البدايةالدليل الاقتصادي للشركات  |  دليل مواقع الويبمقالات رأي وبحوثالاتصال بنا
 
 
   
  الأكثر قراءة   المقالات الأقدم    
 
 
 
 
تصفح باقي إدراجات الثورة التونسية
مقالات الثورة التونسية

هل تساهم سيطرة الفضاءات التجارية الكبرى الفرنسية في تفاقم أزمة الغلاء في تونس؟

كاتب المقال كريم السليتي - تونس    من كتـــــّاب موقع بوّابــتي
 المشاهدات: 7558


 يسمح بالنقل، بشرط ذكر موقع "بوابتي" مصدر المقال، ويفضّل أن يكون ذلك في شكل رابط


قد يكون من النادر أن تجد بلدا مستقلا في العالم تسيطر على سوق البيع بالتجزئة فيه شركات بلد أجنبي آخر. حيث تعمد الحكومات في إطار سياسة مقاومة الاحتكار والمنافسة غير النزيهة وإمكانية الاتفاق بين الشركات ذات نفس الاختصاص (cartel) إلى تنويع جنسيات شركات التوزيع والبيع بالتفصيل أو ما يسمى عندنا بالفضاءات التجارية الكبرى، وذلك بهدف تشديد المنافسة بينها وهو ما ينعكس بالضرورة على تخفيض الأسعار وتنوع السلع المعروضة.

في تونس وكالعادة فنحن نشذ عن القواعد الاقتصادية والعلمية المعمول بها. في عهود الاستبداد تمكنت شركات الفضاءات الكبرى الفرنسية من الانفراد بسوق التجزئة الداخلي التونسي، حيث تمكنت خلال العقدين الماضيين من السيطرة تماما على هذا السوق لوحدها وبسهولة كبيرة. فقد انتشرت هذه الفضاءات في كل الأحياء تقريبا، بتسهيل وتواطئ واضح من عائلة الرئيس المخلوع السابق وحاشيته.

خطورة هذه الفضاءات التجارية ليس في انتشارها وقربها من المستهلك بل في كونها أغلبيتها الساحقة هي ماركات من جنسية واحدة (شركات فرنسية).ومن المعروف أن شركات البيع بالتجزئة قد تتنافس في ما بينها فوق أرضها (يعني في فرنسا) لكنها في الأسواق الخارجية، تتعاون في ما بينها لاكتساح والسيطرة على تلك الأسواق. وهذا للأسف هو الواقع في تونس.

وبما أننا في سوق مفتوحة لا تتحكم الدولة ممثلة في وزارة التجارة في كثير من المتغيرات فيها، فإن هذه الشركات صارت تتحكم تماما في جزء هام من نسب التضخم وتوجيه المستهلك للاستهلاك المواد المنتجة من شركات فرنسية. هذا إضافة إلى ضعف القدرة التفاوضية للمُصنّع التونسي أما ضخامة وسيطرة هذه الشركات على سوق التوزيع. وكل هذا انعكس سلبا على الأسعار مما أدى إلى التهابها بشكل غريب في مدة وجيزة.

وفي هذا التحليل سأتعرض للجوانب الاقتصادية للموضوع، علما بأن الجوانب السياسية غير مستبعدة تماما من المسألة خاصة إذا ما أخذنا بعين الاعتبار الأطراف التي تملك هذه الشركات سواء في فرنسا أو شركائها المحليين في تونس.

1- التنافس يولد أقل أسعار و منتجات متنوعة من العالم مقابل أسعار أرفع ومنتوجات فرنسية فقط في ظل وجود جنسية واحدة لشركات البيع بالتجزئة

إن تنويع جنسيات شركات البيع بالتجزئة هو ضمان لوجود حد أدنى من التنافس بين هذه الشركات ويمكن للمواطن التونسي أن يتأكد من ذلك عندما يقارن على سبيل المثال تأثير تنوع جنسيات شركات الاتصالات على أسعار المكالمات في تونس.
كما أن تنويع جنسيات شركات الفضاءات التجارية الكبرى يؤدي إلى تنويع السلع المعروضة في ظل المنافسة بينها. حيث تسعى كل شركة إلى توفير السلع الأكثر تنافسية من حيث الأسعار والجودة على مستوى العالم. ونلاحظ مثلا أن بلدان الخليج ودول جنوب شرق آسيا، تنشط بها شركات فرنسية وأمريكية وبريطانية وهندية بالإضافة للماركات المحلية. وقد عاينت حجم التنافس بين الفضاءات التجارية الكبرى هناك وهوما يثير سعادة المستهلك ويمكن تلك الدول من التحكم في الأسعار وبالتالي في نسب التضخم.
في مقابل ذلك نجد في تونس أن الفضاءات الكبرى هي التي تفرض السعر وتفرض جنسية المنتج التي كما قلنا إما محلي أو منتج لشركة فرنسية أو موزع فرنسي.

2- التنافس يمكن المنتجين التونسيين من هامش تفاوض في حين إذا كانت هذه الشركات من بلد واحد فإن هذا الهامش ينخفض بصورة كبيرة.
الانعكاس الاقتصادي الثاني لسيطرة جنسية واحدة للفضاءات التجارية الكبرى هو إضعاف قوة التفاوض للمصنعين التونسيين وربما حتى الأجانب، لكون هذه الشركات هي من كبار المشترين وإتفاقها فيما بينها من شأنه أن يقوي قوة ضغطها عند التفاوض مع المزودين، فتُملي شروطها سواء في تحديد ثمن الشراء أو فترة تسديد الدين أو حتى شروط النقل والتأمين وغيرها من الكلف المرتبطة بالجانب اللوجستي.

3- الاتفاق بين هذه الشركات يرفع من هامش ربحها وينعكس سلبا على الأسعار ونسب التضخم وعلى الاستهلاك ويؤدي إلى تراجع الإنتاج الوطني.
الضغط على المزودين المحليين على مستوى كلفة الشراء لا ينعكس على المستهلك لأن هذه الشركات سوف ترفع من هامش ربحها بوصفها تسيطر على سوق التجزئة في ظل غياب المنافسة من جهات أخرى. وهو ما يؤدي حتما إلى ارتفاع الأسعار التي يتحملها المستهلك التونسي في الأخير وبالتالي على نسبة التضخم في البلاد. ومن شأن ارتفاع الأسعار أن يخفض جزئيا من الاستهلاك الذي ينعكس بدوره على المزود والمُصنّع التونسي، وهذا الانخفاض في الإنتاج يقلل من الاستثمارات ويحد من خلق مواطن جديدة للشغل بل قد يؤدي إلى فقدان مواطن الشغل التي كانت موجودة.

والحل المتعارف عليه لتفادي هذه الإشكالية الاقتصادية الكبيرة هو في تويع جنسيات الفضاءات التجارية الكبرى في تونس بحيث يتعين تشجيع الشركات المحلية وكذلك من جنسيات غير فرنسية للاستثمار في هذا المجال في تونس، حتى نقلل من ارتهان تجارة التجزئة في تونس للسياسات الخاصة بالشركات الفرنسية المختصة في هذا المجال. كما أن تنويع جنسيات شركات تجارة التجزئة من شأنه فتح السوق التونسية أمام سلع جديدة من دول صاعدة أكثر تنافسية من السلع المنتجة من شركات فرنسية سواء في فرنسا أو خارجها. وهو ما سينعكس بصفة لا تقبل الشك على الأسعار التي سوف تشهد تراجعا هاما بسبب تخفيض هامش ربح الفضاءات الكبرى نتيجة المنافسة، كما أنه سيقوي من قدرة المصانع والمزودين التونسيين على التفاوض مع هذه الشركات، وهو ما سيؤدي إلى التشجيع على الاستثمار نتيجة لتزايد الطلب وبالتالي المزيد من مواطن الشغل والأهم من هذا كله مزيد التحكم في نسبة التضخم.

-----------
كريم السليتي: خبير بمكتب استشارات دولي


 اضغط على الكلمات المفتاحية التالية، للإطلاع على المقالات الأخرى المتعلقة:

تونس، الثورة التونسية، التدخل الفرنسي بتونس، الثورة المضادة،

 





تاريخ نشر المقال بموقع بوابتي 15-02-2013  

تقاسم المقال مع اصدقائك، أو ضعه على موقعك
لوضع رابط لهذا المقال على موقعك أو بمنتدى، قم بنسخ محتوى الحقل الذي بالأسفل، ثم ألصقه
رابط المقال

 
لإعلام أحدهم بهذا المقال، قم بإدخال بريده الإلكتروني و اسمك، ثم اضغط للإرسال
البريد الإلكتروني
اسمك
شارك برأيك
لوحة مفاتيح عربية بوابتي
     
*    الإسم
لن يقع إظهاره للعموم
     البريد الإلكتروني
  عنوان المداخلة
*

   المداخلة

*    حقول واجبة الإدخال
 
كم يبلغ مجموع العددين؟
العدد الثاني
العدد الأول
 * أدخل مجموع العددين
 
 
أكثر الكتّاب نشرا بموقع بوابتي
اضغط على اسم الكاتب للإطلاع على مقالاته
جاسم الرصيف، طلال قسومي، محمد يحي، خبَّاب بن مروان الحمد، د. خالد الطراولي ، المولدي الفرجاني، يزيد بن الحسين، د - عادل رضا، علي الكاش، حسن الطرابلسي، يحيي البوليني، حميدة الطيلوش، عبد الغني مزوز، صالح النعامي ، خالد الجاف ، د - صالح المازقي، د- محمود علي عريقات، ضحى عبد الرحمن، سيد السباعي، ياسين أحمد، أحمد بن عبد المحسن العساف ، حسن عثمان، مصطفى منيغ، د - الضاوي خوالدية، د - محمد بنيعيش، سفيان عبد الكافي، د - ‏أحمد إبراهيم خضر‏ ، فهمي شراب، سلام الشماع، محمود طرشوبي، علي عبد العال، صلاح الحريري، رمضان حينوني، د. مصطفى يوسف اللداوي، الناصر الرقيق، رحاب اسعد بيوض التميمي، صلاح المختار، عبد الرزاق قيراط ، كريم السليتي، مراد قميزة، أحمد بوادي، د.محمد فتحي عبد العال، إسراء أبو رمان، أحمد ملحم، حسني إبراهيم عبد العظيم، ماهر عدنان قنديل، العادل السمعلي، صفاء العراقي، الهادي المثلوثي، سليمان أحمد أبو ستة، أ.د. مصطفى رجب، فوزي مسعود ، محمد الطرابلسي، سامر أبو رمان ، فتحـي قاره بيبـان، د - مصطفى فهمي، حاتم الصولي، محمد اسعد بيوض التميمي، عراق المطيري، د. صلاح عودة الله ، منجي باكير، محمد الياسين، د - شاكر الحوكي ، رافع القارصي، د. كاظم عبد الحسين عباس ، د. عبد الآله المالكي، الهيثم زعفان، فتحي الزغل، محمد أحمد عزوز، محمد العيادي، أنس الشابي، عمر غازي، محمد عمر غرس الله، عزيز العرباوي، أبو سمية، رشيد السيد أحمد، عواطف منصور، د- هاني ابوالفتوح، عبد الله زيدان، سعود السبعاني، عمار غيلوفي، سامح لطف الله، أشرف إبراهيم حجاج، محمود فاروق سيد شعبان، تونسي، فتحي العابد، أحمد الحباسي، رافد العزاوي، محرر "بوابتي"، د - المنجي الكعبي، صفاء العربي، مجدى داود، د. عادل محمد عايش الأسطل، محمد شمام ، نادية سعد، سلوى المغربي، د - محمد بن موسى الشريف ، أ.د أحمد محمّد الدَّغَشِي ، مصطفي زهران، إيمى الأشقر، عبد الله الفقير، د. طارق عبد الحليم، وائل بنجدو، رضا الدبّابي، إياد محمود حسين ، محمود سلطان، أحمد النعيمي، د- جابر قميحة، د. أحمد محمد سليمان، د- محمد رحال، صباح الموسوي ، د. أحمد بشير، د. ضرغام عبد الله الدباغ، كريم فارق،
أحدث الردود
مسألة الوعي الشقي ،اي الاحساس بالالم دون خلق شروط تجاوزه ،مسالة تم الإشارة إليها منذ غرامشي وتحليل الوعي الجماعي او الماهوي ،وتم الوصول الى أن الضابط ...>>

حتى اذكر ان بوش قال سندعم قنوات عربيه لتمرير رسالتنا بدل التوجه لهم بقنوات امريكيه مفضوحه كالحره مثلا...>>

هذا الكلام وهذه المفاهيم أي الحكم الشرعي وقرار ولي الأمر والمفتي، كله كلام سائب لا معنى له لأن إطاره المؤسس غير موجود
يجب إثبات أننا بتونس دول...>>


مقال ممتاز...>>

تاكيدا لمحتوى المقال الذي حذر من عمليات اسقاط مخابراتي، فقد اكد عبدالكريم العبيدي المسؤول الامني السابق اليوم في لقاء تلفزي مع قناة الزيتونة انه وقع ا...>>

بسم الله الرحمن الرحيم
كلنا من ادم وادم من تراب
عندما نزل نوح عليه السلام منالسفينه كان معه ثمانون شخصا سكنو قريه اسمها اليوم هشتا بالك...>>


استعملت العفو والتسامح في سياق انهما فعلان، والحال كما هو واضح انهما مصدران، والمقصود هو المتضمن اي الفعلين: عفا وتسامح...>>

بغرض التصدي للانقلاب، لنبحث في اتجاه اخر غير اتجاه المنقلب، ولنبدا بمسلمة وهي ان من تخلى عن مجد لم يستطع المحافظة عليه كالرجال، ليس له الحق ان يعامل ك...>>

مقال ممتاز...>>

برجاء السماح بإمكانية تحميل الكتب والمراجع...>>

جل الزعماء العرب صعدوا ،بطرق مختلفة ،تصب لصالح المخطط الانتربلوجي العسكري التوسعي الاستعماري،ساهموا في تبسيط هدم حضارة جيرانهم العربية او الاسلامية عم...>>

مقال ممتاز
لكن الاصح ان الوجود الفرنسي بتونس لم يكن استعمارا وانما احتلال، فرنسا هي التي روجت ان وجودها ببلداننا كان بهدف الاعمار والاخراج من ح...>>


الاولى : قبل تحديد مشكلة البحث، وذلك لتحديد مسار البحث المستقل عن البحوث الاخرى قبل البدء فيه .
الثانية : بعد تحديد مشكلة البحث وذلك لمعرفة الا...>>


بارك الله فيكم...>>

جانبك اصواب في ما قلت عن السيد أحمد البدوي .

اعلم أن اصوفية لا ينشدون الدنيا و ليس لهم فيها مطمع فلا تتبع المنكرين المنافقين من الوها...>>


تم ذكر ان المدخل الروحي ظهر في بداياته على يد شارلوت تويل عام ١٩٦٥ في امريكا
فضلا وتكرما احتاج تزويدي ب...>>


الدين في خدمة السياسة عوض ان يكون الامر العكس، السياسة في خدمة الدين...>>

يرجى التثبت في الأخطاء اللغوية وتصحيحها لكي لاينقص ذلك من قيمة المقال

مثل: نكتب: ليسوا أحرارا وليس: ليسوا أحرار
وغيرها ......>>


كبر في عيني مرشد الاخوان و صغر في عيني العسكر
اسال الله ان يهديك الى طريق الصواب
المنافقون في الدرك الاسفل من النار...>>


It is important that issues are addressed in a clear and open manner, because it is necessary to understand the necessary information and to properly ...>>

وقع تصميم الموقع وتطويره من قبل ف.م. سوفت تونس

المقالات التي تنشر في هذا الباب لا تعبر بالضرورة عن رأي صاحب موقع بوابتي, باستثناء تلك الممضات من طرفه أومن طرف "بوابتي"

كل من له ملاحظة حول مقالة, بإمكانه الإتصال بنا, ونحن ندرس كل الأراء