أحمد محمد سليمان، فتحي العابد، عزيز العرباوي، جاسم الرصيف، د. أحمد بشير، د.محمد فتحي عبد العال، د - صالح المازقي، د. عادل محمد عايش الأسطل، عمر غازي، د. خالد الطراولي ، مراد قميزة، نادية سعد، صلاح المختار، د- جابر قميحة، إياد محمود حسين ، د- محمد رحال، د - مصطفى فهمي، رمضان حينوني، ياسين أحمد، رافع القارصي، طلال قسومي، محمد شمام ، علي الكاش، سفيان عبد الكافي، عبد الرزاق قيراط ، كريم السليتي، أحمد الحباسي، عبد الله الفقير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، صالح النعامي ، محمد العيادي، أشرف إبراهيم حجاج، علي عبد العال، فوزي مسعود ، الهيثم زعفان، صباح الموسوي ، محمود سلطان، د- محمود علي عريقات، الهادي المثلوثي، حاتم الصولي، د - محمد بنيعيش، د - عادل رضا، أنس الشابي، حسن الطرابلسي، محمد الطرابلسي، مصطفي زهران، د. مصطفى يوسف اللداوي، د. طارق عبد الحليم، صفاء العراقي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، صلاح الحريري، كريم فارق، تونسي، أ.د. مصطفى رجب، إسراء أبو رمان، رحاب اسعد بيوض التميمي، محمود طرشوبي، مجدى داود، سلوى المغربي، محمود فاروق سيد شعبان، صفاء العربي، محمد الياسين، سامر أبو رمان ، سلام الشماع، د. صلاح عودة الله ، إيمى الأشقر، خالد الجاف ، يزيد بن الحسين، حميدة الطيلوش، رشيد السيد أحمد، حسني إبراهيم عبد العظيم، منجي باكير، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، محمد اسعد بيوض التميمي، فهمي شراب، د - محمد بن موسى الشريف ، عمار غيلوفي، حسن عثمان، عبد الغني مزوز، رضا الدبّابي، رافد العزاوي، محمد يحي، يحيي البوليني، ماهر عدنان قنديل، محمد أحمد عزوز، د. عبد الآله المالكي، فتحي الزغل، سيد السباعي، عواطف منصور، وائل بنجدو، سامح لطف الله، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، ضحى عبد الرحمن، الناصر الرقيق، محمد عمر غرس الله، سليمان أحمد أبو ستة، فتحـي قاره بيبـان، عراق المطيري، د- هاني ابوالفتوح، أبو سمية، د - الضاوي خوالدية، د - شاكر الحوكي ، د - المنجي الكعبي، محرر "بوابتي"، أحمد ملحم، المولدي الفرجاني، أحمد بن عبد المحسن العساف ، أحمد بوادي، عبد الله زيدان، خبَّاب بن مروان الحمد،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء