البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

ضرّ وطني الانفلات الإيديولوجي والانقباض المعرفي

كاتب المقال د. الضاوي خوالدية - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7486 dr_khoualdia@yahoo.fr


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


لعل ما انفردت به تونس منذ تسلمها بورقيبة وصحبه من فرنسا تولي حكمها رجال لم يسلم واحد منهم من كل الصفات التالية أو بعضها:
الجهل والعقد والاستخفاف والإيديولوجية، وقد أعدى مرض بورقيبة وأعضاده المربع هذا المكاتب التنفيذية المركزية والجهوية والمحلية للمنظمات الدائرة في فلك النظام كالإتحاد التونسي للشغل واتحاد الصناعة والتجارة واتحاد الفلاحة...

إنّ وصفي بورقيبة بضحالة المستوى التعليمي قد يصدم كثيرين رُبوا، كما رُبيت، على أن الحبيب بورقيبة أعلم الناس وأذكاهم إذ هو العبقرية الفريدة والفلتة الدهرية، لكن ليس ما رُبينا عليه صحيحا إذ بورقيبة كان مجازا، حسب المشاع، في الحقوق الفرنسية لكن ثقافته الأدبية والتاريخية والسياسية والفلسفية لم تكن في المستوى المؤهل لقيادة دولة ناشئة مثل ما قاد نهرو وماو تسي تونغ الهند والصين، يضاف إلى ذلك تشبعه بالمفاهيم الاستشراقية السائدة في القرن 19 و20 حول مركزية أوروبا وعظمتها وحقها المطلق في استعمار الشعوب الافريقية والآسيوية... البائسة المتخلفة "طبيعة" أما أغلبية وزرائه وولاته ومجلس أمته والكتاب العامين للمنظمات السائرة في فلك نظامه فلم يتجاوزوا مستوى التعليم الأساسي بل إنّ خمسين في المائة من نواب مجلس الأمة أميون (ولولا احترامي للأموات لذكرتهم اسما اسما)

ولعل تعيير بورقيبة لبعض أعضاده المتمردين عليه بمركب: "ناقص تعليم" لخير دليل، وقد استفحلت الضحالة التعليمية والقحط الثقافي في تونس لدى المسؤولين خاصة وفئات عريضة من الشعب عامة أيام المخلوع لأنه مثال للأمي الفاسد ولأن مستشاريه عملوا بكل جهد على صياغة شعب مسكين راضخ مما أدى إلى دمار شامل ثم ثورة مازالت غارقة في مستنقع القاذورات التي تركها الفاسد الأكبر. إن ضحالة مستوى رجال الحكم العلمي وقوة آلتهم الإعلامية وأمية الشعب، الخمسينات والستينات من القرن الماضي، خلقت عقدة نقص لدى الجماهير وعقدة تفوق لدى بورقيبة خاصة: الجماهير أو قسم مهم منها ترى زعيمها الرجل الأرقى والزعيم يرى شعبه مريضا تافها أميا رؤية نفسه منة إلهية لم يؤت مثلها الملوك والخلفاء وأمراء المؤمنين في سالف الحقب (د. الضاوي خوالدية: منزلة الشعب في الدول العربية الاستبدادية الحديثة، الشعب التونسي في دولة بورقيبة نموذجا ص 27 و28).

واستمرت عقدة التفوق لدى بورقيبة في نشاطها التدميري: إفلاس اقتصادي واستفحال بطالة وعسف، هزات اجتماعية... دون أن يعي هو أو مقربون منه أنّ سياسته الخرقاء قد أكلت أخضر تونس ويابسها بل عين نفسه رئيسا مدى الحياة وقال قبيل ذلك وأثناء مرض اكتئابه ردا على سؤال فريق الأطباء الأمريكيين المعالجين له التالي: "حان الوقت لتسليم مقاليد الحكم لأبنائكم الذين ربيتموهم وتهتمون بهواية تحبونها كالموسيقى والرسم مثل وانستون تشرشل" "انتظرت تونس ثلاثة ألاف سنة حتى ولد لها الحبيب بورقيبة" عندها علق رئيس فريق الأطباء: "ارجعوا به إلى تونس فإنه لا شفاء له" (جريدة الشروق 23-07-2010 ص 9: مداخلات حول مذكرات السيد أحمد بن صالح) لكن اللافت للانتباه أن بورقيبة لم يكن يحتقر الشعب وإنما كان يراه ناقصا قاصرا يشكو أمراضا ذهنية متخلفا يستوجب الشفقة.

أما بعض أعضاده الأرشيفيين ومن دار في فلكهم (الكهفي) فيستخفون الشعب وينعتونه بالغبي ويمصون دمه ماضيا وحاضرا (مرتبات تقاعد المبزع والسبسي التي حسدهم عليها رؤساء أمريكا وفرنسا واستصغروا الشعب التونسي على سكوته بعد معرفته مقدارها) لأنه ثار ولأنه أعطى صوته للإسلاميين والمثير للدهشة أيضا أن الإيديولوجية (هي نمط من التفكير يبنى على أفكار ميتافيزيقية أكثرها بلهاء لأنها تجرد كلا من النقد العقلي والدراسة السياسية من أي جدوى) التي كان يتبناها بورقيبة ورجاله والتي لا تخرج إجمالا عن العلمانية (ليست في بلادها إيديولوجيا) والماركسية كانتا وبالا على الشعب التونسي لأنها كممت الأفواه وجوعت الطبقة المسحوقة وبذخت أقلية غير أن فئات من تلاميذ بورقيبة جمعت بين عنصرين ما اجتمعا في شخص إلا أهلكاه وأهلكا المحيطين به وهما: الإيديولوجية وضحالة المستوى التعليمي فماركسيونا المتطرفون تمركسوا دون فهم معمق للماركسية وتطوراتها ودون أرضية علمية وثقافية وحضارية تحصن أصحابها من الانسياق الأعمى لها وتسلحهم بفكر نقدي نابش حافر يرى الحقيقة نسبية مما أدى إلى نتائج كارثية منها ذكرا لا حصرا:

- التحالف الماركسي الدستوري التجمعي: الخلطة الأغرب في التاريخ والأخطر على ثورة شعب داسه الدستور والتجمع طيلة 60 عاما.

- تحويل الاتحاد العام التونسي للشعل من منظمة تدافع عن حقوق العمال (رغم تبعيتها سابقا للسلطة) إلى حزب سياسية يساري أو بالأحرى عصا غليظة (بيد سياسيين ماركسيين فشلوا في كسب أنصار) يكسرون بها ظهر البلاد ورؤوس خصومهم السياسيين ليخلو لهم الجو فيشفون كرمهم المزمن إلى الحكم.

- تنصيب هذا الاتحاد نفسه (أو نصبوه) حكما بين معارضة لا أنصار لها خارج صفوفه وبين الترويكا / الحكم القائم المنتخب فهل سيكون هذا الحكم نزيها وهو يؤمن إيمان العجائز أن الرفاق على حق والترويكا على باطل؟

- برامج الحوار السياسي (البلاتوهات) يستدعى لها في الأغلب متحاورون من لون أحمر أو بنفسجي او مزيج من الاثنين باعهم في السبّ والتبخيس والاستنقاص والتحقير والكذب كبير يكشف عن حقد وكراهية دفينين في أعماق متقيئي هذا السبّ والتحقير كما يكشف عن تصحر ثقافي مرعب وقحط أخلاقي مقزز.

إنّ الانفلات الإيديولوجي والانقباض الثقافي أو بالأحرى التأدلج غير المستمد على قاعدة علمية أدبية فلسفية سياسية ثقافية متينة يحصر الحقيقة (الصواب المطلق) في تعاليم الإيديولوجيا المتبناة ويحصر الباطل (الخطأ المطلق) في الإيديولوجيا المنافسة فيغيب الحوار العقلي ويحضر بقوة حوار العضلات والغرائز.


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، الثورة المضادة، بورقيبة، العلمانيون،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 29-10-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
عبد الله زيدان، وائل بنجدو، محمد أحمد عزوز، محمد الطرابلسي، د - محمد بن موسى الشريف ، علي الكاش، منجي باكير، رافع القارصي، فتحي العابد، حسن عثمان، صباح الموسوي ، د - مصطفى فهمي، أحمد ملحم، كريم فارق، أنس الشابي، صفاء العربي، عمر غازي، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، سامر أبو رمان ، صلاح الحريري، د - عادل رضا، يحيي البوليني، محمد عمر غرس الله، سلوى المغربي، عواطف منصور، سليمان أحمد أبو ستة، ضحى عبد الرحمن، إسراء أبو رمان، د.محمد فتحي عبد العال، محمد يحي، مصطفي زهران، أحمد بن عبد المحسن العساف ، رمضان حينوني، عزيز العرباوي، صفاء العراقي، عراق المطيري، محمود سلطان، د. أحمد بشير، محمود طرشوبي، علي عبد العال، فتحـي قاره بيبـان، خبَّاب بن مروان الحمد، فهمي شراب، أحمد النعيمي، د. عبد الآله المالكي، يزيد بن الحسين، د - محمد بنيعيش، طلال قسومي، نادية سعد، د. مصطفى يوسف اللداوي، صلاح المختار، د- محمود علي عريقات، محمد شمام ، تونسي، رضا الدبّابي، عبد الرزاق قيراط ، الهيثم زعفان، فتحي الزغل، المولدي الفرجاني، إياد محمود حسين ، حاتم الصولي، أحمد بوادي، إيمى الأشقر، د. كاظم عبد الحسين عباس ، محمد العيادي، عبد الله الفقير، سيد السباعي، د. طارق عبد الحليم، محمود فاروق سيد شعبان، مجدى داود، حميدة الطيلوش، محمد الياسين، العادل السمعلي، عبد الغني مزوز، الهادي المثلوثي، كريم السليتي، رافد العزاوي، فوزي مسعود ، د - الضاوي خوالدية، د. ضرغام عبد الله الدباغ، رحاب اسعد بيوض التميمي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، سامح لطف الله، د- جابر قميحة، صالح النعامي ، حسن الطرابلسي، رشيد السيد أحمد، د - شاكر الحوكي ، محرر "بوابتي"، مراد قميزة، أشرف إبراهيم حجاج، سلام الشماع، د - المنجي الكعبي، ياسين أحمد، سعود السبعاني، د. عادل محمد عايش الأسطل، الناصر الرقيق، جاسم الرصيف، أ.د. مصطفى رجب، د. صلاح عودة الله ، سفيان عبد الكافي، د- هاني ابوالفتوح، خالد الجاف ، د- محمد رحال، أبو سمية، عمار غيلوفي، مصطفى منيغ، حسني إبراهيم عبد العظيم، د. أحمد محمد سليمان، أحمد الحباسي، د - صالح المازقي، د. خالد الطراولي ، محمد اسعد بيوض التميمي، ماهر عدنان قنديل،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء